الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكتلة التاريخية الجماهيرية ، قنطرة الوصول لبناء الدولة الديمقراطية

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2024 / 2 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


" بفعل البوليس السياسي لا زالت صفحة Word غير طبيعية " .
حلت منذ شهر ذكرى 11 يناير التي فوتت على الحركة التقدمية المغربية ، فرصة بناء الدولة الديمقراطية امل كل الديمقراطيين والتقدميين وحلمهم بالعيش في ظل دولة المؤسسات الدستورية ، التي يكون أساسها الدستور الديمقراطي ، دستور الشعب ، وليس دستور الحاكم الممنوح .
حلت ذكرى رهن المغرب بمخلفات Aix les – Bains ، ومرت في صمت وكأننا فعلا نعيش في كنف الدولة الديمقراطية ، دولة المؤسسات ، وليست بدولة العائلات والأشخاص .
ان حلول ذكرى 11 يناير ، لم تكن عادية كجل الذكريات التي يتم الاحتفال بها ، بل هي من الذكريات الخطيرة التي فوتت على القوى الديمقراطية والوطنية ، فرصة بناء الدولة الديمقراطية ، حلم الديمقراطيين والتقدميين .
ومرة أخرى تضيع فرصة لتجاوز اطار ( النخبة ) ، عند عدم استغلال الذكرى لفتح حوار وطني واسع ، وبأشكال متنوعة ، وعلى امتداد فترة كافية ، للقيام بوقفة تاريخية تليق بمستوى الحدث المسبب في إشكالية وأزمة الدولة السياسية الوطنية . فالدولة القائمة ومنذ ان كانت ، كانت حبيسة " الهاجس الأمني الضيق " ، ولم تقم ابدا على بناء الدولة الديمقراطية ، دولة المؤسسات ودولة الدساتير الديمقراطية .
ان هذه الملاحظة التي يغفلها او يجهلها دعاة الاشتغال بالسياسة ، تقودنا الى طرح مسألة بالغة الأهمية ، تكمن في العلاقة تاريخيا وآنيا ، بين مجموع مكونات الحركة التقدمية والديمقراطية الحقيقية ، وطبعا السياسية والنقابية والثقافية والجمعوية .. وبدون استثناء ، مع الجماهير الشعبية . ان هذه المسألة تتفرع عنها تساؤلات طال الالتفاف عليها .. واي تأخير في الإجابة عنها سيعمق الحلل القائم في موازين القوى ، مما سينعكس سلبا على الأوضاع الذاتية للحركة التقدمية رغم قلتها ،وموضوعيا على الأوضاع العامة للبلاد ، مع ما سيترتب عن ذلك من تدني اجتماعي ثقافي واقتصادي ، ونفق سياسي من الصعب التنبؤ بكل تجلياته المستقبلية ، ولكنه لن يخرج من اطار مزيد من التبعية ، وتفاقم المشاكل ، وارتياد المجهول ، مع ما يكتنفه من غموض وهزات غير محسوبة العواقب .
ان هذا الطرح ليس من باب المزايدة السياسوية واللفظية ، او أي شيء من هذا القبيل ، بل نابع من الإحساس بالمسؤولية ، والوعي بقوانين واضحة للعيان على المستوى الجهوي الجغرافي والدولي ، قوانين هي من الافرازات الأولى للمخاض الذي عرفه ويعرفه العالم غداة انهيار اسسه وتوازناته ، ورهاناته السابقة ، والاشكال والاهداف الجديدة لجملة من الحقائق الوطنية والقومية والعالمية ..
فالواقع الجديد يفرض ايقاعا جديدا ، مكانزمات جديدة ، أهدافا ومهاما جديدة ، هي بدورها تفرض قراءة ، أفكارا ومبادرات وبرامج جديدة .
هذا الوعي كائن اليوم ، وهو في حد ذاته موضوع صراع ، بمعنى انه هو الاخر موضوع رهان وجدب بين قطبين :
-- قطب التحرر والديمقراطية والعدالة ، وهو مطالب بالتقدم وفق هذا المنهج ، وخصوصا ان إيقاع التطور يفرض ذلك .
-- القطب الرأسمالي العالمي الذي حقق اشواطا لا يستهان بها في استيعاب المتغيرات ، والتكيف معها ، والفعل في قولبة وتشكيل عالم القرن الحالي والمقبل على الأقل ، ولنا في الواقع امثلة لا حصر لها وعلى كل المستويات ، نذكر منها على سبيل الذكر لا الحصر :
1 – قراءته الخاصة لحقوق الانسان ( الكيل بمكيالين ، النفاق ، وسيلة ضغط ... ) لبسط سيطرته او لترويض البعض .
2 – تحكمه في الاقتصاد العالمي ( البترول ، التكنولوجيا .. ) .
3 – انفراده بالألة الاعلامية .
4 – الهيمنة على الأسواق المالية ، والتحكم في حركية رؤوس الأموال .
5 – انفراده بأسلحة الدمار الشامل ، والامن الغذائي / سلاح المجاعة .
6 – التغريب الثقافي والفكري .
7 – الحاقه لمنظمة الأمم المتحدة من خلال السيطرة على مجلس الامن ، وعلى الجمعية العامة .
8 – التحكم في المجال الصحي .
لا بديل عن المراجعة النقدية :
ان هذا التمهيد الذي قمنا به ضروري ، لنعود الى الطرح الأصلي حول العلاقة بين الحركة التقدمية الديمقراطية الحقيقية ، والجماهير الشعبية التواقة الى العدالة والديمقراطية ، والاسئلة المتفرعة عنها ، لا سيما ان حجم التضحيات على امتداد اكثر من ستين سنة على الأقل اكثر بكثير من الحصيلة النهائية بالنسبة للاغلبية الساحقة من افراد الشعب المغربي .
ان مراجعة نقدية للسيرورة النضالية للحركة التقدمية والديمقراطية الوطنية ، تكشف بجلاء عن عدم تمكنها من بناء الدولة الوطنية الديمقراطية ، كنقيض للدولة المزاجية ، القروسطوية ، الطقوسية ، التقليدانية ، البتريركية ، البتريمونيالية ، الشَّبه او الشِّبه ثيوقراطية ، الكمرادورية .... نجحت في استغلال السلطة ، لتناقضات الحركة التقدمية والوطنية المغربية بعد استقلال Aix les – Bains ، واقصائها خاصة بالنسبة لصياغة دستور البلاد ، من خلال المجلس التأسيسي ، لان الحكم لا يمكن ضمان استمراريته الا بجهاز الدولة كدولة مزاجية بوليسية ومارقة ، أي دولة مشروعيتها الأساسية وبدرجة أولى القمع بكل اشكاله المدانة من قبل المؤسسات الدولية ، والدول الديمقراطية .
من هذا المنطلق يتضح جليا ، ان انعدام الوحدة النضالية بين مكونات الحركة التقدمية الوطنية ، فوتت الفرصة التي كانت اكثر سانحة ، في العديد من المحطات النضالية ، من التقدم في مسار انجاز الديمقراطية وبناء الدولة الديمقراطية ، والسقوط في حركة دائرية تتكرر باستمرار ، من جراء مناورات / اغراءات السلطة . أي شراء الذمم بالمال كما حصل بالبرلمان الأوروبي ..
امام هذه الحقائق المرة ، فانه لم يعد من المجدي تحميل مسؤولية أخطاء قادة الحركة التقدمية ، لأعداء الديمقراطية ، او التراشق بالاتهامات المتبادلة بين مكونات الحركة التقدمية ( قومي – ماركسي – اسلاموي ) ، لانه لم يعد يكفي طرح شعارات او البقاء في نطاق العموميات والمشاريع والبيانات . بل المطروح هو تحديد الاليات وشكل المبادرة وتوقيتها ، أي برنامج ومهام محددة . ان اليسار الماركسي بكل فلوله ، باعتباره جزءا لا يتجزأ من الحركة التقدمية ، معْني اكثر من غيره ، بإشكاليتها والمعيقات التي تعترض نضالها . بل ان اخطاءها تعتبر من صلب اخطاءه .
وفي هذا السياق تطرح عدة تساؤلات حول اشكال التنسيق و " الوحدة " ، بين بعض مكونات الحركة التقدمية الوطنية . هل تشكل هذه التنسيقيات استراتيجية في فكر هذه المكونات ، ام املتها ظرفيات سياسية سياسوية ؟ . هل هذه العلاقات جاءت بعد ان جربت هذه المكونات كل واحدة على حدة علاقة من الصراع / التعامل مع الحكم المزاجي البوليسي المارق ؟ . ام املتها ضرورة المواجهة الجماعية للتحديات القائمة ؟ . ام ان هذه ( الوحدة ) تتكون من مجموعة من المواقف الدفاعية المتنافرة التي لا يربط بينها قاسم مشترك إيجابي ، ولا يفرزها خط متماسك ، حتى اذا انجلت المواجهة الحادة ، وتغيرت الظرفيات ، رجهت الأطراف المختلفة الى مواقعها ومصالحها الضيقة وخلافاتها .
حقا . ان الجواب على هذه الأسئلة وتفرعاتها ، نقاشا جادا ومسؤولا ، ويمكن بالرغم من ذلك القول ، ان الطابع البراغماتي النفعي ، الذي يتحكم في هذه الممارسات التنسيقية ، لا يرتقي الى ما تتطلبه الظرفيات السياسية ، والمسار التاريخي لعملية التأسيس الديمقراطي . والدليل على ذلك ، انه رغم اتساع المطالب الشعبية والمواجهة بين الجماهير والحكم الذي يقف حاجزا امام تحقيق هذه المطالب ، لم تسفر المعارك المختلفة ، على توحيد جماهيري يملك بعض الاستمرارية والفعالية . فقد نجح النظام في المحافظة على مهنية المطالب ومطلبيتها الضيقة ، كما ساهمت التنظيمات التي تصدرت معظم هذه التحركات في جرها باكرا الى المفاوضات والمساومة ، مع اهمال المصب النضالي المتميز والمستقل .
اذن . هل سيبقى العمل في اطار السياسة السياسوية يهم جزءا من ( النخبة ) ، مما يفسر عزوف قطاعات واسعة من ( الشعب ) الرعايا ؟
على عكس ذلك ، فان بلورة ثقافة وممارسة سياسية مغايرة ، ستمكن من تأسيس الكتلة السياسية والاجتماعية التاريخية ، القادرة وحدها على انجاز عملية التغيير الاجتماعي والسياسي ، ونظرا لتعدد التناقضات الاجتماعية والايديولوجية التي تحملها هذه الكتلة ، فان عملية " إعادة التركيب " تتطلب درجة عالية من الوعي والتنظيم والتنظير في علاقة جدلية مع الانخراط في العمل السياسي ، الشيء الذي يستدعي تحديد وبناء طرق متمفصلة ومعقدة لخلق إرادة جماهيرية مستمرة ، وذلك بتحديد العلاقة بين الخاص والعام ، بين الماضي والحاضر . أي ذاكرة وكفاءة للترصد ، لتكون في مستوى المجتمع والصراعات التي تخترقه ، وتتولد عنه باستمرار .
امام هذه السيرورة الاجتماعية السياسية والثقافية ، يصبح البعد التعددي ، ضرورة لتلافي النظرة المسطحة والعقيمة . وهذا البعد التعددي ضروري أساسا لتحقيق الكتلة التاريخية الجماهيرية التي وحدها تفرض بناء الدولة الديمقراطية ، دولة الشعب والمؤسسات ، وليس بدولة الافراد والعائلات ..
الكتلة الجماهيرية التاريخية وحدها حاملة التغيير :
ما يراد التأكيد عليه هنا ، هو ان التحولات التي غيرت اطار الفئات ، وتبلور ملامح الطبقات الاجتماعية المنخرطة في مسلسل التغيير الاجتماعي ، يطرح قضايا اشكال الوعي الملموس ، الذي به يمكن ان تتبلور وتتجسد الكتلة التاريخية الجماهيرية حاملة التغيير .
لهذا فان دور ومستقبل الحركة التقدمية الديمقراطية ، يتحدد اليوم عن طريق القدرة على التعبير عن خلاصات البرامج المستمدة من الجماهير الشعبية ، البرامج القادرة ليس فقط على توحيد مكونات الحركة التقدمية الديمقراطية ، ولكن الجماهير الفاعلة .
ان هذه المهمة تفرض نفسها بقوة ، لأن التشكيلات السياسية والمنظمات الجماهيرية بوجه عام ، تتدهور سمعتها ، وتوضع مصداقيتها موضع التساؤل ، وتتهمها الجماهير بانها لا تنشغل بقضايا المواطنين ، ودائما تخفي عنهم الحقيقة ( انصاف الحلول تحت الطلب ) ، بل تخضع كل شيء لطموحاتها الخاصة .. وليس الوجود الجماهيري في المنظمات الجماهيرية الا ارقام / مادة للصراع ، من منظور القوى السياسية المحكومة بالنزوع السلطوي ( ارتداديو المؤتمر الاستثنائي في يناير 1975 ) ، عن طريق مصادرة الجماهير سياسيا ، عبر عملية الالحاق / الاختزال . في حين ان كينونة المنظمات الجماهيرية ، تفترض ان تحقق فيها الجماهير مصلحتها وتمثيليتها المباشرة .
ان هذه النظرة الضيقة هي من بين الأسباب التي حولت الأحزاب والمنظمات الى أجهزة تعيد انتاج ذاتها ضمن نظام من الولاءات العلائقية .. ولتنتهي المسرحية باختفاء البرجوازية المتوسطة والصغيرة من الساحة التي اصبح يحتكرها النظام ليس بسبب قوته ، بسبب المخزنة السياسية للأحزاب التي تتقاتل على من يحصل له شرف تنزيل برنامج السلطان مكان برامج الأحزاب التي خاضت على أساسها الانتخابات الملكية ، ولتصبح الحكومة بحكومة الملك ، والبرلمان برلمانه ، فيصبح الوضع الحقيقي لهؤلاء مجرد موظفين سامين بإدارة الملك ..
لذلك . فمعالجة هذه القضايا بعمق سيمكن التقدميين المنتظرين مستقبلا من مواجهة التحديات التي تعترض الحركة التقدمية المغربية ، لا سيما ان المجال الاجتماعي المتراتب والمؤدلج ، يعيش تفاعلات ثقافية مستمرة ، وتوسعا متزايدا للفضاء السياسي ، وتجاوزا للسياسة منظورها اليها كامتياز واختصاص لبعض محترفي العمل السياسي .. ويعتبر هذا الفضاء كوسيلة تتموضع فيه الجماهير في موقع القرار ، لاعطاء حلولا فعلية وملموسة ، للمشاكل المتراكمة والمتولدة بغتة ..
وهذا طبعا يتناقض مع اهداف الحكم الذي يعمل في فترات الحسن الثاني ، عندما أصابه مرض L’emphysème ، وأصبحت نهايته حتمية ، وانكباب الجميع في الاشتغال على التحضير للملك القادم .
فالحكم اشتغل منذ سنوات ، ولا يزال ، لاختزال دور الأحزاب ، واساسا الأحزاب البرجوازية ، في دور الوسيط بين الجماهير والنظام ، وحصر الديمقراطية السياسية في التناوب او في مجرد انتداب ، لمصلحة مجموعة من السياسيين ، الشيء الذي يؤدي الى تشجيع وتنامي مظاهر البيروقراطية داخل الأحزاب والمنظمات لإدارة علاقات زبونية في علاقتها مع الناس .
-- الفعل السياسي وجدلية الدولة / المجتمع :
لهذا فان اهم المعضلات التي واجهتها وستواجهها الحركة التقدمية المغربية ، تتمثل في علاقتين أساسيتين هما علاقة الدولة / المجتمع المدني ، وعلاقة عناصر المجتمع المدني فيما بينها ( أحزاب المستقبل ، النقابات ، المنظمات الجماهيرية ، الثقافية ، النسائية ، الشبابية ، الحقوقية والجمعوية بشكل عام ... ) ، وتفاعل هذه الكلية الشمولية دولة / مجتمع مدني ، مع بيئة عالمية تفعل فعلها بمقدار ما تؤثر على العلاقة بين الدولة / المجتمع المدني ، وعناصره المتصارعة .
ولتجاوز العوائق والممارسات الخاطئة الكامنة في الفعل السياسي والجماهيري ، يستدعي الامر تحديد مضمون وعناصر الدولة ، مضمون وعناصر المجتمع المدني ، والعلاقات بينهما ، ضمن رؤية ديناميكية ، وجدلية تأخذ بعين الاعتبار ، صيرورة هذه العناصر ومتغيراتها في الزمان والمكان ، لأنه لا شيء فيها ثابت رغم سكونه الظاهر .
على هذا الأساس الذي تتعدد مستوياته الفكرية ، والسياسية ، والتنظيمية ، والبرنامجية ، يمكن تأسيس الكتلة التاريخية الجماهيرية والتقدمية في بلادنا ، لمواجهة التحديات الوطنية والقومية والعالمية ، حتى يحقق فيه الشعب المغربي وليس الرعايا ، مجتمعا تسود فيه ارادته في ظل الحرية والعيش الكريم ..
وتجدر الإشارة هنا ، الى ان الكتلة التاريخية الجماهيرية والتقدمية ، ليست صيغة تنظيمية بقدر ما هي نهجا في الممارسة والتفكير ، يتطلب ان يخترق كافة الفضاءات التي ستتبلور وتتمفصل ضمنها الصيغ / الصيغة التنظيمية الملائمة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صحن طائر أو بالون عادي.. ما هي حقيقة الجسم الغريب فوق نيويور


.. دولة الإمارات تنقل الدفعة الـ 17 من مصابي الحرب في غزة للعلا




.. مستشار الأمن القومي: هناك جهود قطرية مصرية جارية لمحاولة الت


.. كيف استطاع طبيب مغربي الدخول إلى غزة؟ وهل وجد أسلحة في المست




.. جامعة كولومبيا الأمريكية تؤجل فض الاعتصام الطلابي المؤيد لفل