الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفيلم ألايطالي - أنا الكابتن- دعوة الى وقف الاتجار بالمهاجرين من أرض أفريقيا

علي المسعود
(Ali Al- Masoud)

2024 / 2 / 10
الادب والفن


الفيلم ألايطالي " أنا الكابتن" دعوة الى وقف الاتجار بالمهاجرين من أرض أفريقيا


تنطوي ظاهرة الهجرة على عامل مزدوج (أو متعدد) لكل من المكان والزمان . والهجرة تنظمها دوافع ودرجات مختلفة جدا من الحرية والقيود والفرص والحقوق والواجبات التي تؤثر أيضا بشكل غير متماثل ومتزامن على النظم الإيكولوجية، وعلى أصول ووجهات الحركة والعبور وكذالك الوجهة العشوائية أو الاختيارية وفي ظل وجود الدساتيرالحديثة بين الدول التي تحدد طبيعة الهجرة، ومهما أصبحت التحولات المادية السريعة في القرون الأخيرة، لا يوجد أبدا تزامن بيئي واقتصادي وثقافي ومؤسسي كامل . عندما تهاجر هناك عبور جغرافي وتجارب اجتماعية ، ووفيات ويأس، ولقاءات وولادة جديدة. ما يجب أن ندركه هو أن كل شخص تقريبا على وجه الأرض ومنذ ألآلاف السنين قد (أحب) هواء الوطن ورائحة الاهل والاحبة ولكن الهروب منه وعدم تحمله فقط عندما يكون ملوثا جدا أو منغمسا في انتهاكات حقوق الإنسان ،والعيش في ظل الديكتاتورية والجوع والعطش والفقر والاضطهاد والعنف والصراعات . إذا أعدنا نظرنا اليوم ( بدايةعام 2024) إلى ناغورني كاراباخ (ولعدة قرون في الأرمن الذين تعرضوا للتهجير وإساءة معاملتهم) أو قطاع غزة (وحتى في السنوات ال 75 الماضية فقط إلى قضية اللاجئين الفلسطينيين) فإننا نأخذ في الاعتبار، ما يعانيه المهاجرون اللاجئون بعد مغادرة أراضيهم من المزيد من المعاناة المادية والنفسية والجسدية والغذائية والعاطفية . عبر أكثر من 2.6 مليون شخص البحر الأبيض المتوسط من عام 2014 حتى الوقت الحاضر، هاربين من الحرب والفقر وفقد أكثر من 29100 حياتهم في رحلات الأمل المرعبة والمخيفة والمهينة . هناك أفلام تناولت موضوع الهجرة تستحق أن تشاهد لقيمتها السينمائية ولجودتها الجمالية أو الكتابة، والبعض للمشاعر التي يمكن أن تنقلها ، منها فيلم المخرج الايطالي (ماتيو غارون). الذي يحمل عنوان " أنا الكابتن" . أستمد المخرج قصته من زياراته إلى مراكز الاستقبال في كاتانيا، المدينة التي تقع على الساحل الشرقي لجزيرة صقلية، عندما أخبره صديق كان يدير مركز استقبال في صقلية قصة صبي قاصر (فوفانا أمارا) الذي أنقذ مئات الأشخاص على متن قارب غادر ليبيا، ولكن بمجرد وصوله إلى إيطاليا اتهم بالمساعدة في الهجرة غير الشرعية وانتهى به الأمر في السجن لمدة ستة أشهر . وكذالك الاجتماعات مع كواسي بلي أداما مامادوم وفوفانا أمارا، اللذان أصبحا في الفيلم أبطال القصة .
قصة الفيلم حقيقية ، تؤكد نفسها في لحظة تاريخية (وسياسية) عاجلة بشكل رهيب على الموضوعات الملهمة للفيلم . الحكاية يجسدهما سيدو الممثل السنغالي الشاب سار سيدو (جائزة مارسيلو ماستروياني في مهرجان البندقية) ومصطفى فال ، اللذان يحتفظان بأسمائهما الأصلية في سيناريو في الفيلم ، شابان متحمسان (وساذجان) يوحدهما ما يمكن أن نسميه "الحلم الأوروبي" مدفوعا في تأثيرات العولمة في الشهرة والنجاح والخلاص الاجتماعي يتجاوزان الحدود الجغرافية (والبشرية) . الفيلم يروي رحلة شابان أفريقيان وهما سيدو سار وموسى فول ، اللذين قررا مغادرة داكار للوصول إلى أوروبا . سيدو وموسى هما ابنا عم سنغاليان لا ينفصلان لهما نفس الآمال والطموحات مثل أي مراهق يحمل في الشهرة والثراء . لديهم حياة بسيطة وروابط عائلية قوية وتضامن بين الجيران رغم فقرهم . حين يتابع الشباب مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي على هواتفهم المحمولة جانب من الحياة الأوروبية يحلمون بأن يصبحا مطربان للراب مشهورين ويرسلان الأموال لدعم والديهم . على عكس الآلاف من المهاجرين الفارين من الحروب الأهلية أو المجاعات، يريد سيدو وموسى المغادرة لتحقيق تطلعاتهما ، يحلم المراهق سيدو بأن يصبح نجم بوب في أوروبا رغم تحذير والدته له من تلك المغامرة ، عندما يخبر سيدو أمه في رغبته في الرحيل مع موسى، تغضب بشدة وتنهره وتحذره من الموت الذي ينتظره كما حدث للكثيرين . "هل تعرف كم أولئك الذين غادروا ماتوا في الصحراء! ، هل تعرف كم عدد الذين غرقوا في البحر؟". أو "عليك البقاء وتتنفس الهواء الذي أتنفسه "، رغم ذالك ، يسافر سيدو ضد إرادة والدته (سيدوس موتر) . مع قليل من الأموال التي لن تكون كافية وقمصان نتنة لفرق كرة القدم (برشلونة و ريال مدريد يتسلل الاثنان ليلا من وراء أسرتيهما، ثم يركبان حافلة تنقلهما إلى مالي، وهناك يدفعان مبلغا محترما من مدخراتهما للحصول على جوازي سفر مزورين. وفي مفارقة طريفة، يوقفهما ضابط الحدود المالي عند عبورهما إلى النيجر، فهما يرتديان نفس القميصين اللذين في صورة جواز السفر، مع أن تاريخ صدور الجوازين قبل سنتين، ومن أجل تجاوز هذه المعضلة يتعين عليهما دفع مبلغ آخر رشوة، وسيبقى نزيف الرشوة مستمراً طوال تلك الرحلة ، لكن مالي وليبيا والبحر الأبيض المتوسط ستكون قبل كل شيء مراحل رحلة من جميع الفصول المؤلمة تقريبا، بين سوء المعاملة والعنف والعطش والجوع والعبودية والجروح والاستغلال، في طريق يمكنك فيه الموت في كل منعطف وربما ينتهي بك الأمر مثل الجثث المنسية على طول طريق الأمل .

" آيو كابيتانو " قصة مؤثرة وقاسية ولكنها واحدة من أفضل القصص التي تم سردها في هذه الفترة. أقتبس أحد الحوارات القليلة من والدة سيدو: "عليك أن تتنفس نفس الهواء الذي أتنفسه". تعبًر هذه الجملة عن الصلة العميقة بين الابن والأم، ولكن أيضا الصراع بين الرغبة في البقاء والرغبة في الذهاب. يعرف سيدو أن والدته تحبه وتريد حمايته، لكنه يشعر أيضا بالحاجة إلى متابعة أحلامه والبحث عن حياة أفضل . العبارة هي أيضا استعارة للرحلة التي سيتعين على سيدو مواجهتها، وهي رحلة غالبا ما يكون فيها الهواء غريباً وملوثا وخانقا . رحلة حيث سيتعين على سيدو أن يكافح من أجل التنفس والعيش. أدهشتني العبارة لأنها جعلتني أفكر في العلاقة بين الآباء والأطفال، وبين الجذور والأجنحة، وبين الانتماء والحرية . لكن سيدو وموسى لا شيء يمكن أن يثنيهم . لا يهرب الصبيان من الحرب أو الجوع، بل يتبعان ببساطة حلما ويتجاهلان علامات التحذير التي تأتي من مجتمعهما . إنهم على استعداد لفعل أي شيء، ساذج ولا يعرف الخوف طريقه الى قلبيهما ، ولا يصدقون الحكايات الدرامية لأولئك الذين قاموا بالفعل "بالرحلة " ، هل سيكونون قادرين على إعطاء الواقع لآمالهم بمجرد وصولهم لشواطئ أيطاليا؟ . سوف يصبح الحلم كابوسا. وستتحول الرحلة إلى أوروبا إلى أوديسة معاصرة، طريق الصحراء الشاق مع "المحطات" الرهيبة، ومراكز احتجاز العصابات الإجرامية الليبية . بالنسبة للمهاجرين الشابين، ستصبح الأحداث المؤلمة التي سيتعين عليهما مواجهتها مراحل من مسار النضج والنمو الداخلي. لن يفقد سيدو أبدا الأمل في العثور على موسى بعد خطفه من المسلحين الليبيين ومحاولة إنقاذه، مع الحفاظ في جميع الظروف على تلك البراءة ونقاء الروح التي غادر بها القرية .

فيلم " أنا الكابتن" في الواقع ينضح بالإنسانية حتى في أكثر المواقف المأساوية، يتشبث بطل الرواية بالشعور بالأخوة والبقاء على إنسانيته . لا تنطفأ شعلة الأمل أبدا، حتى في أكثر اللحظات فظاعة وقسوة ، يروي الفيلم رحلة سيدو وموسى ومخاطر الصحراء ومزالق البحر وغموض الروح البشرية. تمكن المخرج الأيطالي "غارون " من معرفة معاناة وشجاعة أولئك الذين يواجهون رحلة خطيرة وغير إنسانية بحساسية واحترام دون الوقوع في الخطاب المباشر . "آيو كابيتانو "عمل يمزج بين الواقعية والحكاية الخيالية والدراما والمغامرة والإدانة والأمل . يظهر الفيلم أيضا أحلام البطلين اللذين يواجهان بعضهما البعض بواقع لا يرحم ولكنهما لا يتخليان عن كرامتهما ورغبتهما في العيش . تم تصوير الفيلم بأسلوب رصين وجميل ، ويعزز ذالك في المناظر الطبيعية وأداء الممثلين وكلهم ليسوا محترفين. الموسيقى التصويرية مع الأغاني السنغالية التقليدية والأغاني الأصلية لأندريا فاري، والتي تخلق تباينا موحيا بين الثقافتين. الفيلم هو تجربة جذابة ومؤثرة، مما يجعلنا نفكر في قيمة الحياة ومعنى الضيافة. من بين العديد من المشاهد التي لا تنسى في الفيلم، أود أن أركز على بعض المشاهد التي أثارت إعجابي بشكل خاص لقوتها التعبيرية والرمزية. المشهد الأول هو الذي يقع في الصحراء، حيث يواجه البطلان معبرا مرهقا وخطيرا، على أمل الوصول إلى ليبيا. في هذا المشهد، يقدم الممثلون أداء غير عادي، مما يجعل التعب واليأس والأمل لأولئك الذين يحاولون الهروب من البؤس والعنف في بلدهم واضحين للجمهور . تم تصوير المشهد بصورة تعزز ألوان وأضواء الصحراء، مما يخلق تباينا بين جمال المناظر الطبيعية وقسوة الوضع . أحد المشاهد التي فتنتني هو المشهد الذي يشبه الحلم الذي يترائ فيه لسيدو جثة امرأة ماتت في الصحراء تحلق في السماء، مثل رؤية ملائكية. يتم تصوير المشهد بموسيقى حلوة وناعمة، مما يخلق لحظة من الجمال والشعر لبطل الرواية والمشاهد ، قبل العودة إلى الواقع الموجع، في هذا المشهد يضطر سيدو إلى التخلي في الصحراء عن امرأة لم تعد قادرة على المشي وتموت بين ذراعيه. يقول "سيدو سار" الممثل السنغالي بطل الفيلم " ، في هذا المشهد رأيت والدي مرة أخرى، توفي أيضا في السنغال ، بينما كان معي وبين ذراعي". في حين كانت هناك مشاهد صادمة تلك التي حدثت في السجن الليبي، حيث يتم القبض على سيدو من قبل المتاجرين عديمي الضمير، الذين يستعبدونه، ويعذبونه، ويشوهونه، ويضربونه حتى تسيل الدماء. في هذا المشهد، لا يبخل المخرج الأيطالي غارون على المشاهد من عرض الصور المؤلمة والعنيفة ويكشف فيها عن اللاإنسانية ووحشية السجانين تجاه المهاجرين. تم تصوير المشهد بصورة تؤكد على الألوان القاتمة والقذرة للسجن، مما يخلق جوا من القمع والكرب . يرافق المشهد موسيقى كئيبة ومزعجة ، مما يزيد من الشعور بالتوتر والخوف .
رغم أن الفيلم يبدأ من حلم الطفولة، حلم صبيين حريصين على تغير مصير حياتهما. ومع ذلك، فإن الحلم لن يستغرق وقتا طويلا في التصادم مع وحشية وشراسة عالم يبدو أنه لا يوجد فيه مجال لمثل هذه الرغبات . لذلك يتم التعبير عن المكون السردي للفيلم في هذه الحاجة المزدوجة: سرد قصة حقيقية، مع نظرة بريئة لصبي يبلغ من العمر ستة عشر عاما أجبر على النمو بسرعة كبيرة . أنا الكابتن قصة سيدو وموسى ، صبيان سنغاليان مليئان بالأحلام والرغبة الكبيرة في العيش، لذا قررا ترك عائلاتهما والذهاب في رحلة مغامرة إلى أوروبا، بحثا عن الشهرة ، ومع ذلك، بمجرد مغادرتهما منزلهما، سيتعين على الصبيين التعامل مع واقع مختلف تماما عما تخيلوه ، تثبت الرحلة إلى أرض أحلامهما أنها ليست سهلة على الإطلاق . سيتعرضان العمل والجهد والخداع وسوء المعاملة والسجن والعبودية ويواجهان الخطر مرارا وتكرارا مما يجبرهما على القتال بعناد والتضحية بكل ما لديهم ، الذعر متفشي ومدمر، تغذيه هستيريا الرجال والنساء بدون مستقبل، مدفوعة في تلك الرحلة دون عودة من الخوف والفقر والأمل الباطل .تبكي المرأة الحامل من الخوف، في انتظار النهاية. ينهار الرجال والأطفال على الأرض، ويزدحمون في غرفة المحرك لإفساح المجال . هناك من يدعون الله، أولئك الذين يدعون قطرة ماء ويصلون للوصول الى بر الامان . في هذا التشابك بين الأجسام ، لأنه لا يوجد خيار آخر، لمائتين وخمسين روحا متراكمة على هذا القارب الضيق .

في النهاية ، ترسم السعادة الحلوة على وجه سيدو التي توحي بوضوح بأن لا نفقد الأمل أبدا، ولا نفقد إنسانيتنا. تم تصوير المشهد بصورة معززة بالألوان الزاهية والمشرقة للبحر، مما يخلق تناقضا بين اللون الرمادي للسجن وألأزرق للحرية ويصاحب المشهد موسيقى مبهجة واحتفالية والتي تعبر عن شعور بطل الرواية بالفرح والانتصار . يستخدم المخرج الايطالي "ماتيو غارون" لغة أصيلة هنا يتجاوز هذا الموضوع اليمين واليسار أو السياسة . يتحدث المخرج قائلا ً: " يتناول الفيلم موضوعا عالميا، يسلط الضوء على ظلم عميق، لماذا يمكن لبعض أقرانهم القدوم بسهولة في إجازة إلى بلدانهم، بينما إذا أرادوا الذهاب إلى أوروبا، فعليهم أن يواجهوا رحلة الموت. هذا ظلم عميق. نحن نعلم أن هناك أولئك الذين يهاجرون بسبب الحروب، ولكن هناك أيضا أولئك الشباب الذين يبحثون عن فرصتهم في العالم . دعهم يعرفون ما هو موجود هناك ". لابد من طرح سؤال: هل يمكن لمثل هذا النوع من الافلام أن يرفع الوعي الأوروبي فيما يخض أزمة اللاجئين ؟، وهل يمكن لفيلم أن يشرح للحكومات الأكثر تطرفاً أن هؤلاء المهاجرين يواجهون بصمت محرقة حديثة وأنهم بحاجة إلى المساعدة وليس الموانئ المغلقة؟، هل يمكن لفيلم أن يفتح أعين المجتمع الدولي؟ . لا توجد إجابة سهلة، اليقين الوحيد بعد رؤية "أنا كابتن" مع كل حياة ضائعة في الصحراء، في المخيمات الليبية، وكل حالة وفاة في البحر الأبيض المتوسط، سنفكر في مغامرة سيدو وموسى. ولن يكونوا بعد الآن ميتين مجهولين . غارون هو مخرج رائع وشجاع يتحدى مع هذه التحفة بشكل مواجهة الصورة النمطية لإخبارنا بقصة تتحدث عن حضارتنا الآن تابعة تماما للنزعة الاستهلاكية الجامحة والإفقار الفكري .. يتم الآن تخدير شبابنا وتنويمهم بواسطة الصور المتلألئة التي تلتهمهم من شاشات هواتفهم الذكية وفقدان الواقع !!.
يتخذ غارون خيارا جذريا في تحقيق فيلم وثائقي تقريبا ضد التيار الذي يتخلى عن تقديم صورة واضحة عن شعوب أبادتها الحروب والمجاعات والفقر عن الجحيم الذي يتألم فيه البحث عن البقاء تخلت حيث يتخلى عنهم العالم . يجري الفيلم وبلا هوادة يخبرنا بالأهوال التي ربما تقترب فقط عن بعد من الواقع القاسي ولكنها مع ذلك تمكنت من ضرب عقول متحجرة وأنانية في تظرتها الى اللاجئ. سيناريو مثالي أساسي، وبالتالي واقعي، تصوير رائع وتمثيل غير عادي. لا يضعنا غارون أمام الابتزاز الأخلاقي، بل يجبرنا على التفكير في كشف الخلل في النظرة الدونية الى هؤلاء البشر. وهو يفعل ذلك بإتقان كبير، وروعة الفيلم في نجاح الشابان سيدو وموسى من الخروج من أكثر المواقف يأسا. وإستبدال رحلتهم أخيرا بنهاية متفائلة حيث تمكن سيدو من الإبحار بقارب يحمل مئات المهاجرين إلى صقلية ، صرخة القائد الشاب (سيدو)، المرتجلة المثيرة والمؤثرة، صرخة تحطم الآذان الصماء للغرب الأناني :" أنا الكابتن، لم يمت أحد في عبور البحر الأبيض المتوسط؛ أحضرت الجميع إلى إيطاليا " .
يصف الفيلم قصة معاصرة، كما لو كانت وقائع صحفية؛ لا شيء يترك للخيال أو الاختراع، لا آفاق أو حكايات خيالية ، ينبغي عرض هذا الفيلم في جميع البرلمانات، بدءا من البرلمان الأوروبي، ولكن أيضا في قصور السلطة مثل البنك الدولي أو الأمم المتحدة، وأضيف، أنه يجب أن يشاهدوه الطلبة في جميع المدارس. جزء من تاريخ البشرية منذ فجرها، قصة المشي والسير في رحلة والتقاطعات مع الكائنات الحية الأخرى ومع البيئة الطبيعية، كان الإنسان دائما في طريقه ويتحرك: يمكن قراءة تاريخ البشرية بأكمله وفقا لهذا المنظور الأساسي، الهجرة الحرة. الأرض للجميع ولكل الرجال الحق في السفر إليها، ولديهم الحق في التوقف في منطقة أو مدينة ، ولديهم الحق في العيش فيها، وبالتأكيد احترام قواعد معينة والالتزام بها ، يبدو لي أن القيمة الثقافية للعمل واضحة تماما: سواء بالنسبة للشجاعة والشدة التي تمثل بها ظاهرة الهجرة من أفريقيا إلى أوروبا؛ والقدرة على تمثيل عالم مختلف، مثل العالم الذي نبدأ منه في الهجرة، وتصادم الحضارات بين الرؤية الغربية للحياة ورؤية أولئك الذين يأتون من أشكال أخرى تستحق الاحترام والشرف على قدم المساواة . على أي حال، أشعر أنني أستطيع أن أقول : هذا الفيلم قادر على وضع علامة فارقة في السينما الأيطالية . مشاهد ذات جودة جمالية رائعة ومؤثرة للغاية وملتصقة بالواقع وبحياة أبطالها . فيلم "أنا كابتن" ليس حتى خلاصة وافية لكل ما يمكن أن يحدث بين عشرات الآلاف من المهاجرين، ولكنها قصة حقيقية صادمة عن الهجرات. أقصى ميزة لفيلم غارون في رأيي . إدانة الجحيم الذي يجب على المهاجرين عبور جنوب الصحراء الكبرى للوصول إلى( الجنة) الإيطالية . رسالة قوية جدا، تهز الضمائر ، ينبغي وقف الاتجار بالمهاجرين في أرض أفريقيا، وتحديدا في ليبيا، وقبل أن يصطدموا بمغامراتهم البحرية المتجهة إلى حطام السفينة للمجازفة في البحر . يجب أن ندرك أن هذا يعني اختطاف أنهار البشر في أيدي الجلادين الذين لا يرحمون. الفيلم يجعلنا مذهولين، فهو يعطينا صدمة عاطفية قوية لدرجة أنه يفتح عيون وقلب أولئك الذين لم يفكروا بعد ، كم يستحق كل من الرجال والنساء الذين يقومون بأي رحلة هجرة أن يتم الاعتراف بهم وفي كرامتهم. هؤلاء يستحقون أن يكون لهم وجه وأحلام ورغبات ... وألا يصبحوا أرقاما موضوع إحصاءات أو محادثة صحفية أو سياسية لطيفة على حافة العنصرية . يجب الترحيب بالشباب مثل سيدو وموسى ودعمهم في عملية الإدماج في المجتمع المضيف. ويصبح تعليم وتأهيل القاصرون موضوع ضروري . الفيلم هو مثال على السينما الهادفة التي تبرز لجودتها الفنية والتقنية. يوضح غارون إتقانه في الإخراج، فيلم بسيط ولكنه مؤثر، السيناريو والتحرير، يخلق فيلما سلسا ومتناغما، يتناوب لحظات التوتر والغنائية. تصوير باولو كارنيرا رائع، مشاهد بألوان دافئة وطبيعية، مما يعزز أجواء الفيلم وعواطفه. اختيار استخدام الممثلين غير المحترفين صحيح، لأنه يعطي الفيلم نبرة من الحقيقة والعفوية. يتم إدارة الممثلين الذين يقفون امام الكاميرا لأول مرة بمهارة من قبل غارون، يعطي الممثلون الحياة لشخصيات حقيقية وبشرية، يمثلون الجوانب المختلفة للواقع الأفريقي. الموسيقى التصويرية هي قوة أخرى للفيلم، مع الموسيقى الأصلية لأندريا فاري، التي تمتزج تماما مع الأغاني السنغالية التقليدية. ترافق الموسيقى إيقاع الفيلم ومناخه، مما يخلق تناقضات وتناغما بين الثقافتين .

في الختام
يبدو لي أن القيمة الثقافية للعمل واضحة تماما: سواء بالنسبة للشجاعة وتحمل الصعاب التي تمثل بها ظاهرة الهجرة من أفريقيا إلى أوروبا؛ والقدرة على تمثيل عالم مختلف، مثل العالم الذي نبدأ منه في الهجرة، وتصادم الحضارات وبين رؤية الغربية . الرؤية التي لدى معظم الناس للاجئين السنغاليين هي حمولة قوارب منهم تصل إلى أوروبا أو تموت في البحر. ولكن المخرج ماتيو غارون، جعل فيلم آيو كابيتانو "لقطة عكسية لرواية جزء من القصة التي لا يراها الناس أو يقرأونها". تبدأ قصة أوديسا المراهقين هذه من قريتهما في السنغال، الآن يطرح سؤال: هل يمكن لمثل هذا الفيلم القوي أن يرفع الوعي الأوربي ويغير فكرتهم عن اللجوء ؟ ، هل يمكن لفيلم أن يشرح للحكومات الأكثر تطرفاً في أن هؤلاء المهاجرين يواجهون بصمت محرقة حديثة وأنهم بحاجة إلى المساعدة وليس الموانئ المغلقة؟ وهل يمكن لفيلم أن يفتح أعين المجتمع الدولي؟ .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بطل الفنون القتالية حبيب نورمحمدوف يطالب ترمب بوقف الحرب في


.. حريق في شقة الفنانة سمية الا?لفي بـ الجيزة وتعرضها للاختناق




.. منصة بحرينية عالمية لتعليم تلاوة القرآن الكريم واللغة العربي


.. -الفن ضربة حظ-... هذا ما قاله الفنان علي جاسم عن -المشاهدات




.. إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق شقتها بالجيزة