الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل هناك تحول ديمقراطي في العراق؟

رشيد غويلب

2024 / 2 / 13
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


كشفت نتائج انتخابات مجالس المحافظات في العراق، ونسبة المشاركة في عملية الاقتراع، عن عزوف ورفض مجتمعي واسع، وصل الى اكثر من 80 في المائة من الذين يحق لهم التصويت في البلاد. وعلى الجانب الآخر كشفت النتائج ضعف وتشتت القوى العلمانية والديمقراطية المنظمة، سواء تلك التي اشتركت في الانتخابات او التي قاطعتها. بالإضافة الى قدرة القوى المتنفذة، على الرغم من عزلتها الجماهيرية، على اختراق معسكر المعارضة، وزرع المحسوبين عليها في اوساطه، واحتواء شخصيات ومجموعات، عرفت برفعها شعارات مدنية ديمقراطية. وقد اثارت النتائج نقاشات حادة ومتنوعة قس صفوف القوى التي تنشد التغيير. ويشكل الاختلاف على طبيعة ما يدور في العراق جانبا مهما في هذه المناقشات والجدل المحتدم.
في هذه المساهمة سأحاول تقديم اجابة على سؤال اراه محوري، جعلته عنوانا لهذه المساهمة: هل هناك تحول ديمقراطي في العراق؟ متجاوزا لتناول تفاصيل الواقع العراقي ، لأنه معروف للغالبية العظمى من القراء

مفهوم التحول الديمقراطي
يمكن القول: هو الانتقال من نظام غير ديمقراطي يشمل ذلك أنظمة الاستبداد والدكتاتوريات العسكرية والأنظمة الفاشية سواء بشكلها الكلاسيكية، او أنظمة إرهابية دينية ذات ملامح فاشية، إلى آخر ديمقراطي خلال فترة زمنية محددة، يترافق معها إرساء مجموعة من القواعد والإجراءات التي تنظم العلاقة بين الحكام والشعب، وتتيح عملية الانتقال الديمقراطي للأكثرية رفض او قبول المتصديين للسلطة، وممارسة الرقابة على أدائهم. مقابل الاعتراف بالنظام الجديد والالتزام ببنيته التشريعية. سياسيا يعني ذلك الانتقال الى مرحلة ديمقراطية بمواصفات جديدة تحل بديلا للاستبداد.
ويشترط الانتقال الديمقراطي تنفيذ إجراءات العدالة الانتقالية القضائية وغير القضائية، لمعالجة انتهاكات حقوق الانسان في زمن الدكتاتورية وجبر الضرر الناتج عنها وإصلاح المؤسسات القديمة لتحل محلها مؤسسات تستند الى مبادئ ديمقراطية.
ويمكن ان يكون التحول نتيجة لثورات وانتفاضات، تؤدي الى تغيرات جذرية، وقد تأتي نتيجة لمفاوضات بين سلطة استبدادية وقوى معارضة، بعد وصول ازمة الأولى الى طريق مسدود، وفي هذه الحالة يمكن ان يكون التغيير شكلي لا يمس جوهر النظام السياسي، وبالتالي، تبدأ دورة جديدة من النضال من اجل تحول أفضل. ويمكن ان يكون التحول نتيجة لغزو أجنبي، وهذا ما عشناه في العراق في نيسان 2003، ويفرض علينا التركيز عليه ودراسته، لأنه حدد شكل ومضمون النظام السياسي الحالي القائم وسلسلة ازماته المستمرة.
الغزو الأجنبي
لا شك ان التغيير في بواسطة الغزو يحدث أساسا في إطار النظام الرأسمالي المهيمن عالميا ويعكس أولويات المراكز الرأسمالية الغازية، في الحالة العراقية، الولايات المتحدة الامريكية، وبالتالي فان ليس من مصلحة هذه المراكز ان يفضي الغزو لقيام دولة مؤسسات وطنية مستقرة تتمتع بقدر من الديمقراطية. ولهذا فان تصوير الغزو على انه ضرورة فرضتها أهداف إنسانية أو وضع حـد لحـروب أهليـة أو الانتقال إلى نظام ديمقراطي، هي أكاذيب تهدف الى تمرير الأهداف الحقيقية للغزاة. ان الاستثناءات التي حدثت بعد نهاية الحرب العالمية الثانية في المانيا الغربية، وكوريا الجنوبية وحتى اليابان، جاءت نتيجة للصراع مع المعسكر الاشتراكي، وفي إطار التكامل الرأسمالي.

رؤيتان للتحول الديمقراطي

1 - رؤية الليبراليين
تحصر الرؤية الليبرالية التحول في شكله القانوني والسياسي والمؤسسي، وفي محدودية أهدافه مثل توسيع نطاق الحقوق الفردية والجماعية داخل النظام السلطوي، وبالتالي هي غير معنية بضرورة إرساء تحول ديمقراطي شعبي وتنموي، على الرغم من إن هذه الاجراءات تسهم في تحريك هذه العملية. وتعتمد آليات الانتخابات، الفصل بين السلطات، وضمان حريات مدنية وسياسية، عبر إقرار دستور يحدد صلاحيات الحكومة ويكرس عقد اجتماعي. وبالتالي فنحن إزاء عملية فوقية تؤدي الى تنازلات يتم اختيارها بعناية من قبل النخب الحاكمة، دون المساس بجوهر نظام السائد اجتماعيا واقتصاديا. وليست هناك ضمانة في ان يؤدي التحول في هذه الحالة، الى التحول التام للديمقراطية.

2 - الماركسية والتحول الديمقراطي
ترى الماركسية ان التحول الديمقراطي هو ثمرة عملية تراكمية، وهذا التراكم يؤدي الى عمق في المضمون وسعة في الشكل. ومن اهم الأسس الهامة للرؤية الماركسية هي الجوهر الإنساني وإلغاء التمايز العرقي والقومي والديني. وعدم حصر المشاركة السياسية (بحق الانتخاب) كما هي في الديمقراطية البرجوازية، بل إعطاء الفرصة لطبقات واسعة من الشعب للمشاركة اليومية في الشئون العامة، سواء بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر، عن طريق اللجان أو المنظمات الاجتماعية. ويتسع نطاق التحول الديمقراطي ليشمل مجال الاقتصاد والثقافة والحقوق الاجتماعية، وجعل وسائل الإنتاج، المؤسسات الصحية والثقافية والتربوية وقطاع النقل ملكية عامة. وبالتالي فان التحول ديمقراطي في إطار الهيمنة الرأسمالية، وخصوصا في البلدان التابعة صعب التحقق، لان الدولة في هذه الحالة غير محايدة حيال مالكي وسائل الإنتاج، وتصبح حيادية عندما تسعى لحل النزعات بين هؤلاء المالكين فقط.
من اجل تحول ديمقراطي حقيقي

ان محاولة دراسة النموذج العراقي، وفق مفهوم وشروط التحول الديمقراطي، تشير الى عدم وجود مثل هذا التحول في البلاد. ومن المفيد الإشارة الى جملة من الحقائق:

1 - لم يعرف العالم لحد الآن قيام نظام ديمقراطي حقيقي بحكومة ذات سيادة فعلية، ونمو اقتصاد وطني، نتيجة لاحتلال اجني، باستثناء التجارب التي تمت الإشارة لها والتي تعود الى صراع القطبية العالمية، واولويات المراكز الرأسمالية. التي تعمل في العادة على بناء أنظمة سياسية هشة تابعة لها.

2- كيف يمكن الحديث عن تحول ديمقراطي في العراق والتجربة الملموسة تشير الى ان القوى المتنفذة هي قوى غير ديمقراطية تسعى لتقاسم السلطة ولا تملك لا رؤية ولا برنامج لبناء دولة مؤسسات ديمقراطية. ان هذه القوى تعمل بذهنية مافوية، وخاضعة لأجندات خارجية، تعتمد الولاءات الفرعية وتفتقر الى طبيعة الحزب السياسي الديمقراطي، وبالتالي هي غير مؤهلة لتحقيق التغيير الشامل.

3 – لقد بينت التجربة الملموسة ان الصراع الدائر بين المتنفذين والاكثرية المهمشة لا تحل برفع شعارات سياسية مثل : "الأغلبية السياسية" و "الاغلبية الوطنية" ، كلا الشعارين، وفي ضوء الواقع الراهن، يؤديان الى قيام نموذج مخفف لنظام المحاصصة السائد.
4- ان من الضروري فضح عمليات نشر الأوهام التي تقوم وتحتمي بها القوى المتنفذة، عبر توظيف مفاهيم السيادة والدستور والديمقراطية والانتخابات النيابية التمثيلية، والفصل بين السلطات، والفيدرالية، والتبادل السلمي للسلطة والحريات العامة واحترام الراي والراي الاخر والمساواة والتنوع ، وادعاء رفض التفاوت الاقتصادي والاجتماعي والطائفي، لإدامة عمر النظام الفاشل واستمرار الخراب والتخلف

5 - فكرة احتمال ان يفضي صراع المتنفذين الى منعطف للتغيير، هي فكرة غير دقيقة وتدفع باتجاه المراوحة والانتظار وتتقاطع مع السعي الجاد لتعزيز التعبئة من اجل التغيير. وبالمقابل ان الرؤية القائمة على ان التغيير الشامل تمثل الخلاص للشعب، وهي الأكثر صوابا، وبالتالي هناك ضرورة لإزالة هذا التناقض .. والمطلوب هو التركيز على مهمة التعبئة من اجل التغيير، بدلا من الاستشهاد بمجريات صراع المتنفذين كدليل على ضرورة التغيير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الطائفية
موفق حدادين ( 2024 / 2 / 13 - 18:40 )
السيد غويلب المحترم
طالما أن المتنفذين في السلطة في العراق الآن هم نِتاج الطائفية الدينية رد على ذلك أنهم فاسدون لذا لا يمكن أن يكونوا ديمقراطيين ولا يكترثون بالديمقراطية
الدين لا يعترف بالديموقراطية
مع التحية
موفق حدادين
الأردن


2 - الثقافة السائدة الآن لا تصلح لبناء دولة
طلال بغدادي ( 2024 / 2 / 14 - 14:10 )
الوعي الجمعي هو الركيزة الأساسية لبناء وتطور المجتمع ، يؤدي تراجع الوعي الجمعي إلى انهيار المجتمع ، وانتشار المشاكل المختلفة فيه.
القيم المجتمعية السائدة الآن قيم رديئة . الطبقة الاجتماعية المؤثرة في صنع القرار في العراق (الان ) لاترجع في أصولها الاجتماعية الى الطبقة الوسطى (البرجوازية) العريقة الثقافة والالتزام , وإنما اغلبهم يرجع إلى أوساط عائلية فقيرة وبيئات اجتماعية دونية ومحافظات يتصف أغلب سكانها بالعنف والرغبة في الفوضى و التمرد
الرغبة في الاستحواذ على ماليس لهم
و المغالاة و التطرف والإفراط في الولاء والعداء

الوعي والثقافة السائدة الآن لا تصلح لبناء دولة

اخر الافلام

.. Brigands : حين تتزعم فاتنة ايطالية عصابات قطاع الطرق


.. الطلاب المعتصمون في جامعة كولومبيا أيام ينتمون لخلفيات عرقية




.. خلاف بين نتنياهو وحلفائه.. مجلس الحرب الإسرائيلي يبحث ملف ال


.. تواصل فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب بمشاركة 25 دولة| #مراس




.. السيول تجتاح عدة مناطق في اليمن بسبب الأمطار الغزيرة| #مراسل