الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من أجل ثقافة جماهيرية بديلة-أصول الفلسفة الماركسية-بوليتزر18

عبدالرحيم قروي

2024 / 2 / 9
الارشيف الماركسي


أصول الفلسفة الماركسية
الجزء الأول
تأليف جورج بوليتزر، جي بيس وموريس كافين
الحلقةالثامنةعشر

3 – التناقض الرئيسي والتناقض الثانوي
سوف نرى بوضوح، بعد أن أدركنا قوة الصلة بين الخاص والعام، العلاقات بين التناقض الرئيسي وبين التناقضات الثانوية. وذلك لأن أية عملية ما ليست بسيطة قط لأنها تدين بوجودها الخاص إلى عدد كبير من الشروط الموضوعية التي تصلها بالمجموع. ينتج عن ذلك أن كل عملية هي محل سلسلة من التناقضات. ومن بين هذه التناقضات، تناقض رئيسي يوجد منذ بداية العملية حتى نهايتها ويحدد وجوده وتطوره طبيعة سير العملية. أما الاخريات فهي تناقضات ثانوية تتعلق بالتناقض الرئيسي.
فما هو، مثلا، التناقض الرئيسي في المجتمع الرأسمالي؟ لا شك أنه التناقض بين البروليتاريا وبين البرجوازية. طالما وجدت الرأسمالية طالما وجد معها هذا التناقض؛ وهو الذي يقرر، في نهاية الأمر، مصير الرأسمالية لأن إنتصار البروليتاريا يؤذن بزوال الرأسمالية. ولكن إذا نظرنا للمجتمع الرأسمالي في تطوره التاريخي وجدنا فيه تناقضات أخرى ثانوية بالنسبة للتناقض الرئيسي. مثلا: التناقض بين البرجوازية السائدة وبين بقايا الاقطاعية الزائلة؛ والتناقض بين طبقة الفلاحين الكادحة (من صغار الملاكين، والخدم، والمأجورين) وبين البرجوازية، وكذلك التناقض بين البرجوازية والبرجوازية الصغرى والتناقض بين البرجوازية المحتكرة والبرجوازية غير المحتكرة، الخ... وسائر التناقضات التي تنشأ وتنمو في تاريخ الرأسمالية نفسها. ولما كان هذا النمو يتم في الميدان العالمي، وجب اعتبار التناقضات بين مختلف البلاد الرأسمالية كالتناقض بين البرجوازية الاستعمارية والشعوب المستعمرة.
ولا تتراكم هذه التناقضات كل منها فوق الأخر، بل هي تتداخل وتتفاعل حسب قانون الجدلية الأولى. فما تأثير هذا التفاعل؟ تزداد أهمية تناقض ثانوي؛ في بعض الأحوال، فيصبح لفترة معينة، تناقضا رئيسيا بينما يصبح التناقض الرئيسي الأول ثانويا (ولا يعني هذا زوال تأثيره) فليست التناقضات، إذن متحجرة بل هي تتغير.
وهكذا يصبح التناقض بين البرجوازية والبروليتاريا، في البلاد المستعمرة، ثانويا لفترة معينة، بالرغم من خطورته إذ ينحل بانتصار الاشتراكية في هذه البلاد. فيصبح التناقض بين الاستعمار المستعمِر وبين الأمة المستعمَرة (كطبقة العمال، والفلاحين والبرجوازية القومية التي تتحدد في جبهة قومية للنضال من أجل التحرر) رئيسيا.
ولا يقضي هذا على الوان النضال بين الطبقات داخل البلاد المستعمِرة. (لا سيما وأن فريقا من البرجوازية في البلاد المستعمِرة حليف للاستعمار المستعمر). غير أن التناقض الذي يجب حله أولا هو التناقض الذي يثيره الاستعمار ويحله النضال القومي من أجل الاستقلال.
يوضح لنا ستالين في كتابه: "مشاكل الاشتراكية الاقتصادية في الاتحاد السوفياتي" بصورة رائعة مشكلة انتقال التناقضات بصدد المسألة الألمانية التي تهم شعبنا كثيراً .
فهو يذكرنا أولا بأن الرأسمالية تحتوي على تناقضات داخلية خاصة وهي تناقضات موضوعية تظل ما ظلت الرأسمالية. وتدفع هذه التناقضات البرجوازية إلى البحث، في الحرب الأستعمارية، عن حل لمصاعبها.
فينتج عن ذلك، بصورة حتمية، أن مختلف البلاد الرأسمالية بعضها لبعض عدو مبين.
ولهذا كان الاعتقاد، بأن سيطرة الرأسمالية الأميركية على سائر البلاد الرأسمالية يضع حدا للتناقضات الكامنة في الرأسمالية كرأسمالية، وهماً من الأوهام. وليس لأي ميثاق كميثاق الاطلنطيك أو أي تحالف عدائي ضد روسيا أن يقضيا على هذه التناقضات. ويظهر ستالين لنا كيف أن البرجوازية الانجليزية والبرجوازية الفرنسية لا تستطيعان احتمال سيطرة الرأسمالية الاميركية على الاقتصاد في كل من بلديهما إلى ما لا نهاية. وكذلك الحال في البلاد المغلوبة كالمانيا واليابان.
ويمكن لكل واحد منا أن يتحقق، اليوم، إلى أي حد كان ستالين صادقا في قوله.
فلقد ازدادت خطورة التناقضات بين البلاد الرأسمالية (ولا سيما بين الولايات المتحدة وبين بريطانيا العظمى) بصورة هائلة منذ الوقت الذي أصدر فيه ستالين حكمه. (شباط سنة 1952 ـ حتى أن فريقا من البرجوازية الانجليزية والفرنسية تفضل الأتفاق مع الاتحاد السوفياتي على القضاء عليه في حرب ضد الاتحاد السوفياتي تحت قيادة أميركة. وهكذا يمكننا فهم أهمية حكم ستالين.
"يقولون أن التناقضات بين الرأسمالية والاشتراكية أقوى من التناقضات الكائنة بين البلاد الراسمالية. وهذا صحيح من الناحية النظرية، ولا يصح هذا اليوم فقط بل كان هذا صحيحا قبل الحرب العالمية الثانية. وهذا ما أدركه زعماء البلاد الرأسمالية ومع ذلك لم تبدأ الحرب العالمية الثانية بمحاربة الاتحاد السوفياتي. فلماذا؟ لأن الحرب ضد الاتحاد السوفياتي في بلاد الاشتراكية، هي أولا، أخطر بالنسبة للرأسمالية من الحرب بين البلاد الرأسمالية، لأنه إذا كانت الحرب بين البلاد الرأسمالية تثير فقط مشكلة سيطرة بعض البلاد الرأسمالية على الأخرى، فأن الحرب ضد الاتحاد السوفياتي تثير بالضرورة مسألة وجود الرأسمالية نفسها. ولأنه، بالرغم من أن الرأسماليين يثيرون الضجيج حول نزعة الاتحاد السوفياتي العدائية، على سبيل "الدعاية"، فهم لا يؤمنون بهذا هم أنفسهم لأنهم يحسبون حساب سياسة الاتحاد السوفياتي السلمية، ويعرفون أن الاتحاد السوفياتي لن يهاجم البلاد الرأسمالية .
ويستعرض ستالين الحوادث السابقة على الحرب العالمية الأولى، إذ مهما كان عداء البلاد الرأسمالية نحو البلاد الاشتراكية، فأن ألمانيا الاستعمارية (التي جددتها البرجوازية الانجليزية والفرنسية أملا في أطلاق الجحافل الهتلرية ضد الاتحاد السوفياتي) قد وجهت أولى ضرباتها إلى المجموعة الرأسمالية المؤلفة من انجلترا وفرنسا وأميركا. حتى إذا ما أعلنت ألمانيا الهتلرية الحرب على الاتحاد السوفياتي، اضطرت هذه المجموعة، بدلا من أن تنضم إلى ألمانيا الهتلرية، إلى التحالف مع الاتحاد السوفياتي ضد ألمانيا الهتلرية .
نستخلص من ذلك أن نضال البلاد الرأسمالية من أجل امتلاك الأسواق، ورغبتها في القضاء على منافسيها كانا أقوى من التناقضات بين المعسكر الرأسمالي والمعسكر الاشتراكي .
يجب علينا أن ننتظر مثل هذا الانتقال بين التناقضات، فيصبح تناقض ثانوي، لفترة ما، التناقض الرئيسي وما يتبع من نتائج عملية وهما نتيجتان:
أ) تهدف اعادة تسليح الجيش الالماني (Wehrmacht) على يد القواد من مجرمي الحرب، بالاشتراك مع البرجوازية الفرنسية، إلى الاعتداء على الاتحاد السوفياتي. ولكن كما أن هتلر احتل باريس عام 1940 قبل أن يسير إلى موسكو، وكذلك يستعد مجرمو اورادور إلى احتلال بلادنا (فرنسا) وتخريبها، مرة أخرى، لحل مشاكلهم الاقتصادية.
وليس هناك من مجال للشك في سياسة اديناور، حامي النازيين وشريكهم، بهذا الصدد. وكذلك يجب فهم ايزنهاور حين يصرح بقوله: "من مصلحتنا، كما أن مهمتنا، اعداد الجيش الألماني ليهجم في الاتجاه الذي نراه، نحن الأميركيين، ضروريا". وأن فرنسا التي انهكتها الحرب في الهند الصينية وعبث بها الاستعمار الأميركي لفريسة أهون على البرجوازية الالمانية أن تلتهمها (بعد أن استعادت مكانتها بفضل البرجوازية الفرنسية ؟) من التهام الاتحاد السوفياتي القوي.
ب‌) تزداد أهمية التناقضات بين البلاد الرأسمالية بحيث يصبح من الصعب على الاستعمار الأميركي أن يفرض سلطته في هذه المأسدة. وما التأخر في الموافقة على اتفاقات بون ومعاهدة باريس الا مثال على ذلك.
ولما كانت الدبلوماسية السوفياتية تسيطر تماما على جدلية الأضداد فانها تستفيد إلى أقصى حد من التناقضات بين الرأسماليين (فيعمل الاتحاد السوفياتي على نمو تجارته مع انجلترا الرأسمالية). وهكذا يكون التعايش السلمي بين النظم المختلفة ثمرة نضال تقوم فيه التناقضات الداخلية للرأسمالية، وأن كانت ثانوية بالنسبة للتناقض الرئيسي بين الرأسمالية والاشتراكية، بدور مهم.
وإذا ما طبقنا هذه الطريقة في التحليل على فرنسا اليوم لظهرت لنا مجموعة معقدة جدا من التناقضات: كالتناقض بين البروليتاريا والبرجوازية؛ والتناقض بين البرجوازية الصغيرة (في المدن والقرى) والبرجوازية الكبيرة، والتناقض بين طوائف البرجوازية المتعادية؛ الخ.. كما أن هناك التناقض، في الميدان الخارجي، بين الاستعمار الفرنسي والشعوب المستعمرة التي يستغلها؛ والتناقض بين الاستعمار الفرنسي وسائر ضروب الاستعمار (كالاستعمار الأميركي والاستعمار الألماني الجديد).
كذلك التناقض بين الرأسمالية الفرنسية والاشتراكية.
فهل يمكننا أن نجعل جميع هذه التناقضات على مستوى واحد؟ كلا. لأننا إذا نظرنا إلى المجتمع الفرنسي المعاصر في مجموعه وجدنا أن التناقض الرئيسي هو النضال بين البروليتاريا والبرجوازية، ذلك النضال الذي يخترق تاريخ فرنسا ضد انتصار الثورة البرجوازية كخيط أحمر، وسوف تقرر خاتمة هذا النضال مستقبل البلاد بانتصار الاشتراكية. ولقد استعانت البرجوازية الرأسمالية بالاستعمار الأميركي لحمايتها. فتنكرت بذلك لمصالح الأمة. لأن سياستها الطبقية تجعلها تقف في وجه البروليتاريا الثورية ووجه سائر الطبقات، ومنها تلك الطائفة من البرجوازية التي لا تستفيد من سيطرة اميركا. ينتج عن ذلك أن ينمو التناقض الثانوي الذي نشأ عن التناقض الرئيسي (وهو وقوف الاستعمار الأميركي والبرجوازية ضد الأمة الفرنسية بقيادة الطبقة العاملة) ولقد ازدادت أهمية التناقض الثانوي حتى أصبح، لفترة ما، التناقض الرئيسي. ولهذا فأن المهمة الملقاة على عاتق الشيوعيين، حاليا، وهم طليعة الطبقة العاملة في الأمة، هي حل هذا التناقض برفع لواء الاستقلال القومي، الذي تدوسه البرجوازية المنحطة بارجلها، في جبهة قومية.
يتضح أن الحزب الثوري الذي لم يتسلح كفاية نظريا لا يمكنه أن يفهم الحركة المتبادلة بين التناقضات ويتنبأ بها. فيصبح عالة على الحوادث.
4 – المظهر الرئيسي والمظهر الثانوي للتناقض
لا تقوم دراسة الميزة الخاصة بالتناقضات في حركتها على التمييز بين التناقض الرئيسي والتناقضات الثانوية بل هي تؤدي أيضا إلى اظهار أهمية كل من المظهرين النسبية في كل تناقض.
ويحتوي كل تناقض بالضرورة على مظهرين يحدد تناقضهما التطور الذي ندرسه. ولا يجب أن نضع هذين المظهرين ـ أو هذين القطبين ـ في مستوى واحد. ولنمثل على ذلك بالتناقض أ ضد ب و ب ضد أ. إذا كانت أ و ب قوتين متساويتين دائما لم يحدث أي شيء إذ تتعادل القوتان إلى ما لا نهاية وتتوقف كل حركة. هناك دائما، إذن، قوة تتغلب على الأخرى ولو قليلا فينمو بذلك التناقض. نطلق اسم المظهر الرئيسي للتناقض على المظهر الذي يقوم بدور رئيسي، في وقت ما، أي أنه يحدد حركة الاضداد المتنازعة. والمظهر الثاني هو المظهر الثانوي.
ولما كان كل من التناقض الرئيسي والتناقض الثانوي يمكنهما أن يغيرا مكانهما ـ فينتقل التناقض الثانوي ويحتل المكان الرئيسي ـ كذلك فان وضع المظهر الثانوي والمظهر المتبادل في تناقض ما متحرك فيتحول المظهر الرئيسي، في بعض الظروف، إلى مظهر ثانوي كما يتحول المظهر الثانوي إلى مظهر رئيسي.
فالماء الذي تحدثنا عنه في الدرس الرابع محل لتناقض بين قوة الجمع التي تنزع لجمع الجزيئات وقوة التفريق التي تنزع لابعادها. فالمظهر الرئيسي للتناقض، في حالة تجمد الماء، هو قوة الجمع، بينما المظهر الرئيسي في حالة تحول الماء إلى بخار هو قوة التفريق. أما حالة السيولة فهي حالة توازن غير مستقر بين القوتين.
ولقد كان مظهر التناقض الرئيسي، في فرنسا، في العهد القديم، بين الاقطاعية والرأسمالية هو مظهر "الإقطاعية". ولقد نمت البرجوازية الرأسمالية في نضالها ضد العلاقات القديمة للإنتاج بصورة جعلتها تفرض سيطرة علاقات جديدة رأسمالية. وهكذا أصبحت هذه العلاقات، بعد أن كانت مظهرا ثانويا؛ المظهر الرئيسي.
ملاحظة مهمة
رأينا أن التحول الكيفي يحدث (راجع الدرس الرابع) حين يتغير وضع كل من مظهري التناقض بصورة جذرية فيصبح المظهر الرئيسي ثانويا، ويصبح المظهر الثانوي رئيسيا، وكذلك تتفرق الوحدة القديمة ليحل محلها وحدة جديدة من الاضداد.
ولهذا فأن تحديد المظهر الرئيسي أساسي لأن هذا المظهر هو الذي يحدد حركة التناقض. والمظهر الرئيسي للتناقض الرئيسي. تلك هي النقطة الحساسة في التحليل الجدلي. ولا يعني هذا أن المظهر الثانوي لا فائدة منه. لأنه إذا نظرنا إلى النضال بين القديم والحديث لوجدنا الحديث، عند ظهوره، شديد الضعف، فهو ليس سوى المظهر الثانوي للتناقض. ولكن المستقبل له لأنه حديث؛ فسوف يصبح المظهر الرئيسي وسوف يؤدي انتصار إلى تغيير كيفي.
وإذا مادرسنا المادة التاريخية رأينا كيف أن الإنتاج يتطور على أساس تناقض رئيسي بين علاقات الإنتاج وميزة قوى الإنتاج، وكيف أن المظهر الرئيسي لهذا التناقض يكون تارة قوى الانتاج وتارة علاقات الإنتاج (راجع الدرس السادس عشر).
وهناك مثلا اخر:
يكون التطبيق الاجتماعي والنظرية الثورية وحدة من الأضداد يؤثر كل منها في الاخر. والمظهر الفعال، إذا نظرنا إلى العملية خلال فترة طويلة من الزمن، هو التطبيق: ولهذا لم تتكون الماركسية ولم تتقدم الا بفضل نضال البروليتاريا الموضوعي، ولكن يصبح، في فترة معينة، المظهر الثانوي رئيسيا ويصبح للنظرية قيمة خطيرة، وهكذا لو أن الحزب البولشفيكي عام 1917 لم يكن محقا في تقديره النظري للحالة الموضوعية لما استطاع أن يصدر الاوامر الخاصة بهذه الحالة؛ ولما استطاع تجنيد الجماهير وتنظيمها للقيام بهجومها المظهر، ولاصبح مستقبل الحركة الشيوعية في روسيا مزعزعا لمدة طويلة. ولهذا ليس المظهر النظري مهماً فقط بل هو يصبح المظهر الرئيسي في بعض الأحوال.
فنحن حين نقول مع لينين: "بأنه لا وجود للحركة الثورية بدون النظرية الثورية" يقوم كل من ابداع النظرية الثورية واشاعتها بالدور الرئيسي. وهكذا يصبح اعداد التوجيه والمنهج ووضع الخطط واصدار التعليمات لتنفيده شيئا أساسيا عند تنفيذ كل أمر، وتمس الضرورة إلى التوجيه والمنهج والخطط والتعليمات .
وهكذا يتفاعل العامل الموضوعي مع العامل الذاتي ولهذا وجب تقدير أهمية كل منهما النسبية في كل وقت.
فهل تقلل هذه النظريات من قيمة المادية؟ كلا. لأننا نجد عبر مجرى التطور التاريخي، أن المبدأ المادي يحدد المبدأ الروحي، والكائن الاجتماعي يحدد الوعي الاجتماعي، كما نجد تأثير المبدأ الروحي على المبدأ المادي، وتأثير الوعي الاجتماعي على الكائن الاجتماعي .
ويلاحظ ماوتسي تونج أن ذلك يعني أفضلية المادية الجدلية على المادية الآلية (الميكانيكية) (الميتافيزيقية لأن العنصر الرئيسي فيها يظل رئيسيا كما يظل العنصر الثانوي ثانويا مهما تبدلت الظروف والاحوال).
5 – خلاصَة عَامّة عَن التَنَاقض
الجدلية هي دراسة التناقض في جوهر الأشياء نفسها .
ويلح لينين على أهمية هذا القانون الرابع العظيمة التي يعتبرها أسس الجدلية. ولهذا يصيب العجز عن فهم هذا القانون الاشتراكية في الصميم. وأشهر مثال على ذلك هو برودون. فلقد صنف ماركس، في "بيان الحزب الشيوعي" برودون ضمن الاشتراكية المحافظة أو البرجوازية.
إذ يسعى الاشتراكيون البرجوازيون لتأمين ظروف المجتمع الحديث بدون النضال من أجل ذلك وما يتبع ذلك النضال من أخطار لا مفر منها. فهم يريدون المجتمع الحالي من العناصر التي تبعث فيه الثورة وتؤدي إلى انحلاله، أي أنهم يريدون البرجوازية بدون البروليتاريا .
ويعتبر برودون وحدة الاضداد كوحدة بين الصالح والطالح. لهذا يريد أن يزيل الطالح ويحتفظ بالصالح، وهذا نكران للطابع الداخلي للتناقض: لأن التناقض بين البرجوازية والبروليتاريا هو الذي يكون المجتمع الرأسمالي، ولا يمكن للاستغلال الرأسمالي أن يزول الا بزوال هذا التناقض. ولهذا كان التوفيق بين مصالح طبقات متناقضة في الاساس ضربا من الوهم. ويعرف ماركس برودون بقوله: كان يريد التحليق، كرجل علم، فوق البرجوازيين والبروليتاريين؛ وهو بهذا ليس سوى ذاك البرجوازي الصغير الذي يتنازعه كل من رأس المال والعمل .
يؤدي هذا الجهل للجدلية ببرودون إلى النزعة الاصلاحية، وإلى إنكار العمل الثوري أي النضال الطبقي. ولهذا لا نعجب من كتابه للإمبراطور نابوليون الثالث (في رسالة 18 أيار 1850):
"دعوت إلى التوفيق بين الطبقات رمز التوفيق بين العقائد" أو أن يكتب في كراسة ملاحظاته عام1847:
"يجب أن أحاول التفاهم مع جريدة (Le Moniteur lndustriel) وهي صحيفة الأسياد، بينما تصبح جريدة "الشعب" صحيفة العمال: كما يصرح بعد انقلاب بادنجيه.
"لويس نابوليون هو، كعمّه، دكتاتور ثوري، مع هذا الفارق وهو أن القنصل الأول ختم الطور الأول للثورة، بينما يفتتح الرئيس الطور الثاني".
ويحاول الزعماء الاشتراكيون كبلوم (مؤلف على "المستوى الإنساني" وجول موش في "موازناته" التي تحدثنا عنها في درس سابق) أن يرقعوا مذهب برودون بحجة احترام "القوانين العامة للتوازن والاستقرار".
وبهذا يفسرون لنا استسلامهم أمام البرجوازية وتصرفهم على أنهم "المشرفون الأمناء على الرأسمالية" ويعني "نضالهم" المزعوم على "جبهتين" وتكوينهم "القوة الثالثة" في زعمهم، الاستسلام ووضع البروليتاريا تحت رحمة البرجوازية. ولهذا كانت الاشتراكية الديمقراطية تعني الانتهازية على طول الخط، فوجب على البروليتاريا محاربتها بدون هوادة إذا أرادت قهر عدوها الطبقي.
واشتراكية ماركس وانجلز ولينين وستالين العلمية هي وحدها الاشتراكية الثورية لأنها تقدم نضال الاضداد على كل شيء، وذلك لأنه قانون أساسي للواقع. ولهذا تحارب بدون شفقة "نقيض" البروليتاريا الثورية الا وهي البرجوازية الرجعية كما تحارب زعماء الاشتراكية الديمقراطية الذين يحاولون اخفاء التناقضات ليقضوا على البروليتاريا وهي في خضم المعركة.
ومثال المناضل الجدلي الذي يعرف أفضيلة نضال الأضداد المجددة هو، في فرنسا، موريس توريز. فلقد كتب في "ابن الشعب" يذكر فترة تعليمه كزعيم ثوري، يقول: "استقر في ذهني فكرة رئيسية لماركس وهي أن الحركة الجدلية تدفع بالثورة ونقيضها في نضال مستمر، فتجعل الثورة نقيضها يستميت في محاربتها، كما أن نقيض الثورة يدفع بالثورة إلى التقدم ويضطرها إلى تأليف حزب ثوري لها ".
ولا تعيننا الجدلية فقط على فهم التناقض الرئيسي الذي يكونه النضال الطبقي (نضال البروليتاريا ضد البرجوازية)، ذلك النضال الذي سيولد الاشتراكية، بل هي تمد البروليتاريا بالوسيلة التي تمكنها من التعرف على القوى الهائلة التي يمكنها الاستعانة بها في محاربة البرجوازية. ذلك لأن ازدياد سياسة البرجوازية الرجعية يثير معارضة طبقة الفلاحين الكادحة والطبقات الوسطى والمثقفين الخ..
كل هذه التناقضات تكشف عنها الجدلية على يد موريس توريز الماهرة وهو صاحب نظرية الجبهة الشعبية لمقاومة البرجوازية الرجعية والجبهة القديمة لاستغلال البلاد.
ولا تبدو جميع التناقضات لأول وهلة. ولهذا يتخطى الجدلي الظاهر إلى الحقيقة ولا يستسلم لللجوج الذي يعيق الحركة وهو يريد زيادة سرعتها. كذاك المستخدم الصغير الذي يعطي صوته لحزب ديغول (.F.R.P) ويقرأ جريدة "الفجر"، ويقتات من الشيوعية". هل هو رجعي؟ يعني مثل هذا القول أننا لا نسبر غور الحقيقة، لأنه إذا كان هذا المستخدم يصوت مع حزب ديغول ويقرأ "الفجر" فذلك لأنه غير راض ويعتقد أنه يجد في حزب ديغول و "الفجر" حلفاء له. يعكس مسلكه اذن بصورة ذاتية التناقضات الموضوعية التي ذهب ضحيتها. ويهتم المناضل الذي يسيطر على النظرية بأن يساعد هذا البرجوازي الصغير المستاء على النظر الصحيح في نفسه، وعلى إدراك التناقضات الموضوعية الكافية في الرأسمالية والتي ذهب ضحيتها فيدرك، حينئذ، أن حل هذه التناقضات لا يمكن أن يأتي الا بواسطة النضال الذي تقوم به البروليتاريا بالتحالف مع جميع العمال، وليس بواسطة حزب ديغول وجريدة "الفجر" اللذين يستميتان في الدفاع عن حرية كبار الرأسماليين بأسم "حرية الصغار".
ملاحظة
لا صلة للبحث عن التناقضات باختلاط الأفكار. إذ لا يجب أن نخلط بين كل شيء بحجة البحث عن وحدة الاضداد. ولهذا فالفكر الذي يناقض نفسه ليس فكرا جدليا. لماذا؟ لأن الفكر الجدلي يدرك التناقض، أما الفكر الذي يناقض نفسه فانه يذهب ضحية هذا التناقض لأنه فكر مشوش.
مثال: ردد بعض الرؤساء البرجوازيين والاشتراكيين الديمقراطيين خلال سنوات القول: "نرغب في المقاومة في الفيتنام وإقرار السلام، ولكننا لا نرغب في مفاوضة "هو شي منه" وهذا تفكير مناقض للجدلية لأنه يدير ظهره للواقع. وذلك لأن إقرار السلم يعني المفاوضة مع العدو، وعدو البرجوازية الاستعمارية في الفيتنام هو "هو شي منه" وليس غيره.
هذا التفكير إذن خاطيء. وإذا بحثنا عن سبب ذلك لوجدنا أن هذا التفكير خاطىء لأنه يكشف عن تناقض موضوعي يذهب ضحيته من يتحدثون على هذه الوتيرة: وهو التناقض بين مصالح المستعمرين، الذين يرغبون في استمرار الحرب، وبين مصالح الشعب الذي يريد السلم (وهذا ما يدفع الاستعماريين إلى الحديث عن السلم)
يمكن لتفكير خاطىء مشوش أن يعبر، إذن، عن واقع موضوعي جدلي. وهكذا ينتقل التحليل الجدلي من التفكير الخاطىء إلى الواقع الذي يخفيه أو يجهله.
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Politics vs Religion - To Your Left: Palestine | فلسطين سياس


.. ماذا تريد الباطرونا من وراء تعديل مدونة الشغل؟ مداخلة إسماعي




.. الجزيرة ترصد مطالب متظاهرين مؤيدين لفلسطين في العاصمة البريط


.. آلاف المتظاهرين في مدريد يطالبون رئيس الوزراء الإسباني بمواص




.. اندلاع اشتباكات عنيفة بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهرين في تل