الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اليسار الإصلاحي ، المقاومة المعرِقلة ، اليسار الثوري ، هزيمة أمريكا

عمار ديوب

2006 / 11 / 29
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


من الضروري أن نعترف أن الزمن الأمريكي في طور التراجع ، فقد تجلت هزيمته ، في أكثر من مكان ، وبأكثر من شكل ، عبر اللعبة الانتخابية الديمقراطية وفق المواصفات الأمريكية أو عبر المقاومات المسلحة ، القوى التي هزمته لا تملك ترسانة أميركا العسكرية الفاشستية ولا ترسانتها الإعلامية . ولكنها لا تتوقف عن دحر أمريكا في كل أنحاء العالم..
عدم اكتمال النصر ، لا يلغي دلالته ، وتعثر المقاومات ، في تحقيق نصر كاسح ، لا يعني أبداً تشييد قصور من الرمال للهيمنة الأمريكية ، وبالمقابل ، إن شكل المقاومات لا شك أنه يحفز العقل النقدي بما تحملها من إشكاليات معقدة ، ولكن أيضاً ميزة العقل النقدي الفعلي ، التمييز بين الجيد والسيئ في أي قضية كانت ، والانتصار للجيد ورفض السيئ ، بعيداً عن الرؤية الإيديولوجية العقائدية ...
التخفيف من قيمة المقاومة ، أو زجها بعبارات الطائفية فقط ، وعدم رؤية أوجه أخرى لها ، يعتبر أمر خاطئ كليةً. فللمقاومة الإسلامية جانب طائفي دون شك ولكن لها جانب وطني صاف يفقأ العين التي ترى ، من جهة أخرى . ورغم التباس جانبيها فهي تقوم بعرقلة وصد المشروع الأمريكي .
اليسار الذي ينتصر عالمياً ، لا بد أن يشكل قواه ويبدأ نصره العربي ، وهذا لن يتحقق ما دام لم يعلن مقاومته للمشروع الأمريكي وللأنظمة الاستبدادية وللمشروع الصهيوني . فهذا الثلاثي هو سبب مصائب العرب ، والأول هو سبب مصائب العالم بأكمله ..
هذا اليسار اللاتيني المتقدم في أكثر من دولة ، بل إنه يجتاح قارة بأكملها ليس باليسار الثوري ، نزعته الإصلاحية واضحة في برامجها ، وذلك باعتباره لم يعلن الثورة على ملكية الرأسماليين الاحتكارية وارتباطاتها العالمية بسوق الرأسمالية وإعطائه بعض التطمينات للرأسمال العالمي وعدم مصادرة الملكيات الكبيرة ، ربما باستثناء بوليفيا بما يخص النفط والغاز بالتحديد..
ورغم ذلك ، فهو يطرح برنامج ديمقراطي اجتماعي إصلاحي ، يؤمن من خلاله تحقيق جزء من مطالب الطبقات المظلومة والشعوب الأصلية ، ويحافظ على دور الدولة اقتصادياً وإجتماعياً ويرفض السياسات الليبرالية العولمية ، ويصل للسلطة عبر لعبة الانتخابات ، وذلك بعد أن عجزت مشاريع الليبرالية الواقعية القديمة والجديدة عن تحقيق أي شيء فعلي للمجتمع ..
في بلادنا اليسار لا يزال منغمس بتوجهات ليبرالية حمقاء ، ومرتبط بالمشروع الأمريكي الفاشل ، وأقصد بالرؤية للتطور لا بالارتباط بمعناه السياسي أو الأمني حكماً . وبعضه توجه نحو الاهتمام بقضايا حقوق الإنسان والديمقراطية ، المقطوعة الجذور عن المسائل الاجتماعية ، و رؤية للاقتصاد ذات طابع ليبرالي جديد ، ولهذا فهو فاشل بدوره ومعزول وبلا وزن أو قيمة . ويتلاقى في رؤية القاصرة ، في الحقل الاقتصادي مع النظام العربي الذي لا يكل ولا يمل من العمل باتجاه التوجه الليبرالي ..
هذا اليسار بعد أن اندحر في معركته ضد النظام العربي ، راح يدفن نفسه تماماً ، ويدخل في شقوق ليس بها ماء لتعيد إليه الحياة من جديد . ولهذا بالتحديد كان تقدم القوى الإسلامية الطائفية . وكان بالتالي ، إن تصدت هذه القوى للمشروع الأمريكي ، وعرقلته ولا تزال ، ولم يستطع بسببها التمدمد . وربما لأنه بالعمق مشروع أزمة تاريخية لنمط الإنتاج الرأسمالي ، وليس نتيجة نصر حققه على الاتحاد السوفييتي ،أو تطور طبيعي ، ولأنه مأزوم ، فإنه لا يملك مشروع اقتصادي أو اجتماعي ، وأحسن ما طرحه في منطقتنا ، هو مشروع الشرق الأوسط الكبير ، والذي هو ، بتنفيذه عبر غزو لبنان والعراق ، مشروع حرب أهلية بين جماعات من أمم أصيلة يحولها بالسلاح وبأنظمة الاستبداد وبآلاف من المنظمات الأهلية وغير الحكومية والقوى السياسية الطائفية إلى طوائف وعشائر وقبائل . لا يجمع بينها لا المصالح الاقتصادية ، ولا الانتماء العرقي ، ولا الأرض التاريخية ، ولا اللغة ، ولا التاريخ المشترك ، ولا الخطر الأمريكي ، ولا الكيان الصهيوني الاستيطاني على أرض فلسطين التاريخية؟؟!!
الذي لم يعد يعي وجهه ، دخل في الأوهام إذن ، حول المشروع الأمريكي ، وأخرج نفسه بالمطلق من القوى الممثلة للطبقات المظلومة ، ولذلك فهو بلا تعبير أو بتعبير هش وبلا جدوى (العراق)...
المشروع الذي يُرى به المستقبل المزدهر ويُطرب له ليس مشروع حياة بل هو مشروع تدمير وتفتيت ماهوي لشعوبنا ، بالدرجة الأولى . وما قامت به الدول العربية من إفقار واستبداد عبر عقود متتالية كان بالتنسيق مع هذا المشروع الفاشل ، فإذا كان المشروع الأمريكي واضحاً تماماً بالوقوف ضد التوجهات القومية والماركسية واليسارية . وهو الآن لم يعد يكتفي بأن يدعم الدول ، بل إنه يحاول احتلالها بالقوة ، ولأنه على هذه الدرجة من الهمجية ، فقد لقنه الشعب الذي لم يأخذ بمشروع ديمقراطي علماني درس الهزيمة وبوسائل بسيطة ، ولكن بإرادة صلبة وبوضوح شديد .
فالاحتلال هو الاحتلال ، وأراضينا هي أراضينا ، وهي محتلة ، ومجيئه وتدميره وقتله وتشريده وتقسيمه لأراضينا ودولنا لن يكون بلا ثمن ؛ ولأنه مارس كل هذه الموبقات ، ولا يزال عبر جيشه التكنولوجي ، وفرق الموت والتقتيل الطائفي البغيض . فإن المقاومة تلاحقه بلا رحمه ، ولا تتركه يلتقط أنفاسه ، وإن فشله الذريع ، كان حتى الآن ، بأيدي هذه المقاومات البسيطة التي ننتقدها ، بعد أن نشدد على دعمها باستثناء من هي ظلامية وجهادية قاتلة ..
مشكلة اليسار العربي أنه لا يزال فاقد لرأسه اليساري ولا يمشي على أرضه التاريخية ، وأنه بعد أن سقط الاتحاد السوفييتي أصبح بلا بوصلة وتيتم ، واعتقد أن خير الكون هو الولايات المتحدة الأمريكية ومشروعها "الثوري " للعالم في السيطرة على دولنا وتخليصنا من أنظمة الاستبداد ؟!
هذه الدولة الأكثر إجراماً في العالم التي ما مارست يوماً سياسة إلا وكانت ضد العرب ومع إسرائيل أو مع الأنظمة العربية حتى في عز أزماتها ، فلماذا ستغير سياساتها وهي في رأس العالم الرأسمالي؟!.
تغيير سياساتها كما يدعى البعض بعد 11أيلول 2001 هي الأوهام التي تكلمنا عنها ، ولذلك نرى أن موقع اليسار خارج هذه الأوهام ، وبالتالي على اليسار ألا يخاف من المقاومة وأن يبتعد عن الأيديولوجية الامبريالية ، وأن يعمل على نقد المقاومة وهذه الإيديولوجية ، وأن يتوضح له بأن من يقوم بالقتل للمدنيين في العراق ليست المقاومة وإنما هي الميليشيات الطائفية التي أتى بها الاستعمار الأمريكي أو سمح لها بالدخول إلى العراق أو هي من جراء سياسات الاستعمار الغبية في أحسن الأحوال ...
هنا نشير أن الذي كان نظاماً سياسياً أمريكياً بعد أن أسقطه العم سام ، هو من يستمر ، ويتحالف من القتلة الموغلين قتلاً بالشعب العراقي .
وأما الحكم الطائفي مع قوات الاحتلال ؛ فهو بالضبط من يمارس سياسات طائفية واستعمارية ، وهو الذي يستدعي شهوة القتل المتبادل الطائفي .ونشير كذلك أن من قتل الناس في لبنان ليس حزب الله - فهذا حارب إسرائيل - بل هي جزء من جماعة 14 شباط والتي تستحق لو فُتح تحقيق فعلي في الحرب الأهلية اللبنانية أن تتهم بالخيانة العظمى كما هو الحال مع أنظمة القتل الطائفي في العراق...
الدرس الذي لا يزال اليساريين بعيدين عنه هو أن الليبرالية في الشرط الامبريالي العولمي لم تعد وطنية حتى لو أراد قسم منها ذلك . وأن الديمقراطية تحت خوذ جنود الاحتلال هي أنظمة وقوانين تخدم هذا الاحتلال ، وتخلق نظام سياسي طائفي تقسيمي للبلاد عبر ديمقراطية الطوائف وحروب أهلية لا تتوقف...
وأما الهروب نحو المنظمات السياسية أو الاجتماعية القطاعية ، فلن يفيد في حل مشكلة القطاعات نفسها ، وبالتالي لا مجال أمامه إلا العودة للتعبير عن الطبقات الاجتماعية الأكثر فقراً ، والعمل من أجل بناء نظام علماني يساوى بين المواطنين على أساس الانتماء للدولة - بما هي دولة جميع المواطنين - لا للدين ، أو الجنس أو القومية على أرضية دحر الاحتلال...
الشعور القومي ، والتأكيد على انتماء العرب لأمة واحدة ، قضية مفصلية ، رغم انقسامها بفعل عوامل داخلية وخارجية لأكثر من دولة . وأهميتها تتأتى من أجل مواجهة المشروع الأمريكي وتحقيق بناء دولة الأمة ، التي هي هي دولة الطبقات الفقيرة . خاصةً بعد أن جربت هذه الشعوب ، دول البرجوازية على اختلاف تنويعاتها وكانت جميعها دول ممسوخة لا تعرف معنى الاستقلال والسيادة من معنى المصلحة الخاصة وجمع الثروة...
إن نصر اليسار اللاتيني المتوج بنصر أورتيغا الأخير ، يكمل نصر موراليس وشافيز وطيرافاسكو وميشيل نتلس ضد مشاريع أمريكا في الهيمنة على العالم ورفضها بدون لبس . وإن نصر المقاومات في لبنان والعراق وفلسطين . يفتح الطريق نحو غياب الشمس عن إمبراطورية ، اعتقدت طويلاً ، أن الشمس التي سرقتها عن وجه مملكة بريطانيا المندحرة لن يغيب عن وجهها القبيح ..
اليسار اللاتيني الذي انتصر بمشروع سياسي اقتصادي إصلاحي قدم وسيتقدم بعض الخطوات نحو بعض المطالب ، ولكنه لن يستطيع دحر المشروع الأمريكي دحراً كاملاً إلا بمشروع سياسي اقتصادي اجتماعي ثوري ، أسه النظام الديمقراطي ، وحامله الطبقات الكادحة..
النصر المقاوم قد يتعرقل لأنه بلا مشروع لا إصلاحي ولا ثوري ، وهذه المقاومات لا تملك رؤية صائبة إلا ضد الاحتلال .ولكن في القضايا الاقتصادية مشروعها الخصخصة وصون الملكية الخاصة كحق إلهي مقدس . وهنا مكمن فشلها . وفي القضايا السياسية لا تؤسس إلا لمشروع طائفي .وفي القضايا الاجتماعية ذات توجهات محافظة جداً ، وضد الحداثة بمعناها العلمي والعلماني ..
ولأن الأمر على هذا النحو فإن ما انتصرت به المقاومة عبر السلاح ، قد تخسره بالمشاريع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تتبناها كما حدث في فلسطين ولبنان قبل حزب تموز ...
القوى المغيبة والغائبة والتي تملك إمكانية إنجاز مشروع بديل ، هي القوى الماركسية والقومية الديمقراطية ، ولأنها لا تزل ضائعة الاتجاهات ، فإن الوضع العربي سيبقى متأزماً..
رغم نقدنا لليسار الليبرالي السائد ، وشكوانا من عدم وجود يسار فاعل ؛ فإن هناك بوادر يسار ثوري أخذ يبرز في السنوات الأخيرة ، وهو المعول عليه ، وبروزه نتيجة استعصاءات مشروع اليسار الليبرالي ، ووضوح ارتباطه بالمشروع الأمريكي ، واستعصاء الأخير في احتلالا ته . وعدم وجود أفق للطائفية الإسلامية خارج المشروع الأمريكي المخفق ، وتململ كثير من فئات الشعب من هذه الاستعصاءات..
لهذا فاليسار الثوري ، المشار إليه ، هو اليسار الذي أيد كل أشكال المقاومة ضد الاحتلال الأمريكي . ووقف ضد هذا المشروع منذ البداية ولا يزال يرفض مشاريع السلام ولا يربط الديمقراطية بالسلام . ويؤكد أن الكيان الصهيوني ليس إلا استطالة إمبريالية ولابد لها من الزوال . وأن الديمقراطية العلمانية كطريق للتطور السياسي هي جزء من برنامج وطني ديمقراطي اجتماعي ، يحقق قطعاً من النمط الرأسمالي التابع . ويبنى الثورة الصناعية ويعتمد على الطبقات الكادحة . ويعطي للدولة دوراً اقتصادياً واجتماعياً ويعمل على تحقيق التنمية المستدامة . ويرى أن مفهوم المواطنة المُصان بالدولة المواطنية ، ينصف جميع الأفراد والقوميات بعيداً عن نزعات التعصب العرقي أو الثروة التي تحول البشر إلى متع رخيصة أو سلع يزيد وزنها بزيادة أدوارها أو أفعالها المشينة ..
إذن ، اليسار الثوري ، هو القادر على طرح برنامج بديل ، وتجاوز مشروع اليسار الإصلاحي والمقاومات المعرقلة ، وهو القادر كذلك على حسم المعركة ضد المشروع الأمريكي والقوى الليبرالية والأصولية وبناء دولة جميع المواطنين .....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل : لا مجال لبقاء حماس في السلطة بعد الحرب في غزة


.. أمير الكويت يعين الشيخ صباح خالد ولياً للعهد.. والأخير يؤدي




.. شكري يؤكد رفض مصر الوجود الإسرائيلي في معبر رفح| #الظهيرة


.. نجل بايدن يفسد فرحته.. فهل يفوّت بايدن فرصة إزاحة ترامب من س




.. غروسي: تفتيش منشآت نووية لدولة ما يخضع لأطر قانونية وفق التز