الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كُنُسٌ مُطَوّقَةٌ

عبد الله خطوري

2024 / 2 / 18
الادب والفن


كانتِ آلأصواتُ تتقاطعُ بين مَدّ وجَزر، بين نباح وعُواء، تتخللها حفيف بحات .. ( طَااابْ .. طَاااابْ .. ) يرددها دون آنقطاع طائر خُرافة لَمْ تَرَهُ عيني قَطُّ ... في الطريق، بمحاذاة أطلال (الخواربْ)، لم تجرؤ مُقلتيّ الالتفات يسارا جهة المنحدر المؤدي الى مقابر (إيمَطْلانْ) (1) خشية الانحدار في مزيد من الغرق داخل بالوعة فوهات دهاليز مجاهيل لا تُحْمَدُ عقباها ... اِنتحيتُ في مسيري جانب دُور البلدة ( إيخَّامَنْ نلفَحْصْ )(2) بطريقة تحجب عني النظر إلى هناك، مُسَجًى بجسم عمتي المجدور طفقْتُ أغْرِقُ فيه بدني منكمشا أعُـدُّ اللحظات الثقال العامرة ببحيرات لا حدّ لسوادها الغامر .. وفكرتُ أرنُوَ إلى الوراء كرد فعل آعتدتُ عليه كلما وصلتُ إلى مفترق طريق ما، وَ .. فعلتُ، فآرتد إليّ بَصَري حسيرا دون يلقطَ شيئا يمكن أن يخفف من هول المخاوف المتفاقمة في دخائلي اللهم مزيدا من القتامة تنشر أشطانَها مقل حناديس الظلام الجاحظة .. وعلى مشارف عبور بستان وادي شلال (تاشراراشتْ) (3)، صمتتُ ونحنُ نعبر المسلك المُحَجر الوعر كأنني لم أكن فيه طيلة العشية، وتذكرتُ حديث الراعي (عبدالسلام) عن أسرار المسمى (سي بلقاسم) الملتبسة الغاطس وعائلته في غيابات الغيب، وآسترجعتُ أحاديث جدتي بخصوص الهوام والدواب المُشوهة وما يمكن أن يصادف العابرُ في الشعاب الفارغات من مخلوقات عملاقة مخيفة تنهش الأحياءَ والأموات سيااان .. ووحوش وكائنات ممسوخة قابعة في الجُرُف والأودية وذُرا الجبال وبطاح المنحدرات .. كلها تراءت لهواجسي .. وتلك التي تظهر على حين غرة من بين ثنايا عُروقِ وتجاعيد الأشجار المُسِنّة، من داخل كُنُسِهَا المُقَعّرة ( تافْگا tAfgA ) (4) وأفنانها المتشابكة .. و .. وتَدَاعَتْ لخاطري حكايات الحكيمة (تالْفَقِيرتْ) العجيبة عن وحش (مَجَغْيولْ) والغولة التي سرطتْ آبنها (تَرْگُو تَتْشّا مَمِّيسْ) (5) والممسوخ الماسخ (مْزَلَّفْ فُوسْ أزَگْرَارْ أوفُوسْ) (6)؛ وتخيلتُ يَديْن باردتَيْن شفافتَيْن (سَنْ إيفّاسّنْ دي مَلَّالَنْ) (7) تطفران كصاعقة هوجاء من أحشاء بطن شجرة الزيتون المعمرة (خُوگَايَرْ) تطوقان الجذع برحابته، تضمانه ضما عنيفا يُحْدث خشخشةً وقعقعةً رهيبتَيْن في الأنحاء المظلمة .. وتذكرتُ صَرَعَاتِ خالتي (مريم) المتكررة و تشنجاتها المهولة، وقالت نفسي تحاور نفسَها : إنهم .. هُمْ .. أسياد المكان رُواده الليليون يُعَبِّرُونَ عن آستنكارهم وآمتعاضعهم لمُرورنا بمجالهم الحَيوي الخاص وَ .. وَ .. ازددتُ رعبا وأنا أستشعرُ يَدَ عمتي الناتئة تطوقني تحضنني إليها بقوة وثبات .. أحسستُ رِعْدَةً ما في بدنها، لكنها لم تشأْ تُظهرَ ما يَجُولُ في خلدها .. اِكتفَتْ بالصمت والانشغال في طي الطريق بسرعة قصد اللحاق بأتانها (تْبُوزِيّاتْ نّسْ) (8) التي ما عدنا نرى لها أثرا أمامنا، فقط نسمع وقع خطواتها تدق أديم الأرض دقا تسحق الحجرَ والرغامَ والترابَ والخشاشَ لا تبالي بأي شيء .. ما أهنأها .. سَعْدَاتْهَا .. هي لا تخافُ .. آه .. ما أجمله إحساسٌ عندما ينعدم الإحساسُ ..!!..

_آرْ لْبَالْ إِي وُوبْريدْ .. إيلْ تَقَلْ لا يَمّا لا يَمّا .. حَضَا زْتَاتَشْ .. غَراشْ أَطُوطِيتْ ..!!.. ( انتبهْ للطريق .. لا تلفت خلفك أو في الأنحاء إياك أن تسقط )

همَسَتْ، ونحن في معترك المكان، بين منحدر حاد غارق في آنحدار ظلامه وجَلَبَة تصدرها أصواتٌ جشاء لغيالم وضفادع لا حصرَ لنزقها الليلي، بين دُورٍ مُتربَة تتداعى تنهار في تلة محاصرة بأكوام من الحجارة وفوضى عارمة من أعشاب من كل صنف ولون، وبين واد مترع بالمياه والطمي والطحالب ودقيق الحَصوات وأشجار سامقات تتعانق في خمائل ذات خيالات مخيفة و .. عشرات الأرواح الخيرة والشريرة ترسلُ أطيافا متباينة تلعب الكرة (تاشُورَتْ) ترقص (الحيدوسْ) تَلْغُو تعبُّ نَفَسَ الحياة من كل فجوة من كل ذرة تراب أو مَرْو أو قطرة ماء أو نَدًى أو رَذاذ أو فَنن أو نَسمة تسكن ربوعا أخلاها أهلوها وعَمّرَتْهَا الحكاياتُ العجيبةُ ...


☆إضاءات :
1_إيمَطْلانْ : المقابر
2_إيخَّامَنْ نلفَحْصْ : منازل بلدة الفحص
3_ تاشراراشتْ : شلال
4_تافْگا tAfgA : فجوة طبيعية تتخل جذوع الشجر ، يطلق عليها بالأمازيغية الوراينية كذلك لفظة (خُوگَايَرْ)
5_تَرْگُو تَتْشّا مَمِّيسْ : الغولة التي أكلَتْ ولدها
6_مْزَلَّفْ فُوسْ أزَگْرَارْ أوفُوسْ : مشلوح اليد الطويلة
7_سَنْ إيفّاسّنْ دي مَلَّالَنْ : يدان بيضاوان
8_تْبُوزِيّاتْ نّسْ : أتانها








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بدء التجهيز للدورة الـ 17 من مهرجان المسرح المصرى (دورة سميح


.. عرض يضم الفنون الأدائية في قطر من الرقص بالسيف إلى المسرح ال




.. #كريم_عبدالعزيز فظيع في التمثيل.. #دينا_الشربيني: نفسي أمثل


.. بعد فوز فيلمها بمهرجان مالمو المخرجة شيرين مجدي دياب صعوبة ع




.. كلمة أخيرة - لقاء خاص مع الفنانة دينا الشربيني وحوار عن مشو