الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شعراء تونسيون حملوا هم القضية،وكتبوا -فلسطين شعرا-،ساروا بها نحو ضفاف الإبداع (قصيدة الشاعر التونسي القدير جلال باباي -تيقظ أيها الوطن من كومة الرماد حتى اراك..!-أنموذجا)

محمد المحسن
كاتب

2024 / 2 / 21
الادب والفن


-هرم الناس وكانوا يرضعون/عندما قال المغني عائدون/يا فلسطين ومازال المغني يتغني/وملايين اللحون/في فضاء الجوح تغني/واليتامى من يتامى يولَدون..-أحمد مطر-

تقديم : نخجل من الكتابة عن المقاومة العربية الجاسرة في فلسطين في زحمة الكلام.
نخجل لأنّ الكلمات،ما زالت تحوم في الفلك المحيط بجوهر المقاومة،ولأنّها تصبح فعلا مجسّدا خارجا من شرايين جسدها الغاضب وأوردتها.وستكون الكتابة عن المقاومة المدهشة فعلا مفعما بالصدق إذ تصبح عملا معادلا لعظمة اليأس الذي تجلى فيها دون مساومة.
الأن..وهنا..لا يملك الشاعر في اللحظات التي نعيشها غير الكلمات التي تولد من رحم الألم والغضب،ألم موت الأبرياء دون ذنب،وغضب من سلوك وحشي لعدو لئيم و غادر..
إنه منذ النكبة إلى هذه اللحظة،لم تفارق فلسطين المتخيل الشعري التونسي،بل ظل جرحها نازفا في تجارب الشعراء على اختلاف أشكال الكتابة التي اتخذوها دربا مضيئا في عتمات المشهد العربي،وعلى تبايُن خلفياتهم المعرفية والأيديولوجية.تحضُرُ بجغرافيتها الجريحة، وبأسماء مُدنها وحواريها،وبرموزها التاريخية وأسماء أعلامها وشهدائها..فهي غصن الزيتون المقصوف،والحمامة النازفةُ أمام بنادق الاحتلال،والأم الثكلى التي تحضن الأرضَ كي تُقبِّلَ ابنها الشهيد الذي عانقتْهُ أرض الجليلِ..
وحين أطرح السؤال التالي : كيف تسير القصيدة مع السلاح جنبا إلى جنب في مقاومة المحتل الغاشم؟يأتي الجواب من شعراء تونسيين ساروا بالقضية (قضية فلسطين )نحو ضفاف الإبداع (قصيدة الشاعر التونسي السامق جلال باباي "تيقظ أيها الوطن من كومة الرماد حتى اراك..!-نموذجا)،وستظل أسماؤهم منقوشة على صفحات ببليوغرافية الشعر العربي،مستندا في قولي إلى ما ذهب إليه الفيلسوف الفرنسي جيل دولوز من أن "الفنَّ في جوهره مقاومة".
ومن هنا يجوز القول-في تقديري-أن الشعر من الفنون التي رافقت الإنسان منذ فجر تاريخه، وما يزال،وخاصة في لحظات الاضطهاد والاحتلال وسلبِ الحريات،حيث يحضر الشعر إلى جانبِ السلاحِ لتحقيق فعل المقاومة،هذا الفعل الذي يستلزمُ الكلمةَ كما يستلزمُ الرصاصة.
استمتعوا معي بقصيدة الشاعر التونسي القدير جلال باباي..

تيقظ أيها الوطن من كومة الرماد حتى اراك..!

الإهداء : إلى اهالينا في غزٌة..إلى المرابطين في رفح تحت البيوت المتفحٌمة

سآوي إلى الطٌرق هذا الصباح
ملتصقا بالصيحات
أصحب معي الشهيد ورفاقه
في شوارع هذه المدن المطوٌقة بالاهازيج
سأُبقِي عليه الدّم متخثرا
وأحبٌر ذكرى اجتياج الدخان
سأترك بأُذْنيه صدى الرٌصاص
الذي رجَّ أركان الجسد
هبٌ شعب عظيم وهتف:
"القصاص للقناٌص... "
أسندُ بايمن ذراعي
يسار الجريح
ثمٌ أختطفه من تحت المقصلة
واجري...أجري
أحدِّق في الشجر
أكوٌم صرختي بالحجر
قد اخضرٌت يوم الأحد
يُناور هذا الشعب عدوٌه
في الثنايا العارية
يستكمل ملحمة الغضب
يحتفل بالنشيد فوق قارعة بلا عمد
ويطلع القمر بهيّاً
فسلامُ عليك أيها الشعب
يَومَ وُلِدتَ،يَومَ يحاصرك الغبار ،
ويَومَ تُبعثُ من كومة الظلام حيّاً
تنتفض الايادي بين مدٌ وشدٌ
وتنحت القصائد الطاعنة
في عشقها برزخا
لن تطاله أرجل المستبدٌ
تنجلي أمنياتنا أسرابا اسراب
تقرع أجراس أعراسنا
توقد اقباس قد ابتلعها الرٌماد
تلك جراح وطني تندمل
" هرمنا"..من أجل..
..أن تعلو...وتعلو أكثر راية البلد.
(جلال باباي)

إذا كان عمر الرصاصة محكوما بسرعة وصولِها إلى الهدف،فإن الكلمة/القصيدة تستمرُّ انطلاقتُها دون حدود زمنية،تؤثر وتُخلد،وتواصل تذكير الغاصبِ بعُقمِه الإنسانيّ،وتذكير المُضطَهَدِ بِعُمْقِه الإنسانيّ..
الآن،يُواصلُ جلال باباي،الغناء والمقاومة عبر الكلمة المجلجلة،جنبا إلى جنب مع د-طاهر مشي والراحل محمد الصغير أولاد أحمد ونعيمة المديوني وفائزة بنمسعود ونعيمة المناعي..والدكتورة آمال بوحرب..وغيرهم..
وهنا أقول : إن القصيدة تشكل أفقا للمقاومة والتحرر والوقوف في وجه الظلم،فالقضية الفلسطينية قبل أن نكون قضية سياسية،هي قضية أخلاقية،مما يجعلها تمثل للشعراء أفقا لإستحضار القيم الإنسانية النبيلة.
على هذا الأساس-وفي تقديري-قصيدة الشاعر التونسي جلال باباي "تيقظ أيها الوطن من كومة الرماد حتى اراك..! قبل أن تكون قصيدة تضامنية،هي بمثابة صرخة ضد الوحشية وهمجية العدو القاتل،وفي الإطار نفسه هي بمثابة رسالة أمل للشعب الفلسطيني "سلامُ عليك أيها الشعب/يَومَ وُلِدتَ،يَومَ يحاصرك الغبار/ويَومَ تُبعثُ من كومة الظلام حيّاً /تنتفض الايادي بين مدٌ وشدٌ /وتنحت القصائد الطاعنة/في عشقها برزخا /لن تطاله أرجل المستبدٌ /تنجلي أمنياتنا أسرابا اسراب/تقرع أجراس أعراسنا/ توقد اقباس قد ابتلعها الرٌماد.."
لدى قرَّاء الشعر في العالم سجل حافل بأسماء الشعراء الذين حملوا راية التعبير عن قضاياهم الوطنية، لكن شعرهم اتسع في نفس الوقت ليحمل سمة إنسانية أعمق، ومن ثَمَّ يمكن لقرَّاء أشعار لوركا وبول إيلوار وبريخت وبابلو نيرودا،أن يشعروا اليوم بالكثير من الامتنان لما تمنحه أشعار هؤلاء من مشاعر تفيض بالتضامن الإنساني، وتعزز من حضور القيمة الجمالية بوصفها المعيار الأهم في الحكم على جدارة النص الأدبي.
الأجيال الحالية،عليها ألا تستهين بالقضية الفلسطينية،وكل القضايا الإنسانية،فالإبداع بكل أشكاله وأطيافه،حضوره في الساحة والمشهد،يعتبر قوة إضافية وجناحا عتيدا للسياسي والشعبي أمام ما يقع في الضفة وغزة والقدس،باعتبار أن الإبداع هو منبع الوجدان..
وفي حوار مع الناقد شربل داغر،يقول درويش: «قوة الأمل لا تأتي دائمًا من قوة التعبير عن نهاية متفائلة لمجزرة إنسانية، لأن قوة الحزن وحتى قوة اليأس إذا عبر عنها بإبداع تخلق أملًا، وهو أمل القدرة البشرية على الإبداع».*
إن الشعر العربي هو سيد الفنون وأكثرها تفاعلاً مع القضايا الإنسانية لما يمتلك من خصائص موسيقية وصور جاذبة للمتلقي.وقضية فلسطين كانت وما تزال محوراً مهماً من محاور الشعر العربي،وأغلب الشعراء العرب كتبوا عن فلسطين ولفلسطين.وما يحدث في غزة اليوم من قتل وتدمير ممنهجين،هو حافز كبير على صياغة أجمل القصائد التي كتبها شعراء لا يملكون سوى سلاح الكلمة،ليعبّروا به عن تضامنهم مع قضية العرب المحورية،فكانت تلك القصائد دموعاً ممزوجة بالدم،وما هز وجدان هؤلاء الشعراء كان له الأثر الكبير على الوجدان الشعري للشاعر التونسي جلال باباي ، فكتب قصيدته النازفة جرحا غائرا في الضمير العربي" "تيقظ أيها الوطن من كومة الرماد حتى اراك..!-
على سبيل الخاتمة :
الآن وهنا نتطلّع إلى ملحمة البطولة التي تمثّلت على الأرض بالمقاومة،والتي ستتجلّى في تصحيح التاريخ بأمثولة تكتب لكل الشعوب ملحمة خالدة تقاوم الموت المتعسّف وتكشف زيف قوّة الذراع والسلاح،لتمجّد ألق الرّوح الشعبية التي تكتب الشعر بإيقاع الإنفتاح على الخلود.
لا أقول إنّ الرأس تطأطأ أمام الموت من أجل الوطن،بل أنّ الرأس لتظل مرفوعة فخرا بشعب أعزل يؤمن بأنّ الشجرة إذا ما اقتلعت تفجرّت جذورها حياة جديدة،وتلك هي ملحمة الإنبعاث من رماد القهر وهي بإنتظار من يدخلها ذاكرة التاريخ عملا عظيما يشع منارة في المسيرة الظالمة التي تنشر ظلمتها قوى الشر في هذا العالم.
سلام هي فلسطين..إذ تقول وجودنا تقول وجودها الخاص حصرا..فلا هويّة لنا خارج فضائها..وهي مقامنا أنّى حللنا..وهي السّفر..
وسلام..لوجدانك النقي..يا جلال المترَع بالجلال..


*راجع الحوار في كتاب محمود درويش يتذكر في أوراقي، مؤسسة سلطان العويس، دبي 2019،ص 330.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟