الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لنُراهن على ذاتنا، ولنتوقّف عن تقديس أداة الفُرس.

ازهر عبدالله طوالبه

2024 / 2 / 22
القضية الفلسطينية


نعم، أنا مع إعمال القاعِدة الّتي تقول "فليتحارب الظالمون مع بعضهم البعض، وليسيلوا دماءَ بعضهم". لكن، أنا أتعجّب مِن الهالَة التقديسيّة والتّعظيميّة الّتي بدأنا نُغطّي بها جماعة " ‎أنصار الله" ‎الحوثيون، وهُم في حقيقة الأمر، لا يقلّونَ دمويّة عن الكيان ؛ إذ أنَّ من يقنُص الطفلَ اليمنيّ ومَن يدمّر البلاد إرضاءً لاحتلالٍ فارسيّ وإقامةً للمشروع السّلاليّ، لهو الأحقّ بوصف المُجرم الدّمويّ، الخال من أيّ روحٍ إنسانيّة.
وبذاتِ الوقت، من الجيّد أن نتعامل مع ما يحدُث في "‎باب المندب" على أنّهُ أمر يُزلزِل الكيانَ اقتصاديّا، وليس أكثر من ذلك. لكن، أن نقولَ أنّهُم شُركاء معنا ب"وحدة الدّم" فهذا أمرٌ مُستغرَب...فماذا تختَلف دماء الأطفال اليمنيين المُراقة عن دماء أطفال غزّة؟!

إنّ صور الإنحِطاطِ الأخلاقيّ كثيرة، إلّا أنّنا أمامَ صورَةٍ تُقرأ بالعينِ المُجرّدة، وغير مُستعصِية على أحد، ألا وهي ؛ أن تُحاول ميليشيات غاشِمة، ضارِبة في أعماقِ الدمويّة، أن تستَخدم قضيّة عادِلة لتُشرعِن وجودها، ولتوثِّثَ لهُ ما عجِز سلاحها - الّذي سفكَ دماء الأبرياء- عن التّأثيث له..ونقصُد هُنا، ميليشيا جماعة الحوثي "أنصار الله". تلكَ الجماعة الّتي أسرَفت في تدمير اليمن، وبذلَت كُلّ ما بوسعها لتجعَله يمنًا تعيسًا بدلًا مِن أن يبقى يمنًا سعيدا.
وإنَّ الانتصار للقضيّة الفلسطينيّة يكون بالتصدّي لمثلِ هذا الاستثمار الدّنيء، ب" تعريَة الانفصام القيمي للجماعة، وحِراسة لنزاهة القضيّة..وإنّهُ مِن أسمى درجاتِ الإرادةِ الحُرّة ضدّ كٌلّ ميليشيا مُغتَصِبة، في أيّ مكانٍ على وجه المعمورة ".

وقَد يقول البَعض، مُستغرِبًا، أنَّ كُل هذا الكُره للحوثيين، متولِّد مِن قُربها لإيران، واعتباره أمرًا محرّما عليه وجُرما كبيرًا عليها.
نعَم، متولِّدٌ مِن ذلك. لكن، ليسَ بالقُرب بمعناه الحرفيّ، وإنّما بقبولها بأن تكونَ أداةً بيد أبناء فارس لتحقيقِ مشاريعهم على أرضنا العربيّة.
فمُعضِلة "أنصار الله" لا تكمُن بالدّرجةِ الأولى بقُربها مِن إيران الشيعيّة، وإنّما تكمُن باعتبارها جماعة تأتمِر بأوامرِ إيران "الصفويّة، الفارسيّة". ولا يُمكِن الخُروج عن النّسق السياسيّ الذّي تتّبعهُ إيران مِن خلال ميليشياتها في المنطِقة، سعيًا لتقويةِ المقولة السياسيّة، ذات القرنينِ ونيف، والّتي تقول أنّ "أبناء فارس جسرًا للمذهَب الشيعيّ، والعَرب جسرًا للمذهب السُنيّ". ومِن هُنا، يُمكن القَول، أنّ إيران، مِن خلالِ استعمالها للمذهب الشيعيّ، وشطره إلى قسمَين ؛ شيعة "النّجف"، وشيعة "قُم"، تمكَّنت مِن اللّعب على نُقاط الضُعف التي تأكُل القوميّة العربيّة، والّتي ضُخّمت بشكلٍ كبير على أيادي الغَرب، الّذي درسَ الصّراع المذهبيّ دراسة عميقه، مكّنتهُ مِن قطع أغصانها وتثبيتِ جذورها حينما يجِِد أنّ إعمالها يصبّ في مصلَحته.

وعلى صعيدٍ أوسَع، فإنَّ جماعة "أنصار الله" لهُم ارتباطٌ بمَن يرفعونَ شعار موتهم، وقد يكون ذلكَ واضحًا من خلال عدم تعامُل أميركا معهُم كما تعامَلت مع القاعدة، بل أنّني أميلُ لرأي قالَه صحفيّ يمنيّ، بأنّ العلاقة ما بينهما، الجماعة وأميركا، على العلَن، تختَلف عن العلاقة في السّر، وأنّ هذا الأمر توضّح لنا، بعد أن فرضوا الجماعة على الحِوار الوطني، لتُصبح طرفا من أطرافه دون قيدٍ أو شَرط، بل أنّ أميركا منتحتهُم مقاعدًا أكثر من غيرهم في هذا الحوار.

لذا، فإنَّ مسألة التّجريم والتّحريم، لا تكون إلّا في أُطرها السياسيّة، الّتي يتمّ التعامُل معها وفقَ منهجيّة "الشّعرة والسّكين". فإيران، بكلّ مخطّطاتها التمدّديّة، المُستخدِمة للدّين، شغلها الشّاغِل، أن تبني لها في كُلّ دولةٍ عربيّة "قُم" جديدة، تُحي بها مشروعها القوميّ المُعادي للعَرب، والجسر لذلك، هو الدّين، أو بشكلٍ أوضَح، المذهبيّة الدينيّة.

ومِن الأهمّية بمكان، في ذات السياق، أن نؤكّد على أنّه مِن أكبر المُعضلات الّتي وقعنا بها ؛ أنّنا لم نتفطّن لكلّ العلاقات مع دول فارِس، بل لم نقرأ تاريخ الإمبراطوريّة الفارسيّة بشكلٍ جيّد، حتى نخرُج من خندَق "مع أم ضد" في واقعنا المُعاصر.
فنحنُ كعرَب، كما هو معلومٌ للقارئ، أمامَ صراع قوميّات وامبراطوريّات تُريد الانبعاث من جديد على جُثثِ العَرب والعروبة.
وبكلّ صدقٍ وأمانة، أقول بأنّ أهمّ الفوارِق بيننا وبين القوميّات المُتصارعة معنا، الفُرس والطورانيون، تكمُن بأنّ كلّ منهُما لهُ مشروعٌ واضِح، يعمَل عليهِ بصبرٍ وتأنّي، إلّا أنّ هذا المشروع لا نجاحَ لهُ على حسابِ العَرب، إلّا اذا بقيَ العَرب في حالةٍ ركونٍ مُطلق، وقَبول بالذلّ والهَوان والخُضوع لكُلّ مَن يرونَ علوّ كعبه عليهم.

وأخيرًا، أقول: إيران وإسرائيل في خانةٍ واحِدة، حينما يتعلّق الأمر بالأمن القوميّ العربيّ، ولا يُمكِن أن ننجوا مِن أيّ منهُما باللّجوء إلى الآخر ؛ إذ أنّ كِلاهُما ينظُران لنا كفريسة، سيحين وقت الإنقضاض عليها.
فلا نجاةَ لنا مِن إيران، ولا حياةَ لنا خالِصة مِن إسرائيل ؛ إلّا اذا اعتمدنا على أنفُسنا...وهذا ما يقوله التّاريخ لنا. حيث أنّنا راهنّا، أشدّ الرّهان، على الحُلفاء، إبّان الحرب الكونيّة الأولى، والنّتيجة، كانَت الاستعمار، وراهنّا على أميركا، عند انتهاء الكونيّة الثانية، فأكلتنا بكُلّ شُحومنا...وبعد ذلك، قبلنا أن نكونَ تحت إبط السّوفييت، فكان الأمر بمثابة جري وراء السّراب..أمّا الرّهان الآن، فهو قائمٌ على "روسيا"، "إيران"، "تُركيا"..وها نحنُ نرى نتائجه بأمّ أعيُننا.
وعليه، فإنّني أقول، بأنّه بقيَ شيءٌ واحد لم نُراهن عليه، وبالتّأكيد، هو الرّهان الوحيد الّذي سيحقّق لنا ما نصبوا إليه، ألا وهو أن نُراهِن على "ذاتنا".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رفح: هل تنجح مفاوضات الهدنة تحت القصف؟ • فرانس 24 / FRANCE 2


.. مراسل شبكتنا يفصّل ما نعرفه للآن عن موافقة حماس على اقتراح م




.. واشنطن تدرس رد حماس.. وتؤكد أن وقف إطلاق النار يمكن تحقيقه


.. كيربي: واشنطن لا تدعم أي عملية عسكرية في رفح|#عاجل




.. دون تدخل بشري.. الذكاء الاصطناعي يقود بنجاح مقاتلة F-16 | #م