الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل المنطقة تسير فعلا نحو الاستقرار والأمن؟

عبد الحميد فجر سلوم
كاتب ووزير مفوض دبلوماسي سابق/ نُشِرَ لي سابقا ما يقرب من ألف مقال في صحف عديدة

(Abdul-hamid Fajr Salloum)

2024 / 2 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


خلال زيارته لكل من بيروت ودمشق مؤخّرا، يومي 10 و 11 شباط 2024، تحدث وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان عن عدّة أمور، خلال المؤتمرين الصحفيين، مع وزيري خارجية سورية ولبنان، لاسيما عن الحرب في غزة وتبعاتها.
في بيروت كانت له تصريحات لافتة حينما قال:
(نتنياهو والكيان الإسرائيلي لديهما رغبة باستمرار الحرب، لكن الانطباع حاليا يشير إلى أن المنطقة تسير نحو الاستقرار والأمن والتوصل إلى الحل السياسي ونهاية الحرب في غزّة، ما يعني نهاية عمل نتنياهو وحكومته)..
حينما نقول “المنطقة”تسير نحو الاستقرار والأمن فنحن نفهم من ذلك كل منطقة الشرق الأوسط.
**
منذ بداية عملية طوفان الأقصى كان الموقف الإيراني واضحا، أن طهران لا عِلما مُسبقا لها بهذه العملية، ولا دورا لها فيها، وأن أطراف محور المقاومة ترسم سياساتها وتقوم بعملياتها العسكرية بقرارٍ مستقلٍّ منها، وأن إيران لا تُملي عليها ماذا تفعل، وإن كانت تدعمهما في وجه إسرائيل، وأنّ طهران حريصة على عدم توسيع دائرة الحرب..
الولايات المتحدة وحلفائها في الناتو، جميعهم أكّدوا دوما على حرصهم وسعيهم لعدم اتّساع دائرة الحرب، ولكنهم لم يفعلوا شيئا للحؤول دون ذلك، إذ استمرت الولايات المتحدة وحلفائها، لاسيما بريطانيا وألمانيا، في التأكيد على عدم وقف الحرب حتى تقضي إسرائيل على حماس.. واستمرّ تدفُّق الأسلحة على إسرائيل..
ربما تغيّرت مؤخّرا مواقف بعض الدول الأوروبية، ولانَت قليلا مواقف واشنطن، نتيجة الضغط الشعبي للرأي العام في الغرب، والمظاهرات الحاشدة التي قامت وتطالب بوقف الحرب، ونتيجة صمود المقاومة، ولكن نتنياهو ما زال مُصِرّا على موقفه، واتّجهَ نحو جنوب غزة، وإلى رفَح، بعدما دمّر شمالها ووسطها، ولم يتبقى لديه إلا قسمها الجنوبي، رغم كل الاعتراضات الأممية، وعلى لسان الأمين العام للأمم المتحدة، وحتى البيت الأبيض، والحكومات الأوروبية، والعربية، بعدم اجتياح منطقة رفَح، حيث تجمّع مليون ونصف من أهالي غزّة، بعد التدمير الذي حصل في الشمال والوسط..
ولذلك نقلت الأنباء أن بايدن كان غاضبا مؤخرا من نتنياهو لأنه لم يُصغي إليه بعدم قصف مدينة رفَح، وببعض الأمور الإنسانية، وكذلك كان وزير خارجيته بلينكن غاضبا خلال آخر لقاء مع نتياهو في 7 شباط 2024 ، في إطار جولته الخامسة في المنطقة بعد طوفان الأقصى..
**
إنها أمنيةُ كافة شعوب المنطقة، أن تسير المنطقة نحو الاستقرار والأمن والتوصل إلى حل سياسي في غزة وفلسطين وأن تستجيب إسرائيل لصوت العقل وتقتنع أن الحرب ليست الخيار الصحيح لحل مشاكل المنطقة، وإنما الحل هو بالتوجُّه نحو السلام، وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا بعد أن تنسحب إسرائيل من كافة الأراضي العربية التي احتلتها عام 1967 بما فيها الجولان السوري، وتعترف بقيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 ، ولكن متى كان في إسرائيل صوتٌ للعقل؟.
كل ذلك ليس بوارد تفكير نتنياهو، ولا قادةُ أحزاب إسرائيل، حتى غير المُصنّفة متطرفة.. فجميعهم يريدون فرض الاستسلام على الفلسطينيين والعرب، تحت عنوان السلام، والخرافات التوراتية..
والمشكلة ليست مشكلة غزة فقط، بل غزّة هي جزءا من المشكلة الأساس وهي القضية الفلسطينية، وهذه ليست مشكلة دينية أو فقط مَحض إنسانية، إنها قبل كل شيء مشكلة سياسية، وحقوق سياسية، حتى وإن كان الصهاينة قد سيّسوا وأدلَجوا وصَهينوا الديانة اليهودية، واعتبروا المشكلة دينية وتوراتية..
وحتى لو افترضنا جدلا أن السلطة الفلسطينية توصّلت مع إسرائيل إلى حلٍّ ما، فما هو مصير الجولان؟.
وما هو مصير التواجد والاحتلال الأمريكي العسكري في العراق وسورية، فضلا عن الاحتلال التركي..
فوق الأراضي السورية، وبحسب مؤسسة (انفورماجين) لتحليل البيانات وصلت عدد القواعد والنقاط العسكرية الأمريكية في عام 2023  إلى 30 قاعدة ونقطة، بينما عدد القواعد والنقاط التركية بلغ 125 ..
إذا الحديث عن الأمن والاستقرار في المنطقة ما زال بعيد المنال.. ولكن ربما عند السيد الوزير عبد اللهيان حقائقا لا نعرفها، فهو في موقع القرار، ونحن مجرّد مراقبون..
**
طبعا نتنياهو يدرك أن المحكمة بانتظاره بعد نهاية الحرب في غزة، ولكنه يدرك أيضا أن الرئيس بايدن اليوم في أضعف أيامهِ، وليس في موقع الضغط عليه، رغم كل ما قدّمه له في هذه الحرب، إذ أنه في مرحلة مفصلية من حياته، فالانتخابات الرئاسية الأمريكية تقترب، وشعبيته تنخفض، واستطلاعات الرأي العام تشير أن ترامب يتقدم عليه، وهنا الطامّة الكبرى للمنطقة، إذ سنذهب من تحت الدّلف إلى تحت المزراب، كما يقول المثل الشعبي.. فبايدن رئيس سيء ومُتصهين لا شكّا بذلك، ولكن ترامب متصهين وأسوأ بأضعاف المرات، ولا شكّا بذلك.. فنحن أمام حالتين سيئتين، أمام السيء والأسوأ.. ولذلك قد يكون من مصلحة المنطقة أن يبقى السيء ولا يأتي الأسوأ..
بل حتى لو فازت المرشحة نيكي هيلي، فهي أسوأ من الإثنين بأضعاف، فخطابها لا يختلف عن خطاب نتنياهو وسموتريتش وابن غفير..ولديها مخزون من الحِقد غير معقول. وهي صاحبة القول الشهير حينما كانت سفيرة لدى الأمم المتحدة وقالت في لقاء صهيوني: (هل تعرفون لماذا ألبِس الكعب العالي؟. إنها ليست لأجل الموضة وإنما لِأركُل فيه كل من ينتقد إسرائيل).
لقد عيّنها الرئيس ترامب سفيرة وهي تنافسه اليوم داخل الحزب الجمهوري وتصفهُ، مع بايدن، بالعجائز، ومشكوك بقدراتهم العقلية، وهو يقول عنها أن زوجها هرب منها لأنها عدوانية..
هذه هي النماذج التي تتنافس للوصول للبيت الأبيض..
**
حديث الرئيس بايدن عن الحل، والدولة الفلسطينية، يتقاطع تماما مع رؤية نتنياهو والتي تحدّثتُ عنها في مقالٍ سابقٍ، وقد عرَضَها نتنياهو منذ حزيران عام 2009  في خطابٍ له في جامعة بار إيلان..
فحسب نتنياهو يتوطّن اللاجئون خارج فلسطين، والقدس عاصمة أبدية، وإسرائيل دولة يهودية وعليهم الاعتراف بها، ويسمح بكيان فلسطيني(يُسمِّيه دولة) منزوع السلاح، فلا جيشا، ولا سيادة على الأجواء، ولا أحلافا أو اتفاقات عسكرية لهذا الكيان المولود، وممنوع دخول الأسلحة إليه، ويخضع لمراقبة إسرائيلية وثيقة.. وحتى لا إزالة للمستوطنات والمستوطنين..
وحسب الأرقام، بلغ عدد المستوطنين في الضفة الغربية  800 ألف..
فأي دولةٍ هذه؟.
طبعا مسموح للفلسطينيين أن يُطلِقوا عليها ما شاؤوا من الأسماء.. فيمكن أن يُسمُّونها الدولة الفلسطينية، والجمهورية الفلسطينية، والمملكة الفلسطينية، وحتى الإمبراطورية الفلسطينية العُظمى، إذا شاؤوا..
هذه ليست مشكلة عند نتنياهو.. ولكنها في الحقيقة مستعمرة إسرائيلية..
حتى اليوم لم نسمع إلا التصريحات فقط عن ضرورة حل الدولتين رغم كل ما سال في غزة من دماء وتهجير وتدمير، والموقف العربي واضحٌ من ذلك، ولكن الموقف الأمريكي غير واضح، فهو حتى اليوم يسير مع الطروحات الإسرائيلية، بينما موقف الأوروبيين لا يتماشى مع المطالب الفلسطينية والعربية، وإن كان أفضل من الموقف الأمريكي..
**
الجميع متّفقون أن هذه المنطقة بحاجة إلى السلام والأمن والاستقرار، وشعوبها أُنهِكت، وهي الأكثر التهابا بين ثلاث مناطق ملتهبة اليوم في العالم إلى جانب أوكرانيا وشرق آسيا. ولذا يجب على الولايات المتحدة وحلفائها في الغرب، وأعضاء مجلس الأمن الدائمين، ممارسة كل أشكال الضغط على إسرائيل، وحتى العقوبات، كي تستجيب لمبادرة السلام العربية لقمّة بيروت 2002، ويتحقّق السلام..
وبعد ذلك يجب أن تأتي الخطوة التالية وهي فكرةُ عقدُ مؤتمرٍ في الشرق الأوسط على غرار مؤتمر هلسنكي بين الشرق والغرب عام 1975 الذي أسّس لفكرة الأمن والتعاون الأوروبي بين الكتلتين الشرقية الشيوعية، والغربية الرأسمالية، وانبثقت عنه وثيقة، أو اتفاقية هلسنكي، التي حدّدت مبادئا وأُسُسا للعلاقات في القارة الأوروبية قامت على المساواة في السيادة، واحترام حقوق السيادة الوطنية لكل دولة، وحصانة حدودها ووحدة أراضيها وسلامتها، وحل الخلافات بالطرق السلمية وعدم استخدام القوة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وتنفيذ الالتزامات والتعهدات الدولية بما ينسجم مع ميثاق الأمم المتحدة وأحكام القانون الدولي.
**
للأسف بعض العرب وضعوا العربة قبل الحصان، فذهبوا حالا للتطبيع وركّزوا على العلاقات الاقتصادية، والتجارية، قبل تحقيق السلام والأمن والاستقرار،  وتراجع الاهتمام جدا بالقضية الفلسطينية، وهذا كان خطاً كبيرا نحصد نتائجه اليوم..  
لا يمكن الحديث عن أي تعاون اقتصادي، قبل أن يحلَّ السلام العادل في المنطقة، وها هي عملية طوفان الأقصى نسَفَت خلال ساعات كل مشاريع العرب التي قامت على التطبيع والتعاون الإقتصادي مع إسرائيل، قبل إحلال السلام والأمن والاستقرار..
يجب أن يكونوا قد أدركوا الدّرس تماما، لا أمنا ولا استقرارا، من دون سلام. ولا سلاما بدون عدالة وإعادة الحقوق لأصحابها كاملا. والعلاقات الاقتصادية تأتي بعد السلام، وليس قبلهُ.. ولا شرعيةً لِما يُفرَضُ بالقوة والقتل والاحتلال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. علماء يضعون كاميرات على أسماك قرش النمر في جزر البهاما.. شاه


.. حماس تعلن عودة وفدها إلى القاهرة لاستكمال مباحثات التهدئة بـ




.. مكتب نتنياهو يصيغ خطة بشأن مستقبل غزة بعد الحرب


.. رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي: الجيش يخوض حربا طويلة وهو عازم




.. مقتل 48 شخصاً على الأقل في انهيار أرضي بطريق سريع في الصين