الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كتابة خلف الخطوط يوميات الحرب على غزة

رائد الحواري

2024 / 2 / 17
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


كتابة خلف الخطوط
يوميات الحرب على غزة
الكاتب/الأديب/الشاعر/الفنان/الصحفي هو روح الأمة، لأنه (يوثق) الأحداث ويقدمها بصورة أدبية جميلة تخفف شيئا من قسوة الواقع، نت هنا وجدنا الروس في الحرب العالمة الثانية اهتموا كثيرا بالأدباء الذي كتبوا أثناء الحرب روايات وقصص وقصائد، وما وجود تلك الأعمال حية حتى الآن، إلا دليلا على أهميتها، فكل من يقرأ تلك العمال تصله فكرة الحرب والمقاومة البسالة التي أبداها الروس للدفاع عن وطنهم.
وفي الحالة الفلسطينية نجد أكثر من حقبة كان الأديب والأدب أهم بكثير من السياسي، فحرب بيروت عام 1982 تم توثيقها أدبيا إن كان من خلال القصائد، محمود درويش ومعين بسيسو، وروائيا، رشاد أبو شاور، وإذا عدنا إلى المحطات المهمة والمفصلية في التاريخ الفلسطيني سنجد العديد من الشواهد على هذا الأمر.
إن يصدر كتاب جماعي يتحدث عن العدوان على غزة، فهذا يحسب لفلسطين التي تؤكد اهتمامها بالأدب، كاهتمامها بالمقاومة والتصدي للعدو، وأن يصدر والعدوان ما زال قائما فهذا مؤشر على تفاعل الأديب الفلسطيني بما يجري والحيوية التي يتمتع بها، يقول "عاطف أبو سيف" بهذا الخصوص: "إن ممارسة الكتابة وقت الخطر هي جزء من القتال من أجل الحياة، والنضال من أجل عدم الفناء، فالكتابة ليست ترفا ولا هي هواية، بل هي وسيلة قتال وتعبير آخر من تعابير المواجهة" ص11، فالكتابة أثناء الحرب والمعارك ليست بالأمر السهل أو الهين، لك هذا واقع الفلسطيني وعليه أن (يتكيف) مع هذا الواقع.
النزوح والهجرة
في كتاب "الكتابة خلف الخطوط" نجد أربعة وعشرين كاتبا وكاتبة ساهموا في إنجازه، واللافت في كل من كتب أنه تحدث عن الموت، النزوح، الجوع، وحشية العدو وهمجيته، حتى أن المتلقي يشعر بتشابه الألفاظ المستخدمة فيه، رغم أن من أنجزه اكثر من كاتب/ة، وهذا يشير إلى تأثر الأدباء بالواقع العدوان الذي يفرض ذاته عليهم، بحيث نجد تشتبه وتماثل لغتهم.
فكرة الحرب لا تفارق أي كاتب/أديب في هذا الكتاب، فمن مشاهد الحرب تقول "آلاء عبيد": "صرنا في البيت خمسة وثلاثين فردا... في شقة لا تتجاوز مساحتها 110 متر" ص17، هذا على صعيد النزوح الذي أجبر عليه أكثر من مليون فلسطيني في غزة، حتى أصبح هاجس كل مواطن هو: "ننجو ونتعافى وننسى" ص24، وهذا مؤشر على حجم وحشية العدو الذي لا ولم يرحم أحدا، صغيرا أم كبيرا، رجلا أم امرأة.
فالعدو مارس وحشية لم تمارس من قبل أي محتل آخر، حتى أنه كان يعذب المعتقلين والمخطوفين الفلسطينيين بواسطة كلاب مسعورة: "حيث أطلقوا عليه كلبا مسعورا لينهش لحمه، ثن قال مبتسما أن الكلب مدرب للإيذاء وليس للقتل لا تقلقوا، وأضاف: "كله عدى المهم أنني بينكم الآن ونحن بخير معا" ص27.
البيت والفلسطيني
أجواء القصف وتدمير الأبراج السكنية واجهها الفلسطيني بطريقة (مجنونة) وكأن يريد على جنون العدو بجنون آخر: "عدت أشعر بتأرجح البيت دون أن أسمع الانفجار لشدة علو صوت الموسيقى... أشعر بالارتياح لأني أموت الآن في أحضان هذا البيت، وأنا هنا بين كل شيء أحبه.. كأن جل ما كنت أخشاه هو الموت بعيدا عن هنا.. سرت إلى شرفة مبتسمة وفتحت باب القفص، حررت عصفوري الجميل وعدت لمقعدي، لرائحة قهوتي والموسيقى وجنوني" ص39، هذا المشهد حقيقي وواقعي، وليس من فلم سينمائي، وقد دونته "إيمان ناطور" ليكون صورة عن مواجهة الفلسطيني لهمجية ووحشية العدو.
فالبيت بالنسبة للفلسطيني يمثل الوطن، وهذا ما أكدته "جيهان أبو لاشين" في هذا الحوار: "شو أكثر جزء صعب في الحرب؟
أجابت هبه: لما تركنا بيتنا" ص46، وهذا ما جعلنا نقول أن لغة الأدباب والكتاب كانت واحدة، فهناك أجماع على الفكرة التي تأتي بلغة متقاربة ومتماثلة ومتشابهة.
ويقول د. حسن القطراوي" عن نظرته البيت: "لم تنحن ظهورنا من بناء البيت، لكنها انحنت يوم تركناه وحيدا يواجه نذالة الاحتلال، كان علينا حمايته ولم نفعل، لا أعرف بأي وجه سنعود إليه إن كتب لنا عودة" ص51، هذا التكامل في الفكرة وفي اللغة يجعلنا نقول أن الحرب توحد الناس كما توحد الأدباء والكتاب وتجعلهم يتماثلون ليس في الهجرة ومحاولة النجاة من الموت، بل أيضا في الأدب الذي يكتبونه، وهذا الأمر نجده أيضا في الأدب الروسي أثناء الحرب العالمية الثانية، حتى أن القارئ لتلك الأعمال لا يجد فرق في الفكرة ولا في اللغة المستخدمة.
أثر الحرب
الحرب أقذر فعل يقدم عليه البشر، لأنها تدمر وتقتل وتبطش دون رحمة، فما بالنا عندما يكون العدو عنصري ويعتمد على أفكار تعود إلى أكثر من ثلاثة آلاف سنة!، "طلعت قديح" يؤكد بربرية المحتل وبربرية الأفكار التي يستند إليها لإبادة الفلسطينيين في هذا المقطع: "بعد الحدث الأكبر أصيب العالم بالشلل وهو يشاهد غزة تذبح، بطرق مسلوقة في بضعة من الأيام، ثم تقلى بزيت الجحيم، حتى وصل الأمر أن يسترق العالم نظرة خاطفة على غزة، وهي تشوى على نار مستعرة، اشتم العالم أجمع رائحة الحرق، وشاهد مراسم الذبح، طقوس الدمار" ص71، إذا ما عدنا إلى العهد القديم سنجد الكثير من العبارات بهذا المعنى "لا تبق فيها نسمة حياة، تنسم الرب رائحة الشواء" فرب الصهاينة يتجلى ويفرح برائحة اللحم المشوي، فالنار أحدى الطرق التي يدعو أتباعه ليستخدموها في إبادة الآخرين، ليفرح مبتهجا بمشاهد حرق الناس والحيوان والبيوت، هذا ما وجدناه في هذه المقطع، حتى أن "طلعت قديح" استخدم عين اللغة التوراتية وما فيها من دماء وقتل وحرق وتدمير.
وعن أثر الحرب يقول: "فلا ناج من هذه الحرب الملعونة، سواء كان حيا أم ميتا" ص75، فالحرب تطال الأحياء قبل الأموات، وهي تطارد الحي وتجعله في زمن آخر غير الزمن الذي يعيشه من هم في الحياة العادية/السوية: "بات الوقت كالصخرة يتجمد صلبا فوق قلوبنا، كأنها عشرة سنين لا أيام" ص75، هذا نتيجة ترقب القصف وما يحدثه من دوي في قلوب الناس، وبعد أن يهدأ القصف، تكون هناك معركة أخرى مع الزمن والوقت تتمثل الحصول على الخبز: "لا يهم أن يضيع نصف يومك لتفوز "بنصف ربطة خبز" مقابل نصف يوم إضافي في العيش" ص77، هذا هو فعل العدو وهذه نتيجة عدوانه على أهلنا في غزة، فقد حول يومهم إلى سنين، وسلخ منهم معنى الحياة ليركضوا منهكين خلف رغيف الخبز.
غزة المحاصرة التي منع قادة العدو عنها الوقود أصبحت الحمير وسيلة التنقل في هذا القرن، يتحدث "سعيد الكحلوت" هذا التغيير في وسائل المواصلات بهذا المشهد: "في الطريق الطويل كان سائس الحمار يتحدث بصوت مرتفع يصل في بعض الأحيان حد الصراخ، رافضا بيع حمارة بأقل من 8 آلاف شيقل أي ما يزيد عن ألفي دولار.
نعم حمار وحده دون عربة بألفي دولار" ص93.
الفانتازيا والجنون
هذا الجنون في غزة سيقود "علي أبو ياسين" ليتحدث بصورة مجنونة، مستخدما الفانتازيا كوسيلة أدبية تبين حجم الهول الذي فعله العدو بغزة وأهلها: "وكيف أقنعت أهلك إنك تتركي البيت وتيجي لعندي شو حيتيلهم رايحة لعند صديق.
لا أنا ما جيت لعنك أنت جيت لعندي
كيف جيت لعندك إذا أنا يا دوب فتحت باب البيت لقيتك قدامي
علشان أنا استشهدت
شوي بتحكي كيف يعني استشهدت إذا أنت واقفة قدامي وبأتكلم معاكي
بتكلم معاي علشان أنت كمان استشهدت، بتضحك مش مصدق وحياتك وحياة.. صداقتنا أني استشهدت.
بس كيف ما سمعت بالأخبار أنك استشهدت ما قرأت اسمك ضمن قائمة الشهداء؟
علشان ما حدا عارف أني استشهدت
كيف يعني؟
لأنه الصاروخ اللي ضربني خلاني ألف شقفة وما حدا لقى لي جثة" ص102و103، ما يميز هذا المشهد أنه يمكن أن يؤخذ على انه حقيقي/واقعي وفي الوقت ذاته على أنه فانتازيا/جنون، فما يجري في غزة من قتل جعل العقل البشري يبحث عن منطق بفسر/يبرر ما يجري، لكن هيهات أن نجد له تفسير سوى أن العدو الهمجي يستخدم عقلية "يهوة" في القتل، حتى للمدنيين والمسالمين، يحدثنا عن هذه المعاملة بهذا المشهد: "تعلم أنك حينما تقترب من الدبابات أن الكواد كابتر (الطائرة) تطير فوق الرؤوس، تصورهم، ومن تشتبه به طلق عليه النار فورا، وأهم شيء، ممنوع التوقف بتاتا، وممنوع إنزال اليدين، يجب أن تظل الأيادي مرفوعة وأنت تحمل الحقائب، وفي حال سقطت من يدك حقيبة وانحنيت لكي تلتقطها، فورا يطلق عليك النار" ص112، هذه هي الممرات الآمنة/الإنسانية التي تحدثت عنها وسائل أعلام العدو، فيا لها من ممرات آمنة!!
الكتاب من منشورات وزارة الثقافة الفلسطينية، 2024.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 200 يوم على حرب غزة.. ماذا جرى في «مفاوضات الهدنة»؟| #الظهير


.. مخاوف من اتساع الحرب.. تصاعد التوتر بين حزب الله وإسرائيل| #




.. في غضون أسبوع.. نتنياهو يخشى -أمر- الجنائية الدولية باعتقاله


.. هل تشعل فرنسا حربا نووية لمواجهة موسكو؟ | #الظهيرة




.. متحدث الخارجية القطرية لهآرتس: الاتفاق بحاجة لمزيد من التناز