الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما خرج الشعب يتظاهر من اجل كرامته وحقوقه وبالدولة الديمقراطية .. دهسته دبابات ومزنجرات النظام الملكي المزاجي

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2024 / 2 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


عندما خرج الشعب يتظاهر من اجل كرامته وحقوقه ، ومناشدا بدولة الحق والقانون ، وبالدولة الديمقراطية دهسته دبابات ومزنجرات النظام المزاجي البوليسي السلطوي ، ورماه درك الملك بالقنابل اليدوية من المروحيات ..
انتفاضة فبراير 1984 التي لن تنسى ابدا ..
عرف المغرب منذ ستينات القرن الماضي العديد من الانتفاضات الشعبية ، كان اولها انتفاضة مارس 1965 ضد سياسة التعليم ، وضد التفقير والتجهيل ، وضد الميز والعنصرية ضد ابناء الشعب المغربي ، ثم كانت هناك انتفاضة يونيو 1981 بالدارالبيضاء التي دعت اليها الكنفدرالية الديمقراطية للشغل ، يساندها في ذلك الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، حزب زمان وليس حزب الآن ، ثم كانت هناك انتفاضة يناير 1984 بمراكش وبالشمال ، وأخيرا كانت انتفاضة 1990 بفاس وببعض المدن المغربية . هذا ولا يمكن ان نعتبر 20 فبراير انتفاضة ، بل كانت هبّة شبابية سرعان ما تم اخمادها من قبل النظام ، وبالتعاون مع الاحزاب المخزنية والنقابات ( الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، حزب التقدم والاشتراكية ، حزب المؤتمر الوطني الاتحادي ، جبهة القوى الديمقراطية ، حزب الاستقلال ، قيادة ومليشيات نوبير الاموي بالكنفدرالية الديمقراطية للشغل ، وقيادة ومليشيات الاتحاد المغربي للشغل اضافة الى حزب العدالة والتنمية ) ، والنيومخزنية ( حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي ، الحزب الاشتراكي الموحد ) . اما موقف ودور حزب النهج الديمقراطي فظل يتراوح بين مطلب الملكية البرلمانية مرة ، ومرة تصريحه بعدم الالتزام بآي سقف في المطالب التي يمكن ان تؤدي الى الجمهورية . بطبيعة الحال هنا الحزب كان يراهن على المد العددي لجماعة العدل والإحسان التي لم يتردد قيد انملة في التنسيق معها ، حيث ان الجماعة بدورها حين انخرطت في الحراك الفبرايري ، فانها لم تلتزم بسقف واحد في المطالب السياسية ، بل انها كانت ترى في عدم الالتزام بسقف ، يجعلها اكثر قربا من الجماهير التي كانت مغيبة في مسيرات ، ولا اقول تظاهرات 20 فبراير . لكن ان خروج الجماعة المبكر بعد ان قضت وثرها من الحراك ، وبعد ان حققت اهدافها المغازلة للآخر الذي كانت تعتقد انه يجهل قوتها التي ابانت عنها خلال الحراك الفبرايري " فبراير " ، جعلها تنسحب مخلفة وراءها صدمة ، سواء لرفاق النهج الذين قرروا التحالف معها ، او بالنسبة للرأي العام الذي صدمته الجماعة بموقفها بالانسحاب . والذي زاد من فقدان الثقة بالجماعة ، ان احد مسؤوليها القياديين ارجع سبب الانسحاب ، بكون 20 فبراير قد استنفدت زخمها ومهمتها ، وان الاستمرار في المسيرات ، يعني الوصول الى الاعتصام بالساحات العمومية ، وهذا سيتسبب في اراقة الدماء التي تتعارض مع سياسة وفلسفة الجماعية التي هي التركيز على السلمية في العمل السياسي والجماهيري . والسؤال هنا للجماعة التي اضحى موقفها مبهما ومضببا . هل هناك من ثورة حصلت في التاريخ بدون اراقة الدماء ؟
وبالرجوع الى الانتفاضة الجماهيرية في يناير/ فبراير 1984 ، سنجد انها وبدون تنسيق مسبق ، انخرطت فيها المكونات السياسية الاساسية الفاعلة في الساحة الجماهيرية . فمن جهة سنجد منظمة الى الامام تتبوأ الانتفاضة بمراكش وبالعديد من المدن المغربية مثل الرباط ، و من جهة سنجد الحركة الاسلامية الى جانب اليسار الماركسي اللينيني يتبوئان الانتفاضة بالريف وبالشمال ، حيث كانت المظاهرات تخرج بالآلاف من المساجد مع سيطرة الشعارات الاسلامية في المواجهة مع قوات الامن والجيش . فهل كانت الانتفاضة الجماهيرية بسبب عرقلة عودة النظام الصهيوني لأنوار السادات الى حظيرة ( الجامعة العربية ) جامعة الحكام العرب ، ام ان هناك اسبابا اخرى اقتصادية واجتماعية هي من فجر الانتفاضة التي اغرقها الملك الحسن الثاني بدركه وجيشه ، في بحر من الدم ،حيث كانوا يطلقون الرصاص الحي على المتظاهرين من الطوافات العسكرية .
قبل الانتفاضة الينايرية ( يناير / الفبرارية / فبراير ) لسنة 1984 ، عرف المغرب خلال الثلاث عقود التي سبقت الانتفاضة ، عدة هزات وانتفاضات شعبية ، قاسمها المشترك ، سخط اوسع فئات الشعب واحتجاجها على الحرب التي تشنها عليه الطبقات الحاكمة . ولم تكن تلك الانتفاضات في العمق إلاّ ممارسة فعلية لحق الشعب في الدفاع عن قوته اليومي ، وعن حقه في الشغل ، والصحة ، والتطبيب ، والسكن اللائق ، والتعليم ، والحرية ، والمساواة والتأصيل لدولة العدالة ورفض دولة الظلم .. لخ .
كانت المرحلة في الحقيقة مرحلة ترتيب الاوراق بالنسبة للمخزن والأحزاب السياسية ، استعدادا للدخول في حلقة جديدة لما يسمى ، ولا يزال الى يومنا هذا ب " المسلسل الديمقراطي " بعد المهزلة الانتخابية في سنة 1983 التي تواطأ فيها المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ضد جناح اللجنة الادارية الوطنية الذي تعرض لقمع لم يسبق له نظير . وكان الواقع الاقتصادي المكشوف امام الجميع يفند كل ادعاءات " الإقلاع " ، الذي لا نزال فيه حتى الآن ، والخروج من الازمة التي كان يروج لها خبراء الاقتصاد الرأسماليين . إذ لم يزدد الوضع إلاّ تأزما ، مغرقا البلاد في مزيد من البؤس والفقر والشقاء ، مقابل اغتناء حفنة من البرجوازيين الكمبرادوريين والاوليغارشيين والمخزنيين . لقد كانت الوضعية الاجتماعية والاقتصادية بالمغرب قبل الانتفاضة كما يلي :
(1 اصبح اكثر من نصف سكان المغرب يعيشون تحت عتبة الفقر ، اكثر من اربعة عشر مليونا منهم لم يعد يتعدى مصروفهم اليومي ثلاثة دراهم ونصف ، في حين زاد ثراء الاقلية المخزنية وإخطبوطها من الاحزاب الدائرة في فلكها ، كما زاد تهريب العملة الصعبة بطرق غير قانونية وفتح حسابات وهمية بابناك ومصاريف اوربية خارج الوطن .
( 2 تضخم حجم المديونية التي صارت تشكل اكثر من 85 في المائة من الناتج الداخلي الخام ، بينما لم تكن تفوق 17 في المائة عشر سنوات من قبل . ولتمكين الدولة من الحصول على قروض جديدة عمومية وخصوصية ، وجب عليها الخضوع لبرنامج " تثبيت الاوضاع " الذي تضمنته اتفاقية " ستاند باي " الذي وقعه المخزن مع صندوق النقد الدولي ، ومن ضمنها :
--- تخفيض العملة الوطنية ب 10 بالمائة
--- خفض ميزانية الاستثمار بحوالي الثلث .
--- حذف ما يقارب من 20 الف منصب مالي .
--- الغاء الدعم للمواد التي يستهلكها الشعب مثل السكر ، الزيت ، الطحين ، الارز ، البنزين ، الزبدة ، الغاز والمحروقات .. لخ ، وإقرار ما يسمى ب " حقيقة الاسعار " ، اي رفعها وجعلها ترتفع باستمرار ، وتحريرها من القيود التي تحول دون ارتفاعها .
--- التخطيط للإجهاز على صندوق المقاصة .
--- الزيادة في قيمة وعدد الضرائب والرسوم المخزنية
--- مراجعة مجانية التعليم ومنح الدراسة وإخضاعها للتقليص .
وبتكامل مع ارتفاع لهيب الاسعار في سنة 1983 التي اكتوت منها الفئات الفقيرة ، شهدت البطالة توسعا كبيرا ، شملت الى جانب آلاف الفلاحين الفقراء ضحايا الجفاف والسياسة الفلاحية الطبقية التي اسقطت مداخلهم من الزراعة والمواشي الى الحضيض ، مما دفع بالكثيرين منهم الى بيع اراضيهم الزراعية بابخس الاثمان ، والى النزوح بأعداد كبيرة نحو الاحياء القصديرية في المدن الكبرى مثل الدارالبيضاء والرباط . والى جانب هؤلاء شملت البطالة اعدادا هائلة من العمال المسرحين نتيجة اغلاق مجموعة من المعامل ، او تقليص لعدد عمالها مثل معمل ( كوصيما ) شركة ( ماديسون ) الشركة الشريفة للمؤسسات الكهربائية ... لخ وأعدادا اخرى من خريجي الجامعات والمعاهد العليا ، ومدارس التكوين المهني ، والمطرودين من مختلف المستويات التعليمية .
هكذا في خطاب رسمي في ديسمبر 1983 ، تم الاعلان عن اجراءات تقشفية جديدة جندت لها الطبقات السائدة كل ابواقها وإمكاناتها الدعائية ، وتم الاعلان عن القيام بإحصاء وطني عام للدخل ، سرعان ما تحول ليصبح محدودا ، ليقتصر فقط على ذوي الدخل الضعيف والمتوسط . وهنا لا ننسى وزير الدولة مولاهم احمد العلوي في احدى افتتاحيات التي كان يكتبها له المرحوم ستيتو البودالي في جريدة ( ماروك سوار ) ، حين جرّم كل من يدعو الى احصاء مداخل الاثرياء من اجل معاينة واقع توزيع المداخيل ، وإعادة التوازن الى هذا التوزيع ، وذلك اتباعا " للفضيلة والتقاليد الإسلامية . "
لقد كشفت الاحصائيات الاولية في العاصمة الرباط مثلا عن تفشي الفقر المدقع في الاحياء الشعبية في احلك صوره .
--- لجوء عدد من المواطنين الى السكن في بعض الاضرحة مقابل اداء بعض الدراهم .
--- لجوء عدد من المواطنين في السكن في اصطبلات باب الرحبة بالمدينة القديمة المطلة على وادي ورقراق
--- اعتماد عدد من الاسر على اعالة بناتها المدفوعات الى ممارسة البغاء .
--- وجود حالات كثيرة تقتسم فيها ثلاث اسر غرفة واحدة ، يحول بينها إزار من القماش .
--- تفشي ظاهرة الهروب عن الزوجة والأطفال بسبب العجز عن اعالتهم .
--- وجود عدد كبير من المواطنين العاجزين عن تسديد اسعار الكراء ، والمتابعين امام القضاء ، والمهددين من قبله بالإفراغ والتشرد كما تميز الوضع السياسي بالتضييق على الحريات السياسية والنقابية ضد المناضلين السياسيين والنقابيين الحقيقيين من عمال وفلاحين وأساتذة وطلبة وتلاميذ ، ثم المنع الجائر الذي طال مجلات تقدمية مثل الجسور ، الثقافة الجديدة ، البديل ، الزمان المغربي ، المحرر ، والإعلامية عن طريق اخضاع كل الجرائد الغير الرسمية للرقابة المسبقة القبلية مع الابداع في اجراءات الحجز والمنع .
--- شرارة الانتفاضة :
مدينة تطوان نموذجا : ان تركيزنا على مدينة تطوان لا يعني ان المدن الاخرى كانت اقل خطورة ممّا حصل بتطوان ، بل ان ما حصل مثلا بالناطور وبمدن الشمال كان تصفية جسدية لمواطنين مهمشين ذنبهم انهم طالبوا باقتسام جزء من ثروة بلدهم التي يحتكرها وينهبها المخزن الاقطاعي الاوليغارشي المنتمي الى الزمن الميّت .
كانت البداية ، يوم الثلاثاء 17 يناير 1984 بمظاهرات للتلاميذ احتجاجا على ارتفاع تكاليف التسجيل ، وانجاز الملفات المدرسية ، وضد الغاء المنح الدراسية وتزايد النخبوية والعنصرية والحكرة . ويوم الاربعاء التحق الطلبة بالتلاميذ ونزلوا بدورهم الى الشارع مرددين نفس شعارات يوم الثلاثاء . ونظرا للفقر والتهميش والعزلة انضمت اليهم جماهير العاطلين والفلاحين المعدمين ، والتي ما فتئت تلجأ منذ بضعة سنوات وبإعداد متزايدة الى المدن طلبا لمصدر عيش غير مضمون وأكيد . ومما زاد في التأجيج تعزز المظاهرات بالمشاركة الواسعة للعمال الذين وجدوا ويجدون انفسهم في وضع لا يحسدون عليه ، وبسرعة فائقة تحولت المظاهرات الى انتفاضة تسوناني حارق يهاجم فيها المتظاهرون كل شيء يرمز للغنى والسلطة والجاه .
وطيلة يومين كاملين الثلاثاء والأربعاء ، كانت المدينة في يد مجموعات المتظاهرين الذين ظلوا يرددون الشعارات المناوئة لشخص الملك وللملكية والنظام ، ويطالبون بإلغاء الزيادات الظالمة في مختلف الاسعار . وتمام هذا الحال ، لم تتمكن الشرطة والقوات المساعدة من الرد او التغلب على الموقف لاحتوائه ، نتيجة تجاوز الاحداث لها . ويجب القول هنا ، ان استراتيجية ادريس البصري وزير الداخلية ارسلت اغلبية البوليس لتتمركز بأكبر مدينة بالمغرب الدارالبيضاء لضمان سلامة وامن مؤتمر القمة الاسلامية ، و خاصة وان شبح انتفاضة يونيو 1981 التي وصفها الوزير المقبور بشهداء " كوميرة " Une baguette ، لا تزال خطورتها تفعل فعلتها في الذاكرة المخزنية العقيمة . ودون شك ، فان هذا العامل لعب دورا في الانتشار السريع للحريق الذي يعصف بنظام الملك المهدد بالسقوط . ولم تتوصل قوى البوليس بالمدينة بتعزيزات إلاّ مساء يوم الخميس ، وبدأت في اطلاق النار على المواطنين المنتفضين ، وفي صباح يوم الجمعة دخلت مدرعات الجيش الى المدينة قادمة من الصحراء ، واخذ العسكر المرسل من الجنوب بكل سرعة في اطلاق النار على اي شيء يتحرك او يخيل انه يتحرك .
هكذا تحولت الاحياء الشعبية ، بعد تطويقها ومحاصرتها ، الى ميدان لقمع خطير ، فكان الجيش والدرك لا يترددان في اطلاق النار على كل واحد يفتح بابا او نافذة . هذا واستمرت الاعتقالات طيلة يوم السبت والأحد والأسبوع اللاحق ، حيث تم اعتقال اكثر من 700 مواطن . اما الضحايا فعددهم كبير جدا ولا يتصور على بال ، ومن ضمنهم العديد من الشباب والأطفال . وهنا لا ننسى ان الانتفاضات في الناظور ، والحسيمة ، وطنجة ، والقصر الكبير ، وأصيلا ، كان على الاقل بنفس الدرجة من العنف ، ولاقت هي كذلك مواجهة قمعية شديدة .
فهل من علاقة بين مؤتمر القمة الاسلامية بالدرالبيضاء وانتفاضة يناير 1984 ؟ :
ان مثل هذا التفسير التبسيطي يوجد في فكر البوليس السياسي ، والجهاز السلطوي الاختزالي الذي اعتبر ان القصد من الانتفاضة الجماهيرية ، هو الحيلولة دون " عودة مصر الى الحظيرة الاسلامية والى الصف العربي " ، بحيث ان النظام المزاجي البوليسي السلطوي ، لم يتردد في اتهام الموساد الاسرائيلي بالوقوف وراء الانتفاضة . ان مثل هذا التفسير الغبي غباء البوليس السياسي ، وغباء الجهاز السلطوي ( الداخلية ) الذي ينشد الهروب الى الامام ، والى اخفاء الرأس في الرمل ، لا يستقيم مع ما انتجته الاحداث السابقة والمتواصلة واللاحقة . فقبل انعقاد المؤتمر ، انفجرت الحركة في نحو عشرين مدينة وحاضرة ، وبدأت اصلا منذ اليوم التاسع من شهر يناير في مدينة مراكش بصورة عفوية مثل انفجار 20 يونيو 1981 كانت هي بدورها عفوية على الرغم من ان مناسبتها كانت دعوة للإضراب العام الذي وجهته الكنفدرالية الديمقراطية للشغل . ف ( ك د ش ) دعت الى الاضراب العام ، لكن الجماهير تجاوزت الاضراب الى الانتفاضة ، وتحولت هذه الى مجزرة دامية بفعل تدخل الدرك والجيش .
ان الوضع الذي كان سائدا في معظم المدن المغربية ، ولا سيما كبرياتها ، يقدم تفسيرا اوليا لذلك . ان الملاحظين من مغاربة مهتمين بالشأن العام ، وأجانب اوربيين ، يجمعون على ان الدارالبيضاء تحولت تدريجيا الى " ريوديجانيرو " برازيلية جديدة ، إذ يكفي ان تقترب ساعات الليل الاولى ، حتى تفرغ الشوارع نتيجة انعدام الامن . بينما تشهد اعمال العنف والسطو و " التّشْليحْ " بالسكاكين وموسى الحلاقة ، على ان الشارع بات خارج السلطة .
اما السياسة الداخلية كما اليوم ، فتقدم بقية التفسير . فقد ضعفت الاحزاب ، وتم افراغها من مضمونها التاريخي والفلسفي ، فأضاعت مصداقيتها ، حيث ان ادخال الملك لوزيرين عن الاتحاد الاشتراكي ( عبدالرحيم بوعبيد وعبدالواحد الراضي – عملاء القصر ) ، كانت مهمتها الاساسية رفع الاسعار ، الذي كان كافيا لحرق الكثير من مصداقيتها التي اكدتها بعد المؤتمر الاستثنائي لسنة 1975 . هكذا سيتحول عبدالرحيم بوعبيد وجماعة المكتب السياسي الى سجناء لمناضليهم المسجونين . ان الصراع الذي عرفه الحزب بين المكتب السياسي ، وبين اللجنة الادارية الوطنية ،حول المشاركة او مقاطعة الانتخابات في يونيو 1983 ، ادت الى ازمة اخلاقية عامة ، حين استقوى بوعبيد بوزارة الداخلية لحسم الخلاف مع المعارضين الذين يدْعون الى مقاطعة الانتخابات ، ووقف كل تنسيق او تعاون مع النظام المزاجي البوليسي الطقوسي ، وهي اطروحة لاقت تعاطفا كبيرا داخل الحزب وخارجه ، بحيث ان بوسع المرء ان يتصور ، انه لولا وجود هؤلاء " الخوارج " داخل السجن ، لأصبحوا يكوّنون الاغلبية داخل الحزب . ، كما لا ننسى هنا استقواء المكتب السياسي وبالضبط عبدالرحيم بوعبيد بالسلطة لحسم معركة فرع مدينة بني ملال .
هكذا فان الملك بات يملك ، عبر قدرته على اخراج هؤلاء من السجن ، ان يمزق الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية مرة اخرى ، وهو الوضع الذي كان يجبر عبدالرحيم بوعبيد على مواصلة تعاونه مع النظام المزاجي البوليسي الطقوسي ، وان يقبل كما فعل ، بموافقته المشاركة في الانتخابات ، والموافقة على المشاركة في حكومة كريم العمراني .
ان الاتحاد وهو يكون قد دخل الحكومة ، وعبر جميع المحطات والمراحل والى فترة اليوسفي ، بدعوى ان البلاد ، مرة تواجه ازمة حقيقية ، ومرة بسبب السكتة القلبية ، يكون غائبا عنه ان السلطة الحكومية ليست بيد الحكومة ، بل هي بيد الملك ، او الحكومة العميقة ( البنية السرية ) . ومما يعزز تحليلنا هذا ، ان الحزب دخل الحكومة مرغما . ويكون الحسن الثاني بهذه المناورة السياسية الجديدة ، قد سجل نصرا باهرا على المهدي بن بركة في قبره ، لأنه وضع حزب المهدي بين خطر الانقسام ، وبين خطر فقدان المصداقية .
اليوم الحزب انشطر الى شظايا صغيرة ، وفقد مصداقيته التي اضحت مجرد عنوان يتاجر به البورصيون والانتهازيون الذين تمخزنو اكثر من المخزن ، فأصبحنا نسمع وبدون خجل او حياء عن حكومة صاحب الجلالة ومعارضة صاحب الجلالة .
هل نجح النظام المزاجي ، بمناوراته السياسية ، في قتل الاحزاب ، ام انه اخطأ في ذلك ؟ .
ان الحكم ومن خلال هذه المناورات السياسية المهزوزة ، فهو لا يصفي بذلك الحسابات مع المعارضة اليسارية وحسب ، بل انه يصفي حساباته مع " الحزبية " عموما / والدفاع عن الحزبوية الفارغة من اي مضمون تأطيري ، او تنظيمي ، او ايديولوجي ، او تاريخي ، او شعبي . ذلك ان من الواضح ، ان النظام المزاجي المريض بفوبيا اليسار ، وبفوبيا الاسلام السياسي ، يريد ان يخلق احزابا ( لتأمين الواجهة الليبرالية الضرورية للنظام ) ، على ان تكون صورية فقط . ان النظام المزاجي يريد احزابا على شاكلة التجمع الوطني للأحرار ، الاتحاد الدستوري ، الحركة الشعبية ، مجموعة لشكر ، وليس حزب المؤتمر الثاني والثالث وحتى الاستثنائي ، مجموعة نبيل بنعبدالله وليس حزب عزيز بلال ، مجموعة شباط الذي يستعمله النظام المزاجي ، في طريق شق حزب الاستقلال وإضعافه مثل الاتحاد الاشتراكي ، بل هو لا يقبل حتى احزاب النيو – مخزن التي ترفع بعض الشعارات التي لا علاقة لها بماضيها الراديكالي . فرغم دخولها الحظيرة المخزنية بحسن نية ، فهو لا يطيقها . كما يريد احزابا على غرار " حزب الاصالة والمعاصرة " حزب الدولة الذي انشأه الهمة لمّا كان وزيرا منتدبا في الداخلية .. لخ .
لكن النظام المزاجي البوليسي السلطوي البليد ، الذي يعتقد انه انتصر ، لا يفعل بحصوله على هذه الانتصارات المسمومة ، سوى انه يزيل ويدمر آخر الحواجز الممكنة لاحتواء الشعب ، ومن تم تدجينه .
ان ضعف الهيئات والمنظمات الحزبية ، وظهورها بمظهر الواجهة الشكلية للسلطة ، جعل الغضب الشعبي سابقا واليوم ، يتوجه الى الملك مباشرة ، وينصب على شخص الملك بالذات ، رغم ان الدستور يجعل من نقد الامير الملك جريمة يحاسب عليها القانون . ان هذا الوضع الكاريكاتوري الذي اضحت عليه الاحزاب ، هو نفسه الوضع الذي اضحت عليه النقابات . فأين ( ك د ش ) وأين ( ا م ش ) ؟ . تناسلوا مثل الفطْر Les champignons ، حتى اصبح كل منهما يتنافس في خدمة الملك ، وليس الطبقات التي يدعون زورا التحدث باسمها .
إذن امام هذا الوضع الفاقع للأعين ، لم يبق بوسع للحسن الثاني ، إلاّ ان يقول ما قاله ، لأنه لا يستطيع ان يقول : ان الكارثة كانت محتومة ، وان وزير ماليته ، حين قدم ميزانيته الى البرلمان ، ان تكون سنة 1983 وخيمة وخطيرة العواقب ، ربما قول ذلك يعني الاعتراف الصريح بفشل سياسة الحكم .
سؤال : الكل يجمع اليوم على ان الوضع الاقتصادي ، والاجتماعي ، والسياسي ، هو اخطر مماّ كان عليه الحال في 1983 وما قبلها . كما انه اخطر ممّا كان عليه الوضع في يونيو 1981 ، ومارس 1965 ، وديسمبر 1990 . ومع ذلك لا انتفاضة على الابواب . فهل تم تدجين المواطن المغربي مع قبول الفقر واعتبار هذا ارادة الهية لا مفر منها ؟ . هل تحول المواطن المغربي الى مازوشي يتلذذ بمن يقهره ويهينه ويذله حيث ُتفرّق وبشكل مهين ( البطّانيات ) ، اي ( الكاشّة او الماطْلة ) ، مع قالب من السكر ، وعلبة شاي رديء ، مع شيء من الدقيق ، وخمس ليتر من الزيت " الرومية " ، التي تذوب في اسبوع . هل السبب في ان التاريخ لا يعيد نفسه ، وإن اعاده يكون ذلك في المرة الاولى بشكل ردئي ،ويكون في المرة الثانية بشكل تراجيديا ؟ هل السبب في خيانة النخبة من احزاب وجمعيات ومنظمات ؟
الجواب سيكون ممّا ينتظر نزاع الصحراء الغربية من مصير مُضبّب وخطير . فإذا ذهبت الصحراء ، الانتفاضة الجماهيرية ستندلع في كل المغرب وليس فقط في بعض المدن او الحواضر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تعرف على السباق ذاتي القيادة الأول في العالم في أبوظبي | #سك


.. لحظة قصف الاحتلال منزلا في بيت لاهيا شمال قطاع غزة




.. نائب رئيس حركة حماس في غزة: تسلمنا رد إسرائيل الرسمي على موق


.. لحظة اغتيال البلوغر العراقية أم فهد وسط بغداد من قبل مسلح عل




.. لضمان عدم تكرارها مرة أخرى..محكمة توجه لائحة اتهامات ضد ناخب