الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاقناع والاقتناع بين فن المرافعة واتجاهات الرأي العام

سالم روضان الموسوي

2024 / 2 / 10
دراسات وابحاث قانونية


ان العمل القانوني وبصوره المتعددة في المحاماة والقضاء والتشريع والثقافة وحتى على مستوى اللغة المستخدمة والابعاد الاجتماعية والاقتصادية وغيرها، يعتمد على قوة الحجة لكسب ميل الاخر او الاخرين تجاه المبدأ المنادى به، لذلك تجد عدد من الناشطين في المجال القانوني واهمهم وواسعهم نشاطاً هو المحامي، فانه تارة يكون وكيلاً في دعوى لطرف المدعي وأخرى لجانب المدعى عليه،
وانه يعمد الى كسب الدعوى لصالح موكله وتسمى (الاقناع)، ولا وسيله له في ذلك سوى ان يتبع السبل التي تقنع القاضي او المحكمة بوجهة نظره القانونية، وبوسائل بعضها محددة بحكم القانون وهي وسائل الاثبات والنصوص القانونية الموضوعية والاجرائية، وأخرى من خلال الاستدلال بالوقائع، الا انها جميعاً بحاجة الى وسيلة لإيصالها الى ذهن القاضي او هيئة المحكمة، وهذه الوسيلة اما بالكتابة واستخدام الجمل التركيبية في اللوائح القانونية، او شفاهاً بالخطاب الشفوي الذي يتضمن ايضاً جمل تركيبية، وفي كل هذا المعترك لابد له من اختيار تلك الجمل بعناية تتناسب وهدفه في العرض لكسب الدعوى عند استعراض الوقائع، وكل العملية تنصب الى اقناع الطرف الاخر وهو القاضي، لان جل خطابه ولوائحه تنصب على إقناعه هو وليس أي طرف اخر، لذلك قال المختصون بان الاقناع يتجه نحو متلقٍ مخصوص بعينه، وفي فن المرافعة ان المتلقي هو القاضي او هيئة المحكمة،
كما يشير ذات المختصون في علم اللسانيات في اللغة الى ان هذا الاقناع يعتمد على عنصرين، الأول عنصر العاطفة أي ان المحامي يسعى لأثارة عاطفة القاضي نحو طرف موكله، والعنصر الثاني هو الخيال، بمعنى انه يسعى لرسم صورة في خيال القاضي تجاه الوقائع التي يسعى لإبرازها، سواءً كانت وقائع سابقة على المرافعة بان يعيد صياغة تصورها على وفق يتجه نحو مصلحة موكله، لينقلها الى مرحلة التصديق من قبل القاضي، او تكون الوقائع بأصلها تخيلية يسعى المحامي الى رسمها في مخيلة القاضي لما سيحدث من اثر عند اصدار الحكم او بعد صدوره، وهذه هي مهمة المحامي في فن المرافعة وهي مهمة تكاد تكون حصرياً للمحامي لان غيره لا يمكنه الترافع في الدعاوى عن الاخرين،
لكن في غير فن المرافعة نرى المحامي وغيره من العاملين في المجال القانوني لهم دور في صناعة الرأي العام القانوني والتحشيد لترسيخ فكرة معينة لدى العامة من اجل تمرير مشروع قانون او معالجة قضية عامة وغيرها، في هذه الحالة المحامي لا يمارس الاقناع، لأننا اوضحنا انه يقتصر على شخص بعينه، بعينه وهو القاضي، وله أدوات وعناصر خاصة به،
اما دوره في الأمور العامة ومنها الرأي العام فانه يعمل ترسيخ (الاقتناع) لدى العامة، بمعنى ان خطابه سواء كان شفوي او تحريري يستهدف عامة الناس واشخاص غير محددين بذاتهم، وهذا يسمى عند المختصين بالاقتناع، لأنه يوجه لكل ذي عقل، بمعنى ان الخطاب يستهدف اشخاص ذوي صفة محددة وهي اقترانهم بالعقل، وفاقد العقل او القاصر عن الفهم لأسباب وعوارض تتعلق بقابليته الذهنية لا يوجه لهم، وبذلك يتسم بالعموم الاوسع من التحديد الوارد في الاقناع الموجه الى شخص بعينه،
وهذا الاقتناع الموجه الى العامة له أساليب وأدوات لغوية تختلف عن الاقناع الموجه الى القاضي، ومنها حث العامة على التفكير بقضية تمثل هماً مشتركا لأكثر عدد من الأشخاص، مثل قضية حضانة الأطفال، وكذلك استهداف عقلهم بخلق صور من المعقولية، لان بعض المخاطبين ليس لهم مشكلة في قضية الحضانة الا انهم مؤثرون في طرح المعالجة،
ومن خلال هذا التفريق بين الاقناع والاقتناع، لابد لنا من بيان الأسباب التي دعت الى اثارة الموضوع، والتي تتعلق بظهور عدد من المحامين المحترمين في وسائل الاعلام او من خلال النشر في الصحف او وسائل التواصل الاجتماعي للمناداة بفكرة عامة يسعى من خلالها الى طرح فكرة الاقتناع للعامة بأدوات ووسائل تدور في نطاق الاقناع التي تستهدف شخصاً بعينه، او على العكس نجد ان بعضهم يسعى لاتباع وسائل الاقتناع في موضوع قضية يترافع فيها، لإقناع شخص القاضي بعينه لا سواه، مما يجعل من النتائج المتوخاة غير مشجعة،
بل ان بعضهم يبدي امتعاضه، لعدم الاستجابة لما نادى به، وينسى او يتناسى او قد لا يعلم بانه اتبع سبيلاً غير موفق للوصول الى غايته، ويصب جام غضبه على الاخر، مع ان بعضهم يقول بانه قد استدل بالعديد من النصوص والوقائع، وهذا قد يربك الفهم لدى الاخر بما فيهم القاضي، لان الاستدلال هو غير الاقتناع ، حيث ان الاستدلال كما يراه المختصون هو ذو عناصر أحادية المعنى، ولهذا سهل فهمه لدى العامة دون اختلاف واضح لأنه لا يوجه بالضرورة لمقام مخصوص بعينه، كما أن نتائجه محددة لدى العامة في مقدماته، ولا تطرح أي إشكال او تعقيد في الفهم، اما الاقتناع فانه وسط بين الاقناع والاستدلال،
وفي الختام لابد من مراعاة أسلوب الخطاب والهدف المتوخى الوصول اليه عند تقديم اللوائح او الترافع الشفوي في الدعاوى، وان لا نقع في وهم الاشتراك بينه وبين قضايا الرأي العام التي يكون بعضها بينهم مشتركات، مثل قضايا الحضانة كما اشرت اليه او قضايا العفو العام وقضايا الانتخابات وغيرها، وافضل وسيلة لوصولنا الى الى ذاك المراد ان نستمر في القراءة التخصصية والعامة، وان لا نقف عند النص القانوني ، وان كان هو الأصل وهو الضروري، وانما لابد من معرفة سائر العلوم الأخرى والتي على صلة مباشرة بالقانون، واكاد اجزم لا توجد فسحة في الحياة ليس فيها قانون، سواء بوصفه الوصفي والتحليلي او بوصفه، أداة ناظمة للحياة بكل نواحيها.
قاضٍ متقاعد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أعداد الشهداء الفلسطينيين تتزايد جراء الهجوم على غرب رفح.. و


.. الشاباك يتخلى عن اعتقال المزيد من الفلسطينيين بسبب اكتظاظ ال




.. الأونروا تحذر من استمرار توقف دخول المساعدات من معبر رفح


.. تونس...منظمة مناهضة التعذيب تحذر من تدهور الوضع الصحي داخل ا




.. الأونروا مصممة على البقاء..والوضع أصبح كارثي بعد غلق معبر رف