الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


باسم خندقجي وروايته (خسوف بدر الدين)

مقداد مسعود

2024 / 2 / 15
الادب والفن


28/ 4/ 2023
السيوف لا تحب الحمامة (خسوف بدر الدين) رواية باسم خندقجي
في تشرين الأول من العام 2004 حكمت عليه إسرائيل بالسجن مدى الحياة
هنا تذكرتُ جملة للعالم باسكال ( الاعتقال إنقاذ).. هذه الجملة وردت في (مذكرات برجوازي صغير بين نارين وأربعة جدران) للمناضل والفيلسوف ريجيس دوبريه الذي كانت له صلات حميمة مع الثائر تشي جيفارا المذكرات حصيلة عقوبة السجن المؤبد في أبشع سجن انفرادي في العالم.

(*)
باسم خندقي من مواليد 1983 مازال خلف القضبان . لكن عوالمه الجميلة حولت الخط الأفقي عموديا، بفعل الكتابة الإبداعية الدؤوبة. باسم يغوص في التاريخ العربي الإسلامي ويجعل من الشيخ بدر الدين رمزاً للأممية الدينية تحت رايته الثورية التحررية في القرن الثالث عشر الميلادي يحتشد المسلمون وغير المسلمين من كافة الأديان والملل والنحل ليدكوا عروش الطغاة .رواية (خسوف بدرالدين/ دار الآداب/ بيروت/ ط1/ 2019)
(*)
تتصاعد الرواية في ثلاثة مسالك :
(1) الفترة المملوكية المصرية بتوقيت السلطان برقوق 1397 ميلادي
(2) العلاقة بين الجارية مكنونة وبدر الدين
(3) الصوت الخفي والمعلن كشخصية مهيمنة في الرواية
(*)
في الصفحات الأخيرة من (خسوف بدر الدين) انكشفت أمام عينيّ شخصية هذا الشيخ الثوري والصوفي الجليل . الذي عرفنيّ إليه الشاعر ناظم حكمت في كتابه( ملحمة الشيخ بدر الدين( .. قراءتي للرواية تتعقب صوت الشيخ بدر الدين . وترى الصوت كشخصية رئيسة في الرواية وهو الثريا وبقية الأصوات هي أشبه ما تكون بالعناوين الفرعية داخل الرواية.
(*)
مؤثرية صوت مكنونة : كانت لها الأولية (فلأذن تعشق قبل العين أحيانا) بدر الدين لم يقع تحت تأثير المكان : لأن بدر الدين أبن الجاه والثراء في قرية سيماونة، لذا لم تأسره أُبّهة الملك ولا فِتن العظمة والبذخ ولا سروره بمرافقه معلّمه. أسرته الجارية مكنونة (ذات الصوت الطروب الذي عشقه وجن به منذ اللحظة الأولى التي سمعه فيه.. هي مكنونة ما أن وقع حرفها المُغَنّى في سمعه، حتى سُحِر َ بها وعلق بأغنياتها/ 18) هنا التداولية الفنية للصوت الأنثوي وليس الصوت المجرّد للأنثى. الصوت الفني نتاج تدريبات وتمرينات
بإشراف ضامنة المغاني وهي التي تُدير شؤون بيوت الدعارة وتنظمهّا في العهد المملوكي. وحرية الغناء مشروطة بالمكان المملوكي. يتضح ذلك لنا حين يأخذها بدرالدين خلسة إلى جزيرة نائية ويطالبها بالغناء. فتجيبه الجارية مكنونة (الآن هنا؟ ألا تخشى أن يسمعنا أحد فيُنغّص علينا الفرحة بسيف يحزّ عنقينا؟ / 17) وصوت الغانية مرتهن بشروط قاسية وحين يسألها بدر الدين( ألن تغنّي لي الآن؟) تجيبه بجفاء (يجب أن أعود إلى القصر في أقرب وقت كي أغفو ليرتاح صوتي، فهذه الليلة أوّل ليالي العيد والغناء والسمر، إلاّ إذا أردت أن يكتشفوا أمر تسللي إليك فأفقد صوتي إلى الأبد! / 18) إذن صوت الغانية ملكية فردية حكراً لمن أشتراها من ضامنة المغاني، وبشهادة السارد
(كأنها تقول له : أنا لستُ مُلكك لأغنّي لك/ 19).. ومكنونة جارية ساذجة، هي(تعي اللحن والطرب، دون أن تعي عمق الكلمات ومعانيها النورانية حين يهديها بدر الدين قطعة شعرية للشاعر الصوفي ذو النون المصري
(*)
المعلم الجليل أكمل الدين، شيخ الأتراك وقاضيهم في الديار المصرية، حين يطلب من بدرالدين، في اختبار مبطّن، تلاوة ما تيسّر له من القرآن الكريم، كي يُفصح عن لسانه، وإذا ما كان به لحن ٌ أو خلل. هنا فطنة بدر الدين فككت شفرة الشيخ أكمل. وانتقل من الحيز الخاص المنغلق، إلى الفضاء المفتوح المعلن للكل ضامّا القرآن إلى صدره مغمضا عينيه قارئا بصوت ٍ لا مثيل له (الله نور السماوات والأرض...) إلى آخر الآية 33 من سورة النور
أثناء التلاوة: سكن الأزهر. الكل جمد َ في مكانه خاشعا لحلاوة الصوت والبيان المنبعثين من فتًى غريب الملامح 25) وكان رد فعل الشيخ أكمل الدين مزدوج القيمة: (هرع إليه معلّمه وقبّل رأسه وخلع عليه عباءته قائلا له بحماسة: ظهر على لسانك الحق. والله إنك لمن قريش) حلاوة الصوت وثقافة العقل جعلته أقرب التلاميذ للشيخ أكمل.
(*)
هنا لدينا تعادلية نغمية : مكنونة -------- بدر الدين: لهما ذات الحظوة بسبب صوتيهما. وهنا لدينا وحدة وصراع الأضداد: صوت مكنونة بنكهة الخمرة ورقص الجواري وبطش المماليك. وهي (تستغل حُسن صوتها لتنال حظوة السلطان وهداياه ونِعمه 61) وأمير مكنونة هو الذي يدخلها(إلى السلطان كي تغنّي له في فراشه 62) ويخاطبها بدر الدين ناصحاً (ويحك، يا مكنونة، ما الذي فعلته بنفسك؟ يمنحك الله نعمة الصوت، فإذا هي نقمة عليك في قصور الجور/ 84) ثم بعين الكشف يرى بدر الدين مصيرها(بقاءك سيقضي عليك. سيخنقك أميرك يا مكنونة. سيكتم صوتك ويُلقيكِ خارج أسوار قصره من دون أن يجرؤ أحد على تورية جثمانك في قبر صغير)
أما صوت بدر الدين فهو عروج نحو النور ونور النور. حين يرتل بدر الدين (يندمج المعلم في ترانيمه وحروف السماء، محلقا في معاني الآيات المتجلية نوراً بتلاوته/ 27) والأهم الاكتشاف الجديد الذي يلمسه الشيخ أكمل الدين (ثمة هالة من النور تُحيط ببدر، كان يلحظ تحليق بدر الدين في أثير الكلام، يتأمل في جبينه المتلألئ..) وما توصل إليه الشيخ أكمل الدين. سيكابده بدر الدين: (ثمة صوت يتمتم في أذنه بلغة ٍ غريبة 29).. صديق بدر الدين يهودي تركي أعتنق الإسلام اسمه طورة كمال يتميز صوتيا (صمته يطغي على صوته العميق الهادئ المشرف على الوهن 32) النقلة الصوتية الكبرى التي تنتاب بدر الدين هو تجاوز التمتمة الصوتية للهاتف الصوفي المبين في ص67( طوبى لمن ترك شهوة ً حاضرة لموعد غيب ٍ لم يره) هل هنا العودة إلى البدء المطمور في ذاكرة بدر الدين..؟ فهو في رحلته الشرقية كما يخبرنا السارد: شهد بدر الدين في المدن العتيقة أقطاب الصوفية وزواياهم وطرائقهم ودراويشهم. هام متشردا في تبريز وسمرقند وشيراز ونقشبند وبلخ وترمذ ونيسابور وبخارى.... إذن هل وظيفة الهاتف ليمحو صدأ النسيان من ذاكرة بدر الدين؟ أم هي عودة الأبن الضال الذي (كان يهرب من أثر أبيه وتعاليمه ووصاياه، ناقماً على ماض ٍ، نقاؤه مزيف وتقواه مشبعة ٌ بالدماء والغصب/ 69) والنقلة الصوتية الكبرى الثانية حين يجادل أبن خلدون، مختلفا مع رأيه حول العصبية القبلية ( تنحنح بدر قائلاً بصوت يجاهد أن يجعله متماسكا: لكن محمداً النبي عليه الصلاة والسلام، لم ينتصر على أهل الجور من عصبيّته بالعصبية ذاتها، أو بغيرها، بل بالتوفيق من ربه وسيوف المستضعفين في ذلك الزمان/90) وهنا أشكل الأمر على أبن خلدون حين يسأل الفتى بدر الدين (هل أنت عربيّ أم أعجميّ، يا فتى؟) فيرد بدر الدين( وما الفرق إلاّ بالتقوى) هنا يمتعض العلاّمة أبن خلدون من إجابته، فقال موضحا( أقصد أن هيئتك تدل على أصل، ولسانك الفصيح يدلّ على آخر) هنا فصاحة اللسان تغلبت على الهيئة وهنا تغلب صوت الفتى على المكين والمكان وهنا يكون الفراق بين الفتي والشيخ أكمل الدين رغم كل المساعي الحميدة.. وبعد أيام يحل عليه غيبٌ طارئ ٌ ينكشف له قائلا على لسان سعيد بن المسيّب (إنّ الدنيا نزلة، وهي إلى كل نذل أميلُ، وأنذل منها من أخذها بغير حق، وطلبها لغير وجهها، ووضعها في غير سبيلها/ 94).. وبعد أيام ينام بدر ويحلم ويرى نفسه محلقا في حلمه، ثم يهوى من فضاء الرؤيا عندما تجذبه همسات تتوالى عليه بسرعتها وحدّتها( تبريز.. تبريز.. شرق الدنيا نور.. فاتح الدنيا تبريز.. أنت هناك 102) وفي ص111 تحدث لدى بدرالدين نقلة ميدانية حيث ينتقل من حرية الرفاهية والجاه إلى ضرورة الكدح اليومي في الأسواق..( قاهرة البسطاء المساكين ذوي الغايات البسيطة والأحلام الخجولة المتواضعة، ليتحد معهم ويسكّن آلامهم/ 112).. العودة إلى مؤثرية الصوت الذي استحال إلى أصوات وهنا نقلة جديدة من الفرد إلى الجموع ص113 ومن الأصوات إلى الصوت المنفرد الكشّاف للذات العميقة في مكنون بدر / 114 في ص119 دمائية الصوت الطروب مكنونة. هنا يدخل بدر الدين المرحلة عالم السحر والطلسمات مخطوطات الساحر جابر بن حيّان وكتاب الفلاحة النبطية لابن الوحشية وكتاب (غاية الحكيم) لمسلمة بن أحمد المجريطي وكتاب(مصاحف الكواكب السبعة/ 125).في تبريز بدر الدين( يطارد أثر تلك الأصوات والهواتف والتي قادته إلى هنا يبحث عن معنى، عن دلالة تكشف له سر تبريز لينشغل بالبحث عما يشفي غليه/ 143... ) وفي تبريز انفجر التمرد الثاني لدى بدر الدين وهو في الزاوية الصوفية للشيخ المعلم أبن نور السماء . وفي لحظة أخذ العهد أثناء عبوره مقام التوبة يصيح بدر الدين بصوت عميق صاخب وأمام الشيخ وكل المريدين : (لن أنصاع. لن أسلّم أمري ونوري إلى مخلوق من تراب ما حييت/ 148)
(*)
جاذبية الهمس الأثيري تتوارى أمام صوت آخر مضاد ينتقل من طبقة إلى آخر توائم الشخصية المستبدة : تيمور لنك :
(1) صدحت نغمة قصيرة من الأبواق والطبول مرحّبة بالسلطان
(2) اعقبتها صرخة ترحيب موحّدة حازمة ومدوية أطلقها الجيش بأكمله
(3) ثم انحنوا جميعا للحظات صمتها مشوب بقرقعة الدروع والسيوف والرماح
(4) رفع فاتح الدنيا يده اليمنى راداً التحية بصمت ٍ مهيب /196
في الفصل الثالث وتحديدا في ص233 يتحول الهاتف الصوفي إلى حركة وطنية تعيد للوطن أمجاده السلطانية 234 وهنا يكون للصوت مهابة فنية ضروري من خلال حبيب عازف الناي 235... لكن حين يتكلم الأمير محمد الجلبي معلنا ( ولّيت الشيخ بدر الدين محمود قضاء هذا الجيش ورعايته، فنعم الشيخ والقاضي/ 246 بهذا المرسوم السلطاني المدوي سيتحول الصوفي بدر الدين إلى رأس المؤسسة الإعلامية للسلطة. وحين يتقدم بدر الدين ويوشك بالانحناء للأمير محمد يوقفه الأمير قائلا ( حسبك أيها الشيخ الجليل، فالانحناء لا يليق بمكانك/ 246) وهو صوت بدر الدين يكشف حالته النفسية (هال بدراً قول الأمير، فلم يتمالك روعه. وقف في حيرة من أمره عاجزا عن البوح.... ثم مدّ يده ليصافح السلطان ) هنا سيتضح تصدع تماسك الشيخ بدر الدين( قائلا بارتباك وخفوت( إنها لثقة غالية شرفتني بها باختياركم لي يا مولاي)
صوت الشيخ الصوفي مرتبك وخافت سيقابل الصوت المتعجرف لرأس السلطة (أجابه السلطان ببرود وهو يستعد للانصراف: فصُن عهدنا أيها الشيخ).. تستدير قراءتي للخلف حين رفض الصوفي بدر الدين أن يكون بأمرة الشيخ المعلم الصوفي ابن نور السماء حين كان بتبريز ولم ينحنِ له. لكن الآن انحنى للسيف !! ما الذي فعلت قوة السلطة السياسية بالصوفي الكبير ؟ ولماذا حين كان بدر الدين مرتبكا وبصوت خافت يعاهد السلطان (إنها لثقة غالية شرّفتني بها باختياركم لي يا مولاي) أجابه السلطان ببرود وهو يستعد للانصراف( فصُن عهدنا أيها الشيخ) ويخبرنا السارد أن الأمير موسى (كان ممتعضّا في أعماقه من بعض الإشارات المنبعثة من خطبة بدر الدين قاضي الجيش الذي عبأ الجيش بحماسة وإرادة وتقوى، وأيّ تقوى تسود الحرب يا بدر؟!/248) حين يرى بدر الدين بعينيه وحشية الحرب وخستها يستعيد وعيه الأول مجادلا السلطان المنتصر وهما في ساحة الوغى / 257- 258- 260 في ص266 سنكون مع صوت من طبقتين وفي دخيلة نفسه يشعر بدر الدين أن الدنيوي تغلب على الصوفي فيه وتأخرت يقظة الوعي لديه فراح بدر الدين الصوفي يجلد ذاته قائلا لنفسه (فما السبيل يا بدر؟ كيف ستحقق عدلاً استعرت في سبيله سيفاً اكتشفت في معمعان الحرب أنّه سيف جائر باطل؟ لن ينصاع ولن ينجذب إلى أنوار مذهبك أبداً، سيف لن يرحم المغلوبين على أمرهم، أولئك المستضعفين المنهكين بين موسى وأخيه، فما السبيل؟ / 267) لقد ورط الصوفي بدر الدين نفسه. حين توهم أنه بقدرته الصوفية سيغير آليات التعامل العسكري أثناء المعركة. وتكون المفاجأة حين يخاطب الأمير محمد الجلبي الشيخ بدر الدين ( حسبك أيها الشيخ، فمنصب قاضي العسكر ليس لأمثالك. فأنت مكانك الأصيل هو الزاوية، فيها تستدير حول نفسك مراقصا أمانيك وتعاليمك / 270).. للأسف الصوفي الزاهد بلع الطعم وصدق أنه قاضي العسكر. وهكذا تغلب مكر السلطة الذي زج الصوفي بدر الدين، لتسقط هيبة أمام العسكر وغير العسكر. وكل ما سيفعله من جراء ذلك هو ردة فعل ليضمد بها نرجسية جراحه...
ملاحظة : في ص321 تحت عنوان (تعقيب تاريخي) يثبّت مؤلف الرواية الأستاذ باسم خندقجي المصادر التاريخية ستة عشر مصدرا (16) استعان بها من أجل كتابة الرواية. هنا استعدت شخصيا قراءاتي لكتاب الشاعر التركي الكبير ( ملحمة الشيخ بدرين) وقد اقتطع الدكتور علي سعد مقاطع منها أثناء ترجمته لمجموعة من قصائد ناظم حكمت. وفي طبعت دار الفارابي / بيروت / 1979(ملحمة الشيخ بدر الدين) نقلها إلى العربية فاضل لقمان. والكتاب متاح في مواقع النت








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟