الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هواجس في الثقافة مقتطفات 57

آرام كربيت

2024 / 2 / 14
الادب والفن


عن الوجود والعدم
يبدو أن الوجود موجود، والعدم يفعل فعله فيه، يبدو هو كما هو، بيد أنه منفصل عن ذاته.
هو في كل لحظة وجود آخر، منفصل عما هو قبله.

الحداثة أسيرة الهمجية
قدر الحداثة أن، علومها ومكتشفاتها والتقدم الذي قادته في جميع مجالات الحياة، والتغييرات التي صاحبتها في المجال الاقتصادي والفكري والمجتمع، إلا أنها وقعت تحت هيمنة القوى الأكثر انحطاطًا، فقد خرجت من تحت الدلف إلى تحت المزراب.
خرجت البشرية من تحت وصاية الدين والاقطاع لتقع تحت وصاية المهيمنين عليها كالبنوك والشركات الاحتكارية المختلفة.
هذه الحداثة أدخلت البشرية في عنق الزجاجة كالبطالة والتصحر والتلوث والجوع وافتعال الحروب والتشرد واللجوء والفقر وانعدام الأمان.
عالمنا الحالي أشبه بحظيرة خنازير، يتعايش مع فضلاته.

عن ضيعة جدي اتحدث
في ذلك الغروب اللذيذ، وفي كل غروب، كانت الشمس تعصر السماء وتحوله إلى برتقالة معجونة بلونها، تنام على سرير دبانة القريبة من مدينة القامشلي، الضيعة التي كان يعيش فيها جدي في الستينات.
رائحة الأرض والنهر لا يزالا يعشعشان في كل مكان من ذاكرتي.
لم أكن أعرف أن كل هذا سيصبح مجرد ذكرى نائمة على خاصرة الزمن الراحل.
الغنم العائد من المراعي، الحيطان الترابية الأليفة، جلوس جدتي وعمتي وأختي، هناك على المصطبة الترابية يتناولون زادهم البسيط، الأشياء المتناثرة هناك وهناك في محيط المكان كالتنور، الرفش، المذراة، المكنسة اليدوية، عش اللقلق فوق السطح العالي، المدرسة والبيوت الترابية، شجرة التوت في بيت فارس، بيت الحاج منصور، فرع نهر الجغجغ، الجسر الترابي، البئر، النحل والدبابير.
كان الزمن هناك مسترخيًا، آمنًا.
الأرض لنا والسماء، يزرعها جدي بالخيار والجبس والبطيخ والكوسا والقرع والعجور.
في ذلك الوقت كان لدينا حلم ووطن وفرح وماء وأمل.
عندما تضيع الأرض نتحول إلى أشباح جائعة نبحث عن مأوى.

تلك الأيام ذهبت بعد جفاف الينابيع ونهر الخابور، مات الجمال، عندما مات الماء.
لا زالت صورة الينابيع في ذاكرتي، طرية، كقطعة خبز خرج للتو من التنور البلدي، أو من على الصاج.
صورة الماء الصافي الزلال لم تبارح ذاكرتي في مدينة رأس العين في محافظة الحسكة إلى اليوم.
كنت أرى الماء المتدفق من باطن الأرض، أنظر إليه بمتعة شديدة، الحبيبات الصغيرة للرمل ترقص كالحنجلة حول النبع، الأسماك الصغيرة تروح وتجيء حوله، مياهه كأشعة الشمس الصافية في نقاءها.
كنت في العاشرة من العمر، أقضي جل يومي على ضفاف الينابيع.
أقف طويلًا، اتأمل الجمال، ثم أغطس فيه أو أقف في مكان قليل الماء.
أكثر الأوقات جمالًا كان قبل شروق الشمس، نتبضع الطبيعة في هذا الوقت، أنا وأبي وأمي وبقية أفراد الأسرة، نفطر، بالقرب من هذا الصمت، نجالس ظلال الشجر. كان للنبع رائحة السماء والنجوم والكواكب، رائحة منعشة، نقية كنقاء الماء.
تتعب الأنهار وتئن عندما تفتتت الصخر القاسي الصلب، عندما يقف حاجزًا أمام مرورها.
إن الاهتداء إلى ظلها تمرره الأرض الغير متماسكة.
لولا الأرض الرخوة، والضعيفة لتوقفت الأنهار عن الجريان.

الحب يحيى بالحياة والجمال
الحب يحتاج إلى بنية نفسية متماسكة تؤمن بالحياة والجمال والخير والعدالة.
إن الكائن الهش الضعيف أو المهمش الممزق لا يستطيع أن يكون متماسكًا في علاقته بنفسه وبالآخر المختلف، فكيف يستطيع أن يكون حبيبًا ومحبًا؟
كيف يمكنك أن تمنح الحب للآخر وأنت تفتقد إلى حبك لنفسك في المقام الأول.
الحب تكامل في العلاقة بين الذات والآخر، بالعطاء دون حدود ودون خوف ودون حسابات جانبية.
إنه يحتاج إلى بيئة اجتماعية نظيفة، إلى إنسان متناغم مع ذاته، يعطيها وتعطيه، بيئة خالية من العقد والأمراض النفسية والعقلية، والحسابات المادية الفارغة
الحب في عصرنا هو نزوة أو غريزة، لأننا مرضى.

خلقنا الله ارضاء لانانيتنا
نحب الله لأننا نحب أنفسنا، ننطلق إلى هذا الحب من خلال أنانيتنا، وبعد أن تفيض بنا هذه الأنانية، وتتدفق إلى الخارج نرتد إلى أنفسنا مرة ثانية ونرفعها إلى الله ثم نعيدها إلى أنفسنا.
لا شيء يفعله الإنسان بعفوية أو بصفاء قلب، إنه كائن كريه، كل شيء لديه يقوم على الحسابات، حسابات الربح والخسارة.
الحب المرتبط بالمكاسب هذا ليس حبًا، أنه عفن، انتهازية وقلة أدب.
الحب المرتبط بالغايات هو عمل مؤوسساتي، خدمة مقابل، خدمة سواء كان رب العمل هو الله أو روكفلر.
لهذا نرى أن المؤمنين غير موفقين في حبهم لله، لربهم، بالرغم من بذلهم الغالي والرخيص من أجل إرضاءه.
وهذا ينسحب على كل القيم والمبادى والأخلاق للمؤمنين، كلها حمولات مختلسة، مشكوك في انتماءها الى كائنات ممزقة من الداخل، كائنات غير طبيعية نفسيا، تعاني من الوسواس القهري والعصاب.
هذا الانفصال الموضوعي بين حب الأنا المريضة، والأخر، الله، المشكوك في وجوده

نحن كائنات فقدت انتماءها
اللامنتمي هو الكائن الوحش، المسخ. الكائن المشوه الذي انتجته الرأسماليه، الذي لا يهمه شيء سوى بقاءه البيولوجي.
إنه جماد، يأكل ويشرب ويبعر.
اللامنتي ليس مسؤولا عن لا انتماءه، بنية الدولة منتجة لواقع اللا منتمي، عبر قوانينها وانظمتها ونهجها وسياساتها.
اللامنتمي هو إنسان مدجن بالرغم عنه.

في البيت بعد الانقطاع الطويل
فتحت الباب بهدوء ودخلت ببطء شديد، كنت خائفاً من نفسي، مستغرباً، متمهل المشية، مغموراً ومخموراً بشهق الأنفاس، مندفعاً بسيل من الاحاسيس المركبة تتداخل في نفسي كنار تلجّ في خنق خفقان قلبي. عيوني تتأمل الفراغ، تتأمل أغصان الماضي ووشوشاته. نظرت إلى البيت، الحيطان والصمت في مهابة، ناثراً شحوبي وحزني على الألوان الغائبة.
كان هذا بعد غياب عن البيت دام ثلاثة عشرة سنة قضيتها في السجن.
مشيت خطوة إلى الأمام ووقفت منكمشاً، متدفق الخلجات العارمة. أسراب من الأفكار الغريبة تدخل وتخرج من وإلى عقلي وفكري، كغمامة من الوميض الغامض ينهض من بين الأوتار النائمة فوق فلوات الريح داخل داخلي، ينتشر على شكل شريط من الذكريات والحيرة، يغرقني لينتشلني ثم يحطني في القاع ليدفعني إلى مجريات مختلفة.
غرقت في كومة من الضباب الكثيف، محمولاً على ثوب منثور في الهواء.
كل شيء كان يخلد إلى الصمت، مرتدياً بحة موجعة ملتصقة في أنفاس الجدران وأنفاسي المتقطعة. رحت أشهق وأزفر بصعوبة، عائداً إلى الصور، أقول في نفسي:
ـ هنا كان يجلس أبي، أمي. هناك أخي، أختي. هنا المدفأة, وهناك الكرسي، الطاولة، ركوة القهوة، إبريق الشاي.
رائحة الجدران تنطق بإيقاعات الفصول المتبدلة. تبددت تلك الحركة التي كانت تضج بالحياة والحيوية. أرى وجوه جميع الغائبين غائبة، غائمة في غابات الذكرى.
دخلت غرفة النوم رأيت كل شيء مرتب ونظيف، رائحة أمي وأخواتي وأخي جاءت كغيمة محملة على الأمطار الغزيرة فوق ترانيم المرايا العابرة.

أرض نهر الخابور
مشيت على الأرض الجافة لنهر الخابور الحزين لفقدان ماءه.
كنت قلقًا حزينًا من هذا المشهد المؤلم، أنفاسي مضطربة، ضربات قلبي مثل الصاعقة في قلبي.
لاح المجرى وادياً فارغاً، متعباً، منهكاً، عابساً غاصاً في الحزن، بقع الجفاف موزعة على شكل أشكال هندسية غير متناسقة تفسح المجال لضربات الجفاف بالتمدد على طول المكان. تحول حضنه إلى خربة خرابة يحمل في طياته لون الكآبة والضنى. صار مثل الذبيحة، أشجاره ميتة، زلّه وصفصافه رماد، أرضه تستنبئ الطوز والعجاج، رياحه رمال مدورة وجسده امرأة مغتصبة.
لم أر طيراً أليفاً أو جارحاً في السماء أو على طول المدى، كأنها هاجرت أو ماتت هي الأخرى.
كنت واقفاً أوساجداً أو راكعاً أعيد رحى الذاكرة والذكرى إلى بصري في ذلك الامتداد الغامض للأرض الجافة. هبت سحابة من الحرارة اللاسعة على شكل موجات دافقة، محملة بالغبار الأحمر الداكن. رأيت نيرون يخرج من بين شقوق الأرض المتيبسة يزغرد ساخراً، قال:
فتكت بالخابور، شربت دمه ودموعه، عينيه وقلبه، شرايينه وأوردته. خلعت عنه الماء والرطوبة والمطر، رملت زوجته، سبيت بناته وقتلت أولاده، لم يبق لي إلا تصحير الأرض والسماء والتراب والروح ليحل الخراب في كل مكان، ثم أردف:
لدي الكثير لأعمله، سأزرع الملح في كل بقعة خضراء. وقال:
أما زلت تحلم بالنجوم والخير والحرية والجمال، ألم تشبع من الخيبات والهزائم، ها هو حلمك يخبو بين يديك، ويموت تحت أفق نظرك، ماذا ستفعل بعد اليوم، قلت:
لا أعرف، لكني سأبدأ من جديد.

جنون العظمة للدولة الأمريكية سيدمر عالمنا، هذا إن لم يكن قد دمر وانتهى
من الواضح أن قواعد اللعبة الدولية أثناء الحرب الباردة أنتهت. ونحن أمام حالة جديدة.
الولايات المتحدة لن تحمي أية دولة في هذا العالم أمنيا وسياسيا بعد اليوم, بل ستترك الجميع لمصائرهم. والأنكى من ذلك إنها تجبر حلفاء الأمس على السير في سياستها, أن يدخلوا الحروب البينية المجانية, وعليهم الاعتماد على أنفسهم.
في هذه الحالة وجب أن ننتبه, أن لا نشجع اية دولة في المنطقة على الدخول في حرب مجانية لا فائدة منها. خاصة أن أبناء المنطقة لا يصنعون السلاح, إنما سيشترونه.
ما أراه أن الجميع يتجه نحو دماره الذاتي.

وما يحدث الأن في منطقة الشرق الأوسط هي حرب مسبقة الصنع, جري التحضير لها وتنظيمها في المخابر, ونفذت على الأرض, لهذا لا اعتقد أنها حرب عالمية كما يعتقد بعض الأصدقاء, أنها حرب وظيفية تؤدي دورا محددا لها, منوط بها الاستمرار, وظيفتها أن تأخذ في طريقها جميع دول وشعوب العالم, أن تتأكل الدول والشعوب, أن يحترق العالم القديم كله خدمة لهؤلاء العبيد في البيت الأبيض.
إن قواعد اللعبة السياسية التي كانت تدار أبان الحرب الباردة أنتهت ويستعاد بدلا عنها بحرب خلط الأوراق بمنتهى الذكاء والخبث من قبل الولايات المتحدة الأمريكية من أجل أن تتسيد هذا العالم والهيمنة عليه مئات السنين القادمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حلقة TheStage عن -مختار المخاتير- الممثل ايلي صنيفر الجمعة 8


.. الزعيم عادل إمام: لا يجب أن ينفصل الممثل عن مشاكل المجتمع و




.. الوحيد اللى مثل مع أم كلثوم وليلى مراد وأسمهان.. مفاجآت في ح


.. لقاء مع الناقد السينمائي الكويتي عبد الستار ناجي حول الدورة




.. هشام حداد يستفز وسام صباغ.. وهل يسبق السوري اللبناني في التم