الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقاش هادئ في نقاط

ضياء رحيم محسن

2024 / 2 / 18
الادارة و الاقتصاد


بادئ ذي بدء لست في معرض الدخول في جدال مع رأس السلطة التنفيذية فيما طرحه من نقاط، يعتقد البعض أنها طوق النجاة للإقتصاد العراقي، ذلك لأن النهوض بالإقتصاد ليس مجرد أمنيات مكتوبة يتم طرحها هنا وهناك، بل إن النهوض بالإقتصاد الوطني يحتاج الى إرادة قوية تستند الى قاعدة سياسية وشعبية تقف خلفها وتعضدها لتجاوز المعوقات التي تقف حجر عثرة في طريقها، وما أكثر الحجر الذي يقف في طريق الإقتصاد العراقي.
أثناء حديثه مع عدد من رجال الأعمال الهولنديين والعالميين خلال مشاركته في مؤتمر ميونيخ للأمن 2024، تحدث عن عدد من المبادئ التي يجد رئيس الوزراء العراقي إنها تمثل حجر الزاوية في إنطلاق العراق نحو النهوض بإقتصاده الوطني، ولا أشك لحظة واحدة في صدق نوايا السيد السوداني، لكني هنا أحاول توضيح بعض المعضلات التي تقف عائقاً أمام هذا الكلام، لأن الواقع الذي نشهده يوميا يفرض علينا من باب النصيحة ليس إلا.
طرح السوداني عدداً من المبادئ شملت ستة محاور، سنتناولها تباعاً إذا أبقانا الباري معذرة له في أننا قمنا ما بوسعنا، ويبقى لرئيس الوزراء أن يأخذ بها ويناقشها مع مستشاريه وهم ليسوا قليل.
يتمثل المبدأ الأول بالإصلاح الاقتصادي في مجالات الاقتصاد كافة دون الاعتماد على النفط، ومعلوم للإقتصاديين أنك لتقوم بعملية إصلاح اقتصادي يجب أن تكون لديك هوية اقتصادية، يعمل بموجبها إقتصاد بلدك، واقعا الإقتصاد العراقي اقتصاد مشوه لا يستند الى عقيدة محددة ومعروفة المعالم والتوجهات، فلا هو اقتصاد موجه بلحاظ وجود وزارة للتخطيط تضع الخطط الخمسية والعشرية، لم تنجز منها حتى لو نسبة ضئيلة، بسبب التخبط الواضح في وضع الموازنات العامة والتي هي في الغالب موازنة رواتب ليس للجانب الإستثماري فيها أثر يتم الإعتماد عليه، حيث أن نسبة ال34% من الموازنة والتي تمثل الجانب الإستثماري يكاد المنفذ منها لا يتجاوز 14%، طبعا هذه النسب بالإعتماد على أرقام الموازنات للأعوام السابقة والسنة الحالية، ومع وجود عجز افتراضي يكاد يبلغ أرقاماً فلكية فإن العجز يتم تغطيته عن طريق التهاون في تنفيذ الموازنة الإستثمارية، ولا هو اقتصاد حر يجعل قوى السوق تعمل بأريحية.
إذا عدنا لما طرحه السوداني في حديثه عن الإبتعاد عن النفط كمورد وحيد لتمويل الموازنة، نجد إنه كلام لا يُسمن ولا يُغني عن جوع، لأن واقع الحال وبعد مرور أكثر من عام على تسنمه منصبه، لم نلحظ ارتفاع مساهمة القطاعات الإقتصادية الحقيقية في الموزانة، بل على العكس من ذلك نجد ان مساهمة القطاع الزراعي لم تتجاوز 3% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي؛ مقارنة بنسبة العاملين في هذا القطاع التي تتجاوز 20% من مجموع سكان العراق، وبالحديث عن القطاع الزراعي ومشاكله لابد من المرور على موضوع عقود المزارعين التي مضى عليها ما يزيد على أربعين سنة، والغالب من أصحاب هذه العقود توفاه الباري عز وجل، وانتقل العقد بالتوارث الى الورثة، وهنا المشكلة؛ ففي الوقت الذي تطالب الحكومة المزارعين باستخدام التقنات الزراعية الحديثة، نجد أن تجديد العقود الزراعية من قبل الدائرة الزراعية في المحافظة لا تعطي العقد الزراعي لأقل من خمسة دوانم، في وقت أن الورثة قاموا بتقسيم الأرض الزراعية فيما بينهم وكأنهم ورثة لهذه الأرض، ويمتنع البقية عن تسجيل العقد بإسم أحدهم خشية من أن ينقلب عليهم بحجة أن العقد الجديد باسمه، خاصة إذا ما أخذنا بنظر الإعتبار أن الشركات التي تقوم بتجهيز المعدات الزراعية تشترط أن يكون العقد الزراعي يحمل تاريخ حديث.
مشكلة النفط والإعتماد عليه ذات وجهين، الوجه الأول منها مالي بحت، وأي هزة في السوق النفطي من الممكن أن تؤدي الى مشكلة كبيرة في الإقتصاد العراقي، وأزمة كورونا لا تزال حاضرة في الأذهان، الثاني بيئي وصحي حيث أننا نلاحظ كثرة الإصابات بحالات مرضية مزمنة، نتيجة عدم اعتماد شركات النفط العاملة في جنوب العراق تحديداً بإجراءات السلامة التي يفترض أن تلتزم بها، ناهيك عن تعرض الجو هناك الى تلوث بيئي خطير نسبياً، الأمر الذي يحتم على وزارة النفط ووزارة البيئة العمل على تخفيف معاناة المواطنين هناك، ولا يقتصر الأمر على ما ذكرناه أنفاً، فلا يزال العراق يبيع النفط خام دون أن يستفيد منه، في وقت يقوم باستيراد المشتقات النفطية بمبلغ يتجاوز أحيانا خمسة مليارات دولار، في وقت كان بإمكانه بناء مصافي لتكرير النفط تعطيه قيمة مضافة من خلال بيعه للمشتقات النفطية المنتجة من هذه المصافي، وسبق وأن تحدثنا في هذا الموضوع وقلنا إن القيمة المضافة تتجاوز قيمة بيع النفط الخام كثيرا، أضف الى ذلك فإن القطاع الصناعي من الممكن أن يستفيد من هذه المصافي، باستخدام كثير من المشتقات النفطية في معامله، تأتي في مقدمتها معامل صناعة الطابوق.
نبقى في القطاع الزراعي وهو الأهم في بقية القطاعات، مجموع مساحة العراق تبلغ 175 مليون دونم، منها 80 مليون دونم صالحة للزراعة، لكن ما يتم زراعته لا يتجاوز 14 مليون دونم في أفضل الأحوال، غلة الدونم من محصول الحنطة والذي يمثل الأمن الغذائي للمواطن لا تزيد على 700 كغم/دونم، وهي أدنى غلة للدونم، حيث نجد أن العتبة الحسينية غلة الدونم في مزارعها تقترب من 1500 كغم/ دونم، وهذا بفضل المتابعة الحثيثة من قبل المهندسين العاملين هناك، واستخدام طرق حديثة في الزراعة والري والتسميد، وهذه كلها أمور تساعد في زيادة كفاءة الأرض المزروعة، خلافاً لما يقوم بها المزارع في بقية المناطق، وهذا يعود لضعف الثقافة الزراعية وعدم الإهتمام بدوائر الإرشاد الزراعي التابعة لوزارة الزراعة.
يمتلك العراق قاعدة صناعية تستند الى وجود أنواع عديدة من المعادن تدخل في هذه الصناعة، لكنها مع الأسف لم تستثمر بصورة صحيحة، خاصة وأن بعض هذه المعادن تشكل نسبة كبيرة من مجموع الإحتياطيات العالمية، ومنذ فترة ونحن نسمع بوجود تعديل على القانون رقم 91 لسنة 1988!، هذه المعادن إذا تم استثمارها بصورة صحيحة، ومع وجود أيدي عاملة قادرة على العمل فإننا يمكن أن نشهد طفرة كبيرة في هذا القطاع.
قطاع السياحة هو الأخر واحد من القطاعات المدرة للدخل، مع وجود كم هائل من الآثار التاريخية والدينية ومناطق سياحة بعضها يصلح للسياحة في الصيف وأخرى في الشتاء، وهناك السياحة العلاجية أيضا، هذا القطاع يحتاج الى جهد كبير ليس بمقدور الحكومة أن تقوم به، بل هو بحاجة الى جهد القطاع الخاص بما لديه من علاقات مع الشركات العالمية العاملة في هذا المجال، خاصة ما يتعلق ببناء الفنادق والخدمة الفندقية وتفويج السياح وحجز تذاكر الطيران وغيرها من الأمور المتعلقة بهذا الجانب.
قطاع الخدمات، من النظرة الأولى لموقع العراق الجغرافية نجد أن العراق يمتلك موقعاً استراتيجيا يؤهله لأن يكون حلقة وصل بين قارات ثلاث، يستطيع من خلاله أن يختصر كثير من الوقت والجهد على مستخدمي هذا الطريق، واعتقد أن فكرة طريق التنمية التي أرسى لها رئيس الوزراء حجر الأساس يمكن أن تكون مفتاح ليكون قطاع الخدمات واحداً من القطاعات المهمة في الموازنة العامة، ناهيك عن استخدام موقع العراق في مرور سعات الأنترنت والترانزيت.
بعد ما تقدم هل إن طريق هذه القطاعات مزروع بالورد، أم أن هناك تعقيدات كثيرة ينوء بها؟ حقيقة لا يخفى على الجميع وجود جملة من المعوقات التي تقف عائقاً أمام ذلك، حتى أنني أشك في قدرة السوداني على تبديد هذه المعوقات، مع العرض بأن بعضها ناتج من المقربين منه، بما ينتج عنه عدم ولوج الشركات الأجنبية للسوق العراقي، حتى مع رغبتهم الشديدة في الإستثمار في السوق العراقية، إن هروب الشركات من العراق يشكل حالة سلبية تشير الى وجود خلل كبير يحتاج للوقوف على أسبابه لنعرف الهوية الإقتصادية التي على أساسها يتم رسم السياسة الإقتصادية للبلد.
‏ يقوم العراق بتوقيع عقود كثيرة مع عدد من الشركات الأجنبية، لكن في الغالب نجد ثغرات كثيرة تشوب هذه العقود، بما يتيح لهذه الشركات من التنصل بإلتزاماتها والإنسحاب في أي وقت تريد، دون رادع قانوني أو جزائي يترتب على نكول هذه الشركات، وهذا يضر كثيراً بمصلحة الإقتصاد العراقي، كما أن الفساد المستشري في مفاصل الدولة أصبح جزء من ثقافة المجتمع، أضف الى ذلك تعرض كثير من الشركات لضغوطات تجبرها على دفع رشى مقابل الحصول على حمايتها، بما يخالف أخلاقيات العمل لهذه الشركات، وفي كثير من الأحيان تقوم هذه الشركات برفض هذا الموضوع وتضطر لمغادرة سوق العمل العراقي
الجانب الأهم في ذلك هو التشريعات القانونية التي تنظم الإستثمار، والتي نجد أنها قاصرة في دعم النشاط الإستثماري والتنموي، وهو الأمر الذي يمثل عبئاً كبيراً على الشركات الأجنبية، خاصة تلك المتعلقة بالتمويل وإدارة المشاريع المناطة بها، بما يحول دون تنفيذ المشروع بالصورة الصحيحة، وبالتالي ارتفاع تكاليفه وتكون مخرجاته ليست بالمستوى المطلوب، مع عدم إغفال التشنج السياسي وحالة عدم الثقة التي لا تزال بين الطبقة السياسية الحاكمة، حتى مع مرور ما يزيد على عشرين عاماً من التغيير، فإننا نلاحظ تأثير هذا الأمر سلبا في ابتعاد الشركات الغربية عن السوق العراقية.
هذا غيض من فيض ما نريد قوله فيما يتعلق بالمبدأ الأول الذي تحدث به رئيس الوزراء العراقي السيد محمد شياع السوداني.
وللحديث صلة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين نيلين - حرب السودان تهدد إنتاج النفط في جنوب السودان


.. كيف هي العلاقة بين البنوك الفلسطينية والإسرائيلية؟




.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم السبت 27 إبريل 2024 بالصاغة


.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم السبت 27 إبريل 2024 بالصاغة




.. موجة الحر في مصر.. ما الأضرار الاقتصادية؟ • فرانس 24