الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا نكتب؟

صالح سليمان عبدالعظيم

2006 / 11 / 30
الصحافة والاعلام


ماالذي يدفع المرء للكتابة؟ يحمل قلمه، يغامر بأفكاره، يضعها على الورق، يتركها ليقرئها الجميع، لتصبح ملكاً لهم، ثم يتحمل هو وزر ماكتب!! ماالذي يدفع المرء للكتابة ثم لمعاودة الكتابة، وهو يعلم تماماًً أن الكتابة فعل مجرّم في عالمنا العربي، قد يقوده للنقد، أوللسجن، أوللمشنقة؟ أهى لعنة تصيبنا؟ أم هى غواية القلم؟ أم هى لذة الكتابة وصناعة الأفكار؟ أم هى كل هذه الأشياء مجتمعة؟ لا أحد يعلم، ولا أحد يستطيع أن يمنحنا سبباًً قاطعاً ومحدداً عن دوافع الكتابة والرغبة الجامحة التي تدفعنا لهذا الفعل.

ماالذي يدفع الروائيين العرب مثلاً لأن يكتبوا رواياتهم في عالم لايحتفي بالأدب ولايعيره أدنى انتباه؟ الروائي منهم يكتب روايته، وينشرها من ماله الخاص، وهو يعلم مسبقاً أن لا أحد سوف يقرؤها إلا أصدقاؤه المقربون، ومعارفه، وفي أحسن الأحوال بعض المهتمين بشؤون الرواية والأدب العربيين. ورغم ذلك، يخرج من خسارة النشر هذه، ليبدأ في كتابة عمل جديد، وكأن شيئاً لم يحدث، وكأن كل دور النشر العربية تطالبه بالمزيد من الأعمال الجديدة لكى تنشرها له. تجد الواحد منهم يحمل مخطوطه وكأنه يحمل مولوده الجديد، برقة ووداعة وشوق، يلف به عبر المنتديات الأدبية ممهوراً بتوقيعه واهدائاته إلى أصدقائه المختلفين، سعيداً بهذا المولود، شغوفاً بمعرفة آراء الآخرين فيه. وحينما تتعطف عليه وسائل الاعلام بلقاء ما، بين مئات اللقاءات الخاصة بمطربات الكليبات الجدد، تجده يتحدث عن عمله بسعادة غامرة وحنان بالغ، يستفيض في الحديث عن شخوصه، كيف اخترعهم، ما تمثل بالنسبة له، وكيف تلتقي هذه الشخوص وتتماس مع توجهاته وآرائه الفكرية.

ما الذي يدفع الصحفيين والمفكرين والأكاديميين لكتابة المقالات وتأليف وعرض الكتب، وتنظيم الندوات والمؤتمرات، وهم يعلمون مسبقاً أن لا أحد يقرأ لهم، أو يعي وجودهم، سوى نخبة محدودة جداً من العاملين في الصحف الأخرى، وبعض المهتمين بشؤون الفكر والثقافة. يعقد البعض منهم الندوات والمؤتمرات بشغف وحب، يتصل بهذا ويترك رسالة لذاك، تجده يهتم بالمؤتمر، وبموضوعه، وبالمؤتمرين، يدور هنا وهناك، ينسق الأفكار ويختار الموضوعات والمحاور، كما لو كان والد عروس في ليلة زفافها، يهتم بالمدعوين، وبالتفاصيل الصغرى من أجل عيون ابنته. وفي عالم الفكر والثقافة هناك العديد من الأمثلة على هؤلاء الذين ما زالوا يتشبثون بصناعة الأفكار وترويجها والعمل من أجل رفعة شأنها، بما يستدعي التساؤل مرة أخرى لماذا نكتب؟ ولماذا نعاود الكتابة المرة تلو الأخرى؟

أغلب الظن أننا نكتب بدايةً من أجل أنفسنا، حتى لوقلنا أننا نكتب من أجل فكرة ما أو من أجل الدفاع عن مبدأ أو عن قضية، فإن هذا لا يتعارض مع أننا نكتب من أجل أنفسنا. فنحن مثلنا مثل الآخرين الذين يزاولون حرفاً ومهناً أخرى، مع بعض الاختلاف، نمارس حرفة الكتابة، نكتب لأننا اخترنا هذه الحرفة وامتهناها، لذلك فنحن مطالبون بأن نثبت لأنفسنا، ربما قبل الآخرين، أننا أكفاء فيما اخترناه ومارسناه. كما أننا حين نكتب نستمتع بفعل الكتابة هذا، ولعل ذلك يتشابه مع معظم المهن الأخرى، فهناك دائماً وأبداً جانب الامتاع الذاتي فيما نقوم به، وبدون هذا الجانب يصبح العمل بشكلٍ عام مهمة ثقيلة إلى قلوب الفاعلين وعقولهم.

لايعني ذلك، أن فعل الكتابة هو فعل ذاتي محض، يقتصر فقط على الامتاع الذاتي، بعيداً عن أى شؤون مجتمعية أوإنسانية أخرى؛ فهو حين يستند بداية إلى الامتاع الذاتي، يرتبط أيضاً بالتأثيرات وردود الأفعال المجتمعية، فبدون هذه الاستجابات المجتمعية يذبل الامتاع الذاتي، بل وربما يندثر، وتستحيل الكتابة إلى مجرد فعل رتيب وممل، مجرد طقس نمارسه بحكم العادة، ومتطلبات الحياة الفكرية والثقافية. لذلك تختلف المجتمعات فيما بينها حول درجة استجاباتها نحو الأعمال الفكرية والابداعية، فكلما أصبحت الاستجابات المجتمعية أكثر نضجاً وتأثيراً ومرونة، كلما زادت حدة الاحساس بالمتعة الذاتية، والعكس صحيح إلى حدٍ بعيد. من هنا يمكن القول أننا نمتع أنفسنا أولاً حين نكتب، نهديها أول حروفنا، نناقشها ونشتبك معها حول المسموح به وغير المسموح، نستأذنها في اطلاق جنوننا، وفي أحيان كثيرة نخادعها، نتحايل عليها ونستغفلها. هذه هى ذواتنا الحاضرة، الماثلة، الشاخصة، وكأنها رقيب حاد وصارم فوق رؤوسنا، بقدر ما نمتعها بما نكتبه، بقدر ما تضايقنا حينما تستدعي المجتمعي الجاثم فوق صدورنا، بما يمثله من سطوة ورقابة وتخويف.

لكن الرغبة الحقيقة في الكتابة غالباُ ماتنتصر أمام سطوة الذات، التي تذوب في النهاية تحت وطأة فعل الكتابه ذاته. فالرغبة في الكتابة تسمو فوق كل الرغبات، لأنها قفز إلى المجهول، وتجاوز للمحسوب، وخلطً للأوراق، وفي كثير من الأحيان مزيج من العقل والجنون. فليس هناك كتابة عاقلة تماماً، ويخطئ من يظن ذلك، فالكتابة مسكونة، ويجب أن تكون مسكونة بالرغبة في التعرية والتجاوز وغير المألوف، وعكس ذلك، هو اجترار وجمود وتكريس للوجود. من هنا يمكن القول أننا نكتب لنطرح شيئاً جديداً، لنجذب القارئ ورائنا، حتى وإن لم يفهمنا، فإن هذا على الأقل يرضي غرورنا ويريح أعصابنا بأننا في أحيان غير قليلة نكتب أشياء لايفهمها سوانا، ولا يعي مدلولاتها غيرنا.

ولعل ذلك هو ما يضفي على الكتابة ذلك الألق الذي يمايز بينها وبين غيرها من المهن والحرف الأخرى؛ أقصد تلك الامكانات الهائلة التي تنطوي عليها من التجديد والاختراع وتجاوز المتعارف عليه ونبذ التقليدي المحافظ المتكلس. من هنا يمكن القول أيضاً أننا نكتب لكى نجدد أنفسنا، وبالتبعية نجدد العوالم التي ننتمي اليها. فنحن من خلال الكتابة نكتب ما لا نستطيعه في الواقع المعيش، نخلق أبطال وشخوص، نتخيل عوالم وأحداث، نرسم استراتيجيات، ونطرح أساليب، نمارس جوانبنا الانسانية، كما نكشف عن أكثر الجوانب المظلمة والمبتذلة من شخصياتنا. ورغم هذه الامكانات الهائلة التي تنطوي عليها ممارسة الكتابة فإنها، ورغم بعدها الفردي، رهن بالسياقات المجتمعية التي تنطلق في رحابها. فكلما كانت هذه السياقات منفتحة ورحبة ومتسامحة كلما أطلقت العنان لممارسة نزق الكتابة وجموحها، أما إذا كانت هذه السياقات على النقيض من ذلك منغلقة وضيقة وعدوانية فإنها تدفع الكتابة لأن تناور وتداري وتتقي، حيث تهدر الكتابة الكثير من الوقت في البحث عن طرق ملتفة وعبثية تمرر بها ما تريد من أفكار، وما تمارسه من جموح ونزق. ربما تكون هذه بعض دوافع الكتابة، التي قد تختلف عن دوافع الآخرين، فلكل منا دوافعه الخاصة نحو الكتابة، ألم أقل منذ البداية أنه سؤال بالغ الصعوبة؟!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو يحل مجلس الحرب في إسرائيل.. ما الأسباب وما البدائل؟


.. مسؤولون أميركيون: إسرائيل عقبة أمام مستقبل المنطقة.. فهل تُغ




.. الردع النووي ضد روسيا والصين.. الناتو ينشر رؤوسا مدمرة | #مل


.. الحجاج يواصلون رمي الجمرات وسط حر شديد | #رادار




.. شبكات | 20 لصا.. شاهد عملية سطو هوليوودية على محل مجوهرات في