الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هَذَا وَقْتٌ عَصِيب

عبد الله خطوري

2024 / 2 / 12
الادب والفن


في القاع، عَقيق يسيح مَعينُهُ غَلَلا بين نباتات وأشجار في مجرى يضيق يتسع بين صخور وأعشاب جبل برية عملاقة (دَفْلَى ألِيلي، صنوبر ، أبهل طاقا * ... ) وقرزمية (زعتريات فْلِيُّو زُويْ زُوشَّنْ تيمُورُّويينْ ..) النابتة بإصرار مُلِح في بطون آلصخور وبين آلفجوات ومسام دقيق آلأتربة .. بركْتُ في أحد الظلال بعد أن غسلتُ قدمَيّ ووجهي ورأسي تاركا صندلتي وسط الوادي على حجارة مصفحة يابسة تميل الى البياض تلمع تحت أشعة بدأتْ تفقد نصاعتها اللافحة .. شَرررْ شَررْرْ .. يُسمع خريرُها خافتا بإيقاع بطيئ هادئ .. مَطَطْتُ بدني مستلقيا على ظهري .. أطبقْتُ جفنيّ هنيهات رأيتُ فيها .. لا .. لَمْ أرَ سوايَ ونجوما سوداء في مَجال أحمر فاتح تطير كبراغيث إيشورْدانْ .. ززْزز .. صوت إرْزَازّا ** وهوام أمواه تطنُّ وكشيشُ سحال أو يرابيع تتحرش ببعضها أو ... فتحتُ عينيّ .. نهضت .. انتعلت بسرعة نعلي مشيتُ في وسط الدغل المائي أتابعُ سبيل المسيل حتى وصلتُ إليها .. فجوة صغيرة بالكاد تُرَى .. لم ألاحظها في البداية، لكن عاينتُ الثقب الضيق وسط الجدار الصخري يبقبق كمرجل يفور وقْبُـهُ آلقشيب .. ما إنْ وضعتُ إبهامي في لجته الضيقة حتى آنبعثَتْ في بدني آرتعاشةُ آنتعاشةٍ لافتة .. فتذكرتُها عرفتُها .. (تالْعِينتْ بُوشيطانْ) .. قَراحٌ ماؤها خالص شفاف لا تشوبها شائبة، لم تخضها قوادم الدواب أو البشر لموضعها المنزاح عن كل آحتمالة وطْـء كيفما كان مصدرها .. ويبدو أن الرعاة خبروا أهميتها في خلائهم الأخضر، فدأبوا على العناية بها وصيانتها وتطهيرها من الزوائد والطفيليات وحفروا حوضا صغيرا تحت فوهتها يجتمع فيه صبيبها المنساب، فهي دائمة صالحة للشرب نقية نظيفة لا خوف عليها لا خوف منها .. فركتُ صفحة أصَفَّاح أينَ ألفيتُ شربتي تنتظرني .. انتظرتُ برهة ريْثَ يزداد صفاء آلغَـدَقِ .. طويتُ ركبتيّ ألصقتُهما وصدري بالأرض المبللة ثم شرعتُ أمتصُّ الزلال فُراتا بَشِما سَـلْسَلا باردا عبر فرع إحدى النباتات المديدات المجوفات كأنابيب آلقصب .. محترسا أرسلُ ناظريّ المتفحصيْن إلى آلأسفل خشية أن يتسرب شيء غير مرغوب فيه يختلط بالمشروب .. جاثيا أحسو أكرعُ زلالا كالزلال (سَسَّاغْ أمان ديزيزديكانْ) .. جرعة أولى ثانية وعاشرة .. آآآحْ حْ حْ .. تتوالى الرشفات أتنفس بعمق .. أحبسُ شهيقا أرسل زفيرا أغلق محجري (تقناغ طيطاو) لا أحلمُ .. أرى آلأشياء عيانا حقيقةً ينساب القَـلْـتُ غَمْرا بلسما يُغرقُ مذاقُهُ الزعتريُّ آلام لَهَاثي وخدوش حَنجرتي فأهيمُ أعيدُ النفَسَ وبتؤدة أستريحُ قليلا أكملُ شربتي (تْكَمَّالغْ تْسَاسِيسْت إينُو) المتواترة المتقطعة حتى آستوفيتُ استولى علي الوهنُ ( آنْزَكا أوحْلاغْ كْـرَكْـطَـاغْ سَهْطَاغْ ) .. آآه .. ما أحلاه من تعب .. رفعتُ رأسي .. مددت قامتي .. اِنتحيتُ جانبا .. قطعت إلى الضفة الأخرى .. قضيتُ مَا قضيتُ توضأتُ .. ذلك الشيء لازال في مكاني آلخاص يُشوش يخز يؤلم يتورم .. وقفتُ وسط الظلال لحظة حتى يهدأ الهرشُ .. آمييين .. قلتُها والجماعةَ في الجامع، لكني لم أناج .. لم أدْعُ أو إني فعلتُ ونسيت .. ما عدتُ أذكرُ ما عدتُ أميز .. أوووف .. هذا وقت عصيب ...

☆إضاءات :
*تالْعِينتْ بُوشِيطانْ : عينُ إبليس

*شجر الأبهل : Juniperus sabina Plante .. Le genévrier sabine, appelé aussi sabine ou sabinier

*نبات فليو : من النباتات العطرية الجبلية يطلق عليها كذلك الريحان Menthe pouliot

*الزعتر : Thym نبات جبلي دائم الخضرة يستعمل في الطبخ ولأغراض طبية

*تيموريين : نبات زعتري جبلي يطلق عليه كذلك آسم مشاشترو يستعمل في الطبخ والاستشفاء

**ايرزازا : دبابير








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي


.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل




.. ما حقيقة اعتماد اللغة العربية في السنغال كلغة رسمية؟ ترندينغ


.. عدت سنة على رحيله.. -مصطفى درويش- الفنان ابن البلد الجدع




.. فدوى مواهب: المخرجة المصرية المعتزلة تثير الجدل بدرس عن الشي