الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصومال والتواجد التركي العسكري البحري

خالد حسن يوسف

2024 / 2 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


مجلس الوزراء ومجلسي النواب والشيوخ بتاريخ ٢٠ فبراير ٢٠٢٤ صادقوا على إتفاقية دفاعية واقتصادية بين الصومال وتركيا، مدة الاتفاقية عشر سنوات.
وفي تصريح صحفي لرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ذكر"أن هدف الاتفاقية حماية السواحل الصومالية عسكريا، ومن الصيد الجائر،الثلوث،القرصنة ،الإرهاب،تأسيس قوات بحرية صومالية واستثمار الموارد البحرية بين الدولتين."(١)
الا أنه لم يذكر إذا ما كان ذلك يشمل قطاع النفط والغاز البحري.

كما أن الاتفاقية لم يشار إلى مضمونها رسميا، وإذا ما كانت عسكرية شاملة، أم أنها محصورة في إطار جغرافي محدد وهو الحدود البحرية والسواحل الصومالية.
وان كان هناك إمكانية لتشمل حماية الحدود البرية والمجال الجوي الصومالي من اعتداءات خارجية؟
ويبدو أنها تأتي على غرار إتفاقيات تعاون عسكري مشترك ابرمها الصومال مع دول منها الولايات المتحدة،بريطانيا،الإمارات العربية وتركيا ذاتها التي كانت تعاونت مع مقديشو فيما مضى بهذا الصدد.

وبحكم أن تركيا دولة عضوة في حلف الناتو ووجود تواجد لدول غربية منها الولايات المتحدة،بريطانيا وغيرها في السواحل البحرية الصومالية، هل ستشمل الحماية من الاختراقات الخارجية تلك الدول؟
أم أن هذا الأمر متروك لمسؤولية الحكومة الصومالية وكيفية إدارة علاقاتها الخارجية مع تلك الدول؟

وبتالي فإن المساحة الحقيقية المتروكة لتواجد التركي العسكري في السواحل الصومالية محدودة في إطار مواجهة الإرهاب الضبابي لاسيما وأن حركة الشباب الصومالية ليست نشطة وذات فعالية على المستوى البحري، ناهيك عن عدم وجود تهديدات إرهابية بحرية في العقود الأخيرة في تلك السواحل،بينما يظل ملف القرصنة البحرية أمر ذو فعالية وحضور ويمكن التعويل عليه.
والمحصلة أن طبيعة الحضور التركي سيكون هدفه بالدرجة الأولى حماية المصالح الاقتصادية الدولية وليس الأمن القومي الصومالي، بالإضافة إلى حالة تمدد وحضور تركي في منطقة جغرافية هامة جدا.

في حين أن هناك واقع تهديد فعلي لسيادة الصومال واختراقات عسكرية خارجية من قبل جيرانه ممثلين في إثيوبيا وكينيا، ونظرا لمنح الاتفاقية بين الصومال وتركيا أهمية رئيسية للبعد الجغرافي البحري تحديدا، فإنها لن تكون فعليا بذات جدوى تعاون مشترك لحماية سيادة الصومال، بقدر ما أنها ستخدم حماية مصالح اقتصادية تركية مع الصومال.

وبين تركيا واثيوبيا شراكة اقتصادية كبيرة، حيث تتواجد أكبر استثمارات خارجية لاتقرا على مستوى القارة الافريقية في إثيوبيا. ناهيك عن حالة تعاون عسكري فعلي ما بين الدولتين، خاصة وأن تركيا لعبت دور بارز في دعم الحكومة الإثيوبية في حربها ضد الجبهة الشعبية لتحرير التجراي.

والتهديد العسكري والأمني الرئيسي والذي يعاني منه الصومال يأتي عبر اختراق حدوده البرية ومجاله الجوي، وفي هذا السياق ليس جليا مدى الدور الذي يمكن أن تساهم فيه تركيا بصدد دعم سيادة الصومال عسكريا، كما يستشف من ملامح خطاب الرئيس الصومالي حسن شيخ بشأن الاتفاقية أن الغرض منها هو منع وصول إثيوبيا وغيرها إلى السواحل البحرية الصومالية، ويأتي ذلك على خلفية امتيازات اقتصادية ممنوحة لتركيا، وتلبية لمخاوف صومالية أمنية ترغب في ابرام صفقة مقايضة ما بين الطرفين.

وقول الرئيس الصومالي أن "تركيا ستحمي السواحل الصومالية من تجاوزات إثيوبية أو غيرها."(٢) يبدو أنه خطاب للاستهلاك، نظرا لوجود تعاون عسكري تركي مع أديس أبابا.
الأمر الاخر أن تركيا رعت فيما مضى مصالحة ما بين الحكومة الصومالية والكانتون الانفصالي في الصومال، والذي أدى توقيعه إعلان إتفاق مشترك مع إثيوبيا في ١ يناير ٢٠٢٤، الا عقد إتفاق تعاون عسكري مع انقرا كحالة رد على التهديدات أديس أبابا تجاه الصومال.

وفي إتجاه أخر ابرمت الصومال في شهر فبراير ٢٠٢٤ إتفاق عسكري قضى بمنح الولايات المتحدة خمسة قواعد عسكرية على إمتداد البلاد، قيل أن الغرض منها دعم الجيش الصومالي على مستوى التدريب العسكري ولمواجهة الإرهاب، وليست لها صلة بحماية أراضي الصومال من اجتياح إثيوبي.

وبدورها فإن دولة الإمارات العربية المتحدة لديها إتفاق عسكري فعلي على مدى سنوات مع الصومال، رغم انه لا يمثلك المشروعية القانونية بعد، لكونه لم يجد المصادقة بعد من قبل البرلمان الصومالي.
والإمارات تتواجد عسكريا في جزء من الساحل الشمالي الشرقي لصومال، والذي سيشهد الحضور التركي البحري، وفي ذلك واقع تضارب لمصالح تركيا والإمارات اللتان ستجدان بعضهما في ظل دائرة جغرافية مشتركة، ناهيك عن تواجدهما عسكريا في مقديشو ذاتها.

وبصيغة أخرى فإن الحكومة الصومالية تسير على غرار منحى جيبوتي، والتي منحت قواعد عسكرية للعديد من الدول ومنها المتنافسة كمثال الصين والولايات المتحدة، وابعاد هذا الوجود المتضارب هو سعي الحكومة الجيبوتية على عائدات مالية وحماية أمن النظام، ويبدو أن المسار الصومالي يسير في الإتجاه ذاته، وتشوبه حالة تخبط بفعل غياب إستراتيجية أمن قومي، ناهيك عن تاثره بأداء الحكومات المتعاقبه وعدم عمله في ظل سياق سياسي متكامل.

والجدير بالذكر أن الحكومة الصومالية قد تحفظت عن ذكر بنود الاتفاق العسكري الاقتصادي مع تركيا، ولم يتم الإعلان بعد عن جزئيات أو مضمون الصفقة ما بين الدولتين، الا أن التصريح عن الاتفاق قد وجد ترحيب شعبي عام، نظرا لحالة الاحتقان الشديد السائدة في الصومال بفعل التهديدات الإثيوبية.
والرئيس الصومالي قال "أن هناك ما يبرر عدم الإعلان عن بنود الاتفاق."( ٣)

بينما تتطلب الضرورة الإعلان عن طبيعة الاتفاق وابعاده لكونه ذو صلة بمصالح الصوماليين، والتي لا يجوز نسج تفاصيلها بمعزل عنهم. وغير مبرر أن توقع مؤسسات الدولة الصومالية التنفيذية والتشريعية بنود إتفاق خارجي مع دولة أجنبية وفي المقابل أن يتم إخفائه عن الشعب!

المفارقة أن الصوماليين تاريخيا عهدوا الحضور والدعم العسكري التركي في القرن السادس عشر الميلادي، وذلك في ظل دولة سلطنة عدل، حيث كانوا دعموا مسلمي السلطنة والذين كان الصوماليين أبرزهم حضورا، خلال مواجهتهم لتوسع الحبشي في القرن الافريقي.
حيث منحت السلطنة العثمانية السلاح والخبراء العسكريين، ناهيك عن قوة عسكرية قدرها ٥٠٠٠ جندي لدعم سلطنة عدل، الا أن الإمام القائد أحمد بن إبراهيم، فيما بعد كان قد طلب مغادرة قوات العثمانيين إلى اليمن، حينما توجس منهم عسكريا.

فكيف سيبدأ وسينتهي واقع التعاون العسكري الصومالي والتركي؟
ورغم أن مؤشراته الأولى جيدة، وانطلقت من دعم وتدريب وحدات من الجيش الصومالي، وتأهيل الكثير من الضباط الصوماليين في الأكاديميات العسكرية التركية، في حين أهدر الجانب الصومالي المجهود التركي بهذا الشأن، بفعل صراعات السياسيين والذين فككوا تلك الوحدات العسكرية التي دربتها تركيا.

مبدئيا تركيا دولة ذات مصالح في الصومال وحضورها أولا وأخيرا ليس على خلفية المساعدة، بل نظرا لوجود مصالح حيوية واقتصادية لها في القرن الافريقي عموما، والتي تمثل منطقة إستراتيجية بالغة الأهمية على المستوى العالمي، والصومال لن ينال تضحيات تركية عسكرية لحماية أمنه القومي دون مقابل، وهو مخول للإستفادة من الإمكانيات التركية لإعادة تأسيس قواته البحرية والمسلحة عموما.

وفي ظل تقارب مقديشو مع انقرا وتحديدا خلال ولاية حزب العدالة والتنمية وحلفائه، خاصة وأن توجهات السياسة الخارجية للاحزاب السياسية التركية في بعض الملفات ليست متماشية مع نظرة الائتلاف الحاكم في تركيا، وهو ما يمكن أن يصيب التعاون العسكري الصومالي مع تركيا في مقتل ان لم تفعل الحكومة الصومالية التزاماتها سريعا.

وعلى أرض الواقع فإن التعاون العسكري البحري الصومالي مع تركيا سيشمل الكانتون الانفصالي، والذي سيؤذي وجوده على مساحة كبيرة من الساحل البحري، الا أن يتعاطى معه الأتراك عسكريا والتنسيق معه، لا سيما وأن انقرا تتعامل معه فعليا كقوة سياسية صومالية وفي ظل وجود إتصالات مشتركة بينهما.

والمحصلة أن هذا الحدث الجديد يأتي في ظل التخبط السياسي المعهود للحكومات الصومالية المتعاقبة، وعلى المدى القريب لن يكون سبيل نجاة صومالية من التدخلات الإثيوبية لكون مضمونه محدود ولن يضع تركيا في وجه إثيوبيا

- تصريح صحفي لرئيس الصومالي حسن شيخ محمود،التلفزيون الصومالي، ٢٠ فبراير ٢٠٢٤،مقديشو.
٢ المصدر ذاته.
٣ المصدر ذاته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -