الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من أجل ثقافة جماهيرية بديلة-أصول الفلسفة الماركسية-بوليتزر17

عبدالرحيم قروي

2024 / 2 / 8
الارشيف الماركسي


أصول الفلسفة الماركسية
الجزء الأول
تأليف جورج بوليتزر، جي بيس وموريس كافين
الحلقةالسابعةعشر

ميزة الجدلية الرابعة
نضال الأضداد (3)
------------------------------------------------
1 – ميزة التناقض الخاصة
2 – العام والخاص متلازمان
3 – التناقض الرئيسي والتناقض الثانوي
4 – المظهر الرئيسي والمظهر الثانوي للتناقض
5 – خلاصة عامة عن التناقض
------------------------------------------------
1 ـ ميزة التناقض الخاصة
لا يجب أن ينسينا شمول التناقضات المطلق ما تمتاز به التناقضات من ثراء لا حد له. ذلك لأن قانون الاضداد تعبير عام عن واقع يرتدي اشكالا متعددة في الواقع. ولا يكتفى الجدلي بتأكيد شمول نضال الاضداد كمبدأ لكل حركة، بل هو يدلل على تخصص هذا القانون حسب مظاهر الواقع المتعددة.
"يجب علينا، حين نعرض لكل شكل خاص من أشكال الحركة، أن نتبين علاقته بمختلف أشكال الحركة الأخرى. الأهم من ذلك، وهو أساس معرفتنا للأشياء، أن نرى ما لكل شكل من أشكال الحركة من ميزة خاصة، أي ما يميزه كيفيا عن سائر أشكال الحركة. وهكذا يمكننا أن نميز ظاهرة عن أخرى. ويحتوي كل شكل من أشكال الحركة على تناقضاته الخاصة به التي تكون طبيعة الظاهرة التي تميزها عن الظواهر الأخرى. وهذا هو سبب تنوع الأشياء المتعددة وأساسه، كما هو سبب تنوع الظواهر الموجودة في العالم .
ويعني هذا أن تأكيد شمول نضال الاضداد لا يكفي. لأن العلم هو وحدة النظرية والتطبيق. ولهذا يظهر قانون الاضداد الشامل بصورة ملموسة مع خواص الحياة نفسها. وهكذا إذا وضعنا البيضة في حرارة معينة مكنا التناقض الداخلي الذي تمتاز به البيضة من النمو حتى تتفتح عن "النقف"
((Poussin)). وإذا غلينا ليترا من الماء، بنفس الكمية من الحرارة، اختلفت النتائج عن سابقتها. لكل مظهر من الواقع حركته الخاصة به وتناقضاته المميزة له.
لا يتغير أي شيء إلى أي شيء آخر. ولهذا تتحول حرب معينة إلى سلم معين. كما أن نظاما رأسماليا معينا له خواصه في النمو يحل محله نظام اشتراكي له هو أيضا خواصه المميزة. وهكذا يستمر القديم في الجديد. ولهذا كان من الخطأ القول بأن نظاما اجتماعيا جديدا يقضي قضاء مبرما على القديم؛ ولكن أليس هناك من مجال للتوفيق بين القديم والجديد، لأن الجديد لا يمكن أن يستقر الا بمعارضته للقديم. ولا يعني "تخطي" الاضداد الجمع بينها، بل انتصار أحدها على الآخر، انتصار الجديد على القديم.
وتفسر لنا طبيعة كل مرحلة من مراحل الحركة المادية تعدد العلوم من الفيزياء إلى علم الحياة (البيولوجيا) ومن علم الحياة إلى العلوم الانسانية. ويجب على كل علم أن يكشف عن التناقضات الخاصة بموضوعه ويفهمها. وهكذا فان القوانين الخاصة بالكهرباء؛ والقوانين الخاصة بالطاقة (والكهرباء صورة من صور الطاقة) لا تكفي لتحديد الكهرباء: بل يجب القيام بتحليل ظاهرة "الكهرباء" تحليلا جدليا. ويحدث أن تثير كمية من الكهرباء بعض التفاعلات الكيمائية؛ فإذا بنا أمام موضوع جديد له قوانينه الخاصة به؛ وكذلك إذا ما انتقلنا من الكيمياء إلى علم الحياة (البيولوجيا). ومن علم الحياة إلى الاقتصاد السياسي الخ... ولا شك أن جميع مراحل الواقع تكون وحدة ولكن هذه المراحل تختلف كل منها عن الأخرى.
ولا يصدق هذا على مجموع العلوم، بل نلقى، في داخل كل علم، الضرورة لدراسة التناقضات الخاصة به. مثال: هناك حركات خاصة بالذرة إذ حين ينتقل الفيزيائي من حركة الأجسام المرئية (كالكلة التي تسقط) إلى الحركات الذرية تبدو له قوانين جديدة هي موضوع علم الميكانيكا المتموجة. تتخذ الجدلية صورة موضوعها كي تفهم حركة هذا الموضوع. وهكذا فان الفن صورة من النشاط لا يمكن رده إلى صور النشاط الأخرى، ولا سيما إلى العلم (بالرغم من أن الفن وسيلة من وسائل المعرفة لأنه يعكس العالم). يوجد إذن تناقضات نوعية في هذا الميدان كما في الميادين الأخرى؛ فإذا بالفنان جدلي بقدر حله لهذه التناقضات؛ حتى إذا ما عجز عن حلها لم يكن فنانا. كتب الناقد الكبير بيالنسكي يقول:
"مهما كان الشعر مفعما بالأفكار الجميلة، ومهما صور لنا كل العصر فأنه ليس شعرا إذا ما خلا من مضمون الشعر ولا يمكن أن يحتوي على أفكار جميلة أو أية مسألة أخرى؛ وكل ما نجده فيه قصد جميل لم يتحقق ".
فبينما يعبر العلم عن الواقع بواسطة الافكار إذا بالشعر يعبر عنه بواسطة الصور الخاصة التي تملك قوة كبرى على الإثارة ولا يمكن للفن، أن يبلغ هدفه حقا: إلا إذا كان الفنان (الشاعر، الرسام، الموسيقي) قادرا على السيطرة على احاسيسه الأولى وعلى تعميم تأثراته؛ حتى إذا ما اخطأ الأثر الفني في ايجاد الصور الخاصة بفكرة الفنان كان فاشلا.
يرجع الفضل للينين في اكتشاف التناقضات الخاصة بالرأسمالية في المرحلة الاستعمارية (ولا سيما اختلاف نمو البلاد الرأسمالية الذي ينشأ عنه نزاع قوي للوصول إلى اقتسام جديد للعالم بين المحظوظين وغيرهم) وذلك باعتماده على التحليل الماركسي للرأسمالية. فلقد دلل على أن هذه التناقضات تجعل الحرب لا بد منها وأنه يمكن لحركة البروليتاريا الثورية العالمية، تساندها حركة الشعوب المستعبدة القومية، أن تكسر، في مثل هذه الظروف، قيود الرأسمالية في أضعف موضع فيها.
وهكذا استطاع لينين أن يتنبأ بان الثورة الاشتراكية ستنتصر أولا في بلد أو عدة بلدان.
ويلح ستالين على القول، في كتاب "مشاكل الاشتراكية الاقتصادية في الاتحاد السوفياتي" ـ إذ يبرهن على الطابع الموضوعي لقوانين الاقتصاد ـ على احدى ميزات هذه القوانين وهي أنها ليست دائمة:
"يختص الاقتصاد السياسي بميزة وهي أن قوانينه، على عكس قوانين الطبيعة، ليست دائمة؛ وأن اغلب هذه القوانين يؤثر خلال فترة معينة من التاريخ، ثم تحل محلها قوانين أخرى. ولا تزول هذه القوانين بل تفقد قوتها لظهور ظروف اقتصادية جديدة فتغيب ليحل محلها قوانين جديدة لا تبدعها ارادة الناس بل تنبعث من الظروف الاقتصادية الجديدة ".
وهكذا ظهر قانون القيمة مع ظهور الإنتاج التجاري لأن القيمة هي القانون الخاص بالانتاج التجاري ولسوف تزول بزواله. والقانون الخاص بالرأسمالية هو قانون فائض القيمة لأنه يحدد الميزات الأساسية للانتاج الرأسمالي. ولكن هذا القانون لا يمكن أن يكفي لتحديد المرحلة الحالية في الرأسمالية التي نمت فيها رأسمالية الاحتكار جميع امكاناتها فإذا بهذا القانون عام، فكان أن نص ستالين على القانون الخاص بالرأسمالية الحالية وهو قانون الربح الأقصى .
ولا يمكن الا للدراسة الدقيقة للميزات الخاصة بجانب معين من الواقع أن تبتعد بنا على التعصب الأعمى الذي يدفعنا إلى تطبيق اطار واحد على أوضاع مختلفة تطبيقا آليا. ولهذا كان لينين ينصح الثوار بأن يكدوا اذهانهم في كل حين. إذ ليس الماركسي الصحيح هو من يعرف عن ظهر قلب مصادر الماركسية الكلاسيكية فيعتقد أنه يحل جميع المشاكل بواسطة بعض حلول نموذجية؛ بل الماركسي الصحيح هو محلل يستطيع استعراض كل مشكلة بصورة ملموسة دون أن يهمل أي عنصر ضروري لحلها. يجب علينا، كي نعرف حقا أي شيء، أن نلم بجميع جوانبه وأن ندرس جميع علاقاته و "وسائطه". ولن نبلغ ذلك تماما قط، ولكننا إذا أوجبنا على أنفسنا استعراض الأشياء من جميع جوانبها فأننا نحفظ أنفسنا من الأخطاء ومن التحجر .
يكتفي المتعصب بالعموميات. فإذا ما صدر قرار عن نقابة من النقابات، مثلا، لم يعبأ بتطبيقه تطبيقا خاصا على مؤسسته وعلى كل مصنع في هذه المؤسسة كما أنه لا يحسب حسابا للمطالب الخاصة بكل طائفة من العمال.
لهذا التجريد نتائجه الخطيرة لأنه يفصل المناضلين عن جمهرة العمال. وهكذا فأن اقتصار حركة المقاومة الفرنسية على نضال المناضلين الأحرار والانصار المسلح تشويه لها وتنكر لطابع المقاومة الخاص وهو أنها كانت نضال الشعب الفرنسي الوطني بقيادة الطبقة العاملة وحزبها الا وهو الحزب الشيوعي. ومن جهل هذا الطابع الخاص للمقاومة عجز عن تقدير مختلف نواحيها تقديرا صحيحا ومنها هذه الناحية المهمة وهي نضال (P.F.T.) .
وكذلك، كما يلاحظ ستالين في كتابه "مشاكل الاشتراكية الاقتصادية في الاتحاد السوفياتي" بانه ليس غرض حركة السلم العالمية اقامة الشيوعية. بل أن جوهر هذه الحركة وقانونها الخاص هو توحيد ملايين الناس العاديين من أعداء الشيوعية وأنصارها للمحافظة على السلم؛ وهي لا تهدف في فرنسا إلى القيام بالثورة البروليتاريا بل إلى الانتقال من سياسة الحرب إلى سياسة المفاوضة. التناقض بين "سياسة الحرب وسياسة السلم" يختلف عن التناقض بين الرأسمالية والاشتراكية" (بالرغم من أن الرأسمالية الاستعمارية مسؤولة عن سياسة الحرب).
يلح ماوتسي تونج في دراسته "حول التناقض" على ضرورة حل "التناقضات المختلفة كيفيا" بواسطة "طرق مختلفة كيفيا" فيقول: "فالتناقض، مثلا، بين البروليتاريا والبرجوازية لا يحل بواسطة الثورة الاشتراكية. لأن التناقض بين الجماهير الشعبية وبين النظام الاقطاعي يحل بواسطة الثورة الديمقراطية. كما يحل التناقض بين المستعمرات وبين الاستعمار بواسطة الحرب القومية الثورية. وكذلك يحل التناقض بين طبقة العمال وطبقة الفلاحين بجعل الزراعة اشتراكية آلية. وتحل التناقضات في داخل الحزب الشيوعي بواسطة النقد والنقد الذاتي. كما تحل التناقضات بين المجتمع والطبقة بواسطة نمو قوى الإنتاج. وهكذا تتغير العمليات فتزول العمليات القديمة والتناقضات القديمة ليحل محلها عمليات جديدة وتناقضات جديدة، كما تتغير الوسائل لحل هذه التناقضات ايضا. ولهذا اختلفت التناقضات الني حلتها ثورة شباط وثورة تشرين الأول في روسيا، كما اختلفت الوسائل المستخدمة في هاتين الثورتين لحل التناقضات .
لأن حل مختلف التناقضات بطرق مختلفة مبدأ يجب على الماركسيين الليننيين أن يحافظوا عليه محافظة شديدة .
تنتهي هذه الملاحظات، فيما تنتهي إليه من نتائج، عملية، إلى النتائج التالية التي تتعلق بنشاط الحزب الثوري:
أ) لا يمكن للحزب الثوري، حزب ماركس ولينين و ستالين، أن يقوم بوظيفته العلمية في قيادة الحركة الا إذا اجتهد كل مناضل، فيما يخصه، باستعراض المهمات الملقاة على عاتقه وحلها، كما حاولت كل منظمة في الحزب وكل خلية استعراض المهمات الملقاة على عاتقها وحلها (سواء كان في المؤسسة أوالمنطقة أو الحي) فكل مناضل ذهن مفكر، وكل خلية مجموعة تفكر قبل أن تعمل.
ب) لا يمكن للحزب أن يقوم بوظيفته العلمية في الادارة الا إذا أمده كل مناضل بنصيبه وكل خلية بنصيبها من التجربة الخاصة بها فيقوم مجموع الحزب بالتوفيق بين جميع التجارب في منظماته النظامية. ولهذا توجب نظم الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفياتي على كل شيوعي أن يقول الحقيقة دائما لحزبه لأن تجربة كل مناضل، وكل خلية انما هي شيء لا يستعاض عنه. من ذا الذي يقول للحزب، مثلا، مطالب شباب قرية من القرى إذا جهل الشاب الشيوعي هذه المطالب؟
ج) لا يمكن للحزب أن يقوم بوظيفته العلمية في الادارة إلا اذا أحتفظ اعضاؤه بعلاقة وثيقة مع جماهير العمال فكانوا، حقا، أهلا لتقدير جميع الناس. والا فكيف يمكنهم، بدون هذه العلاقة الدائمة، معرفة مشاكل كل طبقة من السكان، وحل التناقضات الخاصة بفترة معينة من الزمن؟
والحزب الذي يهمل هذه الواجبات أنما يعرض مستقبله للخطر ويفقد قيادة الحركة العمالية.
2 – العَام والخَاص مُتَلازمَان
الححنا على القول بضرورة دراسة الطابع الخاص بالتناقضات الملموسة. ومن البديهي أن هذه الدراسة تفقد كل صفة جدلية لها إذا جعلتنا ننسى أن الخاص ليس مطلقا بل هو نسبي وأنه لا معنى له إذا ما فصلناه عن ما هو عام.
مثال: قلنا في الجزء الأول من هذا الدرس أن هناك قانوناً خاصاً بالرأسمالية (قانون فائض القيمة) وقانوناً خاصاً بالرأسمالية الحالية (قانون الفائدة القصوى). ولكن هذا الا يقضي على مفعول قانون أعم وهو القانون الذي ظهر مفعوله منذ وجود المجتمعات الإنسانية ولا يزال يبدو من خلال مختلف النظم الاجتماعية كما يذكر ذلك ستالين في كتابه "مشاكل الاشتراكية الاقتصادية في الاتحاد السوفياتي": وهو قانون الاتصال بين علاقات الإنتاج وقوى الإنتاج ( وستكون دراسة هذا القانون موضوع الدرس السادس عشر). يتعرض التحليل الجدلي الصالح، إذن، لتحليل الطابع الخاص بعملية معينة ولا يمكن هذا الا إذا لم يعزل هذه العملية عن حركة المجموع الذي يتوقف عليه وجودها (راجع الميزة الاولى للجدلية). لأن ما هو خاص لا تصبح له قيمة ما إلا بالنسبة لما هو عام. وهكذا يكون ما هو خاص وما هو عام متلازمين .
لما كان الخاص مرتبطا بالعام، ولما كان ماهو خاص في التناقض وما هو عام متلازمين في كل ظاهرة فأن العام كائن في الخاص. ولهذا فنحن حين ندرس ظاهرة معينة يجب علينا اكتشاف هذين المظهرين وعلاقتهما المتبادلة، اكتشاف ما هو خاص وما هو عام، ما هو ملازم لظاهرة معينة والعلاقة المتبادلة بينهما، اكتشاف العلاقة المتبادلة بين ظاهرة معينة والعلاقة المتبادلة بينهما، اكتشاف العلاقة المتبادلة بين ظاهرة معينة والظواهر المتعددة الأخرى الخارجية. يحلل ستالين في كتابه الرائع عن "مبادىء مذهب لينين" تناقضات الرأسمالية التي بلغت أقصى حد لها في ظل الاستعمار، كما يشرح الأصول التاريخية لمذهب لينين. وهو يدلل كيف جعلت هذه التناقضات الثورة البروليتارية مسألة تطبيق عملي مباشر وكيف أوجدت الظروف الملائمة للوثوب المباشر على الرأسمالية. وهو يحلل، فوق ذلك، الأسباب التي من أجلها أصبحت روسيا مركز مذهب لينين، وكيف أن روسيا القيصرية كانت آنذاك عقدة جميع تناقضات الرأسمالية، ولماذا أمكن للبروليتاريا الروسية أن تصبح طليعة البروليتاريا الثورية العالمية.
وهكذا برهن ستالين، بعد أن حلل ما هو عام في التناقضات الخاصة بالرأسمالية، على أن مذهب لينين هو مذهب ماركس في عصر الاستعمار والثورة البروليتارية، كما شرح، بعد أن حلل ما هو خاص بالتناقضات العامة وما هو خاص برأسمالية روسيا القيصرية، الأسباب التي جعلت روسيا تصبح موطن نظرية الثورة البروليتارية ومحل تطبيقها، وأن هذا الخاص كان يحتوي على ما كان عاما في التناقضات المذكورة.
هذا التحليل الستاليني هو، بالنسبة إلينا، نموذج لمعرفة ما هو خاص وما هو عام في التناقضات والعلاقة المتبادلة بين كل منهما .
لا يعرف الميتافيزيقي كيف يبقي على هذه العلاقة بين ما هو خاص وما هو عام بل هو يضحي الخاص في سبيل العام (وهذا ما تفعله نزعة أفلاطون العقلية التجريدية، مثلا، التي تحتقر التجربة العيانية) أو يضحي العام من أجل الخاص. (كالنزعة التجريبية التي ترفض كل فكرة عامة وتقتصر على التجربة المحدودة).
تعتبر نظرية المعرفة الماركسية مثل هذا الموقف موقفا منافيا للجدلية وهو موقف من جانب واحد. وذلك لأن المعرفة تعتمد على الحسي المحدود الذي يعكس وضعا خاصا، ولكنها تصل إلى ما هو عام بواسطة التطبيق العملي لتعود من ثم إلى الحسي وقد اكتسبت قوة جديدة.
لا يملك الفيزيائي مثلا، في أول الأمر، سوى عدد محدود من الوقائع المجربة؛ فيرتفع منها إلى القانون الذي يسمح له اكتشافه بتغيير الواقع تغييرا عميقا بواسطة تجارب جديدة. ومرحلتا المعرفة متلازمتان: فهي تبدأ من الخاص إلى العام ومن العام إلى الخاص وهكذا دواليك. وقد شبه لينين هذه الحركة بالحركة اللولبية (en spirale): نبدأ من التجربة المباشرة الحسية (كشراء بضاعة ما مثلا)، فنحلل عملية الشراء هذه لنكتشف قانون القيمة، فنعود من ثم إلى التجربة العيانية (الحركة اللولبية). ولكننا نفهم الآن وقد تسلحنا بقانون القيمة، هذه التجربة التي فاتنا مغزاها العميق في المرحلة الأولى: نستطيع الآن التنبؤ بتطور العملية؛ وأن نهيء الظروف التي تعمل على الحد منها أو اتساعها. الخ.. ونحن لن ندرك العام إذا لم نبدأ بالخاص ولكن ادراك العام يتيح لنا، من جهة ثانية، تعمق الخاص. وهكذا ليست الحركة اللولبية حركة عود على بدء عقيمة بل هي تعمق للواقع. ولهذا فقد اكتشف ماركس، في دراسته للتناقضات الخاصة بالرأسمالية في عصره، قانون الصلة بين علاقات الإنتاج وقوى الإنتاج العام. وهكذا أتاح لنا فهم التناقضات الخاصة بالنظم الاجتماعية السابقة على الرأسمالية، لأن هذه التناقضات تتعلق بقانون الترابط العام؛ كما أنه جعل من الممكن دراسة الرأسمالية نفسها دراسة أعمق في حركتها التالية (رأسمالية الاحتكار، والاستعمار).
ويكون الفنان عظيما بقدر معرفته التعبير عن العام من خلال الخاص في سعيه لبلوغ ما هو نموذجي. (راجع المسألة من هذا الدرس).
فلقد عبر اليوار عن حزن باريس المحتلة على يد النازيين في هذين البيتين من الشعر من خلال حادثة بسيطة تقع كل يوم:
باريس ترتعد من البرد، باريس تتلوى من الجوع
باريس لم تعد تأكل الكستناء في الشوارع
ونرى في حياة أفضل ما رسمه بلزاك وتولستوي من شخصيات انعكاس الميزات الاساسية لمجتمع عصر كل منهما. وتربط رواية ج. نيقويفا: "الحصاد"، بصورة رائعة، تاريخ أشخاصها الشخصي والعائلي بتاريخ كولخوز وتاريخ المجتمع السوفياتي. وتنحل التناقضات الشخصية التي كان يعانيها أبطال الرواية خلال انحلال التناقضات التي كانت تعيق تقدم الكولخوز. وهكذا يضمن كل من فاسيلي وافدويتا انتصار المستقبل على الماضي بنضالهما لضمان انتصار المستقبل على الماضي في الكولخوز.
أوليست هذه الوحدة بين العام والخاص هي ما يمتاز به الأبطال الذين يحبهم الشعب؟ كتب جنود كتيبة، في حزيران عام 1917 إلى لينين يقولون:
"أيها الرفيق الصديق لينين" تذكر أننا نحن جنود هذه الكتيبة مستعدون للسير وراءك كرجل واحد في كل مكان لأن آراءك هي التعبير الصحيح عن ارادة الفلاحين والعمال".
وتتجسد في ستالين اخص خلائق الإنسان السوفياتي.
ولقد أثار جوليوس واتيل روزنبرج عطف الناس في العالم أجمع لأن ضخامة التضحيات التي رضيا بها (التضحية بشبابهما واولادهما وسعادتهما) دلت على حب الناس الذي لا يقهر للسلام.
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اندلاع اشتباكات عنيفة بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهرين في تل


.. مراسلة الجزيرة: مواجهات وقعت بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهري




.. الاتحاد السوفييتي وتأسيس الدولة السعودية


.. غزة اليوم (26 إبريل 2024): 80% من مشافي غزة خارج الخدمة وتأج




.. اعتقال عشرات الطلاب المتظاهرين المطالبين بوقف حرب غزة في جام