الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من أجل ثقافة جماهيرية بديلة-أصول الفلسفة الماركسية-بوليتزر22

عبدالرحيم قروي

2024 / 2 / 13
الارشيف الماركسي


أصول الفلسفة الماركسية
الجزء الأول
تأليف جورج بوليتزر، جي بيس وموريس كافين
الحلقة الثانية والعشرون

4- الضَرُورَةُ الطَبيعيَّة

يجب أن نوضح القول من جديد إذ أردنا أن ندرك تماما فكرة "الحركة الذاتية" للمادة. إذ أن هذه الحركة الذاتية تؤدي لظهور كائنات طبيعية لها صور معينة مما يتيح الفرصة لهجوم جديد تشنه النزعة المثالية.
كيف نفسر مثلا أن قطع الثلج تتبلور دائما بصورة هندسية معينة؟ وكيف أن بيضة الدجاجة تفقس صوصاً وبيضة الطير تفقس طيراً صغيراً بينما هذان الحيوانان لا يوجدان في البيضتين؟ لأن هاتين البيضتين لا تختلفان في المادة وإنما في الصورة فقط. نرى أن هذا السؤال عام يمكن إثارته في جميع أجزاء العلوم "الوصفية" لأنها تدرس الصورة والأشكال، الأشكال الجغرافية والأشكال المتبلورة والصور النباتية والحيوانية والنحوية ولا تهمل ضروب الحركة والسلوك التي تسمى "بالغرائز" في الحيوانات.
ترد النزعة المثالية على ذلك بقولها أن صورة الشيء الطبيعي تتحقق بواسطة المادة، ولكنها موجودة قبل هذا "التحقق"، وأن الصورة هي التي تقرر نمو الكائن الطبيعي، فهي تكون "مصيره" وإذا بالطبيعة تخضع "لمخطط" سابق عليها.
وكذلك "يُوجه" التطور مسبقاً، فهو لا يتقرر بواسطة ظروف حياة الأجسام الحالية بل بواسطة "هدف" تسعى للوصول إليه، فإذا "بالغريزة" عبارة عن مظهر "لقصد" ((lntention الحيوانات الأعمى. وهكذا تكشف الطبيعة عن وجود "عقل" في داخلها. ولكن أين يمكن أن توجد "الصورة" و "المخطط" و "الهدف" و "العقل" إذا كانت سابقة على نمو المادة الناقص؟ لا يمكن أن توجد الا داخل "عقل" سام يتصورها. هذه العقيدة هي عقيدة الغائية (Finalite). ونحن نرى بذلك أن "الغائية" هي نتيجة للنزعة المثالية التي تعتبر العالم تجسيداً لفكرة.
أما جواب النزعة المادية الجدلية فهو يختلف عن ذلك (أما النزعة المادية الآلية فهي تعجز عن الإجابة).
بل تترك المجال واسعاً أمام القول بوجود الغائية. ترى النزعة المادية الجدلية أن الصورة (La forme) تتعين بواسطة المحتوي (Le Contenu) الحالي أي بواسطة "العلاقات والظروف المتبادلة بين الظواهر"، بواسطة الحالة الراهنة للمادة وحال التناقضات التي تنمو داخلها والتي ترتبط بظروف البيئة المحيطة بها. وأفضل دليل على ذلك أنه يمكننا أن نتدخل في نمو صورة معينة.
ولقد برهن علماء الحياة (البيولوجيون)، بواسطة التجربة، على العلاقة بين الصورة والمحتوى. فلو أننا نقلنا جزءاً صغيراً من مادة بيضة تنمو الى مكان آخر من البيضة لشاهدنا نمو قدم في غير مكانها. وهكذا نخلق بصورة صناعية كائناً غريباً ولا تتميز مختلف أجزاء مادة البيضة عن بعضها، خلال العملية، الا بصفاتها الكيمائية وبطبيعة المواد التي تتجمع فيها. ويتنوع هذا المحتوى الكيمائي بتأثير الظروف الخارجية (كالحرارة مثلا)، وعلى أساس تناقضاته الداخلية. فالذي يعين صورة جسم الحيوان هي الطبيعة الحيوية الكيمائية لمادة مختلف بيوض الأنواع المتعددة. وهكذا نرى أن نمو المحتَوى يسبق نمو "الصورة" وليس هناك أي تصوير سابق (Preformation) مثالي. وليس هناك أية صورة بذاتها (Forme- en-soi) معينة سابقاً. ولو كان الأمر كذلك لوجب أن يكون جميع أفراد نوع ما متشابهين تماماً.
أما النزعة المادية الجدلية فهي ترى أن الصورة لا يمكن أن توجد بدون محتوى معين، كما أن المحتوى لا يمكن أن يوجد بدون صورة معينة.
ولا يعني القول بأن المحتوى لا يمكن أن يوجد بدون الصورة أن الصورة هي التي تعينه وتحدده؛ بل هو الذي يعينها ويحددها. يعني ذلك أن الصورة ليست سابقة في الوجود، ولا هي أزلية بل تتغير حسب التغيرات التي تطرأ على المحتوى. يتغير المحتوى أولا بتغير ظروف البيئة المحيطة به. ثم تتغير الصورة حسب تغير المحتوى، ونمو التناقضات الداخلية في المحتوى. نتج عن ذلك أن الصورة بدلا من أن تسبق النمو في الوجود، تعكسه لنا فتتأخر بذلك عن المحتوى.
يسبق المحتوى الصورة خلال النمو وتتأخر الصورة عن المحتوى: ولا يمكن وجود المحتوى بدون الصورة ومع ذلك فأن الصورة لا تتفق تماماً مع المحتوى لتأخرها عنه ولهذا "يضطر" المحتوى الجديد لاتخاذ الصورة القديمة مؤقتا فينشأ عن ذلك النزاع بينهما .
فكيف يحدث في كل حالة وفي كل ميدان من ميادين الطبيعة والمجتمع ظهور صورة جديدة تحت ضغط المحتوى التالي الذي يبحث عن صورة جديدة ويسعى نحوها؟ (ستالين).
على العلوم أن تجيب على ذلك، تلك العلوم التي تضيء النزعة المادية الجدلية الطريق أمامها، والشيء الثابت أن تأخر الصورة عن المحتوى يحدث عدم الانسجام في الطبيعة. وهكذا بدلا من أن تشيع الانسجام في الطبيعة، فأنها مفعمة "بالتناقضات" والعيوب.
نرى أن النزعة المادية الجدلية تقضي على النظرية المثالية في الغائية قضاءً مبرماً. كما أنها ترفض الحتمية الآلية التي تتصور فعل مختلف الظواهر بعضها في البعض بصورة آلية لا تتبدل.
تحمل النزعة المادية الماركسية إلى العلم عقيدة مثمرة تقوم على القول بأن القوانين التي تكتشفها والعلاقات التي تقيمها بواسطة المنهج الجدلي ليست علاقات اعتباطية بل هي قوانين ضرورية للمادية في حركتها.
يجهل العلم المادي قلق "التجريبيين" الذين يكتفون بمراقبة تتابع الظواهر فيتساءلون دائما إذا كانت الشمس ستشرق غداً!
ويعتمد العلم المادي على الفكرة القائلة بأن القانون العلمي يعبر عن ميزة موضوعية للمادة، كما يعبر عن حتمية ظهور ظاهرة معينة خلال تطور في ظروف معينة.
ولقد أشار انجلز إلى حتمية ظهور الحياة فوق كوكب معين حين تجتمع الشروط الضرورية، وحتمية ظهور الإنسان خلال تطور الأنواع، ومن ذلك ظهور الإنسان فوق كوكب آخر وفي وقت آخر إذا ما توفرت الظروف الضرورية لظهوره.
هذا ما يجب فهمه من الضرورة الطبيعية، ومن وحدة الكون وشمول قوانين المادة.
ينتج عن ذلك أنه لا يمكننا خلق قوانين الطبيعة أو المجتمع أو القضاء عليها بل كل ما يمكننا هو اكتشافها.
يمكن اكتشاف هذه القوانين ومعرفتها ودراستها والأخذ بها في أفعالنا واستغلالها لخير المجتمع، ولكن لا يمكننا تغييرها أو القضاء عليها. فلا يمكننا إذن خلق قوانين جديدة للعلم .
فالنزعة المادية الجدلية إذن هي وحدها التي تمدنا بأساس نظري متين للتنبؤ العلمي بظواهر الطبيعة والمجتمع، وتقضي على الشك بنتائج عمل نقوم به على أساس معرفة علمية للواقع. فهي تضمن للإنسان، إذن، أقصى اليقين وأقصى الحرية إذ تمكنه من العمل باطمئنان ويقين.
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مواجهات بين الشرطة ومتظاهرين في باريس خلال عيد العمال.. وفلس


.. على خلفية احتجاجات داعمة لفلسطين.. مواجهات بين الشرطة وطلاب




.. الاحتجاجات ضد -القانون الروسي-.. بوريل ينتقد عنف الشرطة ضد ا


.. قصة مبنى هاميلتون التاريخي الذي سيطر عليه الطلبة المحتجون في




.. الشرطة تمنع متظاهرين من الوصول إلى تقسيم في تركيا.. ما القصة