الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فلسطين ومفهوم القضية المركزية

جعفر المظفر

2024 / 2 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


بشأن قيام دولة إسرائيل الواقع أننا غالباً ما وقعنا بمطبات فكرية. وسرعان ما إستهوتنا تلك المطبات لتتحول إلى شعارات تاريخية لم يعد من السهل الإنفكاك منها أو التخلي عنها وقد أورثناها إلى الجيل اللاحق الذي تعامل معها كمسلمات, وكان ذلك مؤشراً على خراب البوصلة وتعثر الوارث والوريث.
من ضمن ما شرعناه كعقائد ولم نتعامل معه كإفتراضات سياسية قابلة للتغيير قولنا أن إسرائيل قد تأسست لفصل مشرق الوطن عن مغربه. إن من الصعب تغييير القوانين لكن من السهل تغيير الإفتراضات. بالقول أن إسرائيل هي مشروع إمبريالي يستهدف منع المشرق العربي من الإلتحاق بمغربه أهملنا البعد الثقافي التاريخي اليهودي والمسيحي الصهيوني البروتستانتي الأصولي الذي يدعم قضية التأسيس, مثلما أهملنا, لا بل وغيّبنا, وحتى محونا,المصلحة اليهودية الصهيونية التي استدعت التأسيس, وأهدينا كل ذلك للمشروع الإستعماري الذي يستعملنا كهدف ويستعمل إسرائيل كوسيلة, مجرد وسيلة, حيث هذه الأخيرة هنا ليست سوى قاعدة عسكرية في خدمة الغرب ولمنع العرب خاصة من الوحدة والنهضة والتقدم !!.
لن أقف طويلاً أمام هذه الأحجية, لكني سأقول في ختامها هنا أن خطأنا التاريخي لا يدل على أن جميع ما قلناه حول القضية الفلسطينية كان خاطئاً, لكننا بكل تأكيد كنا مخطئين حينما أعطينا الإهتمام لعامل دون آخر ثم أخذنا القضية من أصحابها الحقيقيين لنجعلها نهباً للإستثمارات السياسية والفكرية العربية والإقليمية.
وهكذا وبدلاً من أن تكون أمور الفلسطينيين بأيديهم لكي يقرروا ما يريدون على ضوء مصالحهم الأساسية فقد سلبنا منهم هذا الحق من خلال مفاهيم راجت وما زال لها مقاماً كبيراً مثل مفهوم (القضية المركزية) التي زادت في خراب البلدان العربية ولم يقتصر تأثيرها على فلسطين لوحدها. وكان هذا المفهوم قد نظّر له الفكر القومي بشكل عام وتبناه البعثيون, بشكل خاص. ومفهوم القضية المركزية يؤكد هنا على أن كل شيء وطني أو قومي على الصعيد العربي, وفي المقدمة من ذلك السعي لتحقيق الوحدة العربية وحتى مفاهيم الإستقلال يجب أن تمر جميعها من خلال تحرير فلسطين, وفلسطين دون منازع.
في يومنا الحاضر, ومن خلال جرد سريع لما وصلنا إليه من أوضاع سيئة, سواء على صعيد الوضع العربي العام أو من خلال الساحات الوطنية المتفرقة, يمكن التأكيد, وبدون تردد, أن إدارتنا للعلاقة مع القضية الفلسطينة كانت إدارة سيئة بإمتياز, كما أن القضية الفلسطينية نفسها عانت كثيرا من ضغوطات ما يسمى بالقضية المركزية إلى درجة أفقدتها تماماً القدرة على القرار المستقل, بحيث صرنا نحسب في ماضينا القريب أن مهمة ياسر عرفات الرئيسة قد أضحت كيف يرضي الرؤساء والملوك العرب ويتبارى في تقبيل وجوههم وأكتافهم, وقد سمعته ذات مرة يقول في أحد ندواتنا الطلابية في لبنان, وفي معرض حديثه عن جبهة التحرير العربية, ها أنتم تخربون علينا قضيتنا, أما صاحبي البعثي القيادي اللبناني فقد رد عليه: القضية الفلسطينية هي قضيتنا وليست قضيتك وحدك, لأنها تشكل المركز من قضية الفكر والنضال القومي البعثي, فهي الآن المُشّغِل لإهداف الحزب الأساسية المتمثلة بالوحدة والحرية والإشتراكية, حتى كأنني أكاد أسمعه يقول لو لم تكن هناك قضية فلسطين لخلقناها.
لقد كان (مِن) نتائج هذا الإستثمار السيء في القضية الفلسطينية أن ذهب عرفات لكي يوقع على إتفاق اوسلو الذي اعطى الحق لقيام دولة فلسطينية على أقل من ربع أراضي فلسطين متخلياً بذلك عن مشروع تحرير فلسطين من النهر إلى البحر. أما إسرائيل بيمينها المتطرف وبقسم كبير من معتدليها فقد استكثروا على الفلسطينيين مكسبهم الهزيل هذا, ليس من واقع إعتراضهم على النسبة والتناسب وإنما لأن قبولهم حتى بنسبة من الأراض أقل من الـ 22% يعني التنازل عن حق إسرائيل الذي يمتد من النهر إلى البحر والاعتراف بوجود شعب فلسطيني بما يتناقض والتعاليم التوراتية التي تقول أن اليهود هم البشر الجيدون في المنطقة أما غيرهم فمجرد خراف وكلاب لا تستحق الحياة مفابل ثقافة إسلاميية متجذرة تؤكد على أن اليهود هم أولادٌ للقردة والخنازير.
واليوم أرى الكارثة وهي تتجدد, فما دام هناك تسويق إسلامي ديني للقضية الفلسطينية سيكون الشعب الفلسطيني هو الخاسر الأكبر.
نصيحتي .. دعوا القضية الفلسطينية لأصحابها, ساندوها بكل السبل ولكن لا تصادورها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فلسطينيون يرحبون بخطة السداسية العربية لإقامة الدولة الفلسطي


.. الخارجية الأميركية: الرياض مستعدة للتطبيع إذا وافقت إسرائيل




.. بعد توقف قلبه.. فريق طبي ينقذ حياة مصاب في العراق


.. الاتحاد الأوروبي.. مليار يورو لدعم لبنان | #غرفة_الأخبار




.. هل تقف أوروبا أمام حقبة جديدة في العلاقات مع الصين؟