الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الليبرالية لا تملك أى حلول

عمرو إمام عمر

2024 / 2 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


خلال خمسينات و ستينات القرن الماضى فى خضم نضالات الأمريكيين السود ضد قوانين الفصل العنصرى ، أدلى السيد ”مالكوم أكس“ بتصريح لإحدى محطات الإذاعة ، عندما سأله المذيع : ”هل تعتقد إننا بدأنا نحرز تقدماً فى العملية السياسية ؟“ ، لتأتى إجابة السيد مالكوم فى غاية القوة و البلاغة قائلاً … ”لا ... لن أقول أبداً إننا نحرز تقدماً ، فإذا غرزت سكيناً فى ظهرى بطول تسع بوصات ، ثم سحبته بمقدار ست بوصات ، لا يمكنك أن تسمى هذا تقدماً ، التقدم الحقيقى أن تشفينى نهائياً من الجرح ، فسحب السكين بضعة بوصات أو حتى سحبه كله لن يفيد فى شىء طالما إن الجرح لم يشفى و لا يزال الدم ينزف …“

مشكلة الليبراليون فى بلادنا أنهم يختزلون كل شىء فى كلمة غامضة هى ”الديمقراطية“ ، و عندما تتحدث معهم عن التناقضات الهيكلية فى المنظومة الاقتصادية فى البلاد و تفشى ظاهرة الصراع الطبقى نظراً للتفاوت الكبير بين مداخيل الأفراد ، و كيف تتم عملية هدم البنية الصناعية التى وضِعت اللبنة الأساسية لها فى ستينات القرن الماضى ، لتتحول الدولة اليوم إلى الاعتماد على أقتصاد ريعى ، متمثلا فى إيرادات قناة السويس ، و بيع حقوق البحث عن البترول و الغاز و إدارة حقولها ، و تحويلات العاملين فى الخارج ، و أخيرا الاستثمار العقارى و بيع و تقسيم الأراضى ، ”لن تجد إجابة“ ، و عندما تسألهم مثلا عن موقفهم من القانون رقم 96 لسنة 1992 الذى رفع الحماية عن مستأجرى الأراضى الزراعية و مدى الظلم الذى وقع على الفلاح الفقير المستأجر للأرض ، ”لن تجد إجابة“ ، و عندما تتساءل عن رؤيتهم عن كيفية الإقلال من زيادة معدلات البطالة ، و ندرة فرص العمل ، بعد أن تخلت الدولة عن دورها ، أيضا ”لن تجد إجابة“ ، تلك الأشياء مثلها مثل السكين المغروس فى ظهورنا الذى تحدث عنه السيد ”مالكوم“ ، المشكلة الأكبر انهم لا يعترفون بوجود السكين من الأساس - لتستمر الدماء فى النزيف - …

كثيراً ما نقرأ فى النشرات التى يصدرها صندوق النقد أو البنك الدولى ، مقولة إن إندماج الاقتصاديات الوطنية ضمن آليات السوق المعولمة سيحميها من الفقر ، و إن هذا السوق هو الترياق الشافى من آفة ”الفقر“ اللعين و كل الأمراض الناتجة عنه ، إلا إن الحقيقة عكس ذلك ، فهذا الإندماج شديد التفاوت بين الدول النامية و دول العالم الأول ضمن منظومة العولمة أعاد عمليات استغلال كان العالم قد بدأ يتخلص منها خاصة فى فترات ستينات و سبعينات القرن العشرين ، مثل عمالة الأطفال ، و عقود العمل الاستعبادية ، و التخلص من سيطرة المركز الرأسمالى على اقتصاديات الدول النامية ، و لكن مع تراجع وهج التيارات اليسارية فى العالم منذ نهايات سبعينات القرن الماضى ، أعادة الرأسمالية عمليات الاستغلال فى أبشع صورها ، و الأكثر إيلاماً أن تلك العمليات الاستغلالية يتم اليوم تسويقها ، كجزء من خطط القضاء على الفقر فى دولنا النامية …

إن محاولات الغرب و دعمه للتيارات الليبرالية أو حتى التيار المسمى بـ ”الإسلامى“ فى بلادنا ، ليس حباً فى الديمقراطية أو لأن الغرب يحمل بين طياته قلب حنون نابض بالحياة و إيمان بحرية الاعتقاد الدينى ، على العكس تماماً ، فالهاجس الأول لديه هو مزيد من عمليات التدمير من خلال دمج الاقتصاديات الوطنية لبلادنا داخل منظومة السوق الحرة و العولمة ، طمعا فى مزيد من القوة ، لاحتكار الموارد الطبيعية ، و منع أى محاولات تنموية حقيقية مستقلة تقف نداً للشركات العالمية المسيطرة على المنظومة الاقتصادية و السياسية العالمية اليوم ”الاستعمار الجديد“ ، فالغرب لا يهمه ما يحدث من آثار سلبية لمجتمعاتنا من هذا الدمج ، و كلا التيارين – الإسلامى و الليبرالى - متفقين تماما مع الغرب فى الجانب الاقتصادى ، فقط احدهم يرفع شعارات علمانية فارغة لا تحمل أى رؤى حقيقية لحل المشاكل الغارقة فيها مجتمعاتنا ، و الآخر يحمل سيف الطائفية و العنصرية الدينية و التخلف الحضارى ممزوجاً بمخدر اجتماعى كبير هو الدين بقداسته ، و بالطبع لا يحملون أية حلول أو خطط مستقبلية حقيقية سواء للتنمية و القضاء على الفقر أو العدالة الاجتماعية التى يحلم بها المطحونين ...

إذا عدنا إلى عقدى الستينات و السبعينات ، حيث تمتعت بلادنا بمستويات منخفضة بشكل واضح من معدلات الفقر نتيجة للتوزيع الجيد نسبياً للثروة ، ساعدها على ذلك سيطرة حكومية على المنظومة الاقتصادية بشكل يحميها من تقلبات السوق العالمية ، هذا بالإضافة إلى إصرار النظام فى تلك الفترة المحافظة على موارد البلاد الطبيعية بعيداً عن أيادى الشركات العالمية ، و خطط تنموية معتمدة على الذات بدون السقوط فى متاهة الإقراض ، هذا الوضع كان غالبا فى دول العالم الثالث نتيجة للمنظومة الاقتصادية التى أتبعتها ، و التى حملت بين طياتها ملامح اشتراكية واضحة ، فنجد إن موقفهم منها دائماً سلبياً فهم يرونها ديكتاتورية ، وحشية ، قاسية ، على الرغم أن الحقيقة عكس ذلك تماما ، و إذا كان حدث بعض التجاوزات ، فلا يمكن بأى حال من الأحوال مقارنتها بما فعلته الليبرالية فى شعوب العالم ، و كيف تآمرت و دعمت الانقلابات العسكرية الديكتاتورية ضد الأنظمة المنتخبة ديمقراطياً أو ثورات التحرر الوطنى ، إن الليبرالية و أيديولوجية السوق المحررة التى دائما ما تتشدق بالديمقراطية و تعدد الآراء و حرية الاختيار ، فى حقيقتها تنبذ أى بدائل لها ، و ترى فى نفسها الخيار الوحيد المتاح ، و لا تسمح بأى حال من الأحوال بوجود أى نظام آخر يكون على نقيض معها أو ينافسها ، و هذا يتفق أيضاً مع ما يطرحه التيار الإسلامى فى بلادنا بما يحمله من قدسية إلا أنه فى نفس الوقت يحمل الكثير من العنصرية و الكراهية ، ويعمل عل تفتيت المجتمع برفضه و كراهيته للآخر ، فضلاً عن عدم وجود أية رؤى سياسية واضحة فى خطابه لذا وجد الاثنان ضالتهما معاً …








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - قارن مصر الاشتراكية وكورياالرأسمالية
د. لبيب سلطان ( 2024 / 2 / 17 - 12:10 )
سيدي الكاتب
الليبرالية انتهت في العالم العربي بسقوط الانظمة الملكية ولم تلعب دورا في مجتمعاتنا للاسف لاحلال نظم القمع التي استنسخت النموذج السوفياتي ..قائد ديكتاتوري عظيم ( مثل ناصر وصدام واسد) يقود جزبا واحدا ( كالاتحاد السوفياتي) وواممت المؤسسات الناشئة وحولتها حكومية ( وفق الوصفة السوفياتية) ومن يومها دمرت الاقتصاد الانتاجي واليوم معامل محطمة واقتصاد ريعي.. ونظم ديكتاتورية..هذه نتائج الستينات التي تصفونها انها لمحات اشتراكية وهي واقعا اداة تدمير للاقتصاد وللديمقراطية
الوصفة الليبرالية نجحت بانجاب دولا متطورة اليوم وبالامس كانت اقل من مصر والعراق، خذ كوريا الجنوبية مثلا والهند واندونيسيا وماليزيا والبرازيل
اما مقارنة الاسلاموية بالليبرالية فهو امر مضحك حقا..فالاسلاموية السياسية لها مايسمى اليسار السوفياتي في معاداة الحضارة الغربية ..ولاغرابة ان تجد خطاب اية الله يقوله
يسارنا العربي .نفس الخطاب
تاريخيا من دمر اقتصاد منطقتنا ودمر الديمقراطية هو النموذج السوفياتي الذي تبناه القومجية في الحكم ومباركة مايسمي نفسه يسارا ..بمجرد وقوفهم مع السوفيت اصبحوا تحرر وطني ونظم تقدمية..ياسبحان الله


2 - تحية عالية أستاذ عمر إمام عمر
حميد فكري ( 2024 / 2 / 18 - 17:15 )
تحية عالية أستاذ عمر إمام عمر

مقالك درس لدعاة الليبرالية أتباع وأيديولوجيو الرأسمال الإمبريالي .
فحين تكتب (مشكلة الليبراليون فى بلادنا أنهم يختزلون كل شىء فى كلمة غامضة هى ”الديمقراطية“ ، و عندما تتحدث معهم عن التناقضات الهيكلية فى المنظومة الاقتصادية فى البلاد و تفشى ظاهرة الصراع الطبقى نظراً للتفاوت الكبير بين مداخيل الأفراد).

فأنت فعلا تصف فكر هؤلاء بالمشكلة , وأنا أزيد عليها وأقول ,هي أزمة حقيقية يعانيها هذا الفكر المأزوم.
ومن المضحكات أن هؤلاء الليبراليين السذج !! يطالبون بالديموقراطية , لكن دون صراع طبقي , وكأن الديموقراطية , ستتحقق بالخطب والمواعظ.

أتفق معك في أن النظام الناصري حاول قدر الإمكان - لطابعه الطبقي- رسم خط تطور مستقل لمصر .وهذا ما جعله يحقق إنجازات , لا ينكرها غير العميان كصاحب التعليق 1.
مصيبة التعليق 1 , هي أنه يستدل بمجموعة دول جهدت لشق طريقها نحو تحررها , مثلما سعت مصر في عهد عبد الناصر ,كدليل منه على صحة الطريق الليبرالي في التنمية, لكنه يتناسى عشرات الدول التي سارت في نفس الطريق , لكنها بقيت أسيرة التبعية والتخلف .

اخر الافلام

.. نذر حرب ووعيد لأمريكا وإسرائيل.. شاهد ما رصده فريق شبكتنا في


.. رغم تصنيفه إرهابيا.. أعلام -حزب الله - في مظاهرات أميركا.. ف




.. مراسل الجزيرة ينقل المشهد من محطة الشيخ رضوان لتحلية مياه ال


.. هل يكتب حراك طلاب الجامعات دعما لغزة فصلا جديدا في التاريخ ا




.. أهالي مدينة دير البلح يشيعون جثامين 9 شهداء من مستشفى شهداء