الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين العهر والحج -رحلة-

نور فهمي
كاتبة

(Noor Fahmy)

2024 / 2 / 8
الادب والفن


ماذا لو كان طريقك الأوحد للنجاة؛ هو القيام باحدى هذه الجرائم؛ السرقة أو النصب؟!
أيهما ستختار، وأيهما أقل فى تأثيره السلبى على من حولك؟!
ماذا لو صعبنا الاختيار أكثر؛ فطرحنا هذا السؤال على "امرأة"،
وكان "جسدها" خيارا ثالثا متاحا؛
فإما النصب، أو السرقة، أو
"العهر".
ترى حينها، أى جرم ستختار؟!
هذه تحديدا معضلة بطلة فيلم
(رحلة ٤٠٤ )_(القاهرة_مكة)سابقا!
فهى تسعى لتوفير نفقة علاج أمها،
وفى طريق سعيها لسد تكاليف العملية الجراحية؛ تظهر لها عدة عقبات تجبرها على أن تختار بين السرقة والنصب، وبين أن ترجع إلى تجارتها القديمة: "العهر".
تضعف وتنضب حيلها حتى تجد نفسها فى مواجهة مباشرة مع كل ذيول ماضيها البائس؛ مع كل ما عزمت فى قرارها على اجتيازه!
تلتقى من جديد بأناس كانوا ضمن أسباب انحلالها فى الماضى،
وكأن طريقها الذى أجبرت عليه _جزئيا_ فى الماضى، يأبى إلا أن يظهر لها فى كل حين، وفى أشد لحظاتها يقينا بظلمته وبؤسه!
تجارة قديمة أتقنتها، وأجبرتها الظروف على ممارستها، بل وكانت تدعمها أمها، ويبارك ذلك أبيها!!
تخيلى معى؛ لو أنك مكانها؛ وأهلك _ الأقرب والأشد حرصا على سلامتك وحياتك ومستقبلك _
هم نفسهم "من يباركون عهرك"؟!

فى بداية الفيلم تظهر البطلة وهى تعمل فى إحدى شركات الاستثمار العقارى، محجبة، وتتجهز لرحلة (الحج) و مع أزمة علاج أمها، يظهر لنا تاريخ البطلة وماضيها البائس!!
تظهر بالحجاب(حجاب مودرن)؛ وقد تبين لى من خلال أحداث الفيلم وصراع بطلته، قصديته ورمزيته،
فالحجاب بالنسبة للبطلة لم يكن مجرد (ايشارب) تضعه على رأسها، ولا كان شكلا من أشكال الالتزام الدينى، على قدر ما كان حجابا بينها وبين حياتها القديمة، بمصائبها وذلها وقهرها ورخصها!!
حجابا يمنعها من العودة لما كانت عليه قبل أن ترتديه،
حجابا بينها وبين الليالى التى باعت فيها جسدها بارخص الأثمان!!
حجابا بينها وبين الرجال الذين استمتعوا سابقا بجسدها بمقابل مادى!!
ودفعت الثمن من سمعتها وشرفها وحتى مستقبلها!!
أما أغلبهم؛ فتزوج وأنجب وعاش حياته دون وصم،
وكأن شيئا لم يكن!!
ورحلة الحج التى وفرت ثمنها بشق الأنفس ، واستماتتها عليها بإصرار غريب طوال الفيلم؛ لم تكن مطروحة بمفهومها الظاهرى، والسطحى كإسقاط لفريضة، أو إقامة لشعائر !!
والدليل أنه كان بإمكانها أن تسترجع المبلغ الذى دفعته نظير الرحلة، وتسديد ثمن العملية الجراحية لأمها دون الخوض فى كل هذه(الصراعات النفسية) والمشاحنات والتذلل واستجداء العطف، ومحنة الاختيار بين السرقة والنصب، أو بين الرجوع لممارسة العهر!!
بل كان إصرار البطلة على رحلة (الحج)؛ هو إصرارا "رمزيا" على رحلة "التطهر "من كل بقايا الماضى العالقة بقلبها وبأعمق خلجاتها، وليس مجرد تأدية "فريضة من الفرائض!
ولكى تتطهر تماما، فعليها أن تختبر بكل الطرق الصعبة..
القاسية، كما نختبر جميعا لتتجلى أعظم مواهبنا وقدراتنا ورغبتنا الحقيقية فى تحقيق حلم أو هدف ما!!
هو صدى صوتها الداخلى، جوهر ذاتها، الذى تختبره الحياة، صافعة بسؤالها، متحدية قدراتها، صارخة:
هل بالفعل تخليتى عن هذا السبيل..هل حقا لن ترجعى مهما جرى؟!
فبين العهر والحج.."رحلة"؛
"اختبار" لمدى صلابتها وقوتها أمام الإغراءات!!
اختبار درجة الصدق فيما تنوى القيام به والإقدام عليه؛
ففى طريقها للبعد عن خطيئتها القديمة،
تكتشف، ونكتشف معها، أنها تقرر استبدالها بخطايا أخرى ربما أكثر منها ضلالة وظلما للنفس والغير معا؛ اعتقادا منها ومنا (بوعينا الجمعى) أن السرقة أو النصب أقل ضررا للمجتمع من ممارسة البغاء!
وبدلا من استرداد ثمن رحلة الحج!! تسرق..وتنصب فى المقابل!
وكأنها تابت فقط عن العهر! ولم تتب عن ظلم"الناس"
فجميعنا مثلها؛ يدعى الفضيلة والطهر، معلنا أحيانا بفخر:
" انا بعمرى، لم اسرق، ولم انصب، ولم ازنى، ولم أذق الخمر!!"
وكأن جرائم الدنيا وموبقاتها كلها، تتلخص فى هذه الأفعال دون غيرها!!
نرتكب أخطاءا وذنوبا، ونعتقد أننا بمأمن من الفجور والفواحش!
فنكتشف بعدها أن "كلمة" تفوهنا بها لاحدهم، طعنته آلاف المرات حتى أمرضته!!
وآخر ربما نكون سببا فى "انتحاره"!!
ذنوبا لا تنتهى، مظالم لا ترد لأصحابها، وفسادا فى نفوس الآخرين، لا تصلحه كلمة اعتذار، أو إبداء لندم أو توبة.
أثناء محادثات البطلة مع بعض الرجال الذين كانوا فى حياتها السابقة؛ يعايرها أحدهم بأن زوجته أطهر منها ولذلك فضلها عليها وتزوجها ، ونسى تماما أن العلاقة الجنسية التى أفقدت البطلة عذريتها فى المقام الأول، كانت"معه" وبسبب حبها الجارف له ..
وآخر يعايرها بسلوكها فى الماضى، ثم نكتشف أن ذاك الشخص "قتل أمه عامدا متعمدا"!!
تخيلوا "قتل أمه" ، ومع ذلك يشير بأصابع الإتهام والوصم عليها هى!
وكذا جميعا نفعل، دون قصد أو بقصد أحيانا ، ننتقص من قدر الآخرين بقدر الأخطاء التى يقترفوها، والفشل الذى يحيق بدنياهم ويعكر صفو حياتهم، وننسى أنفسنا بكل مصائبها وغرورها وأحيانا ازدواجيتها فى الحكم..
ننسى ذنوبنا عبر "تذكير الآخرين بذنوبهم"
ونعدد "خطاياهم"حتى نتستر على "جرمنا"!!
فصراع البطلة هو صراعنا جميعا منذ الأزل
فأى شر نختار، وأى ذنب نقترف..وأى بشاعات نرتكب فى سبيل ألا نقدم على الأبشع والأظلم والأكثر وحشية؟!
أى طريق ننوى السير فيه، لنتخلص من كل أوجاعنا وأحقادنا وعطب أرواحنا؟!
أى درجة "إصرار" تصل إليها إرادتنا فى سبيل تحقيق "الأحلام والأهداف والآمال"؟!
وكم يساوى ثمن ما نصبو إليه؟
بل؛
هل بإمكاننا سداد أقساط الحلم الذى نتمناه؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاعلكم | الفنان محمد عبده يكشف طبيعة مرضه ورحلته العلاجية


.. تفاعلكم | الحوثي يخطف ويعتقل فنانين شعبيين والتهمة: الغناء!




.. صراحة مطلقة في أجوبة أحمد الخفاجي عن المغنيات والممثلات العر


.. بشار مراد يكسر التابوهات بالغناء • فرانس 24 / FRANCE 24




.. عوام في بحر الكلام-الشاعر جمال بخيت يحكي موقف للملك فاروق مع