الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أمريكا و أخواتها والمسلمون و مأساة غزة

علي فضيل العربي

2024 / 2 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


أخشى – ما أخشاه - أن يستيقظ العالم بعد فوات الأوان فيجد أهل غزّة ، إمّا في القبور أو في الشتات أو في العراء أو جرحى في انتظار الموت السريع أو البطيء . و ما جدوى البكاء و التنديد و الاستنكار و صراخ الجماهير في الشوارع بعد إتمام فصول المذبحة في غزّة ؟ إنّ البكاء على غزة بدعة العاجزين . فإنّ دماء الغزّاويين و دموعهم ستجرف عروش الخائنين و الصامتين و المدبرين و المطبّعين و المستسلمين و أشباههم كلّهم .
ماذا جنى أطفال غزّة و صبيانها و نساءها و شيوخها حتى تسلّط عليهم الصهيونيّة و الغرب معا كلّ هذه الألوان من العذاب المادي و المعنوي ؟ لماذا عجز الضمير الإنسانيّ عن وقف الآلة الحربيّة الصهيونيّة عن ارتكاب هذا الكمّ الفظيع من الجرائم في غزّة ؟ ماذا ينتظر العالم ( الحرّ ، المتحضّر ) كي يوقف الجنون الصهيوني الأرعن ، لم يشهد العالم مثيلا له في هذا العصر الحريص على حقوق الإنسان و الحيوان ؟ هل فقد العالم ( الافلاطوني ، الديمقراطي ) البصر و البصيرة و السمع و الفؤاد و الحياء أمام مشاهد الدمار و الإبادة ؟ أم أنّ أهل غزّة و الضفة كائنات خارج المنظومة البشريّة ؟
إذا لم تُصنّف جرائم الصهاينة في غزّة في خانة الإبادة الجماعيّة و السلوك الهولوكوستي الشنيع ، ففي أيّ خانة تُصنّف ؟ الإبادة الممنهجة متواصلة على قدم و ساق . و الضحايا من كلّ مكوّنات المجتمع الفلسطيني يرتقون في كلّ دقيقة إلى ربّهم ، و العالم مازال يمارس طقوس اللامبالاة و التجاهل و التماطل و لسياسة العمياء و التغاضي . إنّهم يمنحون مزيدا من الوقت للكيان الصهيوني من أجل رفع فاتورة الانتقام ، و مزيدا من القبور لأطفال غزّة و نسائها و ساكنتها عامة . لقد فهم الأحرار ، لماذا فقدت أمريكا و أعوانها و أذنابها العقل و الضمير الإنساني ؟ إنّهم ، جميعا ، يريدون أن يحوّلوا غزة إلى مقبرة جماعيّة ، تكون شاهدا على قوّة الغرب حين يغضب ، و درسا قاسيّا للشرق حين يتجرّأ على معاداة الغرب . وللأسف مازال القتلة للفلسطينيين في غزّة و الضفة و القدس و في المنافي و في مخيّمات اللجوء ، يسخرون من العالم ، و يخاطبون العالم بلغة عاريّة من الحقيقة ، متخمة بالكذب و الادّعاء . يصفون جيشهم البربري بأنّه جيش دفاع و هو يهاجم الأبرياء ، و أنّه جيش أخلاقيّ ، و يعدم الأبرياء معصوبي الأعين ، وقيّدي الأيدي وراء ظهورهم ، يهدم آلاف الأطنان من الأسمنت على رؤوس الأطفال و النساء زاعما أنّه يحارب الإرهاب . و هل أصيب الساسة الغربيّون الداعمون بالعمى و الصمم و البكم أمام تلك المشاهد المروّعة التي فاقت فظاعتها الخيال و تعدّت الجنون ؟
إنّه لأمر يُحيّر الألباب ، و يُشيِّب الولدان ، أن يرتكب الصهاينة هذا الكمّ الفظيع من جرائم الإبادة الجماعيّة في غزّة ، و الأمم التي تدّعي الدفاع عن الديمقراطيّة و الحريّة و حقوق الإنسان لا تحرّك ساكنا ، و كأنّ الذين يُقتلون بالأسلحة الغربيّة في غزّة ليسوا من سلالة البشر . هل اقتنع الساسة الغربيّون أن الكيان الصهيوني لا يقاتل في غزّة بشرا ، بل حيوانات و وحوشا كما قال وزير دفاع العدو الصهيوني . إنّهم يمارسون الحرب من أجل الحرب ، او كما قال توماس دو كوانسي : " الحرب صارت من الفنون الجميلة " . و الصواب ، أنّها صارت من الفنون القذرة . إنّ جيش الاحتلال الصهيوني الذي اقتحم غزّة بعد السابع أكتوبر ، لم تكن مهمّته تحرير الرهائن لدى الفصائل الفلسطينيّة ، بل كانت مهمّته القتل و التخريب ،" ما أشبهه بذلك الضابط الذي يتحدّث عنه روبير ميرل في روايته " مهنتي هي القتل " ، و هي شبيهة بفكرة شانغارينيي ، لأنها تكشف عن الرغبة المسيطرة على نفوس العسكريين ، و هي نيل المجد ، و إخضاع البلاد . إنّها الحرب ، أو التغنّي الرومنسي بالتقتيل " ( 1 )
و قد كتب القبطان كلير : " إنّ الحرب التي نقوم بها اليوم في الجزائر حرب استثنائية .. فلا تُتّبع فيها القواعد المقررة في الحروب الكبرى و الصغرى ، و الانضباط بين الجنود قليل ، و التكوين العسكري يكاد يكون مفقودا ، و كل ضابط يتصرّف كما يريد .. " ( 2 )

لقد اقتحم مشاة الموت و الطوابير الجهنّميّة لصهيونيّة غزّة من أجل ممارسة حرفة القتل و الإبادة الجماعيّة المعتادة ، منذ النكبة الأولى .
الزائر أو العائد اليوم إلى غزّة من معبر رفح ، أو أيّ زاوية أخرى ، سيكتشف عالما آخر من الخراب و الدمار . لم تنج من آليات العدو الجارفة ، و دبّاباته البيوت و المحلاّت و الطرقات و الأشجار . منظر يفوق منظر المدن الساحلية التي ضربها التسونامي ذات يوم . مشهد دراميّ يفوق ما آلت إليه هيروشيما و نكازاكي إثر إلقاء القنبلتين النوويتين عليهما في الحرب العالمية الثانية . يتساءل الشاهد و الألم يعصر قلبه : هل ، حقّا ، مرّ من هنا بشر ؟ هل يمكن يصدّق المرء العاقل مقولة ، من هنا مرّ جيش الدفاع الصهيوني ، بل عصابات جيش الهجوم الصهيوني ؟ لا ، يمكن أن نصدّق أنّ بشرا مرّوا عبر شوارع مدن و قرى غزّة . بشرا لهم عيون و قلوب و مشاعر و عقول . إنّ الشاهد ، ليتعجّب ، كيف يصدر هذا السلوك الهمجي التتاري من آدميّ يدّعي الانتماء إلى العرق السامي زورا و بهتانا ؟
لقد وصف المؤرخ روسي العمل الإجرامي الذي أقدم عليه الكولونيل بيليسيي سنة 1845 م في منطقة الظهرة بغرب الجزائر حين أحرق عرش أولاد رياح في إحدى المغارات التي فرّوا إليها و لجأوا فيها قائلا : " كان الحريق قد وصل إلى أمتعة اللاجئين . و في الليل خُيّل للجنود أنّهم يسمعون ضجة لا تكاد تبين ، و صيحات خافتة ، ثم ساد صمت عميق . و في وقت مبكر من الصباح استطاع بعض الرجال أن يخرجوا من المغارات فسقطوا مخنوقي الأنفاس أمام الحرس ، و كان الدخان الذي انتشر في المغارات كثيفا مؤذيا إلى حدّ أنّ الجنود لم يتمكنوا في بداية الأمر من الدخول . على أنّنا كنّا بين الحين و الآخر نرى مخلوقات بشريّة مشوّهة تخرج من المغارات زحفا على البطون ، فيحاول آخرون ممن بقي متمسّكا بمبادئه إلى آخر رمق أن يمنعوهم من الخروج . و حينما تمكنّا في آخر الأمر من زيارة ذلك الجحيم بعد أن خمدت فيه النيران ، عددنا أكثر من خمسمائة من الضحايا ، ما بين رجال و نساء و أطفال . و قد أصيب جميع الحاضرين بوجوم شديد لهول الفاجعة " و الحقيقة أنّ قوله " أكثر من خمسمائة من الضحايا " يعني ما يزيد على الألف . ( 3 )
أمّا المسلمون ؛ بعربهم و عجمهم ، بجامعتهم الأعرابيّة و منظمتهم الإسلامويّة ، فينطبق عليهم المثل العربي السائر : أحشفا و سوء كيلة . فقد اجتمت فيهم خصلتين ؛ الصمت و العجز . لقد خذلوا أهل فلسطين في غزّة و لم ينصروهم ، و اعتقدوا أنّ القضية قضيّة خبز و طحين و كفن لدفن الشهداء . و نسوا أنّ غزّة و الأقصى و فلسطين كلّها ثارت من أجل الحريّة و العزّة و الكرامة . لقد خدع المسلمون فلسطين منذ النكبة الأولى 1948 م ، و ادّعوا أنهم منتصرون لها و مدافعون عنها و مجنّدون للشهادة أو النصر من أجلها . اجتمعت ألسنتهم و تفرّقت قلوبهم ، بينا الكيان الصهيوني يتباكى بكاء التماسيح إلى أن استعطف الغرب و استماله و انتفع من مساعداته .
و انخدع الفلسطينيّون ، و ظنّوا أنّ أبناء العمومة و إخوان العقيدة ، سيعيدون لهم أرضهم المغتصبة . و نسيّ الفلسطينيّون أنّ الحريّة لا تؤخذ بالوكالة ، و أنّ الثورات التحرّرية قادتها و مجاهدوها و شهداؤها أبناء الوطن . و ليتهم استلهموا ذلك من ثورة نوفمبر الجزائريّة ، و كفاح جنوب إفريقيا و الثورات التحرريّة في إفريقا و آسيا و أمريكا اللاتينيّة . لقد صدّق الفلسطينيّون أبناء العمومة و إخوان الملّة ، بينا الكيان الصهيوني يكبر يوما بعد يوم ، و يُعدّ العدّة و العدد في السرّ و العلن . إلى أن أمسى غولا يهابه أبناء العمومة ، و يسعون للتطبيع معه سياسيا و ثقافيّا و اقتصاديّا و عسكريّا . إنّها الطامة الكبرى أيّها السادة .
لقد مارست ألمانيا الإبادة الجماعية في ناميبيا من عام 1904 إلى عام 1908 ، و مارست فرنسا الاستعمارية الإبادة الجماعيّة من 1830 إلى 1962 م ، و مارس المهاجرون الأروبيّون الإبادة الجماعيّة في العالم الجديد ) القارة الأمريكيّة ، جنوبها و شمالها ) و في أستراليا ، و مارس قبلهم النصارى القشتالبيّن بقيادة إيزابيلا و فرديناند الإبادة الجماعية بُعيد سقوط الأندلس و مارست إيطاليا الإبادة الجماعيّة في ليبيا ،ى و مارست الولايات المتحدة الأمريكيّة ، التي تعتقل تمثال الحريّة الإبادة الجماعيّة في هيروشيما و نكازاكي و في الفيتنام و العراق و أفغانستان و مارس الصرب العنصريّون الإبادة الجماعيّة في سيبرينيتشا البوسنيّة . إذن ، الإبادة الجماعيّة فلسفة غربيّة استعماريّة ممنهجة و مقصودة ، هدفها القضاء على الآخر قضاء مبرما . و الصهاينة هم تلاميذ الغرب ، و هم خريجو المدرسة الغربيّة الاستعماريّة الإرهابيّة . إنّ ظاهرة الإرهاب ، التي أرّقت العالم ، و بثّت الرعب في الشعوب ، و شغلت المنابر السياسيّة ، هي صناعة غربيّة مخابراتيّة خالصة ، سواء بأيد غربيّة خالصة ، أو بأيدي مرتزقة و عملاء من الشرق و الغرب . هدفها السيطرة على مقدّرات الشعوب المستضعفة . ظاهرة الإرهاب نابعة من فلسفة غربيّة استعماريّة ، آلياتها قائمة على إلغاء الآخر و السيطرة عليه . أصولها لاهوتيّة ثيوقراطيّة ÷دفها الأساسي محاربة الإسلام و كل ما هو مظهره دينيّ . لا عجب ، و نحن نشاهد يوميّا إبادة جماعيّة ممنهجة في قطاع غزة و الضفة و كامل فلسطين تقودها عصابات إرهابيّة صهيونيّة لا تمتّ لليهوديّة و الإبراهميّة بصلة ، بل هي خطر داهم على اليهود الذين لم ينخرطوا في التيار الصهيوني ، و يبدون للعلم ، علنا ، معارضتهم للإيديولوجيّة الصهيونيّة القائمة على القتل الفردي و الجماعي ، بقيادة رهط من الصهاينة في فلسطين و الغرب عموما . لنكن ، واضحين و عادلين ، و موضوعيين و نسال الغرب المتصهين – و نحن نتوقع نوع الإجابة سلفا : من هو الإرهابي الحقيقي ؟ هل الذي يدافع عن أرضه و عرضه و ماله و مقدّساته و حريّته إرهابيّ ، أم المغتصب الظالم ، القادم من الشتات ، المقتحم لبيوت الامنين ؟ إنّ الإجابة واضحة ، لا لبس فيها . و العجيب في هذا العالم المكشوف العورة ، أن نسمع زعماء الإرهاب الصهاينة في فلسطين المحتلة و في الغرب ، يزعمون بأنّ حربهم على أطفال غزّة و رضّعها و خدّجها و نسائها و مرضاها ، هي حرب على الإرهاب . هكذا انقلبت موازين القيّم الإنسانيّة في الغرب المتصهين ، و هو انقلاب قديم . فقد قامت الثورة الفرنسيّة بإسقاط الملكيّة و الاستبداد في النصف الثاني من القرن السابع عشر ، و رفعت شعارها المزيّف ( الحريّة ، الأخوة ، المساواة ) و ، و في النصف الأول من القرن الثامن عشر، كانت سفنها الحربيّة تنزل الغزاة على شاطيء سيدي فرج غرب الجزائر العاصمة . و أعدمت ، بل و أبادت فرنسا الاستعماريّة أكثر من خمسة ملايين جزائري . لقد خاضت فرنسا الاستعماريّة حربا صليبيّة في ربوع الجزائر من أجل القضاء على الإسلام و اللغة العربيّة و السيطرة على الثروات و نهبها . و هذا بشهادة عساكرها و ضباطها المجرمين . كتب الكولونيل فوري في سنة 1843 م عن غزو الجزائر : " انطلقت من مليانة و شرشال سبعة طوابير بهدف التخريب و اختطاف أكبر عدد ممكن من قطعان الغنم ، و على الأخص اختطاف النساء و الأطفال ، لأنّ الوالي العام ( و هو بيجو ) كان يريد بإرسالهم إلى فرنسا ، أن يلقي الفزع في قلوب السكان " ( 4 ) و أضاف : " اختطفنا في هذه الحملة ثلاثة آلاف من رؤوس الغنم ، و أشعلنا النار في ما يزيد على عشرة من القرى الكبرى ، و قطعنا أو أحرقنا أكثر من عشرة آلاف من أشجار الزيتون و التين و غيرها " ( 5 ) . أمّا أبناء الجزائر ، المقاومون ، الشجعان ، الأحرار ، فقد استشهدوا و سالت دماءهم الطاهرة فداء للحريّة و الكرامة . استعملت فرنسا وسائل الإرهاب كلّها من أجل إخضاع الأمّة الجزائريّة لإرادتها ، استعملت أساليب الإبادة الجماعيّة ( تدمير القرى و المداشر و الدواوير ) و تفقير الشعب و تجويعه ، والتعذيب و النفي و الإعدام بالمقصلة و بالرصاص و الحصار بالاسلاك الشائكة المكهربة ( خطا شال و موريس ) و استعملت أفرادا جزائريين في تجاربها النوويّة بالصحراء ( منطقة عين إن إيكر و وادي الناموس ) و أقامت المحتشدات . كان الإرهاب الفرنسي فظيعا لا يقل فظاعة عمّا يقوم به الصهاينة في غزّة اليوم . و ارتكبت الفاشية الموسولينيّة الإيطاليّة أفظع جرائم الإبادة الجماعيّة في ليبيا في النصف الأول من القرن العشرين .
إنّه لمن المؤسف – حقّا – أن تتصدّر الولايات المتحدة الأمريكيّة الدول الكبرى الداعمة للإبادة الجماعيّة في غزّة – و هي جريمة إرهابيّة شنيعة - . أليست هي الدولة التي ينتصب على أرضها تمثال الحريّة و تضم مكاتب الهيئات الدوليّة المعتمدة ؛ مجلس الأمن و الجمعية العموميّة للأمم المتحدة و غيرها ؟ أليس من التناقض العجيب أن تستغّل الولايات المتحدة الأمريكيّة حق الفيتو لمنع وقف إطلاق النار و تعطيل السلام في الشرق الأوسط ؟

بقلم : علي فضيل العربي – ناقد و روائي جزائري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هامش : 1 ، 2 ، 3 ، 4 ، 5 – مصطفى الأشرف – الجزائر الأمّة و المجتمع – ترجمة د . حنفي بن عيسى – المؤسسة الوطنية للكتاب – الجزائر – 1983 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس كولومبيا يعلن قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل ويعتب


.. -أفريكا إنتليجنس-: صفقة مرتقبة تحصل بموجبها إيران على اليورا




.. ما التكتيكات التي تستخدمها فصائل المقاومة عند استهداف مواقع


.. بمناسبة عيد العمال.. مظاهرات في باريس تندد بما وصفوها حرب ال




.. الدكتور المصري حسام موافي يثير الجدل بقبلة على يد محمد أبو ا