الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اعمال الفنان السويدي TED HESSELBOM الفنية لغة جديدة للتواصل ودعوة للانعتاق

رائد شفيق توفيق
ِ Journalist and writer

(Raid Shafeeq Tawfeeq)

2024 / 2 / 11
الادب والفن


معروف ان معنى الفن هو إنتاج موضوعات عن طريق نشاط بشرى أبدعه مجموعة من البشر الموهوبين الذين لديهم قدرة ابداعية وابتكارية في التعبير عن افكار وموضوعات تؤثر فى الاخرين ؛ وبما ان الفن هو منتج إبداعي يقوم على تحفيز أفكار المشاهد وهو ما يطلق علية الاستجابة الجمالية ، لذلك فان الاعمال الفنية لها تأثير واضح على الانسان ، فهي تغمره بِموجة عاطفية تداعب مشاعره لتثير فيه ذكريات تمنحه فرحة كامنة هي الطاقة التي يحتاجها الانسان لتحمل متاعب الحياة ، وتثير الرغبة في الفرح المهمل او لِلعثور على ما فقده منه في ارهاصات الحياة وتسارع الايام ، انه الجمال الكامن في الحياة والذي يلعب الفنان دورا رئيسا في التعبير عنه من خلال نتاجه الفني ، فالجمال لفظ يشير إلى قيمة الأشياء التي أنتجها أولئك المبدعون ، والفن يزيح الحواجز بين الناس ، لان العمل الفني مجال تأمل عقلاني وموضوع للتساؤل والاستنتاج والمناقشة والتفكير في علاقة الفنان بالمجتمع ، انطلاقا من ذلك اعتمد "TED HESSELBOM" لغة جديدة للتواصل مع الأحداث الاجتماعية ، وهذا يطابق قول "أفلاطون" ان كل ما يحتاجه الفنان هو ان يأخذ مرآة ويديرها في جميع الاتجاهات.
بما ان مفهوم الجمال شخصي ونسبي ، وبما ان الفن يشمل العديد من الأبعاد الأخرى بعيدا عن الجمال كانعكاس نفسي وطريقة لإلهام المشاهد من خلال ذلك ارى ان الفن عند "TED HESSELBOM" هو مجال تأمل عقلاني وفعل نقدي ومنشط ثقافي ما يؤكد ان الفنان هو فيلسوف ومؤرخ لمرحلة من حياة المجتمع يوثقها ويطرح القضايا حول طبيعة المجتمع في المرحلة التي يعاصرها.
تتضمن اعمال "TED HESSELBOM" أشكال فنية جديدة تتداخل مع وسائط تعبيرية ؛ مثلثات ومستطيلات، وخطوط عريضة تتخذ أوضاعا متقاطعة أو متراكبة ، على خلفية سوداء في معظم اللوحات اضافة الى مجسمات متعددة ووجوه بلا ملامح لاشخاص في مراحل عمرية مختلفة ، في اشارة من "TED" الى حقب تاريخية مختلفة قديمة ومعاصرة ومستقبلية وضعها في تسلسل معين امام كل ياقة من الياقات بحيث تبدو وكانها حالة اسر للانسان وتقييده على مر الزمان ، فهي بمثابة دعوة للانعتاق من كل ما يقيد الانسان ويجعله يشعر بالاختناق وهكذا فان الوجوه والرؤوس والاجساد المقيدة بالياقة التي صورها الفنان هي رمز للقيود الاجتماعية كافة ؛ اذ ان تلك الوجوه والأجساد التي تبدو غير مكتملة برغم ان المشاهد يرى في بعضها من يرقص او شخص يرتدي فستان احمر واخر يبدو انه يبكي ... الخ ، كلها متصلة بعناوينها المنطوية عن تعبير رمزي ، هي بمثابة مساحة تركها الفنان للمتلقي ليرى نفسه فيها من خلال تفسيره الخاص لتلك الرمزية ؛ من جانب اخر تجد ان هذه الرمزية متوافقة مع مسارات محددة لها القدرة على منح المتلقي الحرية ليستنبط منها جمالية الحياة واشراقها بعيدا عن كل تلك القيود التي تحد من حرية الانسان ، برغم شطحات الحرية التي هي بحد ذاتها عبارة عن قيود ، لان حريتك تنتهي عندما تبدأ حرية الاخرين والعكس صحيح وهكذا فان الحرية سيف ذو حدين بمعنى انها قيد اخر.
ان اعمال "TED" الفنية هي تكوينات من اشكال هندسية رمزية هي :هياكل وأطياف على خلفية من تدرجات سوداء، اي ما يشبه أبجدية مموهة بحاجة الى سبر اغوارها وهي اشبه بانتقاد واضح تحقق في محيط لوجوه بلا ملامح ، فقد استعمل "TED" مفردات مستوحاة من خيالات تعبر عن عمق الحقيقة المجردة للقيود التي يشعر بها ويدعو الى الغائها.
ان انحياز "TED" لجماليات التشخيص التعبيري مع التصوير الساخر الحزين ، في صياغة اعماله الفنية كلوحات ومجسمات مع التدرج الضوئي في بعض تلك الاعمال والخلفية السوداء ما كانت لتباعد بين اشتغالها وغاياته كفنان في البحث عن الهوية التشكيلية الخاصة به، فالهويّة التشكيلية للفنان تولد من وجدانه ومن محيطه بكل تفاصيله من تراث وحضارة وتاريخ كونها محور اساسي لفهم الحاضر.
هكذا يمكن قراءة اعمال هذا الفنان من حيث اتساعها في تناول القضايا وتقاربها وتقاطعها المنعكس من أعماقه بناء على سردية رمزية يعبر فيها "TED" الكاتب والباحث في التاريخ و"TED" الفنان المعاصر عن هواجسه في الوحدة والتعدد ؛ كالصخب والسكون والنقطة والصورة هنا يتجلى عمل هذا الفنان الوافد من مخاضات الحداثة الفنية ليترجم سجِيته في التطلع إلى الفهم ، وبلورة الحقائق عبر رحلته في التجريب والتنويع ؛ وهكذا فان"TED" وظف الرمز في اعماله الفنية بوصفه صيغة للتعبيرعن الفكرة التي يريد ان يوصلها الى المشاهد كإنعكاس لرؤيته الفنية التي يمكن استقراؤها في ضوء طبيعة الرمز الذي اعتمده في نماذج الياقة التي تتطابق مع أفكاره ، اذ أن للمكان والزمان أهمية خاصة لدى"TED" لذلك نجده يعبر عن تجربة زمانية مكانية ينظـر من خلالها إلى المكان والزمان كونهما عنصران اساسيان لصياغة افكاره التي انبثقت عنها اعماله الفنية ، لذلك تختلف معايير الجمال احيانا وفقا للثقافة التي تسود المجتمع الذي يعيش فيه الفنان ، بمعنى انه إلتزام ثقافي للعمل الفني اي الوعاء الذي يحتوي أو يحتضن رسالة الفنان ، وبما ان"TED" ونتاجه الفني هو انعكاس لواقع المجتمع مكانا وزمانا وثقافة ؛ يمكننا ملاحظة ثراء افكار الفنان من خلال تحليل الأبعاد الرمزية والجمالية والفلسفية التي تنمي الإدراك الفني وترتقي بالذوق العام للمتلقي.
قدم "TED" نمط جديد لالتقاء الفن بالمجتمع ، ويمكن ملاحضة عدم اقتصار الفن عند "TED" على اللوحات من خلال تقديمه مجسمات لاعماله الفنية لتصبح حدثا وهذا مختلف عن المفهوم التقليدي للمعرض الفني ، ليمنح المحور الرئيس لاعماله الفنية "الياقة" أشکالا وأنماطا متعددة بينها جمالية عنصر الحرکة التي برزت بشکل واضح في اللوحات والمجسمات ، وقد استنبط "TED" زخرفة وتصاميم اعماله من الاشكال الاسـاسـيـة (المثلثات والمـربعـات والدوائر) الامر الذي مكنه من ابتكار تصـامـيم مخـتـلفــة ومتنوعة من نفس الشكل سواء بتكراره أو تحليله.
يمكن ملاحضة فكر "TED" والاستدلال عليه من خلال اعماله الفنية فهي تدفع الى التأمل كونها تنطوي على رؤى جديدة ، اذ ان الافكار لا تتولد مما اعتادت عليه العين فقط ، بل من كل ما تقع عليه العين ، إذا تم النظر اليه بجدية وعمق ومتابعة حركة وايحاء العمل الفني بألوانه الصريحة القوية التي تستقطب عيني المتلقي ؛ فالالوان الرئيسة في هذه الاعمال الفنية هي الاسود والابيض بالاضافة الى ألوان مختلفة بينها الوردي والبرتقالي، والاحمر وبالتاكيد يرى الكثيرين ان اللون الاسود هو لون حزين وكئيب لكن الحقيقة ليست كذلك ، فاللون الاسود هو سيد الالوان واكثرها جمالية اذا تم استخدامه بما يخدم فكرة الفنان والهدف المراد من وراء ذلك ؛ وهكذا وضع "TED" تكوينات جديدة خاصة به ، فهو يطرح قضيته بحرية تامة وتكويناته الفنية توحى بالكثير من التشكيلات البصرية ومن هنا استلهم "TED" موضوع اعماله الفنية وتطويع الاشكال والالوان بمعالجات تصويرية متنوعة وتكوينات اشكالها ورموزها ، ووفقا لما ترائي لي اثناء اثناء مشاهدتي لهذه الاعمال
وفي الختام، من المهم الإشارة إلى أن "TED" غير نمطي وغير تقليدي في صياغة ما قدمه ما يؤکد وعيه وثقافته بما يحيط به وإدراکه له ؛ فاعمال هذا الفنان لا تهتم بجماليات الشكل بقدر ما تحمله من أفکار يمکن توثيقها مع عدم إهمالها للتراث بل ان ما يميزها هو الارتباط الشديد به لانها تنبع من البيئة الثقافية المحيطة بالفنان فهو هنا مثل الفيلسوف في بحثه عن الحقيقة ما يؤكد عمق ادراكه لما يحيط به وهو يطرح وجهة نظره في كل ما يقيد الانسان.
https://www.facebook.com/share/r/TKthActq7pbwX849/








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟


.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا




.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس