الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المفهوم الفلسفي لخطاب امارجي السياسي

أسيل العزاوي

2024 / 2 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


ذكر المؤرخ صموئيل كريمر في كتابه (من الواح سومر) أن أول وثيقة ظهرت تحمل كلمة الحرية في التاريخ البشري كانت في أرض بابل، وساهمت هذه الوثيقة في التطور السياسي والاقتصادي للمجتمع آنذاك بوصفها سجلا خاصا بالإصلاح الاجتماعي .وتضمن عنوان الوثيقة كلمة امارجي وتعني(بالسومرية الحرية ) ، وظهرت هذه الوثيقة على يد أوروكاجينا حاكم لكش في عام (2500 ق.م.) ضد الطبقة البيروقراطية ، فأعيد من خلال وثيقة الحرية حقوق المواطنين وإرساء مفاهيم العدل والمساواة.

فينطلق امارجي في تحديد بنيته الفلسفية لمفهوم الحرية بالعودة لأصولها التاريخية المحايثة في تأسيس الحضارة الإنسانية في تاريخ العراق القديم، فالحرية ليست تصورا طارئا في حياة الإنسان ، فالحرية هي مشكلة الوجود الإنساني برمته، فأن التغاضي عنها أو التنازل عن بعضها يؤدي إلى الانسحاق الوجودي للإنسان ،لاسيما في ظل الأنظمة الاستبدادية التي توظف عبر مؤسساتها القمع الرمزي والجسدي في إقصاء حرية الإنسان وإرادته. لذا يتحدد الموقف الفلسفي عند امارجي الليبرالي بديالكتيك الحرية والسياسة بكونهما مفهومان لا ينفصلان عن الواقع الإنساني .فتقودنا فلسفة الحرية إلى فلسفة الفعل بمعنى أن الحرية ليست ركودا تفتقر إلى المسؤولية ؛وإنما بوصفها نشاطا وجوديا قابل للتجدد والإبداع واحترام الكرامة الإنسانية في ظل التعدد والاختلاف تختبره الذات الإنسانية ، فيسعى امارجي في خطابه السياسي في بناء مجتمع حر عبر التأكيد على القيم الخلاقة والمبادئ السامية ، فالدولة ذات مضمون حضاري وإنساني هي نتيجة لمجتمعات حرة تصان بها الكرامة الإنسانية، ولا تحكمها أنظمة بتصورات أيديولوجية على صعيد الرؤية السياسية والاجتماعية.
لهذا تعد الحرية نسقا مضادا في المجتمعات العربية، فالحرية لها عداء قديم مع أنظمة السلطة واللاهوت والعرف الاجتماعي، فيتم نبذ الحرية من خلال أيديولوجيات دوغمائية ،عبر إقصاء الاختلاف والتنوع الفكري والديني والاجتماعي ، وتوصم هذه القيمة العليا بالتهتك والانفلات من أجل بناء سجون رمزية تحيط كل فئات وطبقات المجتمع ، فينتج لنا مجتمع غارق في العبودية يتأخذ دور الرقيب على ذاته والآخرين، فتمارس السلطة عنفها الرمزي على الذوات المستلبة بكل سهولة بوصفها سلطة حقيقة حتمية لوجودهم، وتعمل على استلاب حريتهم عبر تكوين هويات مغلقة تخدم مصالحها. ومن هذا التصور ، يركز امارجي الليبرالي في تأسيس منهج سياسي عبر خطابه الفلسفي ركيزته الحرية في فضح السياسيات المشاعة بخصوصياتها الثقافية والدينية التي يتم على أثرها تحديد نسبية القيم والأخلاق مقابل قيمة الحرية وضرورتها في زحزحة الأفق الأخلاقي نحو فضاء أوسع هو أصالة حرية الذات الإنسانية ،فمن خلال الحرية نصل إلى التنوير ولا يبقى الإنسان العراقي مقذوف خارج ذاته وإرادته في عالم الهويات السياسية المتصارعة غايتها سلب وجود الإنسان. وطالما اشتبك مفهوم الحرية بكونها موقفا أخلاقيا أو سياسيا وهي في الحقيقة موقفا وجوديا للإنسان ، ولم يتجاوز المجتمع العراقي بعد فكرة التأثيم السياسي والديني في صراع السلطة مع قيمة الحرية من أجل السيطرة عليه ، وأصبحت حريته ثمنا لوجوده .لذا تعد الحرية موقفا غير أخلاقي في المجتمعات التي تعاني من صراع الهوية، وتكون حرية المواطنة والانتماء التاريخي تهمة سياسية جاهزة. ومن هذا المنطلق ينادي امارجي بقيمة ليبرالية ومنها قيمة الحرية بوصفها قيمة كونية إنسانية تتجاوز افق الهوية نحو فضاء تاريخي رحب يسمح للذات بتعدد وتمدد بشكل افقي ومسطح ينبذ الفوقية والعنصرية والتشكل العمودي في تذويت الإنسان وانسلاخه من جوهره الأصيل.
ومن المفيد أن نذكر ، أن الحرية ليس شرطها الأخلاق السماوية ، وتنبع شروط الحرية من الذات واختلافها في نسبية ما هو أخلاقي وغير أخلاقي ، أي أخلاقها وضعية تنبع من الذات نفسها ؛ لكنها في الوقت نفسه ليست حرية عبثية ، فامارجي يؤسس للحرية في مجتمعات متحضرة ما بعد أخلاقية من خلال معرفة الذات واجباتها وحقوقها نحو الآخر والمجتمع .
ومن أسس الحرية في بناء المجتمعات الحديثة تتجاوز فكرة الشعوب التي تحمل أنظمتها المزاج القومي والعرقي والإثني ، ويتجلى بناء الدولة جوهرها الحداثة السياسية عبر مجتمع تنويري يفهم معنى الحرية والقيم الليبرالية التي تثري الذات الإنسانية ، وتصبح غاية النظام السياسي هو الاهتمام بنموذج العيش، أي كيفية التي يعيش بها المواطن بسلام وحرية ورفاهية أهم من فكرة الهويات المغلقة بصراعاتها في تأسيس الدولة . ومن شروط الأنظمة الديمقراطية هو مبدأ الحرية على الأصعدة كافة في مؤسسات الدولة ووسائل العيش الاجتماعي ، ويقتصر النظام الديمقراطي في العراق بشكله الارتكاسي في تثوير الانتماء المذهبي والطائفي، وارتكزت حريته السياسية على المحاصصة في تقسيم السلطة، فهو نظام يمارس الابتزاز السياسي ضد إرادة الأجيال القادمة في حقها في العيش و إقامة دولة قانون ومؤسسات ، لذا امارجي لا يبحث عن دولة هويات متصارعة بشعوب متناحرة ؛وإنما دولة وطنية بانتماء تاريخي رمزي لا يهدد حرية الإنسان وكرامته في ظل مجتمع حداثوي قابل للتشكل والتجدد مع معطيات الحضارة والتكنولوجيا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ثلاث نساء يقدن أوروبا نحو أقصى اليمين.. ما الذي يفرق بينهن؟


.. -أوبن إيه آي- تعيّن مسؤولا استخباراتيا سابقا وتدرس التحول إل




.. غزة.. ماذا بعد؟ | معارك ضارية في منطقة رفح وسط تعتيم إعلامي


.. نشرة إيجاز - الجيش الإسرائيلي يؤكد مقتل 8 عسكريين في غزة




.. دعوات وتلبية الحجيج على جبل الرحمة يوم عرفة