الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجانب الأيديولوجي للحرب على غزة

طلعت خيري

2024 / 2 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


البعد الديني والأحزاب الدينية في إسرائيل:

يلعب الدين دورًا رئيسيًا ومحوريًا في دولة الكيان الصهيوني منذ قيامها باعتبارها في الأساس دولة اليهود في جميع أنحاء العالم، والدليل على ذلك في الوقت الحاضر هو «التصاعد الملحوظ لدور الأحزاب الدينية هناك، والتي تتخذ مواقف متشددة وأحيانًا متطرفة من مسائل مثل الانسحاب من الأراضي الفلسطينية حيث يطغى عليها طابع من القداسة بدعوى أنه لا يمكن التفريط في أي جزء من أراضى إسرائيل الأبدية التي ترتبط بالشريعة اليهودية وبوجود الشعب اليهودي ذاته.

مفهوم الدولة اليهودية مفهوم ديني بالدرجة الأولى، وله أبعاد وغايات سياسية، تهدف من خلالها إسرائيل إلى استئصال كل ما له علاقة بالواقع العربي المعاش، سواء أكان ضمن حدودها الجغرافية التي احتلتها وأقرتها الأمم المتحدة عام 1948، أو الحدود التي امتدت إليها يدها فيما بعد حرب عام 1967، ولا تزال تحاول الوصول إليها حتى يومنا هذا.هناك عدة مرتكزات توراتية تحكم الفكر السياسي الإسرائيلي المعاصر، تلك التي نشأت عليها دولة إسرائيل، والتي تشكل جوهر العمل السياسي لكل التيارات والقوى الفكرية والسياسية الإسرائيلية، فالجميع توراتيون يتوافقون على مصلحة إسرائيل العليا ويعملون متحدين للوصول إلى غاياتهم السياسية الدينية، وتتمثل هذه المرتكزات التوراتية فيما يلي:

■ اليهود هم شعب الله المختار، وإن إسرائيل هي أمة الله المفضلة، وإن الشعوب الأخرى يجب أن تكون عبيدًا لهم، وهم- أي الآخرون- من الضالين عن معرفة الله.

■ إن القدس مدينة يهودية، وهى عاصمة أبدية لدولة إسرائيل لأجل تحقيق الوعد التوراتي بظهور المخلص المسيح.

■ يجب تدمير كل الأبنية والأماكن غير المقدسة، سواء في القدس أو خارجها، أي الأماكن غير اليهودية.

■ بناء الهيكل أمر أساسي وضروري لأنه لا قدس بدون الهيكل، إن دولة إسرائيل هي دولة كل اليهود المنتشرين في كل أنحاء العالم، وهى قد وجدت بأمر إلهي تحقيقًا للنبوءة التوراتية.

■ أرض فـلـسـطـيـن هي أرض الـوعـد، وهى الأرض التي اختارها الله لشعبه المختار لكي يقيم عليها دولته التي ستمتد من الفرات إلى النيل.

مرتكزات توراتية تحكم الفكر السياسي الأمريكي المعاصر: أن وعدًا إلهيا يربطهم بالأرض المقدسة في فلسطين، ومن حقهم العودة إليها تنفيذًا لهذا الوعد، وأنهم قد أنشئوا دولتهم انتظارًا لقدوم مخلصهم المسيح، وعند المسيحية المتصهينة عودة السيد المسيح، والمحافظة على إسرائيل ومساعدتها ودعمها هذا يشكل عملًا دينيًا إلهيًا لأن إسرائيل تمثل قوى الحق الإلهي ويجب أن تربح صراعها، لأن ذلك يحقق نبوءة الله بعودة المسيح.أثناء الانتداب البريطاني على فلسطين

تشمل القوى الدينية في إسرائيل عدة مؤسسات رسمية وغير رسمية وأهمها:

- دار الحاخامية: وهى مؤسسة شبه حكومية معترف بها من قبل الحكومة الإسرائيلية، وتمتد سلطتها إلى نواحٍ عديدة من حياة السكان اليهود.
- مجلس الحاخامين: ويتكون مجلس الحاخامين من 10 أشخاص نصفهم من اليهود الشرقيين والنصف الآخر من اليهود الغربيين، ولكل مجموعة رئيس يسمى الحاخام الأكبر ويتم انتخابهم كل 5 سنوات، وتمثل دار الحاخامية المحكمة العليا للاستئناف للقرارات الصادرة عن المحاكم الدينية. وتتولى دار الحاخامية مسألة تقرير من هو اليهودي وبالتالي لها دور كبير في مجال تقرير حقوق المواطنة والجنسية بالإضافة إلى الأمور الدينية.

الحركات الدينية في إسرائيل: هي حركات تعتمد على الأنصار والمؤيدين أكثر من التنظيم الدقيق، وقد نشأت نتيجة الالتفاف حول بعض القيادات والأفكار، ولكنها لم تتبلور إلى أحزاب ولم تقدم مرشحين للانتخابات، وتتبنى هذه الحركات جميعًا أهدافًا ذات طابع ديني، وتضم في عضويتها مجموعة الأفراد المتمسكين بالتقاليد اليهودية، وتدعو إلى تهويد الدولة، وغالبًا ما تلجأ إلى إثارة الرأي العام من خلال أعمال العنف والاحتجاج التي تمارسها لتحقيق أهدافها، وهى تملك حرية أوسع في إظهار مواقف متطرفة لا تجرؤ الأحزاب عليها بسبب وضعها الرسمي ومن أهم هذه الحركات:

أ- حركة غوش أمونيم: التي ينتشر أعضاؤها في المستوطنات في الضفة الغربية، وقد تبنت هذه الحركة أسلوبًا متطرفًا، من خلال استخدام العنف والقوة ضد العرب، وتطالب بتوسيع الاستيطان والسيطرة على كل أرض إسرائيل التاريخية.

ب- حركة كاخ وكهانا حى: أسسها الحاخام مئير كهانة الذي ترأس عصبة الدفاع اليهودي في أمريكا وتتكون القاعدة لهذه الحركة من الشرائح الفقيرة وقليلة التعليم، ويسكن معظم أنصار هذه الحركة في مستوطنة كريات أربع قرب الخليل، وقد شكلت الحركة منظمات سرية للاغتيالات، مما جعل المحكمة العليا في إسرائيل تحظر نشاط هذه الحركة، وبعد اغتيال زعيمها في نيويورك سنة 1990م تولى ابنه تأسيس منظمة «كهانا حى» والتي ينتمى إليها باروخ غولد شتاين الذي ارتكب مجزرة الخليل، وتبدى الحركتان كرهًا شديدًا للعرب وتطالب بطرد كل العـرب من أرض إسرائيل التاريخية.

الصهيونية كيف أسست لدولة الاحتلال

الصهيونية حركة سياسية تأسست في أوائل القرن العشرين بهدف إقامة دولة يهودية في فلسطين، والتي نشأت كحل لمشكلة اللاجئين اليهود الذين كانوا يعانون الاضطهاد في أنحاء أوروبا وأجزاء أخرى من العالم، وتعود جذورها إلى القرن التاسع عشر عندما بدأت الأفكار الصهيونية الأولى تتشكل، عند الصحفي اليهودي النمساوي، تيودور هرتزل (1860-1904)، مؤسس الحركة.في عام 1896، نشر هرتزل كتابًا بعنوان «الدولة اليهودية» والذي أطلق فيه فكرة تأسيس دولة يهودية تكون ملاذًا آمنًا لليهود في أرجاء العالم، ومع مرور الزمن واستمرار الاضطهاد لليهود، ازدادت تأثيرات الصهيونية ومؤيديها، وفى عام 1917، صدر وعد بلفور، وهو رسالة من وزير الخارجية البريطاني، آرثر بلفور، إلى اليهود البريطانيين الذين كانوا يشجعون الصهيونية، في هذه الرسالة أعرب بلفور عن نيته تأسيس «منطقة مخصصة» لليهود في فلسطين. بينما تزايدت الهجمات والمواجهات بين اليهود والعرب في فلسطين خلال الفترة التي تلت الحرب العالمية الأولى والثانية، وتعززت الحركة الصهيونية ومساندتها بعد المحرقة النازية.في عام 1947، اعتمدت الأمم المتحدة قرارًا بتقسيم فلسطين إلى دولتين: دولة يهودية ودولة عربية وأعلنت قيام دولة إسرائيل في 14 مايو 1948، ومنذ ذلك الحين، استمرت الصهيونية في تطورها وتعزيز وجودها في المنطقة.

دور بريطانيا في إنشاء دولة صهيونية في فلسطين:

ركزت الدعاية الصهيونية على فلسطين باعتبارها المكان الوحيد لإنشاء الدولة الصهيونية، حيث أخذت الدعاية الصهيونية تربط تاريخيًا بين اليهود وأرض فلسطين، ويزعم أن لهم الحق في العودة إلى وطنهم القديم، واستندت تلك الدعاية إلى نسيج من الأساطير يقوم على استغلال العاطفة الدينية في الدول الغربية المسيحية، وعملت على طمس الهوية الفلسطينية، والترويج لمقولة «شعب بلا أرض لأرضٍ بلا شعب»، وسعت الصهيونية جاهدة بكل الوسائل المتاحة أمامها لإثبات ما تروجه من ادعاءات باطلة بأنهم أصحاب الحق في الأرض وأن الأرض هي أرض أجدادهم وآبائهم وبأنهم هم شعب الله المختار وأن هذه الأرض هي أرض الميعاد.

هناك مجموعة من العوامل أدت إلى اهتمام بريطانيا بالصهيونية على رأسها «البعد الديني»:

لقد ساهمت البروتستانتية في صياغة الأيديولوجية الصهيونية أو ما أطلق عليه المسيحية الصهيونية والتي يمكن تعريفها بأنها مجموعة المعتقدات الصهيونية المنتشرة بين المسيحيين وبخاصة بين أتباع الكنيسة البروتستانتية، والتي تهدف إلى تأييد قيام دولة يهودية في فلسطين باعتبارها حقًا تاريخيًا ودينيًا لليهود ودعمها بأسلوب مباشر وغير مباشر، ذلك أن عودة اليهود إلى الأرض الموعودة فلسطين هي برهان على صدق التوراة وعلى اكتمال الزمان بعودة المسيح الثانية.

كما يعتبر العامل الروحي أو الديني عنصرًا مهمًا وفعالًا، ونستدل عليه مما ذكره حاييم وايزمان ( الذي يعد أشهر شخصية صهيونية في التراث الصهيوني بعد تيودور هرتزل)، في كتابه «التجربة والخطأ» وأهم ما جاء في هذا المجال قوله نصا: «لم يخطر على بال بعضهم أن رجالات من أمثال بلفور وتشرشل ولويد جورج كانوا متدينين في أعماق قلوبهم ومؤمنين بالتوراة، ويعتقدون أن عودة اليهود إلى فلسطين واقعية وحقيقية، لذلك فإنهم ينظرون إلينا نحن الصهيونيين كممثلين لفكرة يحترمونها احتراما عظيما».

حركة «ناطورى كارتا» يهود مناهضون للصهيونية وضد قيام دولة إسرائيل

حركة دينية يهودية مناهضة للصهيونية، ولا تعترف بدولة إسرائيل، وتعتبر أن قيام دولة لليهود لا يكون بسلب شعب آخر أرضه، ولا يكون إلا بإذن من الرب، وذلك بعد أن يرجع اليهود إلى تطبيق شريعتهم التي عاقبهم الرب لمخالفتها، وشتتهم في الأمصار وبين شعوب الأرض بسبب تضييعها.كانت جماعة ناطورى كارتا جزءا من حزب «أغودات يسرائيل»، الذي أُنشئ في بداية القرن العشرين لمواجهة الصهيونية، وأدانت الحركة منذ تأسيسها القبول الدولي بإنشاء دولة إسرائيل، والوضع الذي أفضى إليه ذلك من ممارسات تعسفية ضد الشعب الفلسطيني، وعبرت الحركة دوما عن وقوفها إلى جانب الشعب الفلسطيني في مواجهة الظلم الصهيوني، مؤكدة أن هذه الممارسات مستهجنة في الديانة اليهودية التي تنص على تحريم القتل والظلم، كما ترى الحركة أن الديمقراطية صالحة لكل المجتمعات السياسية غير اليهودية ومرفوضة تماما عند اليهود، لأن عليهم إتباع قوانين التوراة فقط.

يقول أحمد زكارنة كاتب وناقد فلسطيني، إن الحديث عن البعد الديني للصراع العربي الصهيوني، إنما يدفعنا لثنائية ضدية غريبة من نوعها، هي ثنائية التأكيد والإنكار، ففي الوقت الذي يؤكد فيه الآخر الصهيوني أن الصراع هو صراع عقائدي واضح وجلي بوصفه تدافع وجود لا حدود، ينكر البعض منا منطلقاته العقائدية باعتباره صراعًا سياسيًا بكل مخرجاته الجغرافيّة والاقتصادية، علمًا بأن الأول ليس صحيحًا مطلقًا، والثاني ليس منفصلًا تمامًا، ذلك لأن الصهيونية هي بالأساس أيديولوجيا تنهض على ركائز علمانية لتوظيف الدين لأغراض دنيوية، وفى المقابل فإن منطق التعامل مع الصراع بوصفه صراعًا سياسيًا وحسب يفقده دوافعه التاريخية والحضارية.

الدين يلعب دورًا رئيسيًّا في دولة الكيان الصهيوني.. ومرتكزات توراتية تحكم الفكر السياسي

وأوضح أحمد زكانة لـ «المصرى اليوم»: «للاستدلال يمكننا ملاحظة استدعاء المنطوق الديني في الخطاب الصهيوني، فمنذ اللحظات الأولى لهذه الجولة من المواجهة، استمعنا لخطاب نتنياهو القائم على فكرة أن هذه الحرب، هي حرب استقلال ثانية، لأنها حرب وجود تستهدف «البيت»، ومن ثم يأخذنا إلى قصة إشعياء، ومن بعدها قصة العماليق وهما مستمدتان من الأدبيات التوراتية، ما يذكرنا بسياسات حليفه الغربي بشكل عام، والأمريكي على وجه التحديد، حينما سمى الأخير حربه بعد الحادي عشر من سبتمبر بالحملة الصليبية، مما يعنى أن الآخر وحلفاءه إنما ينطلقون في استهداف المنطقة من منطلقات دينية واضحة وصريحة، فما قصة اشعياء إلا استهداف آخر لكامل المنطقة العربية على أرضية ضرورة قيام «إسرائيل الكبرى» من النيل إلى الفرات، وما قصة العماليق إلا تعبير صريح يستهدف تشريع إبادة الآخر بكل مكوناته الاجتماعية والحضارية».

وتابع: «إن تأملًا بسيطًا لاستعارات مثل هذه الخطابات وتحليل مدركاته، يحيلنا بالضرورة إلى أن قوى الاستعمار، تنظر للآخر النقيض وفق تصورات عقائدية ثقافية أيديولوجية تنهض على فكرة تفوق جنس بشرى على آخر، كما توظيف هتلر لمفهوم «العرق الآرى»، والصهيونيّة مفهوم «شعب الله المختار»، وفى الحالتين إن العداء بوصفه مرجعية أساسية لا يمكن أن يكون إلا للحضارة العربية الإسلامية باعتبارها صوتا وصورة النقيض الفيزيائي، التي تؤهله حضارته ومبادئه لإمكانية تشكيل حالة فكرية عقائدية تمتلك مقوماتها التاريخية والجغرافية والبشرية، بتصوراتها الأخلاقية، وهو ما عبرت عنه إحدى فقرات وثيقة كامبل السرية عام 1907 لحظة تناولها للدول التي لا تقع ضمن الحضارة الغربية المسيحية ويوجد تصادم حضاري معها وتشكل تهديدًا لتفوقها (وهى بالتحديد الدول العربية بشكل خاص والإسلامية بشكل عام) والواجب تجاه تلك الدول هو حرمانها من الدعم ومن اكتساب العلوم والمعارف التقنية، ومحاربة أي اتجاه من هذه الدول لامتلاك العلوم التقنية.

ويقول الدكتور أحمد سلامة عنتر المتخصص في الدراسات الإستراتيجية والعلاقات الدولية جامعة المنصورة، لا شك أن للمسيحية الأصولية (الإنجيلية) دورا أساسيا في تشكيل الثقافة والهوية الأمريكية، حيث لعبت التوراة دورًا مهمًا في تشكيل الهوية الأمريكية، مما أدى إلى ظهور ثقافة مسيحية يهودية مشتركة، تؤمن بفكرة الشعب المختار ونظرية نهاية التاريخ ومعركة «هر مجدون» وعودة المسيح، والتي لن تتم إلا بعد عودة جميع يهود العالم للدولة اليهودية، في فلسطين وإعادة بناء الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى. الصهيونية تلتقي مع المسيحية الإنجيلية في أن إعادة اليهود إلى أرض فلسطين هـو تحقيـق للنبوءات الواردة بالكتاب المقدس تمهيدا لعودة المسيح إلى الأرض، وحكمه لها مدة ألف سنة من القدس أرض ميعاد اليهود (فلسطين).تابع: أخطر ما في معتقدات المسيحية الإنجيلية هو النبوءات التوراتية، والتي يتم العملُ لتحقيقها في فلسطين، وأبرز هذه النبوءات وجوب العمل على تحقيق ومن ثم دعم (إسرائيل المعاصرة) لأنها الأرض الموعودة التي يجب العمل على إعادة شعبها إليها حتى يكون ذلك مقدمة لنزول المسيح ومجيئه الثاني ليقيم مملكة يحكم فيها ألف سنة.العامل الديني يلعب في أي دولة دورا فاعلا ومؤثرا في سياستها الخارجية، وعلى هذا الأساس أولت معظم الدول أهمية معينة لعامل الدين، فلا تستطيع تجاهله في دراسة العلاقات الدولية خاصة بعد انتهاء الحرب الباردة نهاية القرن العشرين.

وأشار إلى أن دور الدين في الحرب على أفغانستان والعراق كان واضحًا وجليًا، فهي حرب بوش الصليبية على الإسلام كما صرح بذلك، وقد عكست هذه التصريحات موقف شريحة كبيرة من الشعب الأمريكي، والذي لم يستنكرها أو يعترض عليها، فقد جاءت متوافقة مع ثقافته وقيمه، ويرى أن دور العامل الدينى في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط كبير وثابت، ولا يتغير بتغير الرؤساء والحزب الحاكم والفرق الوحيد أن دور الدين يكون في بعض الأحيان معلنًا وواضحًا كما كان عليه الحال في عهد بوش الابن، وفى أحيان أخرى يكون خفيًا وغير مصرح عنه، كما هو الحال في عهد باراك أوباما، ويمكن ملاحظة تأثير البعد الدينى بوضوح على اليمين الأمريكي في قرار الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» في 6 ديسمبر (2017) الاعتراف بالقدس عاصمة دائمة، موحدة وغير مقسمة لإسرائيل، ونقل سفارة واشنطن من تل أبيب إليها، ولا شك أن السياسة الخارجية الأمريكية ستستمر على نفس النمط، وسيظل العامل الديني لاعبًا مركزيًا في توجهاتها وسلوكياتها.

وقال الدكتور وليد عتلم الكاتب والباحث المتخصص في الشؤون السياسية؛ إن الدولة العبرية ومنذ قيامها، تستند إلى محددى الدين والأيديولوجية، على سبيل المثال استخدمت إسرائيل ذلك كمدخل وأساس للتغلغل في القارة الإفريقية السمراء، حيث عملت إسرائيل على الربط الأيديولوجي ما بين الصهيونية وبين الحركة الإفريقية الجامعة السوداء، حتى إنها حاولت الترويج لمصطلح «الصهيونية السوداء»، والتأكيد على أنه كل من اليهود والأفارقة السود يجمعهم تاريخ مشترك من الاضطهاد والتمييز، وبالتالي يمكن أن يكون لهم مستقبل مشترك، وأن مساعدة إسرائيل للأفارقة الزنوج هي مساعدة شعوب عانت من الآلام والمآسي كما عانى الشعب اليهودي.

وأضاف؛ إذن كل الممارسات العنصرية لإسرائيل تستند إلى قاعدة أيديولوجية دينية، آخر تلك الممارسات العدوان الغاشم غير الإنساني على قطاع غزة، والذي شهد توجيه كبار حاخامات الكيان الصهيوني رسالة إلى قادة وجنود العدوان الإسرائيلي تنص على أن لا تهتموا بسكان غـزة المدنيين وقت الحرب. عليكم الاعتداء عليهم بكل قسوة، لا تأخذكم بهم رأفة أو شفقة. عليكم فقط حماية مواطنينا وجنودنا.

هنا لا يمكن الفصل بين التوجهات السياسية للدولة العبرية، ومحدداتها الأيديولوجية والدينية، وكيف أن الفكر الصهيوني في كثير من عناصره مرتكز على الموروث الديني اليهودي، الذي يتم تطويعه واستغلاله حسب الحاجة السياسية لحكومات اليمين المتطرف في إسرائيل. وهى حكومات دائما وأبدا ما تعمل على التأسيس الديني لتوجهاتها، ذلك التأسيس القائم على عنصرية تفوق وتعزيز لصالح الجنس اليهودي في مواجهة الأجناس الأخرى خاصة العربية، وهو ما تفسره وتجسده السياسات المتطرفة والمتشددة لتلك الحكومات على مدار فترات حكمها.

مرجع ذلك ما أقره الدكتور عبد الوهاب المسيري من أن اليهود لم يكونوا يوما أمة جامعة ذات هوية موحدة، فكما هو معلوم تاريخيا؛ اليهود قوميات وأيديولوجيات متعددة تجمعت من مختلف شتات العالم. لذلك كانت الحاجة ضرورية لوجود هوية فكرية عقائدية وأيديولوجية جامعة توحد هذا التعدد والاختلاف، وهو ما تحقق بالصهيونية المتطرفة.

يقول الدكتور عاصم الدسوقي، شيخ المؤرخين العرب وأحد من الخبراء البارزين في دراسة التاريخ والصراعات في المنطقة، مفهوم الدولة اليهودية هو مفهوم دينى خادع بالدرجة الأولى، له أبعاد ومغازى وغايات سياسية، تهدف إلى استئصال كل ما له علاقة بالواقع والتاريخ والحضارة العربية، سواء أكان ذلك ضمن الحدود الجغرافية التي احتلتها، أقرتها الأمم المتحدة عام 1948، أو الحدود التي امتدت إليها يدها بعد حرب عام 1967، ولا تزال تحاول الوصول إلى المزيد منها حتى يومنا هذا، بمعنى أنها دولة استعمارية بثياب دينية تستمد حضورها الهش من أبعاد أسطورية زائفة.

الدعاية الصهيونية اعتمدت على نسج الأساطير واستغلال العاطفة الدينية في الدول الغربية

رغم أن إسرائيل هي دولة يهودية، بمعنى أن سكانها يتألفون بشكل أساسى من الشعب اليهودى، إلا أن الدولة كانت علمانية رسميًا منذ تأسيسها في عام 1948، والقول إن إسرائيل علمانية هو تسليط الضوء على ذلك على مدى العقود الستة الماضية الحكومات المتعاقبة في البلاد لم تلتزم بالقيم أو الأعراف أو بالمبادئ الدينية في السياسة الداخلية أو الخارجية، ومع ذلك، فإن الحكومات في إسرائيل لديها اهتمام «دينى» واحد على وجه الخصوص، هذا هدف ثابت للدولة، لأسباب دينية وأمنية: عدم التنازل عن السيطرة على مدينة القدس اليهودية للفلسطينيين المسلمين باعتبارها ستشهد العودة الثانية للسيد المسيح تحت السيطرة اليهودية بعد إعادة بناء هيكلهم المزعوم في القدس.

وشرح عاصم لـ المصري اليوم، أنه في ذلك الوقت، اكتُشفت القارة الأمريكية، وهاجرت جماعة البروتستانت (المحتجين) إلى الولايات المتحدة، وهجر اليهود أيضًا من أوروبا الكاثوليكية، بسبب تعاملهم بالربا وتعاونهم مع أعداء ألمانيا، وحدث تحالف بين هاتين الجماعتين استند إلى هدفين، هدف البروتستانت هو العودة إلى أورشليم (القدس)، وكان الشرط الأساسي لليهود للعودة إلى أورشليم هو إعادة بناء هيكل سليمان، وتحطيم المسجد الأقصى؛ لأن الجدار الغربي للمسجد يعتبر حائط هيكل سليمان ويعتبره اليهود كأنه مكان يصلون عليه حتى الآن، هذا التحالف الديني جعل الولايات المتحدة تدعم إسرائيل في تصرفاتها تجاه اليهود العرب

للكاتبة : أماني إبراهيم

https://www.almasryalyoum.com/news/details/3061108








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شيرو وشهد مع فراس وراند.. مين بيحب التاني أكتر؟ | خلينا نحكي


.. الصين تستضيف محادثات بين فتح وحماس...لماذا؟ • فرانس 24 / FRA




.. تكثيف الضغوط على حماس وإسرائيل للتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النا


.. اجتماع تشاوري في الرياض لبحث جهود وقف إطلاق النار في قطاع غز




.. هل يقترب إعلان نهاية الحرب في غزة مع عودة المفاوضات في القاه