الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جرح فوق جروح لم تندمل

حسام كناعنة وريما شمالي

2024 / 2 / 13
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني


جرحٌ فوقَ جُروحٍ لم تَندمِل
حسام كناعنة - كاتب ومشرف ومعالج نفسي في المركز الفلسطيني للإرشاد
ريما شمالي - مرشدة في المركز الفلسطيني للإرشاد

نلوم أنفسَنا دائمًا من أجل من نحب، كلّ من نحب، خاصة أولئك الذين خسرناهم وفقدناهم بسبب الموت والبعاد، وبقينا نحن هنا، سادرين، على قيد الحياة.
هم تحت التراب ونحن فوقه، حتى مجرّد التفكير بإمكانية حدوث ذلك، وأنهم قد يكونون تحت الركام وتحت القصف،ونحن غير متيقّنين من فقدانهم ومن مصيرهم، لكن مجرّد التهديد بذلك، تنتابنا نفس المشاعر، خوف حقيقي وكأنّنا حقًا فقدناهم، وقد انقطع الاتصال والتواصل معهم وانقطعت بنا السُبل. مشاعر الخوف والقلق والغضب والعجز، وغصّة مخنوقة في الحلق، خاصة وأنّنا غير قادرين على الاجتماع بهم بنفس المكان، وعلى الاتصال بهم والاطمئنان عليهم،ماذا نفعل، وماذا نملكغير قلّة حيلة!إنّ الشعور بالعجز،وبعدم القدرة على فعل أيّ شيء، يُكبّلنا بأغلال الحزنالذي يجثو فوق صدورنا، وبأصفاد الفَقدالثقيلة والمؤلمة التي لا تنفكّ تحزّ أرواحنا وتنهشها.
يا لقلّة حليتنا ويا لعجزنا، كم هما ثقيلان علىأكتافنا المُنهكة والمتهالكة، وعلى رؤوسنا المنحنيةأمام هاماتهم الصامدة هناك. ويا لهشاشتنا، أمامَ اتصالٍ قد يأتينا منهم، إن أتى، ونستقبله بأيدٍ ترتجف، ليخبرنا بما أصبحنا نعرفه وننتظره، بأسماء مَن سبقونا إلى الحياة الأخرى، وبقينا نحن هنا أمواتًا في الحياة الدنيا. ويا لهشاشتنا وفرائصُنا ترتعد ونحن ننتظرهم على الخطّ الآخر، ورنين هاتفهم يصدح ليعلو فوق دويّ الصمت الذي يخرس كلّ الأصوات. ويا لضآلتنا حين يفتحون خطوط هواتفهم، وأيدينا ترتعش، ليقولوا لنا: اطمئنّوا، ما زلنا على قيد الحياة، وعلى لائحة الموت، إن أتى، ليرحمنا ممّا نحن فيه. إنّ الموت لهو أهون بألف مرّة من انتظاره.
بَيْدَأنّللشعور بقلّة الحيلة، في بلدٍ غريب، طعمٌ آخر، يتراوح بين الاستسلام والاستكانة! ولكنّك لستَ ببلدٍغريب أيها القريب البعيد،فـ "أنا من هناك، أنا من هنا،ولست هناك ولست هنا"؛ إنّه وطني، بلدي، شعبي الذي لطالما حلمت أن أكون بجانبه، وأنأقوم بزيارته، لكنّ العقل والقلب في هذه الظروف يسيران على هواهما، خبط عشواء، ويسيّراني كما يشاءان، ويجرّداني على قلّة ما أملك، فلا أتمالك نفسي أمامهما؛فمن الصعب بمكان جعلهما يتقبّلان فكرة الابتعاد عمّن نحب، فكم بالحريّ فقدانهم، أو حتى ألّا يستجيبوا على هواتفهم!ذاك الذي يجعل أكتافنا ثقيلة، فلا شيء محبّب، وأسئلة كثيرة تلوب في خلدي: ماذا أفعل لو لم يردّوا على اتصالي؟ وبماذا أجيبهم، ووجيب القلب يصدح، حين يردّون؟
ضُعفاءٌ وقليلوحيلة! هذا ما نحن عليه، لكن ماذا كان علينا أن نفعل؟ وماذا كنّا نفعل، فقد قدِمنا لنكدّ ولنكسب لقمة عيشنا بعرق جبيننا وبكرامة لنسدّ أودَ من تركناهم هناك من خلفنا، فوجدنا أنفسنا في الخلف، متخلّفين عنهم وهم أمامنا يحموننا ويحملون همّنا، ويذودون عنّا وعن كرامتنا.
أعلم أنّنا جميعاً نستطيع أن نولد من رمادنا ذات يوم، وقد ولدنا مرّات عجز الموت فيها عن الاستمرار في قتلنا، وفي تعداد موتانا، لكثرة ما ولدنا من تحت الركام والرّماد كطائر العنقاء.
إنّ مجرّد الشعور بفقدان أحبّتنا أو مجرّد التفكير والإحساس بذلك يوتّرنا، ويخفينا، كما يجعلنا نغضب منهم كالأطفال، كشعورهم بأنّهم سيذهبون ويتركوننا، ذلك يضيق صدرنا ويحزننا كثيرًا، إلّا أنّني أسال نفسي، ماذا يحصل لو أننا سمحنا لحياتنا أن تتلخبط قليلاً؟ حتى لو فقدنا السيطرة عليها وتخبّطنا فيها؟ أوليس لنا الحق في ذلك، في الاهتمام بأنفسنا، لنهتمّ بهم حين نعود إليهم وإلى من تبقّى منهم وما بَقي منّا؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موريتانيا: ماذا وراء زيارة وزيريْ الدفاع والداخلية إلى الحدو


.. إسرائيل وحسابات ما بعد موافقة حماس على مقترح الهدنة في غزة




.. دبابة السلحفاة الروسية العملاقة تواجه المسيرات الأوكرانية |


.. عالم مغربي يكشف عن اختراع جديد لتغيير مستقبل العرب والبشرية




.. الفرحة تعم قطاع غزة بعد موافقة حماس على وقف الحرب