الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شيوعية الأفراد - المسألة اليهودية الحديثه (1)

خالد فارس
(Khalid Fares)

2024 / 2 / 17
القضية الفلسطينية


عندما أشار ماركس في البيان الشيوعى فى ص 55 "فى العهود التاريخية الأولى, نجد, فى كل مكان تقريبا, تقسيما كاملاً للمجتمع إلى مراتب متمايزة, ..تدرجا متفاوتاً للمنزلة المجتمعية. ففى روما القديمة, كان ثمة نبلاء, وفرسان, وعامة, وعبيد, وفى القرون الوسطى, أسياد إقطاعيون, ومقطعون, ومعلمون, وصناع, وأقنان, وإضافة إلى ذلك نجد, فى كل طبقة من هذه الطبقات, تراتبية فارقة".

ثم مَيَّزَ المجتمع الحديث ما بعد الإقطاعي على أن التراتبية فيه "غير أن عصرنا, عصر البرجوازية, يتميز بتبسيطه التناحرات الطبقية. فالمجتمع كله ينقسم أكثر فأكثر إلى معسكرين كبيرين متعاديين, إلى طبقتين كبيرتين متجابهتين مباشرة, البرجوازية والبروليتاريا". (ص55).

أراد ماركس أن يلفت النظر الى أن المجتمع الذي يبقى فيه إنقسامات مهما كانت, يواجه تناحرات مستدامة, حتى لو تم تبسيط هذه التناحرات مقارنة بتلك التي كانت تحدث في العصور السابقة على الرأسمالية. أيديولوجية المجتمع الراسمالي الحديث, الليبرالية, التي فيها الفرد هو المكون الأساس, و السوق الحر هو المكان الذي يتبادل فيه الناس قدراتهم ويجسدون وجودهم الاجتماعي, بذا تكون قضية العصر الحديث و المسألة الأساس بالنسبة لماركس, هي قضية الفرد.

ليس منطقيا أن يُنكر ماركس قضية الفرد, كونها تجسد مرحلة تاريخية مهمة متقدمة في حياة الإنسان. لكنه لا يريد لهذه الفردية أن تؤسس لإنقاسامات تناحرية, تستديم إنقسامات إجتماعية. إنما يريد من الفردية أن تنتقل الى مرحلة جديدة, وأن يكون الفرد هو الحامل لمشروع الحداثة الشيوعي, الذي يقوم على إلغاء التناحر الاجتماعي, في أحسن الأحوال, وفي اسوأ الأحوال أن لا تدخل الإنسانية في حروب فناء وإبادة بسبب قوة وعمق التناحرات. يعني, بالقياس المنطقي, التناحرات الحديثة تلغي القديمة, ولكن إستمرارها يفاقم الوضع العالمي كما حدث في الحرب العالمية الأولى والثانية وغزو العراق والحرب على غزة من 8 أكتوبر 2023....

بذا, يكون النضال السياسي المرحلي, هو منع تفاقم التناحرات ذات النمط القديم أو التي تستحضر القديم الى الحداثة والحاضر, وذك المنع ممكنا عن طريق المحافظة والإرتقاء في الفرد, لكي يتم إدارة وإحتواء التناقضات الحديثة سياسيا, ثم السعي نحو تجاوزها الى مجتمع ما بعد السياسي, الإنساني.

يعني ذلك أن مكانة الفرد هي الضامن للتقدم في التاريخ. وأن الشيوعية المنشودة, يجب أن ترتقي في الفرد, وأن يكون له صيغة أكثر تقدمية من تلك التي تعيشها في الرأسمالية. المحافظة على الفرد كي لا يعود الى ثقافات أو أنثروبولوجيا قديمه قامت على تعدد الطبقات التي تحمل بداخلها "كل طبقة من هذه الطبقات, تراتبية فارقة".

تقوم البرجوازية الرأسمالية على إحتواء أو السيطرة أو القضاء على أي تكتل إجتماعي يمكن أن يخلق تنوع أو تعدد طبقي يمكن أن يوسع نطاق ومجال الطبقة من الممكن أن تضم مختلف أطياف اللون الإجتماعي. بهذه الطريقة تقضي على فكرة المجتمع ذو البعد المتعدد أو المتنوع أو التنوعي, وتخوض في تفتيته, وذلك لإستدامة تَبْسيطْ التناحرات حتى لا يتوسع نطاق التناقض. فتقوم بتبسيط التراتبيات, وتتخطي تعددها وتعقيداتها. بهذه الطريقة تقود البرجوازية عملية تدمير كلي للمجتمع, وتحويله الى عناصر مشتتة, مبعثرة, أوخاملة بلا مشروع تستقل فيه عن البرجوازية, الى حالة أو مكونات غير متماسكة في إطار إجتماعي, غير قابلة لأن تتكون في تعدد وتنوع المجتمع.

تحتكر البرجوازية الجغرافيا والديمغرافيا السياسية, وفي ذات الوقت تخوض في وحدة وصراع مع طبقة برجوازية أخرى (خارج النطاق الوطني أو القومي الذي تنضوي تحته) في حيز الجغرافيا والديمغرافيا السياسية.

المسألة اليهودية الحديثة في الدوله الإسرائيلية:

تَنْتَقي البرجوازية جماعة سياسية وتحافظ عليها وتعمل على الإرتقاء بها من خلال أفراد ينتمون الى هذه الجماعة, بمعنى أنها تحولهم الى أفراد في صيغة جماعة يُمَكّنْ البرجوازيه من السيطره عليهم. على سبيل المثال, الجماعة اليهودية السياسية, ينتمي لها أفراداً يهود, يحصلون على هذه الهُوية بسبب علاقة الدم مع أم يهودية, تُعَبّرْ لهم الدولة الإسرائيليه, الوطنية-القومية اليهودية, عن جماعة في جغرافيا دينية-التوراة.

اما الهُوية الإسرائيليه التي تمنحها الدوله, فهي مُختلطه بين الخاصة التي تمثل القومية الدينية-اليهودية التي تمثل الفرد اليهودي والعامة الإسرائيلية التي تمثل نوعان: 1) المواطن اليهودي 2) مواطن الجنسية المختلف عن مواطن القومية اليهودية. لدى اليهودي هوية خاصة دينية قومية وعامة إسرائيليه, وغير اليهودي لديه فقط هُويه عامه وهي الهُوية الإسرائيليه. فهذه الدولة تقدم مُواطنة مُزدوجة, يهودية إسرائيلية خاصة وغير يهودية إسرائيلية عامة.

فالأفراد اليهود مجال خصب للتناحرات والتناقضات بسبب أن ما يُميز وجودهم, بيولوجية سياسية, الأولى (البيولوجيه) تأتي من علاقة الدم مع الأم اليهودية (الهُويه الخاصة) والثانية (السياسيه) تأتي من الدولة الإسرائيلية ذات القومية اليهوديه (الهويه العامة). هؤلاء الافراد ليسوا أحراراً لأنهم ليسوا مستقلين بتحديد وجودهم السياسي أو الإنساني.

ماهو شرط الوجود لهؤلاء الافراد؟

بذا عليهم أن يركنوا الى قوة خارجة مستقلة عنهم. يقول ماركس "فى المجتمع البرجوازى رأس المال مستقل وله ذاتية مميزة’ فى حين أن الفرد الفاعل لا استقلال له, ولا ذاتية مميزة" (ص 84)." بمعنى أن البرجوازية لا ترتقي بالفرد, بل يتعرض الى تفريده في جماعة تخدم رأس المال, وهي متاهة الذات وضياعها في أتون البقاء والوجود المالي بعيداً عن جوهره الإنساني.

يرتبط هؤلاء الافراد في منظومة عمل-أعمال تخضع للراسمال اليهودي السياسي الذي يتميز بإستقلاليه كونه رأسمال يُنَمي نفسه, ولكن الأفراد ليس لهم إستقلالية خارج الرأسمال اليهودي. بلغة أخرى مجرد أن يقبل الفرد اليهودي تقمص ذاتاً تنشأ من بيولوجية سياسية, فهو يضطر الى أن يُحّقّق وجوده ليس في كونه إنساناً حراً, بل في كونه إنساناً يعيش من هذا الوجود, بمعنى أن بيولوجيته السياسيه هي وجوده. وهذا العيش (شروط العيش على هذا الأساس) هو الذي يبقيه بلا ذاتية مستقله, لأن مصدر العيش الذي يمكن له أن يحصل عليه يأتي من الرأسمال اليهودي, برعاية الدولة الإسرائيليه.

بوجود البيولوجية السياسية اليهودية مُكَوّن أساس للمجتمع, فإن التناحرات يتم تبسيطها الى تناقض بين من هو يهودي وغير يهودي. وهذا التبسيط يؤدي الى سيطرة على الطبقة الاجتماعية غير البرجوازيه من الطبقة البرجوازية اليهوديه, لأن الطبقة غير البرجوازية (إفتراض أغلبية يهوديه ديمغرافيه) أحادية البعد, لا تسمح بالتعدد فيها أو التنوع, ولا تسمح بإعادة تشكيلها على أساس يناقض البيولوجية السياسية اليهودية, فترتهن الى البرجوازية اليهودية في وجودها, وتتناقض مع عناصر إجتماعية من الممكن أن تلتقي معهم موضوعيا في طبقة غير برجوازية.

الذات اليهودية تعتمد على البيولوجية السياسيه, التي تقرر مصير حرية وإستقلالية الفرد اليهودي في الدولة الإسرائيليه, وتقرر مصير الفرد غير اليهودي لأنها السابق أو الإفتراض الأول المفروض على غير اليهودي. لكي يكون للمجتمع اليهودي وجود, لا بد أن يلغي المجتمع السابق عليه, ويدمره, ثم إحلال منظومة فردية بديله على أساس المجتمع البيولوجي السياسي الإسرائيلي. يقوم هذا المجتمع على تبسيط التناحرات وتسطيحها, ولكنه لا يُلغي الطابع التناحري الذي تعتاش منه وعليه.

لكن هذا التبسيط في التناحر بين يهودي وغير يهودي يتطور في شكل أفراد أو فردانية تُفَكر من منظور البيولوجيا السياسي الى إستدعاء تناحرات قديمة (أنثروبولوجيا دينية توراتيه) ليست من قواعد المجتمع الحديث.

بحضور تناحرات قديمة, يتعمق عدم إستقلالية الأفراد, لأن هذه التناحرات تنزع عن الأفراد الإستقلالية السياسية و الإنسانية, لأنهم مرتهنين الى الرأسمال الذي هو أيضا يستند الى جغرافيا سياسي قومية دينية ويحمل الثقافي كونه جوهر للقِيم والهوية. لا نشك أنها شكل متقدم من الداروينية الاجتماعية وتُسْتَخْدَمْ كدليل معياري أخلاقي في المجتمع اليهودي الصهيوني السياسي.

إستقلالية الأفراد وإنتاج الجماعه السياسيه والإنسانية = شيوعية الافراد

كيف نعالج إستقلالية الأفراد الأحرار, أو كيف نحققها؟ السؤال بطريقة أخرى, إذا كانت البرجوازية تخوض في تفتيت المجتمع, وتعيق تكونه السياسي و الإنساني, وبالتالي يصبح الأفراد لا إستقلالية لهم (كيفية بناء الذات المستقلة؟), هل يمكننا القول أن إستقلالية الأفراد مرتهنة الى وجود مجتمع وليس نقيض المجتمع كما تدعي البرجوازية؟

يفتح السؤال محور مهم تحاول هذه الدراسة التحري فيه. فالمجتمع الذي يرتقي بالافراد هو خليط من الفردية و الجماعة السياسيه. قد يكون هناك حاجة الى عنوان لدراسة أو بحث في موضوع مجتمع الأفراد الشيوعي أو الفرد الشيوعي الاجتماعي, نمط إنساني يعمل في حقل إنتاج الجماعة السياسية, يعمل على بناء ذاتاً مستقلة مُتَمَيِّزَة من خلال هذه الجماعة, ويعمل على تعريف كيف تستطيع هذه الجماعة تقديم البديل الاجتماعي للفرد الشيوعي والمجتمع ككل وثم الدولة.

الفرد المتحرر من البيولوجيا السياسية في شكلها الديني والقبلي والسلالي والمذهبي والعرقي (أو هُوية فرعية), شرط أولي لإستقلال الفرد. والشرط الثاني هو أن ينتقي جماعه سياسيه ليست هُوياتية, ويشارك في تأليفها أو الإنخراط فيها إذا كانت موجوده تعمل على صيغة إستقلال الفرد من خلال الإنضمام لهذه الجماعة, وهذا يتطلب أن يكون لهذه الجماعة حيثية إقتصادية تجسد وجودها الديمغرافي في المكان والزمان.

نعتقد أن سؤال ماركس المركزي ينطلق من شيوعية الأفراد, أو الفرد الشيوعي الذي ينتمي الى ديمغرافيا سياسية في سبيل التحرر السياسي والإنساني اللتان ميزهما ماركس عن بعضهما في كتاب المسألة اليهودية.
وحتى نستطيع البحث في هذا المحور, لابد من مناقشة مشروع كانط الذي يحمل بذور وعناصر للفكرة (مملكة النهايات) ومشروع هيجل و ماركس.
يتبع...

#شيوعية_الأفراد #الفرد_الشيوعي #مجتمع_الأفراد_الشيوعي #المسأله_اليهوديه_الحديثه #البيولوجيا_السياسيه #البيولوجيا_السياسيه_اليهوديه
#individual_communism #communism_of_individuals #bio_politics








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شيرو وشهد مع فراس وراند.. مين بيحب التاني أكتر؟ | خلينا نحكي


.. الصين تستضيف محادثات بين فتح وحماس...لماذا؟ • فرانس 24 / FRA




.. تكثيف الضغوط على حماس وإسرائيل للتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النا


.. اجتماع تشاوري في الرياض لبحث جهود وقف إطلاق النار في قطاع غز




.. هل يقترب إعلان نهاية الحرب في غزة مع عودة المفاوضات في القاه