الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البريء لا يخشى المحكمة الدولية في لبنان!

جوزيف بشارة

2006 / 11 / 28
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


تدهشني بعض الاستنتاجات الغريبة التي تصل إليها بعض التحليلات الخاصة بمكاسب وخسائر الأطراف المحلية والإقليمية من عملية الاغتيالات المنظمة التي تشهدها لبنان في السنتين الأخيرتين، والتي طالت عدداً من السياسيين والصحفيين اللبنانيين المعارضين للنظام السوري، والتي بدأت باغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في الرابع عشر من شهر شباط من العام الماضي. يستخلص بعض المحللين السياسيين الموالين للقوى المعروفة بمساعيها الدائبة لتخريب لبنان نتائج منحازة وخالية من المنطق تبدو كما لو كانت تبريء المشتبه به الأساسي، وتلصق التهم بالضحايا. لعل أكثر ما أفزعني في هذا الصدد كان بشأن الاتهامات المبطنة والجزافية التي وجهها البعض لقوى الرابع عشر من آذار بارتكاب جريمة اغتيال وزير الصناعة بيار الجميل بغرض، حسب ادعاءاتهم، استجداء دعم الجماهير التي تحولت إلى تأييد جماعة حزب الله بعد حرب تموز الماضي.

لست هنا في معرض الدفاع عن قوى الرابع عشر من آذار التي تضم عدداً من القادة السياسيين الذين يملكون من القدرة ما يكفي للرد على هذه الادعاءات. وأيضاً لست هنا في موقف توجيه الاتهامات لطرف أو آخر، فتلك مهمة المحكمة الدولية المنوطة بالتحقيق في الجريمة. ولكني أجد نفسي في موقف لا يجب معه الصمت على افتراءات تسعى برأيي إلى تحييد النظر عن المجرم الحقيقي الذي يستمر في ارتكاب جرائمه الحقيرة بحق لبنان واللبنانيين.

إذا ما افترضنا أن السياسة الماكيافيلية التي يتبعها البعض قد تبرر الاغتيالات، وأن التنافس السياسي القذر قد يسمح لبعض الساسة بالتضحية بالشركاء لتحقيق مكاسب سياسية أو جماهيرية أو انتخابية، فلست أعتقد أن هذا ربما ينطبق على قيادات تجمع الرابع عشر من آذار في سلسلة الاغتيالات الأخيرة. قلقد طالبت قيادات التجمع بإلحاح بضرورة تشكيل محكمة دولية للتحقيق في هذه الجرائم، ولست أعتقد في أن يتوقع عاقل قيام مجرم بالمطالبة بالتحقيق في الجرائم التي يرتكبها. ومن ثم فإن اتهام قيادات التجمع بالاغتيالات لا يبدو متسقاً مع إصرار هذه القيادات على تشكيل محكمة دولية تتبع منظمة الأمم المتحدة للكشف عن المجرم الحقيقي الذي يقف وراء الاغتيالات التي شهدها لبنان في السنتين الآخيرتين.

لعل تسؤلات مهمة تتبادر إلى الذهن هنا بشأن سبب حالة الخوف والرعب التي يعيشها بعض الكتل المحلية والقوى الإقليمية منذ الاعلان عن أنباء تشكيل المحكمة الدولية. لا يساورني الشك للحظة في أن أولئك ما كانوا سيخشون المحكمة الدولية لو كانوا أبرياء، ولا يساورني الشك أيضاً في أن أحداً من المؤيدين للنظام السوري في لبنان كان سيتشبث برفض تشكيل المحكمة لو لم تكن له مصلحة مباشرة في التكتيم على الجرائم ومرتكبيها. فحالة الذعر والهلع التي تستولي على البعض بسبب تشكيل المحكمة الدولية ما كانت لتصدر عن نظام بريء لم تتلطخ يداه بدماء الضحايا. وبالمثل فإن حالة الرفض الشديد من قبل البعض لتشكيل المحكمة الدولية ما كانت لتصدر إلا عن أناس يستفيدون من إطلاق يد المجرمين في لبنان.

بدا واضحاً في الآونة الأخيرة أن تشكيل المحكمة الدولية لم يكن ليتفق مع مصالح النظام السوري وشركائه في لبنان، إذ لا يوجد سبب واضح يدعو أحد لرفض إقرار تشكيل المحكمة الدولية، اللهم إلا السعي للحفاظ على ورقة التوت التي تغطي عورة الجاني. لم يكن السوريون وحلفاؤهم في لبنان ليرفضوا المحكمة الدولية ما لم تكن لهم فائدة مباشرة في الحيلولة دون تقديم الجناة للمحاكمة. فما من بريء يخشى التحقيق العادل، ولكن المجرم عادة ما يخشاه ويقاتل لتجنبه.

لقد وضع الخوف النظام السوري وحلفاءه في موضع الريبة والشك أمام المجتمع الدولي حتى من قبل أن تبدأ المحكمة الدولية عملها التحقيقي. وعلى جانب آخر فقد كانت النتيجة المنطقية لرفض دمشق ومؤيديها تشكيل المحكمة الدولية أن تحوم الشبهات من جديد حول دمشق ومؤيديها في جريمة اغتيال وزير الصناعة بيار الجميل. لقد كان واضحاً أن اغتيال أحد أعضاء مجلس الوزراء اللبناني في هذا التوقيت جاء بغرض خدمة مصالح النظام السوري عبر إسقاط النصاب القانوني لالتئام المجلس حتى يتم عرقلة قرار إنشاء المحكمة الدولية.

يبقى سؤال مهم هنا وهو من المستفيد من سلسلة الاغتيالات؟ لقد طالت سلسلة الاغتيالات التي تلت اغتيال الرئيس الحريري فئة واحدة دون غيرها وهي فئة المسيحيين المعارضين للوجود السوري بلبنان. يبدو للمراقب أن عمليات الاغتيال تتم لمصلحة طرفين بعينهما أحدهما النظام السوري الذي يريد التخلص من الوطنيين اللبنانيين من معارضي وجوده في لبنان، والآخر هو الطرف الذي يسعى لتصفية النفوذ والوجود المسيحي بلبنان، ولكن تثبت التحقيقات أن الاغتيالات تخدم مصالح طرف واحد فقط ربما عبر الانتقام من اللبنانيين، أو خلق حالة من عدم الاستقرار في لبنان قد تفضي إلى التخلص من النظام السياسي الحالي الذي أثمرت عنه اتفاقات الطائف.

أما وقد وافقت الحكومة الللبنانية الشرعية مبدئياً على قرار تشكيل المحكمة الدولية، فإن الفرصة لا تزال متاحة أمام من هو بريء من الجرائم التي ارتكبت بحق لبنان للحاق بركب الأغلبية الحاكمة في لبنان في السماح للمحققين الدوليين بالعمل للإعلان عن مرتكبي الجرائم. ليت كل لبناني يعي أن الرهان على النظام السوري أثبت التاريخ خسارته، وليت كل لبناني يعرف أن لبنان تتمزق بسبب المناورات الخبيثة التي يقوم بها أعداء لبنان، وليت كل لبناني يدرك أن الوطني الشريف لا يخدم سيدين، الوطني الشريف يخدم فقط بلده... فربما يتمكن اللبنانيون من غسل عار الجرائم القذرة التي ارتكبت بحق وطنهم بالموافقة على تشكيل المحكمة المحكمة الدولية للكشف عن الوجه القبيح للجاني.


جوزيف بشارة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. محمود ماهر يخسر التحدي ويقبل بالعقاب ????


.. لا توجد مناطق آمنة في قطاع غزة.. نزوح جديد للنازحين إلى رفح




.. ندى غندور: أوروبا الفينيقية تمثل لبنان في بينالي البندقية


.. إسرائيل تقصف شرق رفح وتغلق معبري رفح وكرم أبو سالم




.. أسعار خيالية لحضور مباراة سان جيرمان ودورتموند في حديقة الأم