الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يحدثُ أن يحدثَ كلّ شيء لرائدة

أمل جمعة
(Amal Juma)

2024 / 2 / 15
الادب والفن


يحدثُ أن يحدث كلّ شيء لرائدة

أيلول 2023
لتخلص الدني، تقول فيروز في صباح ضجر، يقف الصوت مثل حشرجة: كيف ممكن أن تخلص الدنيا؛ دنياك مرة واحدة وما معنى أن تخلص الدنيا وأنت حيّ ترزق، إن لم يكن الموت هو إشارة الخلصان، فماذا حلّ بالحياة لتنهي نفسها وهي حيّة.
تلك العبارة التي كتبتها رائدة على دفترها المدرسي، احتفظت به طوال عشرين عاماً في خزانة المطبخ حيث تضع المنظفات الخطرة، وتحذر طوال الوقت من الاقتراب أو العبث، الكلام لزوجها وأطفالها الخمسة.
رائدة! من لا يعرف رائدة لم يدرك ندى الفجر، كانت عبارة كتبت بالحبر الأزرق السائل على أول صفحة في دفترها، هي حرزها وقوتها كلما أظلمت الدنيا وقهرها الزمان.
لن أصف لكم رائدة دعوا مخيلتكم ترسمها بشرط واحد: وجه لا ينسى وجمال قريب كأنه الماء وبعيد كأنه الحلم، وذائب مثل الحنين، لا يهم لون شعرها أو شكل عيونها عليكم أن ترونها فقط كما رآها كمال للمرة الأولى، فتحت له بوابة البيت الخشبية، ومنذ ذلك التاريخ لم تغلق بوابة الدهشة.
كلّ ما صار لرائدة مجرد أحداث تحدث كلّ يوم: لا تتزوج من تحبّ، لا تكمل دراستها الجامعية، تنجب خمسة أطفال دفعة واحدة، تنقطع عن زميلات المدرسة ربع قرن، تحلم كما الجميع بالسعادة، ولا شيء غريب أصاب رائدة فما كان لها كان لعشرات نساء قريتها تزوجت بعد قصة حبّ لم ترق للعائلة، أيضا سأترك لكم أن تتخيلوا كيف انقطع المشهد عندما كانت رائدة برفقة كمال للمرة الأولى يحتفلان بعيد ميلادها التاسع عشر، جريمتها كانت ثلاث كلمات أحبها وهو رفيق شقيقها، واحتفل معها بعيد ميلادها بخلوة قصيرة في بيته، وقصت أطراف شعرها الطويل في صالون حلاقة والأهم أنها لم تنتبه في كلّ ما حدث انها تقلد شقيقها حسام، أو هكذا كانت المرافعة القوية التي وبخت بها العائلة حسام وهو يجر شقيقته لعالمه الجامعي وسط الرفاق وقصص الحب، لامته العائلة كثيراً وجاء من العائلة شاب يسعى وقدم الحلّ؛ سيتزوج من رائدة وينهي الحكاية، فهو يحبها منذ كانت طفلة وهو ابن خالها وهو سترهم وساترهم أمام الناس.
اللحم الذي رمي في القدر كان كافياً لغداء ذاك اليوم، واللحم الطازج من ذبيحة الصباح بدا شهياً على المائدة، بقايا الأرز في الصحون مع صفرة اللبن المطبوخ أصابت رائدة بالغثيان وهي تجمع للقطة طعامها، كانت كعكة عيد ميلادها المقصوص من الأناناس تزينها حبات من الكرز، خلصت الدنيا ذاك النهار؛ وفي تاني شتي تركوا بعضن.
"تعذبنا فيروز كلّ صباح وهي تنكأ الذكريات، لا تقصد ذلك لكنها تغني قصصنا ونصدق انها كتبت خصيصاً لنا، قولي لي أي أغنية لا تنطبق على حالنا" هكذا كتب لها كمال بعد عشر سنوات، ولم تجاوبه رائدة بحرف كانت غاضبة منه بطريقتها الخاصة، لم تذكر اسمه ولو مرة واحدة، لم تعاتبه، لم تتابع أخباره، لمّت كل حكايتها القصيرة معه ولفتها مثل ربطة تلم بها شعرها للخلف لا تراها لكنها تحس بها طوال الوقت.
من المتهم الحقيقي في حكاية رائدة، الجميع عاتب حسام حتى حبيبته تركته لأجل ذلك وقالت: أنت ثائر كاذب تقول شعراً عن الحبّ والحرية ولا تحتمل أن تطفئ شقيقتك شمعة ميلادها مع من تحبّ.
لن أحدثكم عن حسام جميعكم تعرفون هذا الرجل تقابلونه كل صباح وتعجبون به كثيراً، وتتذكرون أنه العاشق سيء الحظ، تتذكرون أيام الجامعة وحسام نجمها وثائرها، تبكون لحبه العاثر أنتم، ويكتب هو بلا توقف عن عشقه المطعون والنازف إلى الأبد.
صفعتني رائدة في عزّ نحيبها وأنا اقترب لأضمها إلي، كان ذلك يوم رحيل فتاها في الفجر، دمه غطى الزقاق وهو يركض بجرحه تجاه البيت بعد أن فتتت رصاصة قلبه، صفعتني ورمت نفسها في حضني بعد ذلك: لماذا تعودين الآن، لقد هربت عشرين عاماً حتى لا ترين دموعي، اكتفيت بالصمت يا حبيبة أخي، ارحلي ارحلي كانت تشدني إليها بقوة وتطالبني بالرحيل.
أنا رجاء؛ من طعنت حسام في قلبه وتركته يتلوى في حبّ عاثر، أنا رجاء الشاهدة على الحكاية، أطلقت الرصاص على حبيبها الكاذب، خلعت قلبها عندما خلع قلب رائدة وقالت الحبّ كالموت كأس يمرّ على الجميع، والموت يساوي الجميع، فإن فشلت في حماية حكاية حبّ عليك الاعتزال.
كل هذا حكته لي حنون كما كان يداعبها الجميع، وهي تريني صورة عتيقة لأشقائها، كانت حنون طفلة الوقت الضائع جاءت بعد سبعة من الأولاد والبنات بفارق عشر سنوات، التصقت بإخوتها مثل قطة وتوسطت دائماً صورهم وصور رفاقهم، لم تنجح إلا في حماية صورة زلقت أسفل الخزانة عندما أحرق شقيقها الغاضب على الدوام ألبوم لصور العائلة كعقاب لرائدة ولحسام العشاق جالبي العار، دائماً عجبت لماذا أحرق الصور تحديداً، ولماذا مسح تاريخاً كان الأجمل والأحلى، كانت تبتسم :" رغم أنه أحرق البوماً كاملاً لكن هذه الصورة كانت تكفي لرواية، انظري أمي بثوبها بورود صغيرة وشعرها الخروبي الطويل ، أبي يضحك كان يضحك بقوة، انظري جميعهم هنا يوم زارتنا رجاء وأبوها للمرة الأولى، انظري حتى حارق الألبوم في الصورة ، كمال كان أيضا في الصورة، ، كلنّا كنا هناك،








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا