الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ضوء /رواية

ذياب فهد الطائي

2024 / 2 / 23
الادب والفن


السبت 04-07 -2022
الساعة الواحدة ظهرا










سألني السائق الى البيت أم الى الشركة ، كان معتادا ان ينقلني الى الشركة وهو ينتظرني على بوابة الخروج في مطار بغداد الدولي
-لا البيت ولا الشركة ...الى مستشفى الشفاء
التفت نحوي مستغربا
-صديقي أبو حكمت ، انت تعرفه ، في المستشفى
تعرفت على عبد الستار مجبل وأنا في الثالث المتوسط ، كنت أشارك في مظاهرة في بغداد للتنديد بالعدوان الثلاثي على مصر ،كنت مندفعا أهتف بحماس وأتقدم نحو حاجز الشرطة ، أمسك بيدي شاب طويل القامة جاد الملامح
-لا تقترب من الشرطة فهم الان مستفزون
-ثم ماذا ؟
-ثم يعتقلوك....أنت في مظاهرة منضبطة
أعجبتني كلمة منضبطة وحرصه على سلامتي
كان يتصرف وكأنه أحد المسؤولين في قيادة ظاهرة ،بعد المظاهرة التي فرقتها الشرطة ذهبنا الى مقهى البرلمان ،كان النقاش السياسي يطغي على صوت فرقعة قطع الدومينو وهي تنزل بقوة على الطاولات الخشبية ،واكتشفت إن عبد الستار يمكن تصنيفه مع اليسار في حين كنت اعتبر نفسي مع التيار القومي ...ومع توطد علاقتنا اكتشفت انه غير منظم لأية حركة سياسية ولكنه من المثقفين الماركسيين ،مع هذا بقينا أصدقاء ...كان يسكن في كرادة مريم وكنت في الزوّية التي كانت في حينه بساتين وطرق ترابية كان هو في الكرخ وكنت في الرصافة ولكن المسافة بيننا لم تكن بعيدة نسبيا
دعوته لزيارتنا ...بسرعة استطاع ان يعقد صداقة مع والدي في حين كان أخي الصغير مأخوذا بسلاسة عرضه للوضع السياسي ولتفسير ه لتطور المجتمعات الإنسانية
حين التحقنا بالجامعة كان هو في كلية الآداب قسم الاقتصاد وكنت في كلية الهندسة....وفي خضم الخلافات السياسية الحادة بين اليسار والتيارات القومية في أروقة الكليات في جامعة بغداد وحتى في المدارس الثانوية وعلى مستوى المقاهي وتجمعات الشباب في احياء بغداد، لم تتأثر علاقتي بعبد الستار، كنا نلتقي أسبوعيا في مقهى البيروتي على دجلة نشرب الشاي ونناقش بعض جوانب سياسية ولكن بهدوء ، وكانت امي تسألني دائما عنه
-ما اخبار صديقك؟
-بخير
كنت اعرف انها تعني عبد الستار
-لماذا لا تدعوه للغداء معنا؟
وكان يحضر بإلحاح مني

توقف السائق امام باب مستشفى الشفاء الأهلي ،تركت السيارة مسرعا
-اين غرفة المريض عبد الستار ثجيل رجاء؟
تطلعت موظفة الاستعلامات في كشف المرضى وحين أعلمتني برقم الغرفة لحظت في عينيها لمحة أسف جعلتني أشعر بأن الامر لا يخلو من خبر لا يسر
كان السرير خاليا ،قالت ممرضة بالانكليزية
-هل تبحث عن ستار
-نعم
-اسفة ان اخبرك إنه توفي ،هل أنت رياض
-نعم
-لقد ترك لك هذه الرسالة
كانت الرسالة بالانكليزية ولكن عليها توقيعه وتوقيعان مع الأسماء والتاريخ والوقت
-لقد كتبتها لأنه كان يملي علي وأنا لا احسن الكتابة باللغة العربية
((أنا عبد الستار ثجيل فرحان العبيدي املي هذه الوصية على الممرضة الهندية في مستشفى الشفاء الأهلي ببغداد حيث ارقد بالغرفة رقم 46 في الطابق الثالث إثر إصابتي بحادث سير ،وأرجو من كافة الجهات الرسمية وغير الرسمية ذات العلاقة العمل بموجبها
1-أوصي برصيدي النقدي بحسابي لدى مصرف الرافدين فرع شارع فلسطين الى دار الايتام في الكرخ
2-الشخص الوحيد المخول باستلام اثاث بيتي الكائن في شارع فلسطين قرب مدرسة الكرمة الابتدائية هو صديقي المهندس رياض إبراهيم أحمد وله الحق بالتصرف به كما يشاء
3-يحق لصديقي رياض إبراهيم أحمد بيع المشتمل الذي املكه في شارع فلسطين في بغداد وتوزيع ثمن البيع على الجمعيات الخيرية
4-أوصي صديقي رياض ابراهيم أحمد بأن يتولى اجراءات الدفن بكل ما تستلزمه))
-أين استطيع أن أراه
قادتني الى الطابق الأسفل ثم الى غرفة مبردة ،قال الحارس
-لابد من موافقة إدارة المستشفى
بعد سلسلة من الإجراءات تقرر تسليمي الجثمان في اليوم التالي
قررت ان أعمل لصديقي توديعا يليق به ،طلبت من موظفي الشركة ان يحضروا بسياراتهم الى المستشفى .كما نشرت نعيا بثلاث صحف يومية واعلمت أصدقائي كافة

أعطيت الوصية الى محامي الشركة لإعطائها الصفة الرسمية القابلة للتنفيذ،
في مجلس العزاء الذي كان مهيبا فقد حضرت أعداد كبيرة من أصدقائي ومعارف عبد الستار والذين عمل معهم ،تقدم رجل بجلابية وراءه ثلاثة اشخاص قال بأن الفقيد صاحب فضل كبير علية وحيث أني من يقوم بتقبل العزاء فإنه يرجوني أن يتكفل بكافة المصاريف كما فعل مع المستشفى، قلت له لقد تكفل الفقيد بذلك ونحن نصرف من ماله ،لم أسأله كيف تعرف على عبد الستار ، قال ،حسنا اسمح لي إذا أن اقدم لكم ثلاث خراف وكيس رز وصفيحة زيت للعشاء وآمل ألا تخيب رجائي،
في اليوم التالي ذهبت الى المشتمل الذي يسكنه عبد الستار ، كانت الواجهة رخامية بلون رمادي لامع والابواب الخشبية بارتفاع اكثر من مترين ونصف وكانت الاكر ذهبية ، في المدخل سجادة يسود فيها اللون الأزرق ،في الصالون لوحة كبيرة لكاندنيسكي حيث تتداخل المثلثات لتعطي انطباعا بتجريدية ملتبسة، توقفت قبل أن أدخل غرفة النوم ، تملكتني مشاعر مختلطة وأنا أشم رائحة عبد الستار وكأني أحاول ايقاظه من النوم.
جنب جهاز الكومبيوتر مغلف مفتوح ، مقاربة في النظرية النقدية بين ماركس وكينز، وتحتها الدكتور عبد الستار ثجيل مارس 2022 ، حسنا يا صديقي سيطبع وفي دار النشر التي تولت كتبك في القاهرة .
وصلتني مكالمة هاتفية من حسن ، كان في صوته كمية من الحزن وهو يسأل هل حقا مات والده ...صديق هاتفه معزيا بعد أن قرأ النعي في الجريدة العراقية ، قال بأنه سيحضر غدا لأن عليه تسليم المشروع الذي يتولى تطويره ،قلت له بإمكانه أن يأتي مباشرة الى بيتي ،قال يفضل أن يزور المشتمل أولا ثم المقبرة ،
قلت له حسنا يابني سأنتظرك في المشتمل وبعدها نذهب لزيارة الفقيد، تركت كل شيء على حاله عدا مسودة الكتاب فقد سلمتها لمسؤول العلاقات العامة في الشركة وطلبت منه متابعة طباعة ونشر الكتاب وأعلمت قسم الحسابات بالتعاون معه وتسديد كلف ذلك
كنت انتظر في حديقة المشتمل الامامية ، كان للفقيد ذوقا رفيعا في تنظيم الحديقة ، الى السياج على الشارع شجرة برتقال ثم شجرة (طرنج ) ثم شجرة زيتون ،الى السياج مع جيرانه نخلة برحي جلب فسيلتها من البصرة ،الى الشريط الممتد مع جدار البيت شتلات ورد الجوري بالوان متعددة وفي الزاوية ملكة الليل معرشة على حوامل معدنية ثم الى الجدار
كنت أستظل بنخلة البرحي حين توقفت سيارة المطار أمام البيت ، شارعت الى فتح الباب، كان حسن بوضعية مغايرة تماما لما هو عليه عادة ،كانت لحيته مبعثرة الشعيرات تنتشر على خديه فيما شعره الكستنائي المبلل بعرق تموز قد أصبح كتل متباعدة تضفي على ملامح وجهه مسحة بؤس مقترنة بحزن عميق ،كان مرتبكا ومشوشا ، من الواضح إنه عانى من حالة سهر خلال اليومين الماضيين، احتضنني وانخرط في نوبة بكاء حاد ،سحبته الى الداخل وأغلقت الباب ،حين صعدنا الى الطابق العلوي حيث غرفة والده توقف عند الباب وبدأ يجيل النظر في أرجائها وكأنه يحاول أن يستوعب مناظر يراها لأول مرة ،وقف عن مجموعة من الكؤوس التي فاز بها عبد الستار أثناء دراسته الثانوية والجامعية ،كان يعشق موضوعين في حياته القراءة أولا والرياضة ثانيا ، في دراسته الثانوية فاز ببطولة تربية بغداد لثلاث سنوات متتالية بساق 400 متر ، وفي الجامعة كان ولأربع سنوات بطل التنس ....
قال حسن -الكؤوس وكتبه سأحتفظ بها ، يجب أن يعرف أحفاده من هو جدهم
-لقد خولني التصرف بالمشتمل والاثاث ولهذا سأحزم لك ما طلبته.
-عمو رياض أعرف إنه لا يثق بأحد غيرك ومن جانبي أترك لك حرية التصرف
-شكرا
بعد استراحة صغيرة ذهبنا الى المقبرة ، لم يبكي كما توقعت ،جلس على القبر وقال -لقد تركناك وحيدا أنت الذي لم تتركنا أبدا ،أعرف إنك تسامحنا كما كنت تفعل دائما
قلت- ستأتي معي الى البيت مدة بقاؤك في بغداد
-لا ....سأبقى في المشتمل ثلاث ليال
- سأكون معك فليس من المستحسن بقاؤك وحيدا لأن تداعي الذكريات وأنت في هذه الحالة قد يسبب لك مشكل صحية كالضغط مثلا
لم يعلق
حين عدنا عرجنا على البيت لأخذ ملابس للنوم ،ظل حسن صامتا وكأنه فقد الإحساس فيما حوله
جلس على الكرسي الخشبي الهزاز في غرفة نوم أبيه ،لم أشأ أن أقاطع خلوته فهو سيسترجع حالته الطبيعية بعد أن يعبر مرحلة الحزن التي تأسره الان ، ربما يكون الصمت عاملا مؤثرا في ذلك ، قال حسن
-أود أن أنام
حين قمت لأرتب السرير
قال -سأنام على الأرض بجانب السرير
أخرجت بطانية من تحت السرير ووسادة
-سأكون في الصالة تحت ...ربما اطلب بعض الطعام ،هل ترغب بشيء
-لا ..ولكني أفضل قطعة خبز ولبن وتمر
- سأوفر كل ذلك بعد دقائق
نزع حذاءه وتمدد على الفراش ، وأنا أغلق الباب بهدوء كان ينام بعمق،
أي حزن حقيقي يحمله حسن وهو يغفو عند سرير أبيه؟ ، وأية ذكريات تختزنها ذاكرته ويود الا تهرب منه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما حقيقة اعتماد اللغة العربية في السنغال كلغة رسمية؟ ترندينغ


.. عدت سنة على رحيله.. -مصطفى درويش- الفنان ابن البلد الجدع




.. فدوى مواهب: المخرجة المصرية المعتزلة تثير الجدل بدرس عن الشي


.. الأسطى عزيز عجينة المخرج العبقري????




.. الفنانة الجميلة رانيا يوسف في لقاء حصري مع #ON_Set وأسرار لأ