الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جراحات امريكية تجميلية لترحيل الازمة

هاني الروسان
(Hani Alroussen)

2024 / 2 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


ما يثير الالتباس في تهديدات التصعيد المتبادل بين حزب الله واسرائيل هو نفسه الذي يثير الالتباس في العلاقة بين اللغة والتفكير والسلوك، اي ما تسمى بالاستثارات العمدية التي تبيتها لغة الاستخدام في سياق قد لا يصلح القياس عليه مرة أخرى، وأن فهم ما يقف خلف تلك الاستثارات هو ما يحدد السلوك المتوقع. وتفكيك عناصر هذه العلاقة للتكهن بمسارتها يصبح مدعاة للاهتمام في الأحداث التي من شأنها إعادة تشكيل وجود ما على نحو طويل كهذه الحرب على غزة الان.
وللتوضيح لا بد من تكرار القول بان الكارثة التي حلت بالشعب الفلسطيني كانت نتاجا للنظام الدولي الحالي الذي اعيد بناءه عدة مرات وفقا لانماط قيادية مختلفة كان أبرزها ما افرزته الحرب العالمية الثانية، وتاليا الاحادية الأمريكية الراهنة التي تسعى واشنطن بكل قوتها للابقاء عليها عبر التحكم بإعادة انتشار وتوزيع القوة على المستوى العالمي، للمحافظة على قيمه القانونية والاخلاقية التي تشكلت تدريجيا منذ اتفاقية وستفاليا عام 1648التي وضعت نهاية للحروب الدينية ودشنت لبدايات هذا النظام الذي اتضحت ملامحه اكثر بعد العام 1799 بأعادة إنتاج فلسفة دولة الاحتلال والسيطرة والاستعمار، وحرية حركة رأس المال بقيم بدت تحررية مقارنة بما سبقها، خلفت من بين ما خلفت النكبة الفلسطينية، التي ستبقى بكل تمظهراتها القديمة والتي ستأتي لاحقا من ضروريات بقاء هذا النظام، الذي لن يكون بقدوره إيجاد حل عادل لها وأن أقصى ما قد يذهب اليه هو فقط إدارتها وإعادة إنتاجها بأشكال لا تخرج عن سياقها الوظيفي في اطالة عمره.
واليوم في هذه الحرب الصاخبة على غزة، فإن أبرز ما يعقلن الوحشية الأمريكية فيها بغطاء من المناورات المتاكلة بغية احتواء وتبديد عناصر قوى الرغبة في التغيير، هو الخوف من إعادة التجربة البونابرتية او الهتلرية، ولكنها في الوقت ذاته تجد نفسها تقف بين خطابين، كلاهما يدفعانها نحو المنطقة الحرجة، فمن ناحية خطاب اسرائيل التي يرسل وزير دفاعها غالانت طائراته محملة باثقل ما لديه من قنابل إلى سماء بيروت، ومن الناحية الثانية خطاب الشيخ حسن نصر الله الذي احال معادلة الدم المدني مقابل الدم المدني الى الميدان، ما يهدد بتغيير قواعد الاشتباك، وربما الاتجاه نحو مواجهة أشمل.
والمثير انه فيما يمكن لواشنطن ان تتكهن من خلاله بطبيعة السلوك الاسرائيلي وتحديد أفقه الاقصى الذي قد ينجم عن هذه التهديدات بالذهاب إلى حرب شاملة مع حزب الله، مع ما يعنيه ذلك من تداعيات، فإنه لن يكون بمقدورها التكهن به بنفس النسبة من الوثوقية بسلوك حزب الله الذي تقف خلفه ايضا سلسلة من تهدبدات الشيخ نصر الله بالرد على التصعيد بالتصعيد.
والسؤال الذي يبرز هنا، من يعني ما يقول اكثر من خصمه؟ وهل ستسمح واشنطن لإسرائيل بجرها لحرب اقليمية يتوقف على نتيجتها مصير النفوذ الأمريكي في منطقة تعد مفتاح البقاء الأمريكي لاعبا مقررا وحاسما في تفاعلات النظام الدولي عبر بوابة السيطرة على اوروبا، والنأي بها عن محاولات الاحتواء الروسي او الانتشار الصيني؟ ام انها ستصل بحزب الله إلى حافة الهاوية قبل أن تستطيع أرغامه على مراجعة سلوكه وتتراجع خطوة إلى الوراء وتدفع الثمن اللازم والذي معه يبدأ العد التنازلي للهبوط عن عرش القيادة المنفردة للعالم؟. والأمر هنا لا يختلف بالنسبة لحزب الله ومن يمثل، فهل يقبل التحدي ويدخل في مواجهة شاملة قد تؤدي إلى تصفية وجوده وخروجه النهائي من معادلة التأثير الاقليمي، كاحتمال اكثر ترجيحا وفقا لحسابات القوة التقليدية؟ اما انه هو الآخر سيذهب إلى شفير المواجهة قبل أن يتراجع خطوة إلى الوراء ويبدأ بطي خيام الرحيل.
حسن نصر الله بسط الأمور وسطحها في خطابه الاخير، إذ قال ان وقف الحرب على غزة يعني وقفا آليا للعمليات في جنوب لبنان، في تأكيد جديد منه على ما سمي بوحدة الساحات والتضامن مع حركات المقاومة الفلسطينية، والذي ليس بوسع اي كان إنكاره، غير ان ذلك لا يخفي بعدا اكثر عمقا يعكس فهما لطبيعة الحرب هناك واهدافها القريبة والبعيدة، ليس اقلها منع منطقة الشرق الأوسط من انزياحات تخرجها من نطاق الهيمنة الأمريكية المطلقة، واعادة تقييم حجم الدور الاسرائيلي الاخذ بالتضاؤل.
والارجح هنا ان تذهب واشنطن لخيار ثالث ستضغط من اجل تحقيقه بكل السبل للعودة إلى مربع ما قبل السابع من أكتوبر مع محاولة القيام ببعض الجراحات التجميلية هنا وهناك لدفع اسرائيل للامتثال لرغبتها في تحقيق اختراق سياسي تاريخي مع السعودية من خلال الانصياع لوعد باقامة الدولة الفلسطينية الذي من شأنه
ان يوفر لمختلف الاطراف إمكانية اعلان النصر دون ان يحقق لاي منها هزيمة إستراتيجية للاطراف الاخرى، ويجنب المنطقة انحيازات خطرة، او بمعنى آخر ترحيل الازمة إلى زمن اخر تكون فيه قد انتهت من ملفات أخرى على المستويين الداخلي والاوروبي حيث بات الجيش الاوكراني مهددا بالانهيار.
هاني الروسان/ استاذ الاعلام في جامعة منوبة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تأخذ استراحة بشكل صحيح؟ | صحتك بين يديك


.. صياد بيدين عاريتين يواجه تمساحا طليقا.. شاهد لمن كانت الغلبة




.. أمام منزلها وداخل سيارتها.. مسلح يقتل بلوغر عراقية ويسرق هات


.. وقفة أمام جامعة لويولا بمدينة شيكاغو الأمريكية دعما لغزة ورف




.. طلاب جامعة تافتس في ولاية ماساتشوستس الأمريكية ينظمون مسيرة