الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


افكار الطبقات الحاكمة ليست افكارنا !

عادل احمد

2024 / 2 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


كتب كارل ماركس في الأيدولوجية الألمانية والبيان الشيوعي ، بان الأفكار السائدة في كل مجتمع هي أفكار الطبقات الحاكمة. عملتْ الطبقة البرجوازية طوال تاريخها اعتماداً على هذه الحقيقة وبكل وعيها جاهدة وبكل الوسائل الممكنة التأثير على الطبقات المضطهدة وقمعها من اجل حماية مصالحها …

اليوم تقوم الطبقة البرجوازية بكل وعيها السياسي وبخطط دقيقة و مدروسة وبتخصيص الإمكانات التقنية والمالية الكبيرة والمحترفين والخبراء النفسيين ومؤسسات ضخمة من اجل تحقيق ما كتبه وما فهمه ماركس عن طبيعة الافكار التي تسود في المجتمع، وان تكون أفكار الطبقة البرجوازية هي الأفكار السائدة في كل مجتمعاتنا. ان الطبقة البرجوازية اليوم ليست كما هي في بداية نشؤها وانما تعلمت واخذت التجارب من الثورات والاحتجاجات والانقلابات الاجتماعية للطبقة العاملة والمحرومة في المجتمع. ان كل الاحداث والثورات تحلل من جميع الجوانب وتدرس نقاط ضعفها وقوتها وكذلك تدرس البرجوازية الاحتمالات والامكانيات في كل حركة من حركات المجتمع. أي بكلام أوضح خرجت الطبقة البرجوازية من كل الثورات والانقلابات حتى الان بإمكانات هائلة، وتجارب وخبرة توظفها في مواجهة الطبقات المضطهدة. ان وسائل الاعلام، والمدارس والمؤسسات التعليمية والمؤسسات الفنية وحتى المنظمات الجماهيرية المختلفة تسخر في ترسيخ وخدمة المصالح الطبقية البرجوازية مثلها مثل المال والمصارف والمصانع والأسواق… والخ.

ان جوهر مقولة ماركس هذه، يمكن لمسه بوضوح في الأوضاع العالمية والأزمات الاقتصادية والسياسية الحالية وخاصة في الصراعات الدائرة في الشرق الأوسط وفي العراق وإيران وفي الحرب الأوكرانية-الروسية وفي الصراع الصيني – الأمريكي في تايوان والبحر الصين الجنوبي و… ان الطبقة البرجوازية بكل اختلافاتها تبث رؤيتها الطبقية عن هذه المشاكل عبر مؤسساتها الإعلامية ومحلليها السياسيين والاقتصاديين والاكاديمين والاجتماعيين وان هذه الأفكار والتفسيرات والروايات تصبح السائدة في مجتمعاتنا التي ترسم صورة مختلفة جدا عن اصل وحقيقة المشاكل . ان كل المشاكل في العراق من صراعات بين الأحزاب الدينية والقومية وبين المحافظات والإقاليم وبين أمريكا وايران تطرح كانّها صراع أمريكا مع ايران من زاوية العداء على اساس ديني اوشخصي او بسبب الاختلاف في " القيم" و "نمط الحياة" او الموقف من " حقوق الانسان" وليس كصراع على إيجاد متطلبات عمل الرأسمال والاستثمارات وتحقيق الارباح. ليس خافيا بان الجمهورية الإسلامية الإيرانية جاءت إلى السلطة بدعم من أمريكا والغرب وان الأحزاب الإسلامية الشيعية والسنية والقومية العربية والكردية جاؤوا الى السلطة بدعم من أمريكا والغرب وان داعش والتيارات الإسلامية مرجعها الأصلي أمريكا والغرب.

وفي فلسطين تظهر الصورة في الإعلام بانه صراع بين حماس الإرهابية المعتدية واسرائيل، الدولة الديموقراطية التي تدافع عن نفسها ويتم اخفاء المسالة الاصلية وهي ان اصل وجود إسرائيل ووحشيتها المدعومة بشكل واضح من قبل أمريكا والغرب ووجود حماس وغيرها في المنطقة هو نتيجة توازن قوة بين اللصوص العالمية لنهب ثروات المنطقة. ان حركة حماس مدعومة بشكل قوي من قبل قطر، وان قطر نفسها محمية بشكل قوي من قبل أمريكا وتوجد اكبر قاعدة عسكرية أمريكية فيها. ولكن الروايات البرجوازية وخاصة الغربية هي السائدة عن قضية فلسطين وان جميع الحلول تبقى في نطاق حلول الطبقة البرجوازية.

ان رسم تصور بان الصين تهدد الامن القومي الأمريكي والغربي وتهدد الديمقراطية هي أيضا رؤية الطبقة البرجوازية الغربية للصراع يدفع به لاخفاء حقيقية الصراع الحقيقي الذي يشتد مع بروز وتعاظم الدور الصيني في نهب العالم من خلال استثماراتها والتي تمكنت من إزاحة الدور الأمريكي والاوربي قليلا لنهب ثروات الدول الافريقية والآسيوية واللاتينية وبروز تقسيم جديد بين اللصوص لنهب الشعوب العالمية ، وحقيقة ان الصين تطالب اليوم بحصة اكبر من الكعكة. وان اصل الصراع هو النهب وليس الامن القومي كما تدعي أمريكا والغرب.

وفي التعليم والتربية، في القانون وحتى في الاعمال الخدمية والتقاليد الممارسات اليومية والنظرة التى الانسان والطبيعة والعمل الحياة والترفيه والاستهلاك وعشرات الجوانب الاخرى تسيطر عليها أفكار الطبقة البرجوازية الحاكمة في كل مكان وحسب طبيعة النظام الحاكم. ان وجود أفكار وايديولوجيات ووجود تصورات واراء مختلفة ليست من اجل خدمة الانسان وانما من اجل خدمة المال. في حين ان الأفكار الإنسانية والأفكار والأعمال التي تخدم الإنسانية تحارب بكل الأشكال وتحاول الطبقية البرجوازية ان تبينها بانها أحلام وخيالات وهمية لن تتحقق أبدا.

ان افكارنا وحيز تفكيرنا تحدد من قبل الطبقة السائدة. ان التحرر من افكار الطبقة البرجوازية هو قبل كل شئ في رؤية وجود الطبقات والصراع الطبقي بشكل موضوعي وواقعي ورؤية الجماهير المحرومة من العمال والكادحين كطرف في هذا الصراع ورؤية معاناتهم ونضالهم من اجل ضمان المعيشة. أي رؤية العالم والسياسة والاقتصاد والمجتمع من منظور الطبقة العاملة. هذه هي مهمة الإنسانية ومهمة الاشتراكيين والأحزاب العمالية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اجتهاد الألمان في العمل.. حقيقة أم صورة نمطية؟ | يوروماكس


.. كاميرا CNN داخل قاعات مخبّأة منذ فترة طويلة في -القصر الكبير




.. ما معنى الانتقال الطاقي العادل وكيف تختلف فرص الدول العربية


.. إسرائيل .. استمرار سياسة الاغتيالات في لبنان




.. تفاؤل أميركي بـ-زخم جديد- في مفاوضات غزة.. و-حماس- تدرس رد ت