الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عملية رفح الباردة: سياسة حافة الهاوية بين الاسترتيجي والتكتيكي

حاتم الجوهرى
(Hatem Elgoharey)

2024 / 2 / 11
القضية الفلسطينية


"أيا كان ما ستنتهي إليه حرب غزة.. فإن الذات العربية أمامها طريق طويل لاستعادة وعيها الحضاري بجغرافيتها الثقافية الرابطة، تلك التي تفككت بقوة وتحولت إلى جزر منعزلة يتم شد أطرافها بقوة من قبل جغرافيات ثقافية بديلة"

قاب قوسين أو أدنى
بالأمس 9 فبراير كانت منطقة رفح الحدودية بين مصر وفلسطين المحتلة قاب قوسين أو أدنى، من احتمالات متعددة للتماس بين جيش الاحتلال الإسرائيلي وبين القوات التي تقف دفاعا عن أرضها، وعن تهديدات الاجتياح ضد النازحين في منطقة رفح من أهلنا الفلسطينيين العزل.
استمرت السياسات الأمريكية في تكتيك "حافة الهاية" وإدارة التوزان الحرج بين دولة الاحتلال "إسرائيل" بصفتها ممثل الحضارة الغربية المطلقة، وبين مصر بصفتها الدولة العربية التي شاء القدر أن تتحمل المسئولية السياسية والتاريخية لوقف مخططات صفقة القرن وتهجير الفلسطينيين إلى سيناء المصرية.

تصريحات دولة الاحتلال
قامت سياسة حافة الهاوية على تصريحات متكررة باتخاذ خطوات من جانب جيش الاحتلال وحكومته بالتمهيد لاجتياح رفح، وقبلها فترة طويلة من الشد والجذب حول آليات السيطرة والمراقبة لمحور صلاح الدين/ فيلادلفيا، باعتباره الشريط الحدودي العازل بين مصر وحدود فلسطين المحتلة، وبالأمس كانت ذروة سياسة حافة الهاوية والتصريحات التي توحي بالقيام بالعملية خلال ساعات.

إدارة الجانب الأمريكي لتوازن حرج
على الجانب الأمريكي فكانت سياسات حافة الهاوية تقوم على إدارة التوزان بين مصر ودولة الاحتلال شكلا، مع الانتصار مضمونا بالطبع لدولة الاحتلال، ومن ضمن عملية إدارة التوزان بين مصر و"إسرائيل" كانت أمريكا تصرح ضغطا على "إسرائيل" بربط الحصول على الأسلحة الأمريكية بقوانين معينة للاستخدام (مع إمهال بايدن "إسرائيل" 45 يوما لإثبات عدم انتهاكها القانون الدولي أو ستخسرالدعم العسكري الأمريكي.)، وتصريحات من بلينكن بخطورة العلمية العسكرية المرتقبة في رفح..
ومن التصريحات التي كانت تضغط على مصر ما قاله بايدن من أن الرئيس السيسي كان يرفض فتح معبر رفح، ولكن الضغوط الأكبر على مصر كانت عبر تكتيك "إدارة التناقضات" وتفجيرها مثلما حدث مع إعلان أثيوبيا عن الاتفاق مع دولة أرض الصومال حول نفاذ أثيوبيا لميناء بحري على البحر الأحمر، وكذلك تزايد الضغوط الاقتصادية والتمويلية، مع الإعلان بالأمس عن تمديد بقاء حاملة الطائرات "باتان" وقوة التدخل السريع في شرق البحر المتوسط.

تصريحات الجانب المصري وخطواته
أما مصر فقد اعتمدت في المواجهة في عملية رفح العسكرية الباردة على عدة تصريحات أو خطوات، منها: التهديد بسحب السفير، التهديد بوقف العمل باتفاقية كامب دافيد للسلام واعتبار العملية العسكرية إذا تمت خرقا لها، ثم رفع الحضور العسكري المصري في المنطقة الحدودية بدرجة لم يسبق لها مثيل منذ توقيع اتفاقية السلام.

نهاية "معركة رفح البرية" مؤقتا
وانتهت معركة "عملية رفح" الباردة الطويلة موقتا –التي نشبت منذ البدايات المبكرة للحرب- بأن صرح نتنياهو بأنه أخبر الطرف الأمريكي بأن اجتياح مدينة رفح قد يتم خلال أسبوعين.. ونقول انتهت مؤقتا لأن التصور الجيوثقافي العام لنهاية الحرب وفق قوة الأطراف المختلفة لم يحسم بعد، وربما يحتاج لاستقطاب مصري جديد (مؤتمر القاهرة الثاني للسلام) ووضع الجميع أمام مسئولياته.. لكن دروس المعركة لم تنته بعد.
لأن "معركة رفح الباردة" ليست سوى نموذج مصغر للمعارك الجيوثقافية الحديثة في القرن الحادي العشرين؛ حيث يضغط كل طرف لتمرير أهدافه ويسعى لتوظيف كافة الأوراق المتاحة، لكن المشكلة أن الذات العربية انتظرت وقتا طويلا وتراجعت جغرافيتها الثقافية بشدة، حتى وصلت إلى الحد الأقرب القابل للانفجار والهزيمة الحضارية في قضيتها المركزية.

عملية رفح الباردة: ذروة المسار والثمرة الغائبة
فهناك نماذج أخرى على مدار الأعوام السابقة استخدم فيها الأمريكان سياسة "حافة الهاوية" وسياسة "تفجير الناقضات"؛ دون رد فعل حضاري أو ثقافي عربي فعال، وحقيقة يمكن القول إن "عملية رفح الباردة" كانت الثمرة... أي كانت ذروة تكتيك إدارة التناقضات وتفجيرها ضغطا على مصر مركز الذات العربية وحصنها الجيوثقافي، أو بعبارة أخرى نجح الأمريكان في تنفيذ سياسة الجغرافيا الثقافية المتآكلة في عدة مواجهات مصرية خلال الأعوام السابقة، اختار القائمون على تلك المواجهات التراجع فيها والانتظار للمعركة الأخيرة.

درس في السياسات البديلة
وبغض النظر عن الحكم على هذا الاختيار؛ فإن معركة "عملية رفح الباردة" يجب أن تكون درسا في الصمود المصري، ودرسا للمستقبل الجيوثقافي والسياسات المصرية البديلة التي يجب ممارستها لاستعادة الجغرافيا الثقافية العربية المتآكلة التي تمددت فيها جغرافيات ثقافية بديلة ومتنافسة على كافة المحاور.
تقوم معارك "حافة الهاوية" على فكرة رئيسية منذ ظهورها في القرن الماضي أثناء الحرب الباردة، وإن كانت عملية عض الأصابع معروفة عبر التاريخ، تقوم على ثبات الموارد الاستراتيجية والإمكانات الرئيسية لأطراف الصراع والقدرة على المناورة التكتيكة، دون التسبب في زيادة مساحة الصراع.

التوظيف الصهيوني للفضاء التكتيكي
ولقد نجحت دولة الاحتلال في توظيف مواردها التكتيكية أفضل استخدام عبر العمليات السرية الخارجية التي قامت بها لاغتيال الشخصيات الرمزية ذات التأثير المعنوي، في سوريا ولبنان والعراق.. ونجح هذا التكتيك في تسخين المواجهة الاستراتيجية وضغط على أمريكا، لتمدد وجود الغطاء العسكري الاسترتيجي منذ ديسمبر الماضي عام 2023م بعدما كانت السياسة الأمريكية تسعى لإنهاء الحرب.

محور المقاومة ورده التكتيكي
ونجح محور المقاومة الشيعية ومن خلفه إيران باستخدام الموارد التكتيكية ذاتها في الضغط على دولة الاحتلال ومنع عبور سفنها في البحر الأحمر، ونجح في مناطحة أمريكا أيضا.

الطمع في الجغرافيا السياسية بعد تراجع الجغرافيا الثقافية
والحقيقة أن الضغوط التكتيكية العربية ونطاق عملها في حاجة لمراجعة جذرية؛ لأن حرب غزة ستنتهي عاجلا أو آجلا، وأيا كانت محصلة الحرب فعلى مصر تحديدا أن تراجع الكثير من ثوابتها الجيوثقافية، وسياساتها الخارجية في محيطها الإقليمي وحضورها الدولي.
المشروع الجيوثقافي المصري الراهن هو إرث لتناقضات القرن العشرين؛ وأدى تراجع الجغرافيا الثقافية العربية في الخطاب المصري نتيجة لتفاهمات القرن الماضي وإرثها على كافة الأصعدة، إلى تجرؤ دولة الاحتلال على الجغرافيا السياسية المصرية، وطمعهم في إزاحة الفلسطينيين إلى سيناء المصرية.. سياسة "الحد الأدنى" و"البقاء المتاح" التي دعمها البعض في المؤسسات المصرية أصبحت بلا هدف وبلا أي معنى.

الجغرافية الثقافية والفضاء التكتيكي
إذا لم نعتبر جميعا من دروس حرب غزة و"معركة رفح الباردة" التي ظهرت للوجود مع بدايات الحرب، وخرجت للعلن مؤخرا، فلا نتوقع سوى المزيد من تآكل الجغرافيا السياسية تابعة لتآكل الجغرفيا الثقافية والتخلي عن ثوابتها وعدم الدفاع عنها.
مصر في حاجة إلى مشروع جديد للجغرافيا الثقافية؛ يتجاوز التناقضات إرث القرن العشرين، ويكون مشروعا فاعلا قادرا على توليد مساحات للعمل التكتيكي ترفد الثوابت الاستراتيجية والجيوثقافية له، مشروع يملك القدرة على مناطحة "الأوراس الجدد" و"الأطالسة"، يفهم أبعاد الصراع الحضاري الراهن وجذوره الجيوثقافية وتمثلاته السياسية إقليميا ودوليا.. سوى ذلك سنظل في مؤخرة الجدول الحضاري الذي يضعه الغرب، سواء الأوراسي أو الأطلسي، سواء الشيوعي أو الرأسمالي قديما.. علينا أن نعيد اختراع أنفسنا ونقدم الذات العربية مجددا للعالم.

تحية لأبطال "معركة رفح الباردة"
ولا يمكن أبدا أن ينتهي هذا المقال دون الإشادة بأبطال "معركة رفح الباردة"؛ الذين أوصلوا الصمود المصري بالأمس إلى ذروة النجاح مع تراجع دولة الاحتلال ومعها أمريكا، الذين استطاعوا توظيف الموارد المحدودة والإمكانيات التكتيكية المتاحة، ولكن رصيدهم الذي يستند إلى الجغرافيا الثقافية العربية كان غير محدود، وكان هو سلاح "التفوق الشامل" الذي به كسروا العنجهية الغربية، ودعاة الحضارة المطلقة ومعهم دولة الاحتلال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا تلوح بإرسال قوات إلى أوكرانيا دفاعا عن أمن أوروبا


.. مجلس الحرب الإسرائيلي يعقد اجتماعا بشأن عملية رفح وصفقة التب




.. بايدن منتقدا الاحتجاجات الجامعية: -تدمير الممتلكات ليس احتجا


.. عائلات المحتجزين الإسرائيليين في غزة تغلق شارعا رئيسيا قرب و




.. أبرز ما تناولة الإعلام الإسرائيلي بشأن تداعيات الحرب على قطا