الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مرايا الليل

نشوان عزيز عمانوئيل
Nashwan Aziz

2024 / 2 / 17
الادب والفن


قصة قصيرة جدا

في شارع مهجور وتحت وهج قمر باهت،في زقاق ضيق من أزقة المدينة القديمة، حيث تختبئ القصص الممنوعة وراء الجدران المتهالكة تقف زينب وفاطمة، إمرأتان من بائعات الهوى، يتبادلان أطراف الحديث وهما يحتميان من برودة الليل بمعاطفهما الرثة.

زينب: تعلمين، فاطمة، لقد بدأت أعتقد أن القمر يسخر منا. ينظر إلينا كل ليلة، يرى قصصنا ويختبئ خلف الغيوم
لقد مللت كل هذا...

فاطمة: "أو ربما يختبئ خجلاً، زينب. لم يُخلق القمر ليرى مثل هذه المناظر، أو ربما نحن لم نُخلق لنعيش تحت ضوئه هكذا." بهذه الطريقة الشيعة

زينب: "هه، خجلاً؟ أشك في ذلك. ماذا عن النجوم، إذاً؟ هل هي أيضاً تغض النظر عنا؟"

فاطمة: "النجوم مشغولة بأمور أكبر من أن تهتم بمثلنا. نحن مجرد ظلال تحتويها الأرض."

زينب: "ظلال، ها؟ لطالما شعرت أننا أقل من ذلك. أحياناً أتساءل، ما الذي قد يحدث لو اختفينا فجأة؟ هل سيلاحظ أحد؟"

فاطمة: "ربما القمر سيلاحظ. أو ربما يجد شيئاً آخر ليسخر منه. أما العالم، فسيستمر دون توقف."

زينب: "دون توقف، نعم. كما يستمر هذا الليل البائس. لكن، تعلمين، في بعض الأحيان، أفكر في الهروب."

فاطمة: الهروب؟ وإلى أين؟ هل هناك مكان في هذا العالم البارد

زينب: لا أعلم، ربما مكان لا يوجد فيه لا قمر ولا نجوم. مكان يمكننا فيه أن نكون مجرد نحن، بدون أقنعة، بدون خوف.

فاطمة: "أحلام جميلة، زينب. لكن حتى الأحلام تحتاج إلى الضوء لتُرى. ونحن، حتى في أحلامنا، نعيش في الظل."

تسود لحظة صمت بينهما، كل منهما غارقة في تأملاتها، قبل أن يقطع صوت بعيد صمت الليل، مذكراً إياهن بواقعهن. يتبادلن نظرة، ربما تحمل بعض الأمل، أو ربما مجرد استسلام لقدرهن، ثم يعدن إلى الوقوف تحت القمر الساخر، ينتظرن ما ستجلبه لهن باقي ساعات الليل.

في تلك اللحظة، تقترب سيارة ببطء، تضيء الشارع بأضوائها الأمامية، مخترقة الظلام الذي كان يغمر المكان. تتبادل زينب وفاطمة نظرة أخرى، نظرة تحمل خليطاً من الأمل واليأس، قبل أن تتقدم زينب نحو السيارة بخطوات متثاقلة.

فاطمة، تقف خلفها، تهمس بصوت يكاد يكون غير مسموع: "ربما هذه المرة ستكون مختلفة، ربما هذه المرة سنجد طريقاً للهروب

زينب، دون أن تلتفت: "أو ربما نحن فقط نكذب على أنفسنا. لكن ما الذي يمكننا فعله غير الاستمرار في الحلم؟"

السيارة تتوقف ويفتح النافذة رجل، يبدأ بالتحدث إلى زينب بصوت منخفض. فاطمة، واقفة على بعد خطوات، تراقب من بعيد، تفكر في كلمات زينب. "الاستمرار في الحلم"، تكرر الكلمات في ذهنها، وتتساءل إن كان بإمكان الحلم أن يقدم لهما ملاذاً، أو إن كان مجرد وهم آخر يعيشان فيه.

بعد دقائق، تعود زينب إلى جانب فاطمة، والسيارة تغادر ببطء. لا تقول زينب شيئاً، ولا تسأل فاطمة. كلتاهما تعرفان القصة دون الحاجة للكلمات.

فاطمة، بصوت أكثر تأكيداً هذه المرة: "يجب أن يكون هناك مخرج، زينب. يجب أن يكون هناك شيء أفضل من هذا."

زينب، بنبرة مليئة بالتعب: "وإن لم يكن؟ ماذا إذا كان هذا كل ما في الأمر؟"

تلتفت فاطمة نحو السماء، نحو القمر الذي يبدو أنه فقد سخريته للحظة،

زينب تنظر إلى فاطمة، ولأول مرة منذ زمن طويل، يبدو على وجهها بصيص من الأمل. "وكيف سنفعل ذلك؟"

فاطمة، بإصرار: "لا أعلم بعد، لكننا سنبدأ بالحلم، حلم يتجاوز هذا الشارع، هذا الليل، وحتى ذلك القمر."

تقفان هناك، تحت ضوء القمر الخافت، لكن هذه المرة مع نظرة جديدة، نظرة لا تنظر إلى الأرض بل تتطلع إلى السماء. لم يعد القمر يسخر، والنجوم لم تعد بعيدة. لأول مرة، يبدو أن الليل ليس بائساً تماماً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رحيل الممثل البريطاني برنارد هيل عن عمر 79 عاماً


.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع




.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو


.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05




.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر