الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يلتقط العرب فرصة اللحظة التاريخية الراهنة؟ لماذا؟ ومتى؟ وكيف؟

حسن خليل غريب

2024 / 2 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


بعد ما ينوف على ثلاثة أرباع القرن من تجارب الحروب النظامية، وتجارب الكفاح الشعبي المسلح، وبعد أن تحوَّلت القضية الفلسطينية إلى أحلام غير قابلة للتنفيذ، كان لا بُدَّ من إطلاق صرخة من خارج المألوف الثوري العربي. ونحن لا نقصد بالمألوف من أهداف التحرير الثابتة، بل نقصد المألوف من وسائل إنجاز تلك الأهداف.
في دراسة سابقة عن القضية الوطنية الفلسطينية تاريخياً، ومآلاتها بعد طوفان الأقصى، تأكد لنا أنه طوال أكثر من ثلاثة أرباع القرن لم تستطع الأمة العربية، بجيوشها النظامية وبمقاومتها الشعبية المسلحة، أن تحرز قسطاً ضئيلاً من أهداف التحرير، لا بل تحولت تلك القضية، بعد خروج قواتها المقاتلة من لبنان في العام 1982، إلى كرة تتقاذفها مصالح الخارج وأهوائه، وإهمال النظام العربي الرسمي، إلى أن أُسِرت في قفص اتفاقية أوسلو في العام 1993، وتُركت لقمة سائغة للكيان الصهيوني لكي يفصِّل لها الثوب الذي عليها أن تلبسه، وتقديم لقمة الخبز التي عليها أن تشبع منها على قلتها وتقنينها. وكاد غبار النسيان على هشاشته أن يطمس معالمها، وغابت حتى عن اهتمام حركة التحرر العربية، لولا أن كانت تعيدها إلى الحياة بعض الانتفاضات الفلسطينية من جهة، وتقديم مشروع رسمي عربي في القمة العربية في العام 2002.
وبعد احتلال العراق في العام 2003، عادت القضية الفلسطينية إلى عالم النسيان لو لم يتم تحريكها في قطاع غزة، وكان دور التحريك فيها عائد إلى دور حركة حماس بعد استلامها للسلطة فيه. وكان استلامها السلطة مسكوت عنه من قبل الكيان الصهيوني ربما من أجل إضعاف القضية بشرذمة القوى الفلسطينية بين الضفة والقطاع.
وإن كانت اللحظات والوقائع التاريخية سجنت القضية في مساحة اتفاقية أوسلو الجغرافية الضيقة، فمن رحم أوسلو وُلدت تجربة جديدة، أوصلت الوضع إلى حدود صنع عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر من العام 2023. وكانت تلك العملية لحظة تاريخية لا تشبه اللحظات التي سبقتها، وقد لا تتكرر لعشرات السنين القادمة.

لماذا 7 أكتوبر لحظة تاريخية يمكن التقاطها؟
جاء توقيت عملية طوفان الأقصى في لحظة تاريخية مفصلية في التاريخ الدولي الراهن، وهي: - بعد غرق أميركا طوال ثلاثين عاماً بحلم حكم العالم بقطبية أميركية واحدة. وكان غرقها نتيجة لمغامراتها العسكرية باستراتيجية (الصدمة والترويع). وفيها وقعت في الكثير من الأخطاء الاستراتيجية أيضاً. وكانت نقطة البداية فيها السيطرة الكاملة على بترول المنطقة العربية، لأن من يسيطر على البترول، كما قال الرئيس أيزنهاور: (يسيطر على العالم).
عندما بدأت أميركا بتنفيذ استراتيجيتها، كانت مسكونة بأحلام وردية أوحى بها سقوط الاتحاد السوفياتي في العام 1991. ولم تمتد فترة الأحلام إلى أبعد من العام 2011، عام البدء بتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد، الذي توقف بعد فشل الغزو العسكري للعراق، وفيه أضافت إلى أخطائها أخطاء كثيرة. وكان من أهم نتائج تلك الأخطاء تكوين عاملين مركزيين، وهما:
-تحفيز الدول الكبرى، روسيا والصين، للبدء في تقويض الحلم الأميركي، والعمل على صياغة نظام عالمي جديد تقوده أكثر من قطبية واحدة.
-فقدان مصداقيتها مع حلفائها من الأنظمة العربية. ووضعهم في دائرة العداء لأول مرة في تاريخ العلاقات العربية – الأميركية.
تضافر العاملان على إلحاق الضعف بالقوة الأميركية، وترجمت تلك العلاقات إلى وضع رؤى استراتيجية تقوم على شكل اتفاقيات اقتصادية ميدانها وقف الحروب في المنطقة.
مستفيداً، وحذراً من نتائج الاستراتيجية الأميركية العسكرية، استفاق الاتحاد السوفياتي بحلته الروسية التي كانت لا تزال تحتفظ بترسانتها النووية. ومن دون تفصيل حول هذا الجانب، كان المارد الصيني قد بلغ القمة بترسانته الصناعية ودخل منافساً بقوة للولايات المتحدة الأميركية. وفي الوقت الذي أخذت فيه روسيا والصين تتسللان من الثقوب التي تركتها العنجهية العسكرية الأميركية في المنطقة، وتحققان نتائج إيجابية في توقيع اتفاقيات اقتصادية، جاءت عملية طوفان الأقصى في تلك المرحلة الانتقالية لتشكل اللحظة التاريخية المناسبة التي أحدثت ما يشبه الزلزال الذي لن تتوقف ارتداداته حتى تستقر أوضاع الشقوق وتمتلئ فراغاتها بصياغة نظام عالمي جديد، يخطط لبناء استراتيجية لشرق أوسط جديد، يمكن تسميته بـ(طوفان شرق أوسطي)، قائم على بناء نظام خالٍ من الحروب والقلائل مهما صغر حجمها.
عملية عسكرية بوسائل شعبية بسيطة لإعادة إحياء القضية الفلسطينية، تلاقت مع لحظة من اللحظات التاريخية الدولية التي تعمل على إخماد نيران عسكرة المنطقة، أعطاها التلاقي زخماً استراتيجياً، لتشكل مدخلاً أساسياً للتأكيد على أن إحلال السلام في المنطقة لا يمكن أن يكتمل من دون حل سلمي للقضية الفلسطينية.
تضافرت تلك العوامل مجتمعة، بالإضافة إلى فشل التحالف الصهيوني – الغربي بالقضاء على المقاومين الفلسطينيين في غزة أولاً، وفي الضفة ثانياً، لإحداث انقلاب تاريخي في المواقف الغربية. وظهرت المفاجأة الكبرى في الإجماع الغربي، الأميركي والأوروبي، على حل الدولتين، الذي من دونه، كما أجمعت تلك الدول على الترويج له، ستبقى المنطقة على صفيح ساخن، وبه سيفقد المحور الغربي كل مصالحه في المنطقة العربية، هذا بالإضافة إلى توقيف عجلة التطبيع مع العدو الصهيوني التي كان ذلك التحالف يعتبره (صفقة القرن).
تلك هي اللحظة التاريخية، التي اجتمعت على إخراجها الدول الكبرى الشرقية مع النظام العربي الرسمي، طبعاً على وهج عملية طوفان الأقصى، والتي على تأثيراتها يجب أن يكتمل نسج نتائجها. وما عزَّز حظوط التقاطها هي المتغيرات في المواقف الغربية.

متى يمكن التقاطها؟
تحت العنوان العريض، الانتقال من مرحلة عسكرة المنطقة العربية إلى تحويلها إلى ساحة تضمن حرية انتقال الرساميل إليها، جاءت عملية طوفان الأقصى لتُثبت أن العسكرة تعتبر الداء المميت لكل المشاريع الاقتصادية الواعدة، خاصة بعد أن فشلت القوة الصهيونية الهائلة المدعومة بكل وسائل التكنولوجيا الحربية لدول الغرب مجتمعة في إطفاء شعلة العملية الفلسطينية التاريخية.
لقد اكتسبت عملية الطوفان تاريخيتها من فرادتها العسكرية، وما كانت لتؤتي ثمارها لو لم تترافق مع اللحظة التاريخية للمرحلة الانتقالية إلى نظام عالمي جديد من جهة، وكذلك ترافقها مع القرار العربي الذي أحيا مشروعه القديم لحل القضية الفلسطينية على أساس (الأرض مقابل السلام)، الذي يعود سباته إلى ما قبل عشرين سنة مضت من جهة أخرى.
قلَّما تتلاقى لحظات تاريخية في وقت واحد، وإذا ما تساءلنا: متى يمكن التقاطها؟ لن نتردد بالقول: إن اللحظة التاريخية لا تنتظر طويلاً، فالاستفادة منها لأنها حصلت في أكثر الظروف ملائمة لالتقاطها، فلا يجوز تأجيل التقاطها إلى اللحظات الآتية، بل على المهتمين بها، دول كبرى، ونظام عربي رسمي، وقوى شعبية عربية، وقوى وفصائل فلسطينية.
وبعد أن أثبت النظام العربي الرسمي عبر تاريخ الصراع العربي – الصهيوني- عجزه عن تحرير فلسطين. ولأن الكفاح الشعبي المسلَّح لم يستطيع أن يقوم بتلك المهمة، وتوقَّف دوره عند المحافظة على هوية فلسطين العربية. ونتيجة لهذا الاستقراء التاريخي، كانت لحظة عملية طوفان الأقصى التاريخية عاملاً مهماً في اللقاء بين العمل السياسي العربي الرسمي بقاعدته (الأرض مقابل السلام)، وبين استراتيجية الكفاح الشعبي المسلح، لكي يتكاملا في هذه اللحظة ويتخادمان في وضع القضية الفلسطينية على مسار الحل العملي والواقعي.

وأخيراً، يبقى السؤال:
وكيف يمكن التقاطها؟
يقول المثل الشعبي: (صاحب الأرض أدرى بشعابها)، و(من يأكل العصيَ ليس كمثل من يَعِدَّها)، وهذا يقودنا إلى اعتبار الفلسطينيين أولاً، والعرب ثانياً، هم أكثر ما ينطبق عليهم المثلين. وعليهم تقع مسؤولية اتخاذ القرار، والوقوف حتى صياغته بشكل محكم كي لا يتضمن أي قرار يشارك به الآخرون ألغاماً تقضي لجان التفاوض الأيام الآتية بالانشغال بتفسيرها.
بعد عملية طوفان الأقصى، ولأول مرة في تاريخ الصراع العربي الصهيوني تتلاقى عقارب الساعة لأكثر من قوة دولية وعربية، على محور واحد، محور استعادة الفلسطينيين للبعض من حقوقهم ليعيشوا كما تعيش شعوب الأرض قاطبة.
تلتقي العقارب على هذا المحور مؤيدة هذا الحق، وبشكل غير مفتعل، كل من الرأي العام الشعبي الأممي، التحالف الدولي المناهض للأمبريالية الرأسمالية الغربية، والتحالف العربي الرسمي، هذا بالإضافة إلى قوى وتيارات حركة التحرر العربي، ويأتي في المقدمة منهم التأييد الشعبي الفلسطيني بفصائله كافة.
إنها لحظة تاريخية جمعت كل تلك القوى، التي لم تجتمع قبل ذلك على الإطلاق، ففرضت بإجماعها على التحالف الغربي الرأسمالي أن يعترف بـ(الحق الفلسطيني في دولته القابلة للحياة)، والتي من دون ضمان الوصول إليها ستبقى المنطقة العربية -مصدر الثروات التي يسيل لها اللعاب الرأسمالي- على كف عفريت، إذ ماذا تنفعه القاعدة الصهيونية العسكرية المتقدمة بمشروعها التوراتي الغيبي، من دون لبن المنطقة العربية وعسلها؟
افتراضاً أن ما ننتظره من متغيرات في الاستراتيجية الرأسمالية الغربية، سيكون متغيراً خالياً من الخداع المرحلي المعروف عنه، ننتظر أيضاً -وبشكل أساسي- أن يلتقط النظام العربي الرسمي، بما يمتلك من قوة التأثير الاقتصادي، هذه الفرصة للمزيد من الضغط على دول الرأسمال الغربي، وفي طليعته الولايات المتحدة الأميركية. وأن يبقى موقفه ثابتاً على تنفيذ مشروعه السابق (الأرض مقابل السلام)، خاصة أنه يمثِّل الحد الأدنى من حقوق الشعب الفلسطيني في موطئ قدم على أرضه الوطنية، لينطلق منه إلى بناء مستقبل للفلسطينيين في دولة مضمون أمنها السيادي دولياً وعربياً؛ ومضمون مستقبلها الاقتصادي والاجتماعي بقدرات فلسطينية، وإمكانيات اقتصادية عربية.
وإلى ذلك الحين، وقبل أي شيء آخر، أن تُجمع الفصائل الفسطينية بكل تشكيلاتها، على بناء نظام سياسي وطني، تحدد أرضيته وسقوفه مبادئ الديموقراطية والعدالة الاجتماعية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أوضاع مقلقة لتونس في حرية الصحافة


.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين: ماذا حدث في جامعة كاليفورنيا الأ




.. احتجاجات طلابية مؤيدة للفلسطينيين: هل ألقت كلمة بايدن الزيت


.. بانتظار رد حماس.. استمرار ضغوط عائلات الرهائن على حكومة الحر




.. الإكوادور: غواياكيل مرتع المافيا • فرانس 24 / FRANCE 24