الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البرنامج والتكتيك ما بين الشعار والتطبيق

سامي الاخرس

2006 / 11 / 29
القضية الفلسطينية


عندما نجتهد ونصوغ الحقيقة ، ونعبر عن رأي الرجل البسيط الذي لا يملك الرؤية والتحليل السياسي ، وزخرفة الكلمات باللون الوردي ، ونحاول لمس الحقيقة برؤية متواضعة ، نصطدم بجملةً من الحواجز والعثرات الاصطناعية البشرية ، أصعبها وأهمها الذهنيات المنغلقة المتقوقعة بالقوالب والنصوص التي تراكمت حولها مادة كلسيه غلفت عقولهم وأبصارهم ، فلم يعودوا يفقهوا أو يروا سوي ما طبع بذاكرتهم وبُرمج في عقولهم التي لا تخضع سوي للقوالب وما حفظوه ، فتجازوا المتغيرات ونهج العالم المتطور بذهنيته وانفتاحه الذي وفر الفرصة لاتساع المدارك لعامة الناس ،وامتلاك القدرة علي القراءة الواقعية لما تعيشه ..
الرجل الغربي عندما يجلس يستمع لأحدي النشرات أو الخطابات السياسية أو التضاريسية فأنه يخضع كم المعلومات لمطبخه الذهني أو ما يسمي feed back التغذية الراجعة ، لكي يتمكن من استخلاص الجوهر والحقيقة منها وإلقاء الزخرفة لذاكرة النسيان ، أو التجاهل والسخرية ، وهو الكذب ألشعاراتي ، وبالأحرى ولنكون صادقين الاستغباء الذهني لعقلية المستمع أو المتلقي للمعلومة ، وهذا ما يميز هذا الغربي عن الرجل الشرقي الذي تعود أن لا يرهق ذهنه ويشغل تفكيره في التحليل والتصنيف ، بما أنه يعيش في مجتمع استهلاكي لم يعد لدية أي مقومات إنتاجية ، فلماذا يشغل مصنعه الإنتاجي الذي وهبه له الله ؟ وهو لا يمتلك أي حوافز إنتاجية ، ويحمل ما يبرمج له ليحفظه ويردده ، وفي العديد من الحالات لا يفهمه .
هنا المفارقة ما بين المجتمع الإنتاجي المتمثل بالغرب ، والمجتمع الاستهلاكي المتمثل بالشرق ، والتي بدأ العدو والأصدقاء معا بالاستعانة بعلماء النفس والفلسفة لصياغة الشعار بما يتوافق مع العاطفة ، ويمتلك فاعلية اقتحام القلب ولا يجهد العقل ، وبناءً عليه وصلنا للحالة التي نعيش بها ونحيا في خضم ركودها ، متحملين أوزارها .
ما أجمل وما أعظم التحرر ، فالإنسان الحر هو من يمتلك الإرادة والقدرة علي الاستقلال في التمييز والاختيار والتحليل ، وتقرير مصيره وفق ما يصوغه من أهداف ورؤى ينتجها عقله ، إنه التحرر الفكري – الذهني ،التحرر من التعليب وسلب الإرادات ، والتسليم بما يتم تغذيه العقول به .
سيتساءل العديد عن مناسبة هذه المقدمة ، التي ربما تثير الفضول والدهشة معا ، ولكنها بلحظة صفاء ذهني مع النفس فهي صلب الموضوع ، بل الموضوع برمته ، فنحن نناضل ونطالب ونقاتل لأجل حريتنا والاستقلال ، ولكن استقلال الجسد وتحرر النفس ، في الوقت الذي نحن اسري الاحتلال الفكري ، والقيد يطوق فكرنا وعقولنا ، ولا يقيد رقابنا ، وهو ما جعلنا نسلم ونخضع لتفكير الغير وشعارات الغير بقوالبها ، والرضا بما يملوه علينا ، فجمدنا مصنع التفكير ببواطن الجمجمة ، وأحطناه بجدار صلب أخر مرافقا للجدار الذي حما الله به العقل من التلف .
هذه هي حال أمتنا العربية التي خاضت أعظم الثورات وأنجزت أعظم الحضارات البشرية ،ودونت انصع صفحات التاريخ إشراقا ، أمة ارتضت زخرفة الشعار ،واعتمدت منهجا من الإملاءات .
وما يجري في فلسطين يؤكد قطعاً أن شعبنا الفلسطيني يؤمن بالشعار أكثر من إيمانه بالفعل والممارسة ، فالشعار إن لم يمارس فعليا بلا حياة أو روح ، بل جماد ميت وجسد ساكن بلا روح أو معني .
تحولت فلسطين لساحة شعارات تدغدغ مشاعر أهلنا وشعبنا ، وتستغل حجم الألم والجراح التي أصابت كبد هذا الشعب وفؤاده بسهام الموت والجوع والحصار والدمار ، لتمرر بريق شعاراتها وزيف أطروحاتها .
ففصائلنا الوطنية وقوي شعبنا المكافحة التي يتجاوز عددها العشرين وأكثر خاضت ملاحم بطولية ثورية ، وكفاحية بكافة أشكالها السياسية والاجتماعية والنضالية والاقتصادية ، ولا زالت تخوضها . اختلفت هذه الفصائل ببرامجها وتنوعت في أطروحاتها ورؤيتها لطبيعة الصراع مع العدو ، وناضلت من أجل برامجها التي صاغتها بما يتوافق وطبيعة الصراع ، فمنها من قسم برنامجه لمراحل إستراتيجية تتمثل بفلسطين التاريخية ، وبرامج مرحلية تتمثل بفلسطين 1967م .
فأقتحم حياتنا البرنامجية مصطلح التكتيك السياسي الذي تحول لمفهوم غامض مبهم بغموض مصطلح الإرهاب ... فمن ينزلق في الوحل يقول تكتيك ، ومن تنكشف عورته يقول تكتيك ، ومن لا تنطلي خدعته علي الآخرين يقول تكتيك ... التكتيك تحول لأداة تبرر الرغبات الشخصية وتستقطع الثوابت ببريقها.
وما بين الصراع بين البرنامجين المرحليين الاستراتيجي والمرحلي (التكتيك ) تقلصنا بطموحاتنا لدرجة القبول بتكتيك الحكم الذاتي والإدارة المدنية التي طرحتها بعض القوي ونظرت لها ،وعارضتها قوي أخري وقاومته وحاربته وهاجمته ، ومع تداعيات المراحل تحول الهدف المرحلي لاستراتيجي ، ومن ثم التكتيك لمرحلي إن لم يكن لاستراتيجي ، وهذا ما تأكده المرحلة الحالية ، وأن الفصائل الوطنية بكافة تياراتها وألوانها أخضعت برامجها السياسية والنضالية للتعليب وحافظت علي الشعار المبهم فقط ، وسرعان ما انزلقت القوي المعارضة لمصاف القوي الأخرى وزجت بنفسها في وحل أوسلو ، رغم إنها وضعت المبررات المسبقة تحت شعار الإصلاح وتعديل المسار ... الخ من المسميات ،وهذه الشعارات في المطبخ السياسي ، وما نشهده من ممارسات فعلية علي الأرض هو تقليد للنعامة وهي تدفن رأسها في التراب ... فمن أراد الإصلاح وتعديل المسار التنازلي فإنه لا ينحدر لممارسات تعطل حياته الكفاحية ويتحول لحياة سلطوية ، يعطل وفقها البرنامج المقاوم ويرهنه بما يمارسه العدو ، فالمقاومة لا تكون ردات فعل ، والمقاومة لا تخضع لتعطيل جانب علي الأخر ، فهي المكمل والداعم للجانب السياسي .
إن ما يحدث علي ساحتنا الفلسطينية عَرى كل برامجنا الوطنية وحولها لمادة استهلاكية انتخابية في سوق عكاظ للعرض البرنامجي الأكثر رونقا في الصياغة ، والأكثر إثراء في التراكيب اللغوية الحماسية .
نؤمن بالفكرة ونقتنع بالبرنامج ، لكننا لن نعبده ولا نتجرعه بقوالبه وشعاراته الجوفاء ، بل نحتكم له بالممارسة الفعلية ، والترجمة الحسية .. فمن توضأ من ماء أوسلو النجس وأشترك بتجلياته الانتخابية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية صلاته باطلة ، وجميعنا صلاتنا باطلة لأننا شاركنا في الوضوء من نجاسة أوسلو ، ولا يوجد أحدا بريء فمن أنزلق بانتخابات أوسلو التشريعية نجس ، ولا نوايا حسنة بالوضوء بماء نجس ، فالعدو يفاوض ودباباته تقاتل ، ويبتسم في المؤتمرات وهو يقتل أطفالنا ، أما نحن نطرح الشعار ونبحث عن وزارة وسلطة ، نطرح الشعار ونقول التكتيك السياسي ، فالتكتيك أصبح الأكذوبة التي تستر العورات .
فأين برامجنا الوطنية الفعلية ؟ أين جورج حبش ؟ وأين وديع حداد ؟ وأين خليل الوزير ؟ وأين الرنتيسي ؟ وأين الشقاقي ؟ وأين التكتيك من هؤلاء ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طارق متري: هذه هي قصة القرار 1701 بشأن لبنان • فرانس 24


.. حزب المحافظين في المملكة المتحدة يختار زعيما جديدا: هل يكون




.. الرئيس الفرنسي يدعو إلى وقف الأسلحة نحو إسرائيل ويأسف لخيارا


.. ماكرون يؤيد وقف توريد السلاح لإسرائيل.. ونتنياهو يرد -عار عل




.. باسكال مونان : نتنياهو يستفيد من الفترة الضبابية في الولايات