الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شتان ما بين الكوسموبوليتية والاممية الثورية في مدلول الموقف من الحقوق القومية

احمد سعد

2006 / 11 / 29
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


تكتسب الدقة العلمية في صياغة اي مقولة سياسية او شعار سياسي او أي مصطلح سياسي او اجتماعي او ثقافي، اهمية كبيرة من حيث المدلول السياسي، ومن حيث مدى صحة ونجاعة ومصداقية النهج التكتيكي، او المنهج الاستراتيجي الذي يطرحه هذا التيار او ذاك. فعلى سبيل المثال لا الحصر، نسمع احيانا ونقرأ من يردد شعار "اقامة جبهة لمواجهة الفاشية الداشرة في اسرائيل" كقضية محورية اولى في استراتيجية وتكتيك الحزب الشيوعي والجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة! فمن جهة، فان مخاطر الفاشية المتطورة بوتيرة هرولة في اسرائيل والتي تهدد بافتراس العرب والشكل المعمول به من الدمقراطية، مخاطر هذه الفاشية يستدعي طرحها كقضية هامة في اطار الاجندة الكفاحية السياسية- الجماهيرية، والعمل على تجنيد اوسع القوى العربية واليهودية وجذبها الى المعترك الكفاحي لمواجهة الفاشية والعنصرية المنفلتة العقال في اسرائيل.
ولكن، حسب رأينا، من الخطأ الفادح سياسيا الدعوة لاقامة جبهة كفاحية يهودية- عربية، عربية- يهودية محورها وقضيتها المركزية النضال ضد الفاشية. فمثل هذا الطرح المشوّه يطمس عمليا القضية المحورية الاساسية للصراع الاسرائيلي – الفلسطيني- العربي، قضية انجاز السلام العادل على اساس انهاء الاحتلال الاسرائيلي الغاشم للاراضي الفلسطينية والعربية المحتلة منذ السبعة والستين، والاعتراف بحق اقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين حسب قرارات الشرعية الدولية. ففي مستنقع مواصلة الاحتلال الاستيطاني الاسرائيلي للمناطق الفلسطينية والسورية، مواصلة السياسة العدوانية الاسرائيلية الممارسة، ضد مصالح شعوب المنطقة وبالتنسيق الاستراتيجي العدواني مع الادارة الامبريالية الامريكية، في ظل هذا المستنقع الآسن وعلى خلفيته نمت وترعرعت وانتعشت جراثيم الفاشية والعنصرية، وتصاعد العدوان التمييزي القهري ضد الاقلية القومية العربية الفلسطينية في اسرائيل وضد الدمقراطية. فما دام الاحتلال قائما وسياسةالعدوان الاسرائيلي مستمرة الى درجة اصبح مأفون فاشي عنصري، افيغدور ليبرمان، نائبا لرئيس الحكومة ووزيرا استراتيجيا، ما دامت هذه هي الصورة المصغرة لحقيقة الاوضاع فان الآلية الكفاحية المطلوب صقلها وتطويرها من قبل الحزب الشيوعي والجبهة، هي آلية وحدة الصف الكفاحية بتطوير ورفع مستوى اداء جبهة سلام يهودية- عربية، كهدف استراتيجي لبلورة آلية كفاحية اكثر نجاعة. وهذا ما يناضل من اجله الحزب الشيوعي ويطرحه في اطار الوثيقة الاستراتيجية كهدف استراتيجي، يسعى لانجازه من خلال معاركه الكفاحية لانجاز التسوية السياسية العادلة.
قبل سنتين طلب مني استاذ موضوع المدنيات في احدى المدارس الثانوية العربية في الجليل، ان اقدم عدة محاضرات في موضوع "الدمقراطية الاسرائيلية" ومقارنتها باشكال دمقراطية اخرى تمارس في بلدان اخرى عربية واوروبية وامريكية. وبينما كنا نتناول فنجان القهوة في غرفة المعلمين سألني معلم المدنيات، وهو مهجّر قسري من قرية اقرث المنكوبة، قال، بصراحة مش قادر افهم ما هو الفرق بين الكوسموبوليتي والاممية الشيوعية الثورية. قلت له: هل تقبل ان يكون البحث وتناول قضية اقرث المهجرة او تناول قضية مدينة طمرة وعرب النقب والقرى غير المعترف بها كما نتناول قضايا مستوطنة كرمئيل ومدينة نهاريا والعفولة وبئر السبع؟ قال، بالطبع لا، فنحن اقلية قومية نواجه اضطهادا قوميا وتمييزا عنصريا وخطر الاقتلاع والترانسفير، فللمواطنين اليهود توجد قضايا الحقوق الفردية وانعدام العدالة الاجتماعية في مجتمع الاستغلال والتمييز الرأسمالي، بالطبع قضايانا غير متشابهة! قلت له لقد امسكت رأس الخيط ووضعت اصبعك على جرح الفوارق الصارخة بين الكوسموبوليتي وبين الاممية الثورية الطبقية الشيوعية. ومن التجنّي على الحزب الشيوعي تزوير هويته الحقيقية الاممية الثورية بالادعاء انها اصبحت كوسموبوليتية. فالتعريف الحرفي للكوسموبوليتي "حسب قاموس كوجمان للكلمات والتعاريف الاجنبية المعرّبة" من العبرية الى ما يلي: الكوسموبوليتي- عالمي، غير محلي، شائع الوطن، لا انتمائي، مواطن العالم، أي من يعتبر العالم وطنا له!! فمن حيث المدلول السياسي والاجتماعي فان الكوسموبوليتي من يتجاهل عمدا واقع المجتمع والعالم الذي يعيش فيه وبنيته التعددية، القومية والاثنية والعقائدية وما يترتب عليها من قضايا تعددية مختلفة، بينما بخلاف ذلك تماما فان الاممية الثورية الطبقية الشيوعية تتوجه بدراسة المجتمع التعددي من خلال ربط عضوي جدلي بين العام والخاص المميز، بين الاممية والقومية الوطنية كوحدة عضوية. ولنأخذ بلادنا كنموذج لتبيان الفوارق الجوهرية بين الكوسموبوليتي والاممي الثوري. ففي الثمانية والاربعين نجحت المؤامرة الامبريالية- الصهيونية وبتواطؤ بعض الانظمة الرجعية العربية، باحداث النكبة الفلسطينية وحرمان الشعب الفلسطيني من حقه الوطني الشرعي المسنود بقرارات الشرعية الدولية باقامة دولته المستقلة، وحوّلت غالبيته الى شعب من اللاجئين خارج الوطن والى من تبقى متمسكا بتراب الوطن كاقلية قومية تواجه مختلف اشكال القهر والتمييز والاضطهاد السلطوي الغاشم. فلو كان الحزب الشيوعي كوسموبوليتيا، لتجاهل الحقوق القومية الوطنية للشعب الفلسطيني، وتجاهل الحقوق القومية الجمعية والمدنية الفردية للاقلية القومية العربية الفلسطينية من مواطني دولة اسرائيل، التي بقيت متجذّرة في ارضها ووطنها الذي اصبح مستباحا ووطنا مشتركا للشعبين.
فالاممية الثورية للحزب الشيوعي جعلته ومنذ النكبة القائد السياسي لمسيرة الجماهير العربية، والمدافع عن حقها في المساواة القومية والمدنية. فاسرائيل الرسمية التي تعتبر نفسها "دولة اليهود" فقد شرعنت بذلك التمييز القومي العنصري ضد غير اليهود وخاصة ضد الاقلية القومية العربية الفلسطينية في اسرائيل. فرغم مرور ثمانية وخمسين عاما على نكبة الشعب الفلسطيني وقيام اسرائيل، فان اسرائيل الرسمية الصهيونية حتى يومنا هذا بسياستها المنتهجة، لا تعترف بوجود حقوق جمعية قومية لهذه الاقلية العربية، ولا تعترف بحق هذه الاقلية بالمساواة القومية، أي بحق هذه الاقلية، وبحكم مواطنتها كاقلية اصلية في وطنها، كانت يوما قبل النكبة تؤلف اكثرية سكان فلسطين، حق هذه الاقلية الشرعي بالمشاركة في صياغة وتنفيذ القرارات الرسمية السياسية والاقتصادية والثقافية المتعلقة بتطور المجتمع الذي تؤلف جزءا عضويا منه، وبتطورها كاقلية قومية لها قضاياها الخاصة ايضا. فقيادة الدولة الصهيونية تعاملت مع هذه الاقلية كأنها تجمعات لمم من طوائف لا رابطة عضوية بينها، مسلمون ومسيحيون ودروز، او احيانا اخرى، عرب ودروز وبدو ومسيحيون. وعدم اعتراف السلطة الصهيونية بالحقوق القومية للمواطنين العرب كانت ترجمته على ارض الواقع تحويل الارض الى احادية الملكية الصهيونية- اليهودية، حيث شرعنت موجات متلاحقة من مصادرة الاراضي العربية بسحب البساط من تحت اقدام حق العرب في الوطن. ولم تنته سياسة مصادرة وتهويد الاراضي العربية حتى يومنا هذا. كما ان عدم الاعتراف بحق الاقلية القومية العربية بالحقوق القومية، اصبح مدلوله السياسي وضع علامة سؤال حول حق العربي بالوجود والتطور في وطنه، وطرح العديد من اشكال الترانسفير، القسري والطوعي والنظري والانتقائي، لترحيل العرب او اوساط ومناطق منهم الى خارج حدود الوطن.
لا احد يستطيع المزاودة على موقف الحزب الشيوعي وجبهته الدمقراطية من الحقوق القومية والمدنية للجماهير العربية. فمن حيث الموقف المبدئي الممارس يربط الحزب الشيوعي بشكل جدلي بين الدفاع عن قضايا وهموم الجماهير العربية، وبين نضاله من اجل مجتمع العدالة الاجتماعية الذي تسوده المساواة وفي غربة عن العنصرية والفاشية. فالحزب الشيوعي اكد ويؤكد دائما انه لا يمكن للمجتمع الاسرائيلي ان يكون مجتمعا دمقراطيا وعادلا اجتماعيا، ما دام نظامه يمارس سياسة عدوانية مخضبة بدماء جرائمه ومجازره ضد الشعب الفلسطيني، وسياسة تمييز قومي عنصرية ضد جزء من مواطنيه، الاقلية القومية العربية الفلسطينية في اسرائيل. وان قضية المساواة في الحقوق القومية والمدنية للمواطنين العرب هي قضية جميع المواطنين من يهود وعرب.
ان اكثر ما يثير الغضب والاشمئزاز ان بعض التيارات السياسية التي تتقمّص الثوب القومي او الديني، تدّعي جزافا وكأن الحزب الشيوعي بدأ يهمل قضايا الحقوق القومية والمدنية وينحرف نحو الاتجاه الكوسموبوليتي، وحتى بعض الاصوات الشاذة والنشاز من الذين صاروا يرون الامور "بالمشقلب" لغاية في نفس يعقوب، ابعد ما تكون انعكاسا للحقائق، بل تزويرا لها، يدعون بانه يجب صيانة الحزب من الانحراف الكوسموبوليتي.
لو كان جميع هؤلاء يدعمون ادعاءاتهم الكاذبة ولو ببعض الحقائق لقلنا، ان الحوار شرعي ويجب مناقشة الافكار، خاصة وان الشيوعية ليست دينا منزّلا بل منهجا فكريا- سياسيا خلاقا، في جوهره المنهج الجدلي الذي لا يرى الامور الا بحركتها الدائمة وما تصطحبه من تغيرات وظواهر ومستجدات. لو كان جميع هؤلاء يدعمون اباطيلهم بامثلة عينية عن انحراف الحزب عن هويته الاممية الثورية باتجاه الكوسموبوليتية، فالحقيقة التاريخية تؤكد ان الحزب الشيوعي واجه جميع التيارات الصهيونية، المتواجدة في السلطة وخارجها، ومنذ قيام اسرائيل، في رفعه لقضايا الحقوق القومية والمدنية للجماهير العربية. والحزب الشيوعي يتحدى اي جسم او تيار سياسي كانت مواقفه طيلة السنوات الماضية او الحالية اكثر تقدمية وكفاحية على ساحة الممارسة من الحزب الشيوعي، ان كان ذلك في مواجهة مجزرة كفرقاسم او مجزرة يوم الارض او مجزرة يوم القدس والاقصى وهبة اكتوبر او في مواجهة مجازر جنين وغزة وبيت لاهية وبيت حانون.
والواقع ان من يتهم الحزب الشيوعي بالغزل الكوسموبوليتي يقصد بالاساس توجيه السكين الى قلب ما يميز الحزب بانه حزب اممي يهودي- عربي، وانه لمواجهة القضايا المحورية، قضايا السلام العادل والمساواة والعدالة الاجتماعية، فان المصلحة الكفاحية تستدعي اوسع وحدة صف كفاحية عربية- عربية وعربية- يهودية. فما يعتز به الحزب الشيوعي انه كان المبادر لاقامة آليات الكفاح القطرية لتنظيم نضال الجماهير العربية دفاعا عن قضاياها وحقوقها القومية الجمعية والجمعية الفردية مثل لجان الدفاع عن الاراضي العربية والطلاب الجامعيين والثانويين ولجنة المبادرة العربية الدرزية ولجنة المتابعة العليا للجماهير العربية وعقد العديد من مؤتمرات الجماهير العربية. كما يعتزّ بانه من المناضلين لصقل الكفاح السياسي الجماهيري المشترك اليهودي- العربي في معارك الدفاع عن قضايا المواطنين العرب وقضايا السلام والدمقراطية، ومواجهة الفاشية وجرائم الاحتلال الاسرائيلي. فهذه وغيرها من السمات المميزة للهوية الاممية الثورية الطبقية للحزب الشيوعي. فالموقف من القضايا الاساسية للاقلية القومية وربطها عضويا في المعركة لتغيير طابع المجتمع المشوه يعتبر المميز الرئيسي للاممية الشيوعية عن الكوسموبوليتية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تصريح الأمين العام عقب المجلس الوطني الثاني لحزب النهج الديم


.. رسالة بيرني ساندرز لمعارضي هاريس بسبب موقفها حول غزة




.. نقاش فلسفي حول فيلم المعطي The Giver - نور شبيطة.


.. ندوة تحت عنوان: اليسار ومهام المرحلة




.. كلمة الأمين العام لحزب النهج الديمقراطي العمالي الرفيق جمال