الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تعاطي البوح في نص (ستكون معي) للشاعر حميد الساعدي

داود السلمان

2024 / 2 / 15
الادب والفن


النص الرمزي يعطي للشاعر مساحة واسعة من البوح، وكذلك من تكثيف المعاني ورسم الصور الشعرية، بجزالة وحدّة لغوية تضاهي البيان المنوط بالقصيدة العمودية التي يكتبها كبار شعراء الشعر العمودي الكلاسيكي. إذن الرمزية تلعب دور هام في قصيدة النثر، بالإضافة إلى اللغة المكثفة، إذ هي الأخرى تُعدّ العمود الفقري لقصيدة النثر، وإذا فقدت هذان العنصران ستصبح في عداد الموتى، لا روح ولا حياة بها. لذلك يحرص الشاعر، كل الحرص، على ترميم ذاكرة اللغة وتنشيطها، الذاكرة الخاصة بهذا الفن الابداعي، كما يوغل بالخطاب الرمزي، ولا يتهاون أبدًا في ذلك، لكي يبقى نصه متماسكاً، يقف شامخا على ضفة الابداع.
الشاعر حميد الساعدي في نصه الموسوم "ستكون معي" أغرق نصه هذا برمزية عالية فضفاضة، وكثف – بما أراد من تكثيف – من الصور واللغة البيانية، حتى ظهرت لنا لغة شعرية باذخة، وفي ذات الوقت جعلت القارئ يتذوّق جمالها بلسان إحساسه قبل لسان ذوقه وعاطفته، ويعيش معها للحظات من الشغف لا يضاهيه إحساس آخر، يصاحبه تماهي بنشوة من ودٍ عذب يحرّك مشاعر جياشة وصادقة ومعبّرة.
إذ نقرأ قوله:-
" ستكون معي
كموسيقى الصباح
التي أفتقدها منذ زمن
لأن صباحاتي لا تجيد الإنصات
لنغمةٍ هائلة المعنى"
وكما نلاحظ، هنا، في هذه الجُمل من الصور الرمزية التي رسمها الشاعر في نصه البديع هذا، وبعناية فائقة، كقوله: // وكما وردةٍ أغرقها الحنين// صباحاتي لا تجيد الإنصات //وأنا أحاول اللحاق بحرفٍ يحضننا معاً// حين أشاكس آنية الزهر// خرافتي ما عادت مجدية//.
وللخوض في تفاصيل النص، ومحاولة تحليله وفك رموزه، نرى إنَ الشاعر يعيش حالة استثنائية نفسية، ينتابه فيها حنين جارف إلى ذلك الكيان الذي أخذ يشغل باله، ويؤرق مضجعه، وهو شعور دائما ما يحس به الإنسان: الوله، الوامق، ذا العاطفة الجياشة، والاحساس الشاهق، وهو، مع ذلك، له ثقة عالية تقرع ناقوس حنينه بين الفينة والأخرى، وواثق بأن ذلك، الذي أسميناه "كيان" أي الحبيب الغائب، بأنّه سيظل بجانب ظله الشاخص بقربه، يتحسسه بل ويتنفس عطره عن بُعد، رغم البِعاد وفارق الطريق، الذي ضرب اطنابه في دائرة محدودة من الغياب. وذلك ما يعترف به الشاعر نفسه حين يقول: " لأن خرافتي ما عادت مجدية/ في اختراق الغياب". والغياب عند الشاعر يعني قطيعة مفروضة أبعدت قلبين، تجمعهما ألفة وتبادل مشاعر مشتركة، حتى نبضهما ينبع من مصب واحد، ومن شعور واحد، كأنهما قلب واحد؛ وهو ما يحصل عادة للقلوب الصافية التي لا تكدرها مكدرة، ولا يشوبها نكوص يخلُّ بشروط التصاف التي بٌنيت عليها المحبة والاخلاص.
وأخيرًا.. نجد أنّ النص متماسك ومبني بناءً سليما، وفيه حرفية عالية، لا تحركها الرياح العاتية من الاسقاطات المبتذلة، ولغته جميلة وخالية من الاسفاف والزوائد، والكلمات المُلغزة الجافة، بل تسود النص جزالة في المعاني، وثمة انسيابية جعلت من البوح يتعاطى والشاعر، بحيث كانت الجُمل الخلابة.
*النص:-
ستكون معي
كما كتاب
على رصيفٍ
لباعةِ الكتبِ الشعبية
وكما وردةٍ
أغرقها الحنين
في دفتر مذكراتٍ قديمة
أو كلوحةٍ
تبعثرت ألوانها بتقادمِ الأيام
ستكون معي
كموسيقى الصباح
التي أفتقدها منذ زمن
لأن صباحاتي لا تجيد الإنصات
لنغمةٍ هائلة المعنى
ستكون معي
وسط ارتباكاتي الكثيرة
وأنا أحاول اللحاق
بحرفٍ يحضننا معاً
وسط هذا الخراب
ستكون معي
حين أشاكس
آنية الزهر المُتعطّش للماء
أو أكتب عن ذكرياتي مع الأموات
بلهفةِ من يشتاق عودتهم
ولا أفلحُ بترتيب صورهم في الذاكرة
ستكون معي
لأن خرافتي ما عادت مجدية
في اختراق الغياب
وهو ينسجُ خيوطه
ليلف الوجع
برغباتٍ قاحلة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل