الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف تتخلص الدول من ديونها ؟؟

حاتم بن رجيبة

2024 / 2 / 13
الادارة و الاقتصاد


قلة من البلدان في العالم من تحقق فائضا في ميزانيتها. فمعضمها تنفق أكثر بكثير مما تدخل.

الفرق هائل: ليس مئات الآلاف من الدولارات أو الملايين بل المليارات أو الترليونات !!! وهذا ليس حال دول العالم الثالث فقط بل سمة جل الدول المصنعة والثرية(اليابان و الولايات المتحدة الأمريكية أبطال العالم في حجم التداين!!)، فمن البلدان المصنعة السويد و النرويج و إسرائيل فقط من تحقق فائضا . هذا العجز ليس لسنة أو بعض السنوات بل مزمن يستمر عشرات السنين وحتى قرونا !! ورغم ذلك فإن قلة منها تعلن إفلاسها. وحتى عند الإفلاس لا تنهار وتختفي بل تتعافى و تعلن إفلاسها بدل المرة مرات .

كيف تستطيع جل دول العالم أن تستمر في الوجود رغم مراكمتها للديون عشرات السنين لتبلغ قيمتها أرقاما مفزعة وخيالية: ترليونات ! فتستحوذ خدمة الدين لوحدها على جل الميزانية؟؟؟ كيف لا تنهار؟ بل بعضها تزداد رخاء وازدهارا وقوة و ثراء: مثل الولايات المتحدة الأمريكية واليابان والصين ؟؟؟ أمر عجيب ومحير؟؟؟

الواضح أن جل الدول تلجأ إلى التحيل و المغالطة والسرقة للتخلص من جل الديون كما يفعل المجرمون و الصعاليك و حثالة القوم . فمن المستحيل أن تستطيع جل هذه الدول المستدانة أن لا تنهار أمام هذا الوزر الجبار من الديون دون أن تلجأ إلى حيل شيطانية أو طرق تعسفية أو مافيوزية للخروج من الأزمة.

فما هي هذه الحيل والأساليب المريبة ؟؟؟؟

-الحيلة الأولى هو أن تقرض الدولة نفسها بنفسها!!

فعلى عكس الأشخاص بإمكان الدولة أن تصك النقود، أن تخلقها، أن تقول لها كن فتكون، هكذا من لا شيء ،فعلى عكس العملة قديما عندما كانت تصك من الذهب والفضة و المعادن الثمينة أصبح المال من الورق الزهيد والتافه الثمن : صكه سحر و شعوذة!

فإما أن تأمر البنك المركزي أن يطبع مليارات من المال ويسلمها إياها أو أن تقترض منه دون فائض كما فعلت الدولة التونسية مؤخرا.

قيمة التحيل!! أنا بحاجة إلى 20 مليار للإيفاء بأجور الموظفين أو تسديد الديون الداخلية أو تسديد منح المتقاعدين والفقراء أو تمويل حرب خضتها أو أخوضها، ليس علي إلا أن أطبعها!! مباشرة بأن آمر المطابع أو البنك المركزي أو غير مباشرة بأن أسن قانونا يخول لي أن اقترض من البنك المركزي أو أجبره أن يسدد قرضا رقاعيا أقترضه من المواطنين و المؤسسات الوطنية.


- حل ثان هو التحيل عن طريق توظيف التضخم المالي . فلو اقترضت الدولة من مواطنيها مبلغا بقيمة 10 مليار دولار مثلا ، فهي تعلم أن هذا المبلغ سيصبح بعد عشر سنوات بقيمة مليار دولار فقط أو حتى أدنى من ذلك متى بقيت نسبة التضخم مرتفعة أعلى من 10 % مثلا . فتكون ربحت 9 مليارات على أقل تقدير ، طبعا على حساب مواطنيها !! أي أنها سرقتهم أموالهم وضحكت على ذقونهم. فالمواطن يطمع في نسبة فائدة محترمة تتعدى بكثير ما يحصل عليه من البنوك العمومية ك 3 % أو أكثر(ذلك أن نسبة فائدة البنوك لا تتعدى ال 1% ) لكن يتناسى أن ما سيسترجعه من الدولة بعد عشر سنوات ستكون قيمته أقل بكثير مما كان عليه!! فلو أقرضها 20 ألف دينار مثلا فسيستعيد بعد عشر سنوات بعد احتساب نسب التضخم 10 آلاف دينار فقط أو أقل.


-حل ثالث هو الإقتراض بشكل مهول و النسف المتعمد لقيمة العملة المحلية بإحداث نسب تضخم خيالية مثل 300 % أو 1000 % وأكثر ثم سن إصلاح مالي راديكالي وصك عملة جديدة كأن يكون الدينار الجديد بقيمة مليون دينار قديم مثلا . وهكذا تتخلص الدولة من ديونها الثقيلة : مئات المليارات ببعض مئات الدنانير من العملة الجديدة!!! الضحية كالعادة هم المدخرون: الشعب!! ولكن هذه المرة لن يستعيدوا أي مليم، سيخسرون كل مدخراتهم!!


- حيلة رابعة: الحاكم الجديد: إثر انتخابات ديمقراطية أو إثر انقلاب عسكري ألخ لا يعترف بالديون التي راكمها من سبقه في الحكم! هكذا يزيل جبلا من الديون والتعهدات بجرة قلم، في ثوان معدودات!!! وهذا ليس تجاه شعبه العاجز فقط بل أيضا تجاه دول أخرى وحتى تجاه قوى عالمية مرعبة لعلمه أن شن حرب عليه ليس بالأمر الهين لتكلفة الحروب الهائلة!! الحاكم الجديد سيجد طبعا مبررا لذلك: مثلا أن قروض سالفه كانت لتسديد نفقاته ونزواته الخاصة وليس لأجل الشعب والدولة!


- حيلة أخرى هي أن تعلن الدولة إفلاسها!! وهكذا تجبر مقرضيها عن التخلي التلقائي عن ديونها!! إما كلها أو عن معضمها!!!هكذا بعد أن عاثت فسادا وبعثرت المليارات في حروب ظالمة أو أودعها ساستها في بنوك أجنبية وحرموا شعوبهم من الإنتفاع بها تتنكر للمدينين بكل صلافة ووقاحة.


-أو أن الدولة تلمح فقط إلى أنها مهددة بالإفلاس ، على حافته. المقرضون(بنوك خاصة و شركات تأمين عالمية ألخ ) سيهرولون إلى دولهم لتتدخل و تسدد ديونهم بدل الدولة الأصلية حتى لا يقع انهيار مالي لديها(مثلما حصل في اليونان مؤخرا )!! الدولة المدينة الأولى تصدر ديونها بكل سهولة إلى الدول الأجنبية التي جازفت مؤسساتها المالية من بنوك وشركات تأمين واستثمار ومواطنين أثرياء ألخ بإقراضها.


لكن لماذا تتصرف الدول هكذا؟ لماذا تلتجئ إلى التحيل والمغالطة والسرقة واللصوصية؟ لماذا تقترض أصلا إن كانت تعي أنها لن تستطيع خلاص ديونها؟؟

خاصة الدول الديمقراطية والمتطورة مثل اليابان وأمريكا وفرنسا وألمانيا ألخ؟؟

ألأن الإقتراض أسهل الحلول أم لأنه أنجعها أو لأنه أقل أضرارا ؟؟

و ما هي البدائل؟


البديل الأول هو أن تتقشف الدولة على المدى المتوسط والبعيد على الأقل:أن تنفق وتسثمر أقل. أن تتقشف في التوظيف و الأجور والبنية التحتية والصحة والدفاع و مساعدة ذوي الإحتياجات كالمرضى والمعاقين والفقراء ألخ وهذا ما جربته العديد من الدول فكانت النتيجة كارثية بأن ازداد الفقر والبؤس بارتفاع مهول لنسبة البطالة وإفلاس المؤسسات و انهيار الإقتصاد وضعف الدولة مما هدد أمنها واستقرارها، كما فاقم عجز ميزانيتها لنقص المداخيل. فمن سيدفع الجباية؟؟ المؤسسات المفلسة والعاطلون عن العمل؟؟؟


البديل الثاني هو رفع الجباية إما على كافة الشعب أو على الأثرياء فقط. في كلتا الحالتين ستخسر . في الحالة الأولى سيثور سواد الشعب وستكون الكارثة والمجازفة الكبرى، لأن الثورات تكون عنيفة وخاصة إن كانت ثورة جياع دون تأطير. فإما مجازر و فوضى مطلقة، أو حكومات جديدة راديكالية خطيرة: مثل الفاشية و النازية و الشيوعية و الدينية .

أما إذا ارتفعت الجباية على الأثرياء فإن احتمال فرارهم إلى بلدان أخرى ضعيفة الجباية كبير كما أن ردة فعلهم ستكون مؤثرة لأنهم يستطيعون بثروتهم شراء الذمم أو التأثير على الرأي العام ومغالطته فيحثون على الإنقلابات العسكرية أو انتخاب حكومات موالية لأنهم يمتلكون الصحافة والدعاية في الدول الديمقراطية كما يمولون الحملات الإنتخابية.


البديل الثالث هو أن تخلق الدولة الثروة. أي أنها تدير مؤسسات مربحة كأن تصبح مالكة للمصانع والنزل وكل ما يمكن أن يدر المال في كل المجالات صحة و تعليم و خدمات و فلاحة و تصنيع . فعلاوة على الأرباح المباشرة من مؤساتتها تربح الجباية الموظفة على الأجور.

ولكن هل يمكن للدولة أن تدير هذا الكم الهائل من المؤسسات وأن تكون مربحة ؟؟ فكيف ستراقبها؟؟؟ كلنا يعلم أن جل المؤسسات العمومية خاسرة ومنتوجاتها رديئة وخدماتها سيئة.


البديل الرابع هو الاحتذاء بالدول المزدهرة الغربية التي استطاعت أن تكون مداخيلها أعلى من نفقاتها دون أن تنفجر البطالة والفقر والبؤس مثل النرويج والسويد وإسرائيل.

هذه الدول حثت المواطنين والمستثمرين الأجانب على خلق الثروة والإستثمار و بالدعم السخي جدا للتعليم الجيد والعلوم التجريبية والتقنية والبحث العلمي وتطوير البنية التحتية والتشريعات لمقاومة البيرقراطية وحث الإبتكار والمجازفة . فعوض أن يطمع المدخرون في نسبة فوائد البنوك المضحكة ويقعون في فخها وفخ الدولة فيسرقون مالهم ببيعهم الوهم، يستثمرون أموالهم لبعث مؤسسات يديرونها بأنفسهم أو يقرضون أدمغة ذكية ومجازفة ومبتكرة.
هذه الدول راكمت مداخيلها عن طريق ارتفاع واردات الجباية للكم الهائل من المؤسسات الخاصة الرابحة والنسبة الهزيلة من البطالة والقدرة الإستهلاكية الهائلة لمواطنيها وقدرتهم الشرائية المرتفعة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الرد على الأخ نسيب حطاب
حاتم بن رجيبة ( 2024 / 2 / 14 - 14:29 )



بالنسبة لي الشيوعية هي نظام سياسي واقتصادي متطرف: أقصى اليسار! كما هو نظام خطر لأنه نظام سياسي شمولي ودوغمائي لأنه يدعي امتلاك الحقيقة الوحيدة والمطلقة مثله مثل الأديان!!! من يعتقد أنه يمتلك الحقيقة المطلقة فهو لن يسمح لأي فكر مغاير: كل ما هو غير شيوعي هو خطء وتراهات ولخبطة...لذلك الأنظمة الشيوعية هي أنظمة دكتاتورية ومتسلطة يسعى مواطنوها إلى مغادرتها والفرار منها!!!

الشيوعية تسعى إلى دكتاتورية العمال وتأميم وسائل الإنتاج. أنا لن أستطعيع أن أغير رأيك . لكن لا أحد يستطيع إنكار تفوق الأنظمة السياسية الديمقراطية التعددية، أين يشترك أو يتناوب الإشتراكي مع القومي مع البيئي مع اليبرالي مع الديني المعتدل ألخ في الحكم ،الأفكار تتنافس والناخب فقط من يقومها حسب ما تجلب له من رخاء وحرية وازدهار!! نجاح هذه الأنظمة يتجلى في ازدهارها الإجتماعي و الحضاري و الإقتصادي ما جعلها أقطابا يسعى كل المحتاجين في العالم الثالث والعالم الشيوعي للإلتحاق بها و العيش فيها .

الأنظمة في النرويج والسويد وإسرائيل ليست متكاملة ولن تصل أبدى إلى الكمال لكن كل أرقام النمو والتنمية البشرية والإزدهار الإقتصادي ألخ تب

اخر الافلام

.. صندوق النقد يتوقع ارتفاع حجم الناتج المحلى لمصر إلى 32 تريلي


.. أرقام تهمك فى خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية لعام 2025/2




.. بين نيلين - حرب السودان تهدد إنتاج النفط في جنوب السودان


.. كيف هي العلاقة بين البنوك الفلسطينية والإسرائيلية؟




.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم السبت 27 إبريل 2024 بالصاغة