الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صناعة السّعادة

حوا بطواش
كاتبة

(Hawa Batwash)

2024 / 2 / 10
الادب والفن


#خواطر_هذا_الأسبوع

هل بإمكاننا أن نصنع السّعادة؟
أقصد هل بإمكاننا أن نحسّ بالسّعادة إذا قرّرنا ذلك في داخلنا؟ هل يمكن أن نجدها إذا بحثنا عنها؟
ما هي السّعادة؟ هل هو مكانٌ نسعى إليه أم هو كائنٌ ينتظرنا في داخلنا؟
البارحة لم يكُن مزاجي على ما يُرام على الإطلاق. تركتُ عملي مبكرة، ومشيتُ ساعاتٍ على متنزّه البحر والحزن يسود قلبي ويطاردني إلى كلّ مكان. وقفتُ أتأمّل البحر وموجاته المتلاحقة فلم أشعر سوى باليأس الذي ينهش صدري، حتى ضجرتُ نفسي ومن كلّ شيءٍ من حولي.
هذا الصّباح، وبعد ليلة لم أذُق فيها طعم النّوم، عندما خرجتُ إلى الشّرفة التي تطلّ على حديقة بيتي الخضراء، ولمحتُ العصافير تغرّد وتتراقص على أغصان شجرة المشمش احتفاءً بالصّباح، وهبّ على وجهي نسيم الصّباح المُعطّر برائحة النعناع والميرامية والزّعتر، أحسستُ أنّ السّعادة يمكنها أن تكون قريبة، وقرّرتُ بيني وبين نفسي: اليوم سأصنع سعادتي.
فتحتُ الرّاديو في طريقي إلى العمل، خلال سياقتي السيّارة، وأحسستُ بلذّةٍ خاصّة تتغلغل في نفسي مع نغمات الموسيقى الكلاسيكية الجميلة التي انسابت من الراديو برقّة وحنان، وأحسستُ بلذّة خاصّة وأنا ألقي نظرة إعجابٍ طويلة نحو قمّة جبل الطّور التي غشّاها الضّباب هذا الصّباح، بعد أيّام متتالية من تساقط الأمطار في شباط. فخطر لي السّؤال: هل السّعادة هي أن نمتلك ما نحبّ، أم أن نحبّ ما لدينا؟
خلال العمل، رسمتُ الابتسامة على شفتيّ وحاولتُ جاهدة إقناع نفسي بأنّني سعيدة، وكلّ مرة سألني فيها أحدهم عن حالي، أجبتُ وأنا أصطنع الابتسامة العريضة: «كتير منيحة.»
مدهشٌ كم من مرّة يسألونني عن حالي خلال النّهار، وأنا أردّ بأنّني بخير دون أن أفكّر أصلا بحالي؟! هذا ما خطر لي حين التقيتُ بزميلتي في العمل، التي لم أرَها منذ أسبوعين، حيث كانت قد تغيّبت عن العمل بسبب المرض، وكانت ابتسامتها الجميلة، التي لا تفارق وجهها رغم كلّ شيء، تلمع على شفتيها، كما دائمًا. كلّما رأيتها وأنا أتعجّب: كيف تتمكّن من الإبقاء على ابتسامتها حيّة، مشعّة، طوال الوقت؟ وهل ستبقى كذلك حتى بعد عشرة أعوام من الآن؟؟ عشرين؟؟
قرّرتُ أن أسألها ذلك: «كيف نحافظ على ابتسامتنا كلّ يوم رغم منغّصات وصعوبات الحياة؟»
فأطلقت ضحكةً مرحة لسماع ذلك، وأجابت: «لا يمكن أن يبقى كلّ شيءٍ على ما يُرام طوال الوقت، يا عزيزتي، لكن بإمكاننا أن نتفاءل بالخير، ما دمنا نتمتّع بالصّحة، بالعائلة والأصدقاء. ربما لا نملك الملايين في حساب البنك، ولكنّنا نعمل ونجتهد.»
اقتنعتُ بكلامها، وتذكّرتُ ذلك القول الذي لا أدري أين سمعته: هناك من يلاحقون السّعادة كلّ حياتهم دون أن يتمكّنوا من إمساكها، وهناك من يصنعونها بأيديهم.
حتّى تلفوني رنّ كثيرًا هذا اليوم، على غير العادة، وأحسستُه سعيدًا وأنا أردُّ كلّ مرة بأرقّ نبرات صوتي، أقنع نفسي بأنّني سعيدة. حقًّا أنا سعيدة! حتّى كدتُ أن أصدّق كذبتي!
أفِلت الشّمس وحلّ الظلام. وعندما جلستُ على الأرائك مساءً مع عائلتي وفتحتُ التلفزيون، وأصابتي صاعقة الأخبار، فكّرتُ بيني وبين نفسي: كيف يمكن للمرء أن يصنع السّعادة وهو يرى ويسمع تلك الأخبار التي تهزّ البدن وتزلزل الوجدان؟

كفر كما
10.2.2024








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. محمد الأخرس: الرواية التي قدمتها المقاومة الفلسطينية حول عمل


.. مدير مكتب العربية بفرنسا: التمثيل داخل البرلمان الأوروبي مرت




.. موجة من ردود الفعل على رسالة حكومية مُسربة تؤيد ترشيح وزير ا


.. مفارقة في قضية ترمب ودانيلز.. الممثلة مدينة له بآلاف الدولار




.. مشهد خطف الأنظار.. قطة تتبختر على المسرح خلال عرض أوركسترا ف