الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من أجل ثقافة جماهيرية بديلة-أصول الفلسفة الماركسية-بوليتزر16

عبدالرحيم قروي

2024 / 2 / 7
الارشيف الماركسي


أصول الفلسفة الماركسية
الجزء الأول
تأليف جورج بوليتزر، جي بيس وموريس كافين
الحلقةالسادسةعشر

ميزة الجَدليّة الرّابعَة
نضال الأضدَاد (2)
_______________________
1 – شمول التناقض
أ) في الطبيعة
ب) في المجتمع
2 – بين التعارض والتناقض
3 – نضال الاضداد محرك للفكر
______________________
1- شمول التَنَاقض
يشمل التناقض، وهو الدافع لكل حركة، كل شيء. ويفهم الفلاسفة المثاليون حين نتحدث عن "التناقض" مجرد "نضال بين الأفكار" فهم لا يمكنهم أن يتصوروا التناقض الا بين أفكار متناقضة. وهم بذلك يفهمون من الكلمة معناها العادي ("قول العكس") غير أن تناقض الافكار ليس سوى صورة من صور التناقض، وذلك لأن التناقض حقيقة موضوعية موجودة في العالم فأننا نجده أيضا في "الذات" أي في الإنسان "الذي هو جزء من العالم).
يمكن تفسير كل تطور (طبيعي أو اجتماعي) عن طريق التناقض. ويستمر هذا التناقض استمرار عملية التطور: وان كان لا يظهر للعيان. ولقد رأينا مثال ذلك في الدرس السابق حين تحدثنا عن الماء. ويعلق ماوتسي تونج، فيما يتعلق بالمجتمعات، على خطأ بعض أصحاب النظريات الذين ينتقدهم الفلاسفة السوفيات إذ يرى هؤلاء "في بحثهم عن الثورة الفرنسية، أنه لم يوجد تناقض في الطبقة الثالثة التي كانت تتكون من العمال والفلاحين ومن البرجوازية، بل كان هنالك اختلافات. وهذه النظرة ضد الماركسية .
فهم ينسون أن "كل اختلاف يرتكز على تناقض، وأن الاختلاف نفسه تناقض. إذ ما كادت البرجوازية والبروليتاريا يظهران حتى ظهر معهما التناقض بين العمل ورأس المال؛ ولم يكن هذا التناقض قد بلغ درجة خطيرة آنذاك .
ولو أن التناقض لم يكن موجودا منذ بداية التطور لوجب تفسير هذا التطور بتدخل قوة خارجية عجيبة. غير أننا رأينا في الفصل السابق (3، أ) أن الظروف الخارجية، وأن كانت ضرورية للتطور، لا يمكنها أن تحل محل التناقضات الداخلية. فالتناقض الداخلي مستمر دائم وأن نما وتطور. ولهذا لا يمكن دراسة تطور طبيعي أو اجتماعي الا بعد نمو تناقضاته الداخلية نموا كافيا. وهكذا استحالت دراسة الرأسمالية عام 1820 بصورة علمية لأنها لم تكن بعد قد نمت جوهرها: فلم يكن بالإمكان أدراك سوى جوانبها الجزئية، وهذا ما فعله السابقون على ماركس. وكذلك لا يمكن دراسة النبتة الا بعد أن تكون قد تقدمت في النمو.
حتى إذا ما اسرعنا إلى تعميم ما عرفناه عن بداية تطور معين كان ذلك منا موقفا ميتافيزيقيا لأن في ذلك اهمالا لجوانب مهمة في التطور.
لنعرض، بعد أن انتهينا الآن من توضيح طابع الشمول في نضال الأضداد، بعض الأمثلة الملموسة.

أ) ـ في الطَبيعَة
عرضنا في الدرس السابق مثال الماء ورأينا أن نضال الاضداد يفسر تحوله الكيفي من سائل إلى غاز ومن سائل إلى جليد. وتحتوي جميع التطورات الطبيعية على نضال الاضداد. إذ يمكن تفسير الانتقال، وتغيير المحل بواسطة التناقض. فلننظر الآن إلى عربة تسير (أو إلى رجل يمشي). لا يمكن للعربة الانتقال من أ إلى ب ومن ثم من ب إلى ج. الخ. الا شريطة أن تناضل باستمرار ضد الوضع الذي كانت تحتله سابقا. حتى إذا ما كف هذا النضال كف معه السير. يقول المنطقيون أنه كي تؤكد ب يجب ازالة أ، ولكي تؤكد ج يجب إزالة ب وهكذا تخرج ب من النضال ضد أ؛ كما تخرج ج من النضال ضد ب. وهكذا دواليك.
"ولذلك لا يتم مجرد تغيير المحل الآلي الا لأن جسما وجد، في نفس اللحظة، في محل وفي محل اخر في نفس الوقت، في محل واحد وليس فيه. وتقوم الحركة على طريقة حدوث هذا التناقض باستمرار وانحلاله في نفس الوقت .
ونضال الاضداد شامل في العالم الفيزيائي. وهكذا فأن ظاهرة بسيطة كالصدأ الذي يعلو الشوكة هو ثمرة نضال بين الحديد والأوكسجين. وصورة الحركة الأساسية في الطبيعة هي النضال بين الجذب والدفع، حدوث التطور والاستقرار والتحول والفناء في جميع التجمعات المادية سواء كانت التجمعات الكونية البعيدة في النجوم أو النظام الشمسي ـ وكذلك تجمعات المواد الصلبة وقطرات الماء أو الغازات ـ وكذلك تجمعات الجزيئات والذرات أو تجمع قلب هذه الذرات
ولنمثل على ذلك بالنظام الشمسي: لا يمكن أن نفهم حركة الكواكب حول الشمس بدون نضال هذين الصندين وهما: حركة الدوران التي تنزع إلى السقوط بالكوكب على الشمس، وجمود الكوكب الذي ينزع إلى ابعاده عنها.
كذلك شأن الجسم الذي يتمدد أو يتقلص كجسم صلب يذوب أو سائل يتجمد أوسائل يتبخر أو غاز يصبح سائلا: لا يمكن أن توجد جميع هذه التحولات بدون النضال بين الصندين وهما قوى التجميع بين الجزيئات. وهي قوى جاذبة والطاقة الحرارية التي هي دافعة.
وكذلك حال الظواهر الكيماوية التي تمتزج فيها أجسام بسيطة فيما بينها كما تنحل أجسام مركبة إلى عناصر بسيطة. تقوم جميع هذه العمليات على وحدة عمليات متناقضة وهي اتصال الذرات وانحلالها؛ ومن هنا كانت التناقضات الخاصة بالكيمياء. بين الحامض والأس Base، وبين المؤكسد Oxydant والمرجع reducteur بين electrification و Hydrolyse
وكذلك إذا تأملنا الذرة نجد أن التوازن النسبي الذي يحفظ الالكترونات حول النواة ينتج عن النضال بين هذين الضدين وهما: الطاقة الكهربائية الثابتة وهي هنا جاذبة وبين الطاقة الحركية وهي دافعة. وكذلك يعتقد العلم الحديث بوجود ضروب نوعية من الجذب والدفع بين البروتون والنوترون في نواة الذرة.
يعرف كل منا نوعين متضادين من الكهرباء: الايجابية والسلبية، كما يعرف قطبين ـ شماليا وجنوبياـ للمغناطيس؛ وكذلك ظواهر الجذب أو الدفع بين الأجسام المختلفة في كهربتها أو المتماثلة، وبين القطبين المختلفين أو المتماثلين في المغناطيس.
كما كشفت الفيزياء الحديثة، مؤخرا، أن الجزيئات التي تكون جميع الأشياء المادية، كالاليكترونات في الذرة مثلا، ليست مماثلة ميتافيزيقيا لنفسها. بل هي متناقضة تناقضاً شديدا، ذات طبيعة ثنائية لأنها جسم وموجة في نفس الوقت، إذ يمكن تشبيهها بالبذور والأمواج وهكذا يبدو طابع الأمواج المادي كأمواج الراديو، كما يتضح سر طبيعة النور القديم .
أما الطبيعة الحية فهي تنمو حسب قانون الأضداد. ولقد رأينا في الدرس السابق أن الحياة نضال مستمر ضد الموت. ولنمثل على ذلك بنوع من الحيوان أو النبات نجد أن كل فرد من الأفراد التي يتكون منها هذا النوع يموت بدوره لا محالة. مع ذلك يستمر النوع ويتكاثر! وهكذا ينتصر الموت على الحياة في الأفراد بينما تنتصر الحياة على الموت في النوع. لما كانت الحياة غزوا لما هو ليس بحي، يمكننا القول بأن الموت وتحلل الفرد هو تقهقر أو عودة العلوي إلى السفلي، والجديد إلى القديم. بينما نمو النوع العام، هو، على العكس، انتصار للجديد على القديم وتقدم للسفلي على العلوي. وهكذا تكون الحياة والموت جانبي تناقض ينشأ وينحل. تتحول الطبيعة فإذا بها نفسها دائما وإذا بها متجددة باستمرار .
ولا تستعصي الرياضيات على قانون الاضداد، حتى في ابسط صورها. فعملية الطرح (أ – ب) في مباديء الجبر هي عملية جمع (ب + أ) ولهذا تبدو وحدة الاضداد غريبة للذهن العادي الذي يقول بأن الجمع هو جمع والطرح طرح؟ وهومحق جزئياً لأن العملية الجبرية هي نفسها ضدها. ولا يستعصي التفكير الرياضي على قوانين الكون، وهو لا يتقدم الا إذا كان، كالكون، جدليا. ولقد خصص انجلز صفحات رائعة للرياضيات حسب النظرة الجدلية .

ب) – في المجتمع
يمكن تفسير جميع جوانب الواقع الاجتماعي أيضا بواسطة التناقض. وكذلك تكون المجتمع نفسه. وذلك لأن المجتمع الانساني، كجانب جديد من جوانب الواقع، هو ثمرة نضال بين الطبيعة وأجدادنا القدماء الذين كانوا أقرب إلى القرود العليا منهم إلى أناسي اليوم.
ولقد كان محتوي هذا النضال، ولا يزال، هو العمل الذي يحول الطبيعة والإنسان في نفس الوقت. فكان العمل مصدر المجتمعات لأنه وحد بين أجدادنا في نضالهم من أجل الحياة. كما أن العمل هو الذي حقق الانتقال الكيفي من الحيوان إلى الإنسان. ولقد قام ماركس، في كشفه عن الدور الذي يقوم به العمل، كنضال بين الاضداد ينشأ عنه المجتمع، باكتشاف خطير؛ فأسس علم المجتمعات الذي يقوم على نظرية عامة، هي المادية التاريخية. ومن المفيد قراءة الفصل الرائع الذي كتبه انجلز في كتابه "جدلية الطبيعة" وعنوانه "أثر العمل في تحويل القرد إلى إنسان" للتدليل على هذا التناقض الأساسي في المجتمعات إلا وهو العمل (الذي يوحد بين الطبيعة والإنسان وهما ضدان).
غير أن التناقض لا يقف عند هذا الحد. بل هو المحرك للتاريخ منذ القبيلة البدائية حتى المجتمع الاشتراكي والشيوعي، ولسوف تقوم الدروس المخصصة للمادية التاريخية بتحليل هذه الحركة بصورة أوضح. فتظهر التناقض الأساسي بين قوى الانتاج الجديدة وعلاقات الإنتاج القديمة. وكذلك التناقض بين الطبقات، أي النضال الطبقي، كالنضال بين الطبقات المستغِلة والطبقات المستغَلة فهو جانب أساسي من قانون الاضداد الكبير. ولقد رفض بلوم، وهو مزور الماركسية، القول بالمادية الجدلية كي يستطيع انكار أثر النضال الطبقي ووجوده (ولا سيما نضال الأضداد).
ولو استشهدنا بنظام اجتماعي معين لرأينا أنه يمكن تفسيره أيضا بواسطة تناقض أساسي وتناقض ثانوي. وهكذا لا وجود للرأسمالية بدون تناقض بين البرجوازية الرأسمالية التي تملك وسائل الإنتاج، وبين البروليتاريا. وليست هذه الرأسمالية جامدة لا تتحرك بل هي تتحول: فتتحول رأسمالية الفترة الأولى، وهي رأسمالية المضاربة، إلى رأسمالية الاحتكار في الفترة التالية: وذلك لأن المضاربة تضمن انتصار أقوى الرأسماليين فينتج عن ذلك رأسمالية الاحتكار، ثم تتحول المضاربة إلى ضدها.
وسنجد تحليلا عميقا للتناقضات التي تتكون منها الرأسمالية في "رأس المال" الماركس.
2- التعارض والتناقض
هناك سؤال يخطر ببالنا غالبا وهو "أنه لا وجود للرأسمالية بدون تناقض داخلي، لأن الرأسمالية نظام استغلال تتعارض فيه مصالح البرجوازية مع مصالح البروليتاريا بصورة دائمة. ولكن الا تقضي الاشتراكية على كل تناقض؟ " ويجب الإجابة على ذلك: "بأن الاشتراكية لا تخرج على قانون التناقض، وذلك لأنه طالما وجد المجتمع طالما وجدت التناقضات التي تكون هذا المجتمع".
ويقوم الوهم القائل بأن القضاء على الرأسمالية قضاء على التناقض أيضا على خطأ بين التناقض والتعارض. إذ أن التناقض ليس سوى حالة خاصة من حالات التعارض: فكل تناقض متعارض وليس كل تعارض متناقضا.
فهناك بعض التعارض بين كمية صغيرة جدا من الأرسنيك وبين الجسد، ولكن اذا ظلت كمية الأرسنيك ضعيفة لم يتطور التعارض إلى تناقض. فإذا ما زدنا هذه الكمية صار التعارض تناقضا مميتا للجسم. وكذلك يوجد نضال دائم بين الاضداد في المجتمع الرأسمالي وهما البرجوازية والبروليتاريا.
"حتى إذا ما بلغ ازدياد التعارض (بين هذه الطبقات) درجة معينة "اتخذ صورة تناقض ظاهر يتحول إلى ثورة ".
وليس التناقض سوى مرحلة من مراحل التعارض! وهو أخطر هذه المراحل. فالحرب بين الدول الاستعمارية هي أخطر مرحلة من مراحل النضال الدائم بينها. ولهذا يجب النظر إلى التعارض خلال جميع أطواره. فلقد نتج التعارض بين الطبقات، مثلا، عن تقسيم العمل في المجتمع الاول البدائي؛ اذ كان في هذا المجتمع، في تلك المرحلة، اختلاف بين ألوان النشاط الاجتماعية (كالصيد البري، والصيد البحري، وتربية الحيوانات) ولقد تطور هذا الاختلاف إلى نضال حين نشأت عنه الطبقات الاجتماعية فأصبح تناقضا في فترة الثورة.
ماذا يحدث اذن عند حلول الاشتراكية؟ يزول التناقض بين الطبقات بفضل القضاء على البرجوازية المستغِلة. ومع ذلك تظل الخلافات قائمة، لفترة ما، بين طبقة العمال وطبقة الفلاحين، بين القرية والمدينة، وكذلك بين العمل اليدوي والعمل الفكري. وليست هذه الاختلافات تناقضات بل هي تعارضات يجب التغلب عليها لأن الإنسان، في المجتمع الشيوعي، يمكنه القيام بمختلف ألوان النشاط التي يتقاسمها اليوم أفراد مختلفون، ولان التعارض بين العمل اليدوي والعمل الفكري ينحل في وحدة أسمى. كما توفر الثقافة العلمية المتعددة الظروف لتحقيق هذه الوحدة التي تجعل من الفرد ممارسا وعالما في نفس الوقت.
وهكذا نرى نهاية التناقض بين البرجوازية والبروليتاريا لا يعني نهاية التعارض ولهذا كتب لينين يقول منتقدا بوخارين:
"ليس التناقض والتعارض شيئا واحدا. إذ يزول الأول بينما يستمر الثاني في النظام الاشتراكي ".
إذ كيف يمكن أن يحدث التقدم بدون التناقض الذي يدفع للتقدم؟ وهكذا يفسر لنا ستالين في كتابه "مشاكل الاشتراكية الاقتصادية في الاتحاد السوفياتي" أن انتقال الاشتراكية التدريجي إلى الشيوعية لا يمكن الا بعد حل التناقض الكائن (في المجتمع الاشتراكي) بين صورتين للملكية الاشتراكية: الملكية الكولخوزية، وهي ملكية اشتراكية، الملكية القومية (كالمصانع مثلا) وهي ملكية يمتلكها المجتمع بأكمله .
ومع ذلك لا تتطور التعارضات، في المجتمع الاشتراكي، إلى ضروب من النزاع والتناقض لأن مصالح أعضاء هذا المجتمع مترابط بعضها ببعض، ولأن هذا المجتمع يدير أموره حزب مسلح بعلم الماركسي وهو علم التعارض. وهكذا يتم حل التعارضات بدون نزاع أو ازمة. كما أن هذه التعارضات مفيدة لانها تعين المجتمع على التقدم.
وكذلك يكون استخدام النقد والنقد الذاتي في حياة السوفياتيين أروع مثال على تطور التعارضات بدون تناقض. ولقد صرح جورج مالنكوف في المؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفياتي بقوله: يجب النضال ضد الوقائع السلبية من أجل تقدم قضيتنا، وأن نوجه اهتمام الحزب وجميع السوفياتيين نحو إزالة الاخطاء بواسطة العمل. ويقوم بهذا النقد ملايين العمال وهم اسياد بلادهم وكلما اتسع النقد في الأساس كلما تم ظهور القوى المبدعة كما تم ظهور طاقة شعبنا المبدعة، وكذلك ازداد تغلغل الشعور في الجماهير الشعبية بأنها سيدة في أوطانها .
ويسرد مالنكوف أمثلة على الاخطاء التي يجب اصلاحها بواسطة هذا النقد كتبذير المواد الاولية في بعض المصالح؛ واضاعة الوقت في بعض الكولخوزات، أو التقليل من شأن الحصار الرأسمالي، أو عدم الأشراف كافيا على المهمات الملقاة على عاتق بعض المنظمات أو بعض المناضلين.
ويقول مالنكوف أن مهمة الحزب الشيوعي هي إيجاد الظروف التي تساعد كل مواطن سوفياتي شريف على أن ينقد بجرأة وبدون خوف مظاهر النقص في عمل المنظمات والإدارات فيجب أن تصبح المجالس واجتماعات المناضلين والمحاضرات في جميع المنظمات منابر ضخمة لنقد وجود النقص نقدا جزئيا قويا .
هذا النقد مظهر من مظاهر النضال بين الاضداد لانه يتيح القضاء على الاخطاء والبقايا التي تعيق تقدم المجتمع الاشتراكي: وهو نقد أخوي يقوم به أناس لهم نفس المصالح.
وكذلك فان النضال بين الأفكار، داخل الحزب نفسه، هو التعبير عن النضال بين الأضداد. ويساعد هذا النقد الحزبي الماركسي اللينيني الستاليني على تحسين عمله بدون انقطاع، ولا يفضي هذا النضال إلى تناقض. فإذا ما افضى إلى التناقض فمعنى ذلك أن الحزب يناضل ضد أعدائه الذين يعملون لمصلحة البرجوازية كنضال الحزب الشيوعي (البولشفيكي) ضد تروتسكي وبوخارين وبيريا.
3 – نضَال الأضْداد مُحَرك لِلفكْر
اذا كان قانون تعارض الاضداد يقوم بدور مهم في الطبيعة والمجتمع فانه من السهل التنبؤ بانه لما كان الانسان كائنا طبيعيا واجتماعيا فان فكره يخضع أيضا لقانون الاضداد. ولقد رأينا طابع الفكر الجدلي في الدرس الرابع. وليس هذا بمستغرب. فنحن ننظر إلى الفكر، كماديين، على أنه مرحلة من مراحل التطور العام؛ وهكذا تسيطر قوانين الجدلية على الفكر كما تسيطر على مجموع الواقع. كما أن جدلية الفكر، في جوهرها، من نفس طبيعة جدلية العالم؛ وقانونها الاساسي هو التناقض: ولهذا كتب لينين يقول: "المعرفة هي الوسيلة التي يقترب بها الفكر دائما من الموضوع. ويجب أن نفهم انعكاس الطبيعة في الفكر الإنساني ليس بصورة "ميتة" ولابصورة "مجردة" أو بدون حركة أو تناقض بل عن طريق عملية الحركة الدائمة وظهور التناقضات وحلها .
وهكذا يكون الانتقال الكيفي من الاحساس إلى المفهوم Concept (الذي تحدثنا عنه في الدرس الرابع) حركة تتم بواسطة التناقض فيعكس الاحساس جانبا محدودا من الواقع؛ وينكر المفهوم هذا الجانب الخاص ليؤكد شموله . فيتجاوز حدود الاحساس ليعبر عن الموضوع بأكمله. وهكذا المفهوم نفيا للإحساس (مثال: المفهوم العلمي عن النور كوحدة من الموجة والجسيم ينفي الإحساس بالنور، ذلك الاحساس الذي يكشف لنا عن وجود النور ولا يطلعنا على كنهه. ويؤثر المفهوم بدوره في الاحساس بعد أن تكوَّن بواسطة نفيه للاحساس (عن طريق النضال ضد هذا المستوى السفلي من المعرفة) فيمد الاحساس، بعد نفيه له، بالوسائل ليثبت وجوده بقوة جديدة لأننا ندرك جيدا ما فهمناه .
وتدلنا التجربة على أننا لا نستطيع فهم الاشياء المدركة مباشرة بواسطة حواسنا وأن الأشياء يمكن أن تدرك بالاحساس بعد فهمها بصورة أعمق .
وهكذا يكون كل من الاحساس والمفهوم والاحساس وحدة من ضدين متفاعلين، يؤكد كل منهما نفسه ضد الاخر بالرغم من أن كلا منهما يقوي الأخر (لأن الاحساس بحاجة للمفهوم لتوضيحه، كما أن المفهوم بحاجة للاحساس الذي يعتمد عليه).
فإذا ما نظرنا إلى مختلف الأطوار التي تكون المفهوم، الفينا فيها قانون الاضداد. وهكذا فأن التحليل والتركيب هما عمليتان ضروريتان في كل فكر، يعتبرهما الميتافيزيقي كل منهما معارض للأخرى. وهما متعارضتان حقا ولكن تعارضهما هو تعارض عمليتين لا يمكن الفصل بينهما لأن كلا من التحليل والتركيب يقوم أحدهما على الأخر. لأن التحليل هو البحث عن أجزاء الكل؛ ولكن الاجزاء انما هي أجزاء من كل، فليس هناك "أجزاء في ذاتها" فالكل إذن كائن في الأجزاء؛ وهكذا يحدد كل من التركيب والتحليل الاخر وأن كان كل منهما عكس الاخر.
وكذلك الامر في النظرية والتطبيق فهما قوتان متضادتان متفاعلتان تفاعلا جدليا: تتداخل كل منهما في الاخرى وتبعث كل منهما الخصب في الثانية.
ولما كان الفكر جدليا، أمكنه فهم جدلية العالم (الطبيعة والمجتمع). فتنعكس ألوان التناقض في العالم الموضوعي، وإذا بحركة الفكر جدلية هي أيضا، شأنها كشأن جميع مظاهر الواقع.
وهكذا يغيب جوهر الواقع عن الفكر الذي يجهل التناقض، وان مجرد تعريف شيء ضئيل هو تعبير عن تناقض. فاذا قلت: "الوردة زهرة" جعلت من الوردة شيئا اخر غير نفسها فصنفتها في طائفة الازهار. وهذه بداية تفكير جدلي، لانني سوف أصل، عن طريق هذه الوردة، إلى الكون أجمع (وذلك لأننا نفهم أن كل شيء مرتبط بالاخر) ولسوف يكتفي الفكر غير الجدلي بالقول: "الوردة هي الوردة" وهذا لا يطلعنا على شيء من طبيعة صفات الوردة.
ومن المفيد، مع ذلك، التذكير، في بعض الاحيان، بأن الوردة هي وردة وليست عربة ذات مقاعد. وليس المنطق الاولي، غير الجدلي، الذي يعتمد على مبدأ التماثل ( أ هي أ وليست أ غير أ ) خاطئا. بل هو منطق جزئي يعبر عن المظهر المباشر السطحي للاشياء. فهو يقول: "الماء هو الماء"؛ و "البرجوازية هي البرجوازية" أما المنطق الجدلي فهو يدرك، وراء الظاهر الثابت، الحركة الداخلية والتناقض. فهو يكتشف أن الماء يحمل في احشائه ألوان التناقض التي تفسر لنا الانتقال من الماء إلى الهيدروجين والاوكسجين. وكذلك يحدد المنطق الجدلي البرجوازية بمعارضتها للبروليتاريا كما يحددها في تعدد العناصر التي تكونها (فهو يقول: "البرجوازية هي البرجوازية كطبقة مماثلة لنفسها ولكن هناك برجوازية ضد القومية وبرجوازية قومية لهما مصالح متناقضة نوعا ما).
وبعد فأن منطق التماثل المسمى بالمنطق الشكلي أو منطق عدم التناقض ضروري وان كان غير كاف. والتنكر لهذا المنطق انما هو تنكر للواقع. مثال: كتب جول موش في موازناته: "يوجد في النظام الحالي طبقتان: هما الرأسمالية والبروليتاريا".
هذا قول لا معنى له. فإذا كانت البروليتاريا طبقة اجتماعية؛ فان الطبقة المناقضة للبروليتاريا هي طبقة البرجوازية وليست الرأسمالية، التي هي نظام اجتماعي. اذا أن المؤلف يضع في نفس الطائفة حقائق ليست من نفس النوع. فالطبقة الاجتماعية هي طبقة اجتماعية والنظام الاجتماعي هو نظام اجتماعي. والخلط بينهما امتهان للمنطق الأولي الذي يقوم على تحديد الالفاظ التي نستعملها وبالتالي يكون هذا القول امتهانا للمنطق الجدلي الذي لا يسمح بمثل هذا الخلط، بل يعتبر التماثل مظهرا من مظاهر الواقع لا يمكن تجاهله بدون تزوير للواقع ولا يعارض التناقض الجدلي أي شيء آخر فهو يرى أن القط هو قط أولا وأن كان هذا لا يكفي لتحديد ماهية القط.
غير أن قول جول موش هذا مفيد لنا. فهو يدل على أن رفض الجدلية ونضال الاضداد يؤدي إلى رفض المنطق العادي. ولهذا يخاصم المزورون الرأي السليم بمعاداتهم للعلم لاسباب سياسية.
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اندلاع اشتباكات عنيفة بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهرين في تل


.. مراسلة الجزيرة: مواجهات وقعت بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهري




.. الاتحاد السوفييتي وتأسيس الدولة السعودية


.. غزة اليوم (26 إبريل 2024): 80% من مشافي غزة خارج الخدمة وتأج




.. اعتقال عشرات الطلاب المتظاهرين المطالبين بوقف حرب غزة في جام