الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنبل مظهر ثقافي للجوع هو العنف،وغلاوبر روتشا

السعيد عبدالغني
شاعر

(Elsaied Abdelghani)

2024 / 2 / 20
الادب والفن


يُنظِر روتشا في مقال له ما يُضمِر جوهر الفيلم" إن أنبل مظهر ثقافي للجوع هو العنف"
شاهدت الفيلم ربما من ست سنوات بالصدفة كفاتحة لسينما نوفو أو الموجة البرازيلية الجديدة ممثلا في شخصيتها الرئيسية غلاوبر روتشا.
العنوان غريب" الإله الأسود، الشيطان الأبيض" سنة 1964، ليس لحريته بل لطبيعة المجازين.
قصة أسطورية رمزية مع حبكة بسيطة وشخصيات قليلة، تصور كيف أن اليائس يرمي نفسه في أيدي أشخاص أخرى، ربما قديسين، مخلصين، أصنام زائفة.
هذه الأصنام تأخذ مواقف عنيفة وتافهة ولا تفيد أحدا غير ذواتهم.
هذا هو الجوهر، الفكرة الكلية، لكن الثياب المغطِي التفاصيل متمثلة وجوديا في البرازيل والبراري والجفاف الذي اجتاح الأرض في ثلاثينيات القرن العشرين، إلا أنه لا يتم فيه إظهار أي تقنيات حديثة من كهرباء، لسيارات..
يتم تقسيم البرازيل تقسيم مميز على حسب أحد علماء الانثروبولوجيا إلى طبقات تاريخية، وليس طبقات اجتماعية وتبدأ من السفر من الساحل إلى الداخل، ويشير بالعودة بالتدريج من الحضارة المعاصرة إلى حضارة الامبراطورية إلى العصور الاستعمارية إلى العصر الحجري الحديث.
وهذا التقسيم أظنه في كثير من الدول الشرقية أيضا، لكن ليس بهذه الحدة الكبيرة للعصر الحجري الحديث.
هذا يفسر كون الحديث أغلبه شعري، ليس شعري غير مرتبط بالوجود البرازيلي، بل" الأرض تتحول لبحر والبحر يتحول لأرض" هي الاستعارة المتكررة على الألسن.
علاقة السلطة بأفرعها سواء الإقطاعيين أو الدينية الكنسية ومفهوم المخلِص والبديل له.
لم يستطع البطل مانويل راعي البقر وزوجته روزا امتلاك قطعة أرض خاصة بهم عندما خدعهم رئيسه ولم يُعطه أجره، فقتله.
فقدان معيار العدالة حوّلهم إلى باحثين عن أي قوة ينفذون فيها الظلم. أصبحوا أحد الخارجين عن القانون ولكن مع البحث عن نظام للعدالة يعيشون فيه، ويصبحون هم الظالمين فيه.
متجليا في اتباعه لثائر آخر/ مدعي للنبوة لكن لأسباب سياسية أخرى. يذهب لموقع سانتو المقدس لاتباع نبي ديني يُسمَى"سيباستياو" يسير ورائه فلاحين كثر، ويصبح أحد المريدين له، بالأحرى أكثرهم جوعا وتمثيلها للتقديس.
على الرغم من أنه يطلب منه بالخصوص أعمال مرهقة لإثبات إيمانه بحمل صخرة لأعلى الجبل، ويُهينه بهذه الطلبات. ويطلب منه التضحية بابنه الرضيع ويقتله بالفعل، مع الادعاء بسكن الشيطان لزوجته روزا، لأنها تقاومه وتفهم استغلاله، التي تقتله في النهاية، في المذبح.
هناك تناصات مع الأديان الإبراهيمية في التضحية وكذلك في اختيار مانويل لأعمال صعبة دون عن بقية المريدين، ربما لإيمانه الشديد وقابليته، جوعه لعدل مطلق يجعله أحد أوجه الظلم الأخرى.
تَظهر لامنطقية المظلوم في البحث عن مخلص ولو حتى وهمي، والانتقال السريع بين المخلِصين المطروحين، بدون شك.
سيباستياو يُبشر بثورة عنيفة ضد ملاك الأراضي القمعيين، ويريد الطلوع على العرش، الثورة للمصلحة الذاتية، حتى يصبح هو السلطة.
مع خرافات كثيرة يتحدث بها تتعلق بالعدل الذي يأتي من الخارج، ونظام ميتافيزقي سيحدث، التسويف دوما طريقة عزائية عند المتدينين، فمن السهل رمي كل شيء يتعلق بتحقيق العدالة لماوراء الوجود حتى الشخص الذي يقول ذلك لن يشهده.
السُلطات الكنسية الرسمية تؤجر أحدهم لقتله، ولكن بقتل روزا له، يقتل القاتل الأجير كل من في المكان من مريديه، ويُبقِي مانويل وروزا أحياء لحكاية ما حدث، والترويج لقوته.
يَهربوا مرة أخرى لتبدأ مطاردة جديدة لهم، ولا يتخلص مانويل من حاجته للإيمان بأي قوة أيضا، يتحالفوا مع كوريسكو وهو قاطع طريق آخر يشبه سيباستياو، لكن بدون ادعاء ديني مباشر، مع نظام أسطوري أيضا، وحديث منشق عن المسيحية.
جميعهم لديهم خطاب شعري مُعتَنق، حتى أنطونيو الذي قتل كوريسكو يدرك ذنبه ويعلن قتل نفسه بعد ذلك، كلغة تلف الأسطورة.
الفيلم يستحضر ما يُمكِن تسميته في القسم الآخر من الفيلم علاقات الصراع الدائمة مع الشكل الوجودي، ويتم إشراك المشاهد بشكل غريب.
كوريسكو ليس قاتلا فقط، بل لديه مؤسسة أسطورية شعرية بليغة، تجعله يُسمِي مانويل الشيطان، ولا تجعله يبرر قتله بل يعبر عن هذه الأفكار بشكل طبيعي.
يقتل أنطونيو المستأجر، كوريسكو، ويهرب مانويل وزوجته مهرولين.
تقع روزا ويبقى مانويل مهرولا، يبدعروتشا في تحويل الصحراء/الأرض لبحر، الاستعارة المتكررة.
في تعليق بديع على الفيلم على الأشخاص المثالية التي تعيش في ظروف قاسية، وثورتها تجعل الأوضاع أكثر سوءا، ومعرفتها بذلك تجعل قسم منهم متماهي مع القيود قرأت
"مع توسع قوى المعرفة، تصبح القيود السابقة قابلة للاستهلاك.والأمر الأكثر إشكالية هو أن تثبيت هذه القيود قد يُنظر إليه باعتباره أداة مشبوهة تجعلنا بعيدين عن المعرفة"
روتشا ليس فقط مخرجا يناقش فيلم له قضية المستعمر والعنف والاستغلال بل منظر أيضا للأفكار الذي في هذا الحيز.
التشابه كبير وضخم بين البرازيل ومصر وغيرها في الخمسينيات، في أشكال القراءة للاستعمار، وأشكال الاستغلال وطرائقه.
يمكن من ذلك وجود معادِلات موضوعية عندنا مستقلة أتت برأسي عند المشاهدة لفيلم الأرض ليوسف شاهين، لكن هذا قريبا أكتب عنه.
في مقال لروتشا بعنوان جماليات الجوع يقول أن" لحظة العنف هي اللحظة التي يصبح فيها المستعمِر واعيا بوجود المستعمَر.
فقط عندما يواجَه بالعنف يستطيع المستعمِر أن يفهم، مِن خلال الرعب، قوة الثقافة التي يستعمِرها"
بشكل آخر يمكن القول أن إن طبيعة عنف المستعمَر تحدد ثقافته، العنف ليس واحدا، الدرجة التي يتم فيها التدمير، والأسس التي تبرر ذلك والكثير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي


.. تسجيل سابق للأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن يلقي فيه أبيات من




.. الفنانة غادة عبد الرازق العيدية وكحك العيد وحشونى وبحن لذكري


.. خلال مشهد من -نيللى وشريهان-.. ظهور خاص للفنانة هند صبرى واب




.. حزن على مواقع التواصل بعد رحيل الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحس