الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من أجل ثقافة جماهيرية بديلة-أصول الفلسفة الماركسية-بوليتزر21

عبدالرحيم قروي

2024 / 2 / 12
الارشيف الماركسي


أصول الفلسفة الماركسية
الجزء الأول
تأليف جورج بوليتزر، جي بيس وموريس كافين
الحلقة الواحد والعشرون

ميزة النّزعة المادّية الماركسيَّة الأولى
مَادّية العَالم
------------------------------
1 – الموقف المثالي
2 – النظرة الماركسية
3 – المادة والحركة
4 – الضرورة الطبيعية
5 – الماركسية والدين
6 – الخلاصة
-----------------------------
1 – المَوقِفُ المِثالي
تقوم أقدم صورة للنزعة المثالية على شرح الظواهر الطبيعية بواسطة فعل قوى غير مادية، واعتبار الطبيعة مزودة "بأرواح" تسيرها.
ويبدو أنه ليس من الصعب محاربة هذه الصورة من النزعة المثالية. فلقد أدى تقدم الإنتاج والوسائل التقنية وتقدم العلم إلى القضاء على هذه الشروح بالتدريج. فإذا بالشعوب المتقدمة تقضي، منذ أمد بعيد، على جنيات النار والماء والهواء، وعلى القوى الغريبة التي يسيطر عليها السحر فتمسي قصص الجنيات حكايات تردد على مسامع الأطفال.
وهكذا وّلى عهد الاعتقاد بوجود "الأرواح" أو "النفوس" ولم نعد نقول بأن "الطبيعة تكره الفراغ" كلما صعد الزئبق في ميزان الطقس (البارومتر) كما لم نعد نقول بأن الأفيون ينوم لأن يملك "فضيلة التنويم" لأن الأطفال وحدهم هم الذين يثورون على الأشياء التي آذتهم كما لو كانت هذه الأشياء تملك ارادة شريرة تدفعها للأذى فإذا بهم أشبه بأولئك الذين يتملكهم الغيظ ضد "الحظ السيء" أو يستخدمون جوالب الحظوظ.
لقد أزال نيوتن من أرجاء الفضاء الملاك الحارس الذي كانت العناية الألهية قد أقامته على كل كوكب ليسيره في فلكه. كما قضى الفلاسفة الديكاريتون، من جانبهم، على الزعم القائل بأن للحيوانات "نفسا" فتساءل ديدرو ساخرا عما إذا كان العضو المبتور من الحيوان لا يزال مركز الحركات العضلية، لأنه يجب أن نتصور وجود "قطعة من النفس" في ذلك العضو لتفسير حركته.
ومع ذلك فانه إذا كانت الفكرة، القائلة بأن كل ظاهرة في الطبيعة تتطلب فعل روح خاص، غريبة عنا اليوم، فأن الفكرة القائلة بأن العالم في مجمله بحاجة، كي يوجد، لروح أسمى شامل لا تزال حتى اليوم حية في الأديان الموحدة .
يعترف التوحيد المسيحي مثلا بوجود الواقع المادي في العالم، ولكن هذا الواقع المادي حقيقة ثانوية مخلوقة. أما الكون الحقيقي والواقع النهائي العميق فهو الروح، والله روح صرف شامل. وهاك مثالا لما يسمى بالمثالية الموضوعية.
اتخذت هذه النظرة الفلسفية عدة صور وأشكال. إذ ليس الواقع المادي، في نظر أفلاطون، سوى انعكاس للعالم المثالي، عالم الأفكار، حيث يحلق الفكر الصرف الذي لا يحتاج للعالم المادي في وجوده. ولم يكن العالم في نظر السوفسطائيين سوى كائن حي هائل، تحييه نار الهية داخلية، أما هيجل فهو يعتقد أن الطبيعة وتطور المجتمعات الإنسانية ليس سوى الغلاف الخارجي والمظهر المرئي وتجسد الفكر المطلق الشامل الذي يوجد نفسه.
وهكذا نرى أن العالم في نظر جميع هذه الفلسفات مادي في ظاهره، أما سبب وجوده الحقيقي فهو في وجود الروح. وهذا الروح مستقل عن وعينا الإنساني الفردي ولهذا ضُمت هذه الفلسفات إلى النزعة المثالية الموضوعية.
ويمكن أن نشير أيضا إلى أن النزعة المثالية الموضوعية تؤدي غالبا، فيما يتعلق بالإنسان، إلى التمييز بين النفس والجسد فتصل النفس بالعالم الروحي وتصل الجسد بالعالم المادي. تلك هي حال النزعة المثالية المسيحية. وكذلك تسمى النظرية التي تجعل الإنسان مرتبطا بمبدأين النزعة الثنائية (dualisme). وتقوم النزعة الثنائية، في العلوم الإنسانية، على النزعة المثالية.
أ) لأنها تفسر الكائن الطبيعي بوجود "نفس" في داخل هذا للكائن.
ب) لأنها تعلق وجود هذه "النفس" على وجود روح أعلى، لأنها لو علقت وجود هذه النفس على وجود مبدأ مادي لما كانت ثنائية بل موحدة.
وهكذا نرى أن النزعة الملحدة الساذجة تنتمي للنزعة الثنائية. فهي تنكر وجود الله ولكنها لا تعتمد على نظرية مادية علمية. بل تتحدث عن "الروح الإنساني" و "الوعي الإنساني" كما لو كان هذا الروح مبدأ مستقلا بذاته، فهي بذلك مدينة للنزعة المثالية، وتلك هي حال فلاسفتنا الجامعيين علمانيين كانوا أم روحيين. ولهذا لا تجزع الكنيسة كثيرا من هؤلاء الملحدين المثاليين: أمثال مين دوبيران(Main de Biran) في عهد نابوليون وبرجسون (Bergson) وفرويد (Freud) أو كامو (Camus) في عهد الاستعمار. لأنها تعرف وتقول بحق أن هؤلاء الفلاسفة ليسوا سوى نعاج ضالة، وكثيرا ما نرى هذه النعاج، تعود إلى الحظيرة، في نهاية المطاف.
إذا كانت النزعة الموضوعية، في بعض العصور، قد أدت إلى وجود فلسفات كبرى ذات نواة عقلانية (Rationnel) كالفلسفة الاستعمارية في عصرنا حين تشعر البرجوازية في رمقها الأخير أنها بحاجة لتضليل الجماهير وإبعادها عن التفسير المادي للعالم بجميع الطرق والوسائل فان النزعة المثالية تمسي نزعة غير عقلية.
يفسر فرويد، مثلا، الإنسان وظواهر الحياة الاجتماعية بوجود قوة غير مادية في الإنسان تظهر في نوازعه الخفية يسميها "اللاوعي". وهكذا يتيح فرويد فرصة نادرة للمشعوذين لاستغلال السذج من الناس. ذلك الآن "اللاوعي" هو آخر صورة للاعتقاد بوجود القوى اللامادية في العالم.
ويقضي برجسون من جهته على مادية العالم. ذلك لأن مادية العالم بالنسبة إليه أنما هي ثمرة فعل خلاق. وهي في جوهر حياة. فكل مادة هي ثمرة "دفعة حيوية" هائلة تدفع بالعالم. والحياة نفسها ما هي في نظر برجسون؟ هي "الوعي" والفكر والروح. فهو يقول: "الوعي عامة ملازم لوجود الروح الشامل ".
الوعي هو مبدأ الحياة. وبدلا من أن تكون المادة هي الأساس الضروري لنمو الوعي، فأن الوعي، على العكس، هو الذي يفسر لنا نمو المادة حين يتجسد منها.
ذلك هو برجسون الفيلسوف "العبقري" المعاصر الذي جعلته البرجوازية المعاصرة من أعظم الفلاسفة، وتلك هي الفلسفة التي يدحض بها النزعة العلمية المغالية (Scientisme) محاولا التقليل من شأن العلم.
وتتابع النزعة المثالية هجومها في الميدان العلمي فإذا بنا نرى بعض العلماء المثاليين الأميركان يحاولون التدليل "علمياً" على خلق الكون، وعلى عمر الكون وعلى الزمن الذي استغرقه هذا الخلق، وأعادة بناء النظرية القديمة حول "موت العالم" الخ!
وإذا ما تنبهنا أخيرا إلى عودة "العلوم الغيبية" للظهور من جديد وتلك النزعة الروحانية (Spiritisme) التي شجعها برجسون وأنصار فرويد للحيلولة دون الجهلة والأغبياء والتفسير المادي للأمراض الاجتماعية التي يقاسونها، أدركنا بوضوح أهمية النظرية الماركسية حول مادية العالم.

2 – النَظْرَة الماركسِيَّة
تقوم النزعة المادية الفلسفية عند ماركس، على عكس النزعة المثالية التي تعتبر العالم "تجسيدا" "للفكرة المطلقة" و "الروح الشامل" و "الوعي"، على المبدأ القائل بأن العالم، بطبيعته، مادي، وأن مختلف ظواهر الكون أنما هي جوانب مختلفة للمادة في حركتها، وأن العلاقات والشروط بين الظواهر التي يكشف عنها المنهج الجدلي هي القوانيين الضرورية لنمو المادة المتحركة، وأن العالم ينمو حسب قوانين حركة المادة وهو ليس بحاجة لأي "روح شامل ".
يشير ستالين هنا، في حديثه عن النزعة المثالية، إلى فلسفة هيجل الذي تحدثنا عنه آنفا. ذلك لأن فلسفة هيجل تمثل آخر فلسفة مثالية في تاريخ الفلسفة، وهي تمثل مختصرا منسجما لجميع الميزات التاريخية للنزعة المثالية الموضوعية، في ميدان الطبيعة والمجتمع.
ويلاحظ ستالين أن مختلف ظواهر الكون لا تحدث بفضل تدخل أرواح وقوى "لا مادية" بل هي جوانب مختلفة من المادة المتحركة.
ويشير ستالين كذلك إلى ضرورة طبيعية كامنة في المادة، وهي أساس قوانين الكون التي يقيمها المنهج الجدلي.
وأخيرا يشير ستالين إلى خلود العالم وخلود المادة المتحركة التي تتحول باستمرار.
3 – المَاديَّة وَالحَرَكَة
أن مسألة علاقات المادية بالحركة مسألة خطيرة في تحديد كل من النزعة المثالية والنزعة المادية.
ذلك لأن النزعة المثالية تعتقد أن الحركة والنشاط والقدرة الخلاقة أنما هي من ميزات الروح فقط. وهي ترى أن المادة عبارة عن كتلة جامدة سلبية لا صورة لها. وهي بحاجة لميسم الروح الذي يحييها كي تتخذ صورة معينة. وهكذا ترى النزعة المثالية أن المادة لا يمكن أن تنتج أي شيء بنفسها فإذا ما أخذت تتحرك فأن ذلك بفضل الله أو الروح.
ولهذا فأن فصل المادة عن الحركة طابع مميز للفكر الميتافيزيقي. كما أنه منهج ضروري في بداية العلوم كلما كانت المادة الثابتة أسهل في الدراسة من المادة المتحركة.
حتى إذا ما ازدهرت العلوم الحديثة ظلت الفكرة القائلة بأن الحركة قد وهبها الله للمادة عند الخليقة.
وهكذا تخيل نيوتن، وهو الذي طور علم حركة الأجسام السماوية، الكون على أنه ساعة ضخمة محكمة الصنع، ولكنها كانت بحاجة لهزة أولية سيرت آلاتها.
ذلك لأن أول علم أصاب حظاً من الكمال هو علم الميكانيكا أي علم تحركات الأجسام الصلبة في الفضاء، سواء كانت سماوية أم أرضية. ويمكن لأول وهلة أن نفترض في علم الميكانيكا أن كمية المادة في جسم من الأجسام تتحرك مستقلة عن السرعة التي يتحرك بها. ويبدو هذا تأكيدا للفكرة الميتافيزيقية القائلة بأن المادة والحركة حقيقتان متميزتان.
أما النزعة المادية فهي تقول، على العكس، بأن الحركة صفة أساسية للمادة و أن المادة هي حركة، وتخيل ديمقريط الذرات التي تكون العالم تدفعها حركة خالدة.
ولقد أثرت هذه الأفكار في عصر النهضة، وقام غاليلي، في مطلع القرن السابع، بدراسة سقوط الأجسام دراسة علمية، كما أدى تطور الرياضيات إلى التدليل، لأول مرة، على حركة الجسم الذي يهوي إلى الأرض بصورة مرضية. وهكذا أدى تقدم العلوم إلى تقدم النزعة المادية، وظهور الفلاسفة، ومنهم ديكارت، الذين قالوا بأن كل شيء في الطبيعة تفسره قوانين حركة الأجسام. فحل محل تأثير الفعل الإلهي حتمية صارمة.
يفسر لنا هذا النزعة المادية الفرنسية في القرن السابع عشر، وهي تمثل تقدما عظيما بالنسبة لمختلف صور النزعة المثالية الدينية. ومع ذلك فقد كانت هذه النزعة المادية ناقصة، ذلك لأن علم الميكانيكا، كما رأينا، كان يساعد آنذاك على افتراض أن الحركة قد جاءت إلى المادة "منذ بدء الخليقة" مما يترك المجال لعودة النزعة المثالية الدينية. ومع ذلك فقد دافع أقوى المفكرين، أمثال ديدرو، بنجاح عن الفكرة القائلة بأن الحركة صفة كامنة في المادة.
غير أنه يجب هنا أن نشير إلى واقع تاريخي وهو أن الناس لم يكونوا يعرفون سوى قوانين الحركة في المكان بصورة علمية. ولم تكن صور حركة المادة الأخرى قد كشفت عن قوانينها، ولم تكن علوم الكيمياء، والحرارة، والحياة قد ظهرت للوجود. ولهذا فسرت جميع الظواهر التي تدرسها هذه العلوم بواسطة أسباب ميكانيكية. فضل العلماء في جهلهم ميزة كل شكل من أشكال الحركة في المادة، ومن هنا نشأ اسم النزعة المادية الميكانيكية المغالية (Materialisme mecaniste) الذي أطلق على النزعة المادية في ذلك العصر. ويلاحظ انجلز أن ذلك يدل على ضيق أفق النزعة المادية السابقة على ماركس.
ولهذا لم تنجح هذه النزعة المادية في تفسير الأشكال العليا لحركة المادة، كالحياة والفكر.
فقد كان الديكارتيون، مثلا، يعتقدون أن الحيوانات لا روح لها، فهي أشبه بالآلات. فكان أن أخذ العلماء يحاولون صنع الإنسان الآلة (Robot) لتقليدها. غير أنه من الواضح أن الجسم الحي لا يشبه الآلة مهما كان نصيبها من الدقة والأحكام، وبالرغم من أن "بطة فوكانسون" الشهيرة (Canar de vaucanson) كانت تقوم بجميع وظائف الحياة فأنها كانت تهمل وظيفة التناسل.
وهكذا تشوه النزعة المادية الواقع. كما أنها تجعل من الإنسان ثمرة سلبية للطبيعة لا تأثير له في المادة ولا حول له ولا حرية.
وتعتمد النزعة المثالية في هجماتها في الواقع على النزعة المادية الآلية التي تتيح لها فرصة نادرة لمثل هذه الهجمات فتلح في القول على جوانب الواقع التي تشوهها النزعة المادية الآلية.
ومن هنا كان القول "عن النزعة المادية التي تجعل من الإنسان آلة وإنسانا آليا" حتى إذا ما أخذنا بدراسة صور الحركة المادية الأخرى كالحرارة والكهرباء والمغناطيس والعمليات الكيمائية والحياة لم تعترف النزعة المثالية بهزيمتها. فهي تعلن، معتمدة على القول بأن المادة جامدة، أن الله قد وهب المادة "قوى" كالقوة الكهربائية والقوة المغناطيسية والقوة الكيمائية والحياة والروح وأن المادة لا تستطيع خلق جميع هذه القوى. ذلك هو رأي الفيزيائي الإنجليزي جول (1818 ـ 1889).
ولقد استطاعت النزعة المادية الجدلية أن تفسير هذه الظواهر تفسيراً مرضياً فدلت على أن هذه الظواهر أنما هي صور لحركة المادة، وأن المادة لا تستطيع فقط إحداث الحركة بل تستطيع أيضا إحداث تغييرات نوعية، وأنها تملك ديناميكية داخلية نشيطة وقدرة على الخلق تعتمد على وجود التناقض داخل الأشياء ذاتها.
وصفنا هذه النظرة الجدلية لحركة المادة عند دراستنا للجدلية، ولقد أثبتت العلوم صحة هذه النظرة. ولهذا يؤكد ستالين في النص الذي ذكرناه آنفا أن مادية مختلف ظواهر الكون لا يمكن فهمها علمياً إلا إذا قامت قوانينها على نهجٍ جدلي، والا أتاح العلم الفرصة لكل تفسير مثالي.
والاكتشافات العلمية الكبرى التي أظهرت بوضوح جدلية الطبيعة وأتاحت تجاوز النزعة المادية الآلية وأقامة النزعة المادية الجدلية هي ثلاثة اكتشافات:
أ) اكتشاف تحول الطاقة الذي أوجد فكرة التغير النوعي وأظهر مختلف القوى الفيزيائية على أنها مظاهر لحركة المادة.
ب) اكتشاف الخلية الحية الذي كشف سر تكون الأجسام الحية وأتاح تصور الانتقال من الجسم الكيمائي إلى الجسم الحيوي، وإدراك نمو الكائنات الحية.
ج) اكتشاف تطور الأنواع الحية الذي قضى على الحاجز الميتافيزيقي بين مختلف الأنواع، بين الإنسان وسائر أنواع الطبيعة، وكذلك اكتشاف نظرية التطور عامة التي أظهرت الكون جميعاً، والمجتمع الإنساني، على أنه تطور تاريخي طبيعي، فإذا بالمادة تبدو وكأنها تصاعد في نمو تاريخي.
ومع ذلك كان لا بد من إنتهاج المنهج الجدلي بقوةٍ لإدراك أهمية هذا الاكتشاف وهذا ما فعله ماركس وانجلز.
وهكذا يبدو أن النزعة الجدلية هي الوحدة التي استطاعت أن تفسر الظواهر العليا كالحياة والفكر تفسيراً طبيعياً دون أن تنزع من هذه الظواهر أية ميزة خاصة أو تعتمد على مساعدة "مبدأ حيوي" أو "روحي" فما هي تفاصيل هذا التفسير؟ يجيب العلم على هذا السؤال، ذلك العلم الذي تنير طريقه النزعة المادية الجدلية، العلم الذي نادى به ميتشورين وليسكنوا وأولجا لبيشنسكايا وستشنوف وبافلوف وأمثالهم.
تؤمن النزعة المادية الجدلية بالعلم، بينما تسرع النزعة المثالية إلى إعلان عجزها كما لو أنها كانت تنتظر جوابا جاهزا. ولا يطلب جواباً مباشراً على المشاكل التي تقف في وجه العلم إلا الأغبياء. وليس لدى العلم جواب جاهز، وأما النزعة المثالية فلديها مثل هذا الجواب وهو القول بوجود "الروح". ولكن هذا القول ليس سوى كلمة تخفي الجهل وراءها. ولما كانت "الروح" لا تمتاز بأية صفة من الصفات المادية المعروفة فأنها تسمح "بتفسير" كل ما يتعلق بصفات المادة المجهولة. ولهذا يقول المثالي:
"أنسب كل ما اجهله إلى الروح".
يتصور المثالي، الذي يأخذ على النزعة المادية أنها لم تتطور منذ ألفي سنة(!) وأنها تردد دائما نفس الشيء، المادة بصورة جامدة لا تتغير. حتى إذا ما اكتشف العلم وجها جديدا لحركة المادة الشاملة وضاق مجال "التفسير" المثالي أسرع المثالي إلى القول بأن "المادة" قد زالت وتبخرت الخ. أما الذي تبخر حقيقة فهي الفكرة الضيقة الآلية الميتافيزيقية التي تصورها عن المادة ولا غير. إذ لا يجب أن نخلط بين الأفكار العلمية المثالية عن المادة التي تعبر عن حالة معلوماتنا في فترة معينة من الزمن وبين الفكرة الفلسفية عن المادة التي تقوم عليها الأبحاث العلمية.
قال انجلز: "يجب على النزعة المادية أن تتخذ طابعاً جديداً مع كل اكتشاف كبير جديد".
نخلص من ذلك إلى القول مع انجلز بأن "الحركة هي صورة الوجود للمادة" وأن منبع الحركة والديناميكية قائم في المادة نفسها.
ولهذا لا تعني النظرة المادية للطبيعة سوى فهم الطبيعة كما هي بدون أي عامل أجنبي .
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مواجهات بين الشرطة ومتظاهرين في باريس خلال عيد العمال.. وفلس


.. على خلفية احتجاجات داعمة لفلسطين.. مواجهات بين الشرطة وطلاب




.. الاحتجاجات ضد -القانون الروسي-.. بوريل ينتقد عنف الشرطة ضد ا


.. قصة مبنى هاميلتون التاريخي الذي سيطر عليه الطلبة المحتجون في




.. الشرطة تمنع متظاهرين من الوصول إلى تقسيم في تركيا.. ما القصة