الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بعيداً عن الشكل

حسان الجودي
(Hassan Al Joudi)

2024 / 2 / 18
الادب والفن


صانع (الأحذية) الكلاسيكي يفكر بشكلها، ويحاول أن يصوغ جمالها حسب الذوق الكلاسيكي الذي يريدها سميكة، متينة ، صلبة النعل ، ارتفاع كعبها بضع سنتبمرات لا يمكن تجاوزها ،ذات شرائط ، الخ
بينما صانع (الأحذية ) الشجاع المعاصر، يصنع أحذية تؤدي الوظيفتين معاً؛ الوظيفة الجمالية والوظيفة الأدائية.
وهو في سبيل ذلك يمزج بين الرؤيا الكلاسيكية الحذائية والرؤيا المعاصرة التي تضيف وتحذف شروطاً معينة من الكود الكلاسيكي ، فتجعل الحذاء مثلاً رياضياً يصلح للسعي به كل يوم، وربما تجعله عريض المقدمة للأشخاص الذين لديهم أقدام عريضة، وتستخدم المواد الصناعية القوية بدلاً عن الجلود الحيوانية.
وتهتم أكثر من ذلك بالوظيفة الأدائية، فالموديلات الجديدة ، داعمة لقوس القدم، وهي مضادة للمطر، ولديها إضافات من الاسفنج الرغوي الذي يحتفظ بذاكرته الأصلية ( شكله الأساسي المريح) فيعود إليه بعد كل استخدام من الزبون.
الأحذية الجديدة تساعد الناس الطبيعين على الحصول على راحة أثناء ارتداء الحذاء، وتساعد الناس ذوي الأمراض في القدمين، وهي توفر تحربة سعيدة لكل المستخدمين غير تلك الأحذية الكلاسيكية الصلبة ذات النموذج الفرد الصمد.
لم يعد التفكير بالشكل( المقدس) هاجساً ، سوى لمنتجي النمط الكلاسيكي في الأحذية وفي الأدب أيضاً.
فأن تعيد إنتاج أحمد شوقي فهذا ليس أدباً جميلا، وليس أدباً مريحاً للروح الانسانية المعاصرة ، والتي قرأت شعراً لاحقاً حداثياً لمرحلة (أمير الشعراء) .
وأن تعيد إنتاج درويش الحداثي، فهذه كلاسيكية أيضاً ، لأنك تستخدم ذات المواصفات ، ولا تقترح مواصفات جديدة لا يعرفها القارئ.
والغرابة في هذا الموضوع ، هو مهاجمة الكلاسيكيين لمنجزات الحداثة. هم يعتقدون بطريقة غريبة أن الأحذية التي كان الآباء يرتدونها هي الأجمل والأقوى، ويرفضون شراء حذاء جديد طري لأقدامهم المتورمة.
والأغرب هو أن هؤلاء لم يقرأوا التراث الأدبي الكلاسيكي بوجهة نظر محايدة، ولم يصادفوا تلك النصوص الشعرية أو السردية التراثية المبهرة ، والتي هي تحقق شروط الكلاسيكية والحداثة معاً.
إن كل نص أدبي جميل بالضرورة النقدية والشعربة التاريخية لا يقبل للتصنيف وفق الشكل.
هو جميل ليس لأنه يشبه حكايا الجدات..
وليس لأنه في فخامة شعر المتنبي
وليس لأنه يقارب اللغة كصديق حميم!
هو جميل لأنه خارج عن سلطة الزمن، هو نص يقدم اقتراحه الكلاسيكي - الحداثي الخاص .
وكل محاولات التأطير بالشكل المستمرة في المشهد الثقافي العربي المعاصر مؤسفة. فهي لا تنظر إلى جوهرية النص وقدرته الكامنة على تجاوز شرط الشكل السقيم.
***
ربما تثير المقارنة بين (الحذاء) والقصيدة السخرية لدى الكثيرين وخاصة الكلاسيكيين ممن يحبون السخرية من تجديد العصفور في غنائه!
لكن بدون رطانة ، وبدون التذاكي النقدي ، فالقصيدة هي ضماد قوي للروح ،يوفر الحماية والبهجة . طرقات العالم مشظّاة بما يكفي من الأسئلة الوجودية والمآسي،والانتظارات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا