الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول مفهوم -الشرق القديم-

مالك ابوعليا
(Malik Abu Alia)

2024 / 2 / 23
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


تأليف: ميخائيل الكساندروفيتش كوروستوفتسيف*

ترجمة مالك أبوعليا

الملاحظات والتفسير بعد الحروف الأبجدية بين قوسين (أ)، (ب)... هي من عمل المُترجم

عندما نتحدث عن تاريخ الشرق القديم، فمن الطبيعي أن نطرح السؤال: ما هو "الشرق القديم"؟ ما المُحتوى الذي يُشير اليه هذا المُصطلح؟ لقد كان هناك الكثير من الخلافات والجدل حول هذه المسألة في الأدبيات العلمية.
ان مُصطلح "الشرق القديم" هو أقرب الى تجريدٍ علميٍّ منه الى انعكاسٍ مُلائم لواقع تاريخي ملموس. وتجدُر الاشارة الى أن حُدود مُحتوى مُصطلح "الشرق القديم" ليس مُعترفاً بها عالمياً بأي حال من الأحوال. ومع هذا، فإن إنكار وجود مُحتوىً ملموس ومُتجانس ونموذجي لهذا المُصطلح في خطوطه الأساسية، سيكون بالضبط مثل انكارٍ للحقائق التي لا جدال فيها. تطرح بعض التعريفات الواردة أدناه، فكرةً حول مُحتوى هذا المُصطلح.
يطرَحُ المؤرخ الروسي للقرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين بوريس توراييف Boris Alexandrovich Turayev تعريفاً لهذا المُصطلح في مُقدمته لكتاب (تاريخ الشرق القديم)، كما يلي: "ان تاريخ الشرق القديم، هو الفصل الأول من تاريخ الانسانية، وهو تاريخ الحضارات والتي كانت تسبق الهيلينية والمسيحية، نشوئياً... يُمكن للمرء أن يتسائل اذا ما عفا الزمن على مُصطلح (تاريخ الشرق القديم)، كما هو الحال مع المُصطلحات التقليدية الأُخرى المُتعلقة بالأقسام الأُخرى من تاريخ العالم. ان مُصطلح "الشرق" الذي نُطبقّه على البُلدان التي طوّرَت بدايات الحضارة التاريخية العالمية، هو ارث يعود للعصر الروماني ذو الثقافة المُزدوجة، والذي وضَعَ الغرب الروماني في مواجه الشرق الهيلينستي... ان هذا المُصطلح ذو أُصولٍ يونانية-رومانية، ولكنه كان، بالنسبة لشعوب العصور القديمة الكلاسيكية، مُصطلحاً جُغرافياً أكثر من كونه مصطلحاً يتعلق بتاريخٍ ثقافي. الوضع، بالنسبة لنا، مُختلف. من ناحية، أصبحت حضارتنا تشمل مساحةً أكبر بما لا يُقاس من مساحة الحضارات الكلاسيكية، وتغلغلت في بُلدانٍ لا يُمكن اعتبار عوالم الحضارات القديمة فيها شرقيةً على الاطلاق. ومن ناحيةٍ أُخرى، انتشرت ثقافة الشرق القديم نفسه غرباً وجنوباً، وبعد أن تطورت بشكلٍ كثيف في قرطاجة Carthage، وأخضعت نوميديا Numidia وموريتانيا لنفوذها، بالاضافة الى افريقيا الاستوائية عبر مصر، مما جعَلَ مُصطلح "الشرق القديم" مُصطلحاً تقليدياً في التاريخ الثقافي للدلالة على البُلدان التي كان يوجد فيها حضاراتٍ قديمة تطورت الى الشرق من اليونان، وكانت السَلَف المُباشر والزمني والفكري للحضارة الرومانية-اليونانية"(1). وهكذا، يكون مُصطلح "الشرق القديم" مُصطلحاً لتاريخ الثقافة.
ولكن، نظراً لافتقاره الى حدودٍ جُغرافيةٍ ملموسة، يبقى أن هذا التعريف مُجرّد للغاية وغير مُحدد: ليس من الواضح أي يقع الشرق القديم على وجه الدقة، وما المُجتمعات الطبقية التي تكوّنت منه.
في الدراسات التي تتناول الشرق القديم، سواءً في بلادنا أو في الخارج، يُفهَم من مُصطلَح "الشرق القديم" على أنه يعني أقدم دول الشرق الأدنى والأوسط، بما في ذلك مصر ونباتا Napata (الكوش Kush) وحضارة الميروي Meroë جنوب السودان وقرطاجة في قارة افريقيا. قام المؤرخ السوفييتي فاسيلي فاسيليفيتش ستروفه Vasily Vasilievich Struve في الطبعة الثانية من كتابه (تاريخ الشرق القديم) بتوسيع هذه الحدود الجغرافية التقليدية، وأضافَ الهند والصين الى تاريخ الشرق القديم. يُعَد هذا، من حيث المبدأ، حلاً صحيحياً للمسألة: هكذا، يُصبح تاريخ الشرق القديم، هو تاريخ -(وليس جُزءاً من)- مُعظم أقدم المُجتمعات الطبقية على وجه الأرض، والتي كانت في الواقع، موجودةً في الشرق، والشرق الأدنى والشرق الأقصى. وهكذا، فإن مُصطلح "الشرق القديم" هُنا يوفر تركيباً عضوياً للمحتوى التصنيفي والجُغرافي، ويظهر كُكلية جُغرافية وثقافية-تاريخية.
ومع ذلك، لم يتم حل المسائل التالية بشكلٍ كامل. كيف يُمكننا أن ننظر الى أقدم المُجتمعات الطبقية التي نشأت بشكلٍ مُستقلٍ تماماً خارج نطاق مناطق الشرق القديم؟ هل تتضمن هذه المُجتمعات، مُجتمع جزيرة كريت القديم، المُتزامن مع حضارات الشرق القديمة والقريب جُغرافياً، فضلاً عن مُجتمعات أمريكا القديمة وافريقيا الاستوائية البعيدة جُغرافياً وتاريخياً عن الحضارات الشرقية القديمة، ولكن القريبة منها تصنيفياً؟
لا يُقدّم العلم اجابةً قاطعةً على هذا السؤال،، ويُعالجه العلماء بطُرُقٍ مُختلفة. لذلك، قد يكون من المناسب، عند مُعالجة مسألة "تاريخ الشرق القديم" النظر في المصير التاريخي لجزيرة كريت، المُجاورة زمنياً وجُغرافياً لـ"الشرق القديم" بالمعنى الدارج للمُصطلح، والنظر في مسألة مُجتمعات افريقيا الاستوائية القديمة وحتى أمريكا القديمة، في ضوء تشابهها النمطي (على الأقل في بعض الجوانب الهامة) مع "الشرق القديم" التقليدي.
لماذا تطورت المُجتمعات والثقافات الطبقية الباكرة الأُولى، في الشرق؟ ان طرح هذا السؤال بحد ذاته يفترض أن الاجابة يجب أن تحتوي الى حدٍّ ما على مُعالجة للتأثير الذي تُمارسه البيئة الجُغرافية على العملية التاريخية. كل مُجتمع انساني، يعيش ويتطور في وسطٍ جُغرافيٍّ ملموس، ويتفاعل معه، وهذا الوسط لا يتغير، سوى بحجمٍ ضئيل، طوال تاريخ المُجتمع المعني.
ان التقليل من أهمية العامل الجُغرافي، هذا التقليل المُنتشر على نطاقٍ واسع، لا يتوافق، مع الواقع التاريخي. ولنتذكر كلمات كارل ماركس التي تقول "فحيثما تكون الطبيعة مُفرطة السخاء فإنها تُمسك بزمام الانسان فتقوده كالطفل. فهي لا تجعل تطوره الذاتي ضرورةً طبيعية. ان المنطقة المُعتدلة، لا المناطق الاستوائية وفيرة النبات، هي موطن رأس المال"(2). وهكذا، حتى فيما يتعلق بظهور رأس المال، أولى ماركس أهميةً جدّية للعامل الجُغرافي.
ورغم أن هذه المسألة قد عُولِجَت أكثر من مرة في الأدبيات الماركسية، الا أنه لا بُدَّ من الاعتراف أنها لم تحظَ بعد بالمُعالجة الكافية. على أية حال، يُمكن صياغة الافتراض التالي الذي لا يقبل الشك: ان تأثير البيئة الجُغرافية على مُجتمعٍ مُعيّن، يتناسب عكسياً مع درجة جاهزية ذلك المُجتمع تكنيكياً. بعبارةٍ أُخرى، كلما انخَفَضَ المستوى التكنيكي لتطور المُجتمع، كلما زاد تأثّرُه بالبيئة الجُغرافية، والعكس صحيح. لا يُمكن الطعن في صحة هذا الافتراض.
يجب، على أساس هذا الطرح، أن ننتقل الى بحث المسألة التي تُهمنا، وهو لماذا تطوّرَت أقدم الحضارات في الشرق تحديداً؟
في البداية، دعونا نؤكّد على حقيقةٍ مُهمةٍ للغاية: ان أقدَم المُجتمعات الثقافية في العالم، تطورت على أساس المُجتمعات ما قبل الطبقية، أي من مُجتمعاتٍ، كانت تفتقر عملياً، من الناحية التكنيكية، الى وسائل الصراع مع الطبيعة. ولذلك، فإن المُجتمعات الطبقية الأقدم كانت أيضاً ضعيفةً جداً في جهوزيتها لهذا الصراع. وهكذا، فإن المُجتمع ما قبل الطبقي، الذي تطوّرَ منه المُجتمع الطبقي الباكر، كان أيضاً خاضعاً حتماً لتأثير البيئة الجُغرافية القوي. وكانت السمات الخاصة لتلك البيئة، هي العوامل التي عززت ولادة أقدم الثقافات في تلك البيئة الجُغرافية تحديداً، وليس في أي وسطٍ جُغرافيٍّ آخر. لقد تمت مُعالجة تأثير البيئة الجُغرافية، ليس على المُجتمع بشكلٍ عام، بل على المُجتمعات الأقدم بشكلٍ خاص، بنجاحٍ ودقّةٍ عالية في القرن التاسع عشر من قِبَل العالم الروسي ايليا الييتش ميتشنيكوف Ilya Ilyich Mechnikov(3)، الذي لم تَنَل دراسته الاهتمام التي تستحق. البيئة الجُغرافية عبارة عن مجموعة مُعقّدة من العوامل الطبيعية المُتنوعة، مثل المناخ والسمات الجَبَلية ووجود أنهار أو عدم وجودها، وما الى ذلك. وتجدُر الاشارة الى أن ميتشنكوف يقول أن "أقدم الحضارات في المنطقة المُعتدلة الشمالية، مثل الحضارة المصرية والاشورية-البابلية" وأن "أقدَم أقدم الثقافات الآرية في ايران والهند، حققت تطوراً استثنائياً، ويُمكن للمرء أن يقول، أنها ازدهرت في البُلدان شبه الاستوائية على خط عرض تُساوي درجة الحرارة فيه 22 درجة مئوية". ومع ذلك، فإن الظروف المناخية ليست سوى واحدة من العوامل الضرورية لنشوء وازدهار أقدم الثقافات الانسانية. وكما تُظهِر الحقائق التاريخية، ظَهَرَت أقدم الثقافات في وديان الأنهار التي كانت تتعرض لفياضاناتٍ سنوية. بالنسبة للمُجتمعات التي كانت تعيش على الضفاف، يُمكن ان يؤدي فيضان مثل هذه الأنهار الى نتيجتين مُتعارضتين تماماً: اذا تم استغلال فيضان النهر بشكلٍ سليم، سينتج عنه حياة جيدة ورخاء للناس، ومن ناحية أُخرى، اذا لم يُنظّم الانسان فيضان النهر، فإن هذا يعني أنه سيكون كارثة ودمار وموت رهيب لهم. وبعبارةٍ أُخرى، طَرَحَت الطبيعة نفسها على الانسان مُعضلة صعبة للغاية، ولكنها قابلة للحل، وهي كبح جماح غضب النهر. "لقد كان النهر الغاضب، والمانح للغذاء في نفس الوقت، يغرس التضامن عند الناس والسعي لتوحيد قُواهم... ان نهر النيل، وهو نهر حضاري نموذجي، لم يصنع لمصر تربةً خصبةً بفيضاناته فحسب، بل صنَعَ مُجتمعاً مُنظماً ببراعة رائعة"(4).
يجب أن يُضيف المرء، الى كلمات ميتشنكوف الصحيحة هذه، ما يلي: لقد استغل الانسان فيضانات الأنهار الدورية (أي الحالة الجُغرافية لبيئة مُعينة) بطريقة واعية تماماً كأداة لتلبية احتياجاته الحيوية. أصبَحت الفيضانات احدى أدوات عمله وتحوّلَت الى قوة انتاجية جبّارة أثّرَت بقوة على علاقات الانتاج، ومن خلالها، على البناء الفوقي. أشارَ ماركس الى أن "الضرورة القاضية بإخضاع قوة من قُوى الطبيعة لسيطرة المُجتمع من أجل ترويضها والاستيلاء عليها أو الاستفادة بواسطة منشئات ضخمة مُشيّدة باليد البشرية، هي ما يضطلع بالدور الحاسم في تاريخ الصناعة"(5).
لم يكن نهر النيل وحده، بل الأنهار العظيمة الأُخرى التي كانت تفيض سنوياً، هي التي أثرت على أقدم المُجتمعات البشرية. يقول ميتشنيكوف، ولهذا السبب بالذات "أثبتَ سُكان أحواض الأنهر ذوي الملامح المُتطابقة في كل مكان، أنهم الشعوب المُختارة من بين عددٍ لا حصر له من الشعوب"(6). وقد لَعِبَ هذا الدور نهر النيل، الذي سَبَقَ ذكره، بالاضافة الى الأنهار الكُبرى في العراق والهند والصين. كانت وديان هذه الأنهار هي بؤرة أقدم الثقافات. ان سكان البُلدان التي كانت مشمولةً بهذه الشكل أو ذاك في مصبّات هذه الأنهار، وكانت بعيدةً الى حدٍّ ما عن وديانها، تبنّت الثقافة التي أقامها سُكّان وديان الأنهار، على الرغم من أنها أتت لاحقاً بالطبع. ان الثقافة المُستعارة لهذه المُجتمعات، والتي تم تبنيها من سكان وديان الأنهار، تحتوي بطبيعة الحال على عددٍ من عناصر أقدم الثقافات النهرية الأصيلة. وهكذا، على سبيل المثال، يروي الكتاب المُقدس أُسطورة الطوفان، المُستعارة من بلاد ما بين النهرين، حيث لم تكن المُتطلبات الأساسية اللازمة لنشوء مثل هذه الأُسطورة موجودةً في فلسطين. بطريقةٍ أو بأُخرى، صار هناك مناطق كبيرة، مأهولة بحاملي الثقافات التي خلقها سُكّان وديان الأنهار.
ان الضرورة القصوى لإقامة أبنية واسعة للري، تطلبت بذلك جهودٍ مُشتركة من جانب الشعب بأكمله تحت سُلطةٍ قوية: "هذا هو أصل الكيانات السياسية الكُبرى الأكثر قِدَماً القائمة على مبادئ الاستبداد"(7).
وهكذا، لم يكن العامل الجُغرافي، في العملية التي نشأت خلالها أقدم الثقافات، عاملاً مُسرّعاً وحسب، بل كان الى حدٍّ كبير، العامل الذي حدد البُنية السياسية لأقدم الدول. من الصعب إنكار هذا الرابط الواضح. وهُنا يطرأ السؤال التالي: كيف يُمكن أن نُفسر أصل الثقافات الأمريكية القديمة، التي ظَهَرَت الى الوجود وتطورت في أماكن غير وديان الأنهار التي تفيض؟ في التحليل النهائي، النهر ليس هو العامل الحاسم، بل مجموعة الظروف الجُغرافية المُعقدة التي تدفع الناس الى الاتحاد في مجموعاتٍ كبيرة تحت سُلطةٍ مركزية لخوض نضالٍ ضارٍ ضد الطبيعة، مما يفرض على السكان الاختيار ما بين "الموت أو التضامن"، كما يقول ميتشنيكوف(8).
ومع ذلك، فإن العامل الجُغرافي ليس شيئاً مُستقراً بشكلٍ مُطلق. لقد خضعت العوامل الجُغرافية، في عددٍ من الحالات، الى تغيراتٍ كبيرةٍ للغاية، كان لها تأثيرٌ لا ريب فيه على تطور المُجتمع البشري. ومن الأمثلة الحية على ذلك، تاريخ عدد من الشعوب، ومنها شعب الخَزَر Khazars، الذي كرّسَ له الأركيولوجي والمُستشرق ليف نيكولايفيتش غوميليوف Lev Nikolaevich Gumilyov دراسةً خاصةً به(9)(أ). انه يوضّح انتظام العلمية التاريخية التي تتوسطها التغيرات الطبيعية، ويوضح الدور الهام الذي يلعبه العامل الطبيعي في حياة الناس. لكن لا يوجد في دراسته أي شيء يُشبه تلك الحتمية الجُغرافية التي تعتمد عليها المادية المُبتذلة. ولكن لا يُمكن أن نُهمل دور البيئة الجُغرافية والتغيرات الطبيعية في حياة البشر، كما يقول واضع مُقدمة دراسته(10).
تتعلق المسألة المطروحة بفترات الجفاف أو الرطوبة المُتزايدة في مناطق شاسعة، الناتجة عن ظواهر جوية ومناخية مُحددة بوضوح، ويُعبَّر عنها في تغيراتٍ في المناطق الجغرافية بما يكفي ليكون لها تأثير حاضر على الاقتصاد والمصير التاريخي للشعوب التي تسكن هذه المناطق(11). على سبيل المثال، "تطورت الثقافات الأثرية القديمة التي استخدمت المعادن paleometallic(ب) في جنوب سيبيريا، خلال الفترة الجليدية الجافة والدافئة. لقد ظَهَرَت الى الوجود على الحد الفاصل ما بين التايغا والسهوب في فترة ما قبل التاريخ، ولكن بداية الفترة الباردة وزحف الغابات جنوباً، قد قوّضَ قدراتهم الاقتصادية وبدأت ثقافتهم بالانحلال. لكن بالنسبة لسكان السهوب المنغولية، فقد كان المناخ الرطب بشكلٍ مُتزايد، وظهور الغابات هُنا وهناك، بمثابة ازدهارٍ اقتصاديٍّ لهم في منتصف الألف الأولى بعد الميلاد، سواءً تربية الماشية أو الصيد. ولكن عند بداية الألفية الثانية بعد الميلاد، توقفت الرطوبة عن الازدياد، وجفّت السهوب، واختفت الينابيع، واصبحت الأنهار أرضيةً متشققة، وصارت الرمال في قيعان الأنهر الجافة تذروها الرياح، وتحوّلت في النهاية الى كثبانٍ رملية"(12). "عندما بدأ الجفاف طويل الأمد، تضائلت مساحة الغابات الجبلية، وكذلك مساحة السهوب، في حين توسّعت الصحاري التي اختفت منها الحياة، ثم انخفض عدد السكان وتضائلت قُوى سلطة البدو. هذه هي بالضبط الظاهرة التي يُلاحظها المُتتبع لتاريخ قبائل الهان"(13).
ومع ذلك، فإن كل هذا، لا يتعارض بأي حال مع العديد من الحالات التاريخية المعروفة لتدخل البشر في العمليات الأولية للطبيعة. لا يُمكن لهذا التدخل أن يكون فعالاً الا عندما تتجاوز إمكانات الوضع التكنيكي للمُجتمع قوة العملية الطبيعية. ونستشهد بأقوال توراييف حول بابل: "هذه الأرض المُزدهرة، جنة عدن هذه، التي أذهلت هيرودوت وغيره من اليونانيين والرومان الذين ذهبوا هُناك، هي الآن(14) مُستنقعٌ فارغ. والسبب الرئيسي ليس التغير المناخي، الذي ظل على حاله، بل سوء الادارة وتهجير السكان مما أدى الى تدمير القنوات، وبالتالي تحويل البلاد الى مُستنقع"(15). وبعبارةٍ أُخرى، قوّضت الادارة السيئة المعدات التكنيكية الموجودة تحت تصرف المُجتمع، والتي أثبتت بعد ذلك عجزها عن مواجهة العمليات الأساسية.
ان تأثير البيئة الجُغرافية على أقدم المُجتمعات البشرية، هي مسألة ذات أهمية جوهرية للعلم.تجد الشعوب والقبائل من اثنياتٍ مُختلفة، نفسها، في ظروفٍ جُغرافية مُتماثلة، وبالتالي تخلق حضاراتٍ تُشبه بعضها. وهكذا، لا يُمكن تفسير الشكل الاستبدادي للحُكم، وتأليه الملوك، وغيرها من الظواهر، بحقيقة أن هذا المُجتمع المُعطى يتكون من سكانٍ من اثنية أو عرقٍ مُعين.
نحن هُنا نقترب من مسألة العِرق الهامة جداً. تُصنف الانثروبولوجيا السوفييتية المُعاصرة البشرية جمعاء الى ثلاثة أجناس كبيرة: 1- الاستوائي أو النيغرويد-الاسترالي Australo-Negroid، 2- الأوراسي أو الاوروبويد Europeoid، و3- الآسيوي-الأمريكي أو المنغولويد
Mongoloid(16).
كان الناس من هذه الأعراق الثلاثة يسيرون في عملية الشرق القديم التاريخية، وبالتالي، فإن تراث الشرق القديم لهو ابداع شعوب مُختلفة من هذه الأعراق الثلاثة. فهل كان أحد هذه الأعراق يتفوق على الأعراق الأُخرى في مستوى الابداع الثقافي؟ الاجابة على هذا هي قطعاً "لا". الأعراق نفسها ما هي الا نتيجةً لتأثير الطبيعة على الانسان الى حدٍّ ما. يقول الانثروبولوجي السوفييتي ياكوف ياكوفليفيتش روجينسكي Yakov Yakovlevich Roginsky: "اذا تطلّع المرأ الى العصر المُبكر جداً الذي بدأ فيه تمايز الأعراق الرئيسية، فسيكون من غير الصحيح انكار أن البيئة الجغرافية لعبت دوراً اصطفائياً في تلك المرحلة المُبكرة".
وفيما بعد، أصبَحَ اختلاف الأعراق، ومن ثم الشعوب، سمةً مُميزةً للانسانية. يقول روجينسكي: "كان الاختلاط التناسلي، على مدى عشرات آلاف السنين، أحد العوامل المُشتركة في تشكّل أنواع جديدة وفي اضمحلال الأنواع القديمة، في حين ازداد الاختلاط باستمرار مما أدى الى ازدياد أعداد الاثنيات".
في الوقت الحاضر، يُمكننا أن نُثبت، على أساس العديد من الدراسات القحفية وغيرها من الدراسات، أنه لا شك أن مُنشئي وحاملي الثقافات الطبقية الأكثر قِدَماً، في مصر أو الصين، هم ليسو نوعاً عرقياً مُتجانساً. وحتى في فجر التاريخ، سهّلَت عملية الاتحاد السياسي، نشوء وحدات اثنية كبيرة (شعوب) تضم خليطاً من عناصر عرقية مُعينة. كان توحيد السُلطة المركزية لقبائل تتحدث بلغات ولهجات مُختلفة في مجموعاتٍ اقليميةٍ كبيرة، دوراً في نشوء شعوب تمتلك لُغةً أدبيةً مكتوبةً واحدة، في حين انقسمت اللغات المحكية الى لهجات. وكانت هذه اللغات المكتوبة وسيلةً قويةً لخلقِ وتطوير الثقافات القديمة (المصرية، السومرية، البابلية-الآشورية، الخ).
ان مُشكلة البُنية الاجتماعية-الاقتصادية لأقدم المُجتمعات الطبقية، هي واحدةٌ من أهم القضايا التاريخية.
بادئ ذي بدئ، يجب أن نؤكّد على أن هذه كانت أقدم المُجتمعات الطبقية، أي بالضبط، تلك المُجتمعات التي انبثقت مُباشرةً من النظام المشاعي البدائي، الذي لم يكن مُنقسماً الى طبقات. وبفضل هذا الظرف بالغ الأهمية وحده، يُصبح وجود بقايا ملحوظة من المُجتمع ما قبل الطبقي، في المُجتمعات الطبقية الأولى، أمراً مفهوماً وقابلاً للتفسير. لا شك أن تحوّل المُجتمع ما قبل الطبقي، الى مُجتمع طبقي، لم يكن نتيجة عمليات سريعة أو أفعال فردية، بل نتيجة عمليات طويلة الأمد. والحقيقة التي لا جِدال فيها أن أصل الطبقات وتطورها، وأصل الدولة وتطورها، هي بالضرورة عمليتان مُتوازيتان ومُتداخلتان، وليست عمليات تتبع بعضها البعض في تسلسلٍ مُعيّن. وهكذا، فإن عملية نشوء الدولة واستقرارها، هي عملية تدريجية وطويلة مثل عملية نشوء الطبقات.
ونؤكِّد أن هذه العملية، هي سِمة من سمات التطور المُستقل للمُجتمع، ولا تحتاج الى عوامل خارجية لتفسيرها. ولنتذكر في هذا الصدد مقولة انجلز: "إن ولادة الدولة عند الأثينيين هي مثالٌ نموذجي مُهم، على تكوّن الدولة بشكلٍ عام، وذلك من جِهة، لأنها تَجري بشكلٍ نقيّ، دون أي تدخّلٍ عنيف من الداخل ومن الخارج..."(17).
وقد رافَقَ التطور اللاحق للقُوى المُنتِجة تراكماً للثروة وتركّزِها في أيدي الأفراد. لقد ظَهَرَت المُلكية الخاصة. ان كلمات انجلز حولَ أثينا والقائلة: "وفي العهد الذي يبدأُ منه التاريخ المكتوب، كانت الأراضي قد قُسِّمَت، وكانت قد انتَقَلَت الى المُلكية الخاصة"(18) تنطَبِق تماماً على مُجتمعات الشرق القديم أيضاً: تشهَد المصادر على هذا بشكلٍ لا لُبسَ فيه.
وهُنا، تبرُزُ بطبيعة الحال مسألة طبيعة تلك المُلكية الخاصة. ومن الواضح أنه لا يُمكنُ مُطابقتها بالمُلكية الخاصة في المُجتمع الرأسمالي. ومع ذلك، فإن المُمتلكات التي يُمكن توريثها وبيعها وشراؤها وتأجيرها وتقسيمها وتقديمها كعطايا، لا يُمكن أن تُسمّى سوى مُلكيةً خاصة، على الرغم من حقيقة أنها نشأت وتطورت في ثنايا الكوميونة. وفي عددٍ من بُلدان الشرق القديم، وفي حالةِ قِطاعاتٍ كبيرةٍ من السُكان الزراعيين، يُمكننا أن نَجِدَ بالضبط هذا النوع من المُلكية الخاصة للأرض جنباً الى جنب مع الأراضية الكوميونية. كانت الأراضي الكوميونية قد تم توزيعها للعمل، أما الأراضي والمنازل المُحيطة بها فكانت مُلكيةً خاصة.
عندما نتحدث عن المُجتمعات الطبقية في الشرق القديم، تَبرُزُ بالضرورة مسألة بُنيتها العيانية الملموسة. وفي هذا الصدد، لا بُد من دراسة التاريخ بإيجاز.
لم تَحظَ هذه المسألة باهتمامٍ كبير في علم التأريخ غير الماركسي. لم يتّخِد المؤرخين غير الماركسيين كنُقطة انطلاقٍ لهم في تصورهم عن المسألة، جوهر النظام الاقتصادي-الاجتماعي، والذي هو غريبٌ عنهم تماماً، ولكنهم اتخذوا بعض سمات التشابه الخارجي في التنظيم السياسي للمُجتمعات الشرقية القديمة في فتراتٍ مُعنيةٍ من تطورها (على سبيل المثال مصر في فترة المملكة الوسطى) مع خصائصَ مُعينة للتنظيم السياسي للمُجتمعات الأُوروبية والآسيوية في العصور الوسطى. وعلى هذا الأساس أعلنوا أن مُجتمعات الشرق القديمة كانت مُجتمعات اقطاعية الطابع.
الا أن هذه الظاهرة السطحية الصَرف، لا تُفسِّر ولا تُسَلِّط الضوء بأي شكلٍ من الأشكال على البُنية الطبقية لمُجتمعات الشرق القديم، والتناقضات الطبقية القائمة فيها، وطُرُق استغلال المُنتِجين المُباشرين، أي لم يأخذوا في اعتبارهم كُل ما هو ضروري للدراسة العلمية الحقيقية للمُجتمع على أساس الفِهم المادي للعملية التاريخية.
اذاً، ما الذي كانت عليه المُجتمعات الشرقية القديمة؟ ماذا كانت بُنيتها الطبقية؟ وأين تختلف عن مُجتمعات العصور الكلاسيكية القديمة، مثل مُجتمعات اليونان وروما؟
يَنظُر الفِهم المادي للتاريخ الى العملية التاريخية العالمية على أنها عملية تعاقُب مُتسلسل للتشكيلات الاجتماعية الاقتصادية، كُلٌّ منها هو تقدُّمي بالنسبةِ لسابقتها، مع كون النظام العبودي سابقاً للنظام الاقطاعي(19).
إن كَون النظام الاقطاعي كان تَقَدُمياً بالنسبة الى العبودية هي حقيقةٌ راسخة (حتى يتم اثبات العكس). ولذلك، لا يجوز، من هذا المُنطَلَق الفكري، التأكيد على أن مُجتمعات الشرق القديم، التي سَبَقَت مُجتمعات العبودية الكلاسيكية سواءاً من الناحية التاريخية أو من حيث تسلسل المراحل، أنها كانت إقطاعية. ثانياً، تؤكِّد هذه الفكرة أيضاً، الغياب التام تقريباً للتغيرات التاريخية في أشكال حياة المُجتمع، فإذا كانت مصر، على سبيل المثال، إقطاعيةً في فترة الدولة الوُسطى (أي من القرن العشرين وجتى القرن السادس عَشَر قبل الميلاد)، وكانت الدولة المَملوكية (أي بين القرنين الثالث عشر والسادس عشر الميلاديين) اقطاعيةً أيضاً، فقد استَمرَّ الاقطاع المصري حسب ذلك، لمُدّة 35 قرناً على الأقل. سيكون من المُستحيل تفسير مثل هذا الركود في التطور الاجتماعي في بلدٍ تطورَت فيه الثقافة والطبقية في وقتٍ أبكَرَ بكثير من أجزاءٍ أُخرى كثيرة في العالم من خلال الظروف الجُغرافية المُواتية وحدها.
ومن ثُم فَمِنَ الضروري، من الناحية النظرية، دَحض التأكيد على أن المُجتمعات الشرقية كانت إقطاعية. وكما سَنَرى، تَدعَم دراسة المواد الوقائعية الملموسة هذا الاستنتاج تماماً.
وقَد حاوَلَ بعضُ العُلماء إثبات أن نَمَط الانتاج الآسيوي هو السائد في المُجتمعات الشرقية القديمة. ولكن ما هو نَمَط الانتاج الآسيوي؟ ما هو المضمون الاجتماعي-الاقتصادي الذي ضَمَّنَهُ مؤسسا الماركسية في هذا المُصطلَح، وهُوَ مُصطَلَح نُصادفه في كتاباتهم جنباً الى جنب مع مُصطَلَح "نَمط الانتاج القديم"، الذي يحوز معنىَ واضحاً ومفهوماً تماماً (العبودية)؟
تقول الباحثة بافلوفسكايا: "لا نَجِد في أعمال ماركس وانجلز، وصفاً تفصيلياً للتركيبة الطبقية أو لأشكال الاستغلال في المُجتمعات ذات نَمَط الانتاج الآسيوي... يُحاول كُل باحثٍ أن يَجمَعَ تعليقاتٍ ومُلاحظاتٍ مُتفرقة لماركس وانجلز وينظرَ في تحليلهما لظواهرَ اقتصادية-اجتماعية مُتنوعة من حياة أراضي المشرق في مُختَلَف العصور، ويَضعها في نظامٍ حسبَ منطِقِهِ الخاص ومفهومه حول مسار العملية التاريخية في تلك البُلدان. وهذا ما يُفسِّر الارتباك الذي يَجِدُه المرء في مَفهَمة نَمط الانتاج الآسيوي وحقيقة أن هذه المسألة محل جدلٍ واسع"(20).
ولكن يتَّفِق جميع الباحثين الماركسيين على أن "مُلكية الأرض الجماعية Communal يجب أن تُعتَبَر سِمَةً مُمَيِّزَةً لنَمط الانتاج الآسيوي، كما كان الحال في المشاعية البدائية"(21).
يصوغ الباحث المؤرِّخ الماركسي السوفييتي نورير باداموفيتش آكوبيان Norayr Badamovich Ter-Akobyan هذا الافتراض بطريقةٍ مُختلفةٍ الى حدٍّ ما: "لم يتعامل ماركس وانجلز مع مسألة شكل مُلكية الأرض الجماعية كمسألة مركزية، بل اعتَبَرا مسألة غياب المُلكية الخاصة للأرض انها هي المسألة المركزية. وأُشيرَ الى هذا العامِل بالتحديد في وقتٍ مُبكِّرٍ في رسالةٍ بين ماركس وانجلز في حُزيران من عام 1853، ومن ثُمَّ تم التأكيد على هذا الأمر في كتاب (رأس المال)"(22). وبما أن المُلكية الخاصة للأرض في مناطق الشرق القديم، كانت، كما لُوحِظ، حقيقةً لا تَقبل الجَدل، فإن مُجتمعات الشرق القديم لا يُمكن تعريفها بأنها مُجتمعات تتميَّز بأُسلوب الانتاج الآسيوي. وفي الوقت نفسه، يجب التأكيد على أن المُجتمعات الشرقية القديمة اختَلَفَت عن المُجتمعات العبودية المُتقدمة في العصور الكلاسيكية القديمة.
وقَبلَ الدُخول في جوهرِ الأمر، لا بُد من تسجيل بعض المُلاحظات ذات الطبيعة النظرية. ان فكرة النظام الاجتماعي-الاقتصادي، خاصةً عند تطبيقها على المُجتمعات الطبقية، هي كما يقول المؤرخ والاقتصادي السوفييتي يوجين فارغا "تجريدٌ علميّ وتحديدٌ وجَمعٌ للمعايير الحاسمة للاتاج الاجتماعي. انها لم تكن موجودةً قط في الواقع في شكلٍ نقيٍّ مُطلَق"(23). ان فكرة التشكيلة الاجتماعية-الاقتصادية لا تُشير فقط الى "نمط الانتاج"، بل الى البناء الطَبَقي لنظامٍ مُعطى، وتُخبرنا ما هي الطبقات المُتصارعة التي شكّلَت هذا النظام.
ان تصنيفِ أي مُجتمعٍ في نظامٍ مُعيّن، يعتَمِدُ كُلياً على شكل الاستغلال الأساسي الكامنِ فيه (من الناحية الاقتصادية والسياسية). كانت العبودية، في التشكيلة العبودية، هي شكل الاستغلال القائم. ولذلك، فإن التعريف الدقيق لكلمة "عَبد" مُهم للغاية.
طَرَحَ مؤسسو الماركسية مثل هذا التعريف. كَتَبَ انجلز: "يُعتَبَرُ العَبدُ شيئاً، ويُرفَضُ الإعتراف به عضواً فيه"(24). عرَّفَ ماركس العبدَ على النحو التالي: "الرقيق لا يبيع قُوة عمله من مالك الأرقاء، كما أن الثور لا يبيع عمله من الفلاح، فالرقيق يُباع، بما فيه قوة عمله، من مالكه، بيعاً تاماً"(25).
تستَنِدُ هذه التعريفات للعبد، الى بياناتِ المُجتمعاتِ القديمةِ في اليونان وروما. وبعبارةٍ أُخرى، فهي تخص العبد من النمَط القديم. كان فاسيلي فاسيلييفيتش ستروفه، هو مؤسس البحث السوفييتي في الشرق القديم، وكان أول مُستشرقٍ اتخذَ مسار دراسة تاريخ الشرق القديم من مواقع المادية التاريخية، وكانَ أولَ من طَرَحَ مسألة نوع الحضارة التي كانت موجودةً هُناك. انه لم يطرَح هذه المسألة فحَسب، بل قامَ بحلها أيضاً، الى حدٍّ كبير، من خلال بحثهِ المُكثّف. كان ستروفه، أول من لَفَتَ الانتباهَ الى دورِ العبودية في مجتمعات الشرق القديم، وأثبَتَ بما لا يقبل الجَدَل وُجود تلك المؤسسة في بلاد ما بينَ النهرين ومصر وفلسطين وغيرها. وأشارَ في الوقت نفسه أيضاً، الى أن عبيد الشرق القديم، من النمط الكلاسيكي، لم يُشكلوا العُنصر الأساسي للجماهير المُستَغلّة وأن عددهم كان قليلاً نسبياً. وعلى الرغم من هذه الحقيقة، فَقَد عَرَّفَ ستروفه مُجتمعات الشرق القديم بأنها مُجتمعاتٍ عُبودية. أثارَ هذا التعريف بعض المُعارضة في الأوساط العلمية، وأكَّدَ مُعارضو ستروفه أنه لا يُوجد أي مُبرر لتسمية مُجتمعات الشرق القديمة الباكرة بالمُجتمعات العُبودية، حيث أن عدد العبيد من النمط الكلاسيكي كان صغيراً وأن استغلالهم لم يكن العامِلَ الحاسِمَ في الحياة الاجتماعية-الاقتصادية للمُجتمعات الشرقية القديمة. ومع ذلك، فقد تعامَلَ مُعارضو ستروفه مسألة المُجتمعات الشرقية القديمة وكأنها بمقياس العبودية الكلاسيكية، وبالتالي فَعَلوا ما كانوا يقفون ضده. النقطة المُهمة، هي أن ستروفه، لم يُكن يقصد، لدُن وصفه للمُجتمعات الشرقية بالعبودية، ذلك العدد الصغير نسبياً من العبيد من النمط الكلاسيكي في هذه المُجتمعات، بل كان ينظرُ الى شيءٍ آخر مُختلفٍ تماماً.
تُظهِرُ دراسات بُنية المُجتمعات الشرقية القدية أن المُنتِجين المُباشرين في تِلكَ المُجتمعات لم يكونوا يتألفونَ فَقَط من أعضاء الكوميونات، وليسَ فَقَط من العبيد من النَمَط الكلاسيكي، بل أيضاً من العديد من الأشخاص التابعين المُنفصلين عن وسائل الانتاج والذين يعملون من أجلِ سيّدٍ ما (جماعة أو فرد) على مُستوى الإكراهِ غير الاقتصادي. لَم يَكُن هؤلاء الناس يُعتَبرون كائناتٍ حيّة، بل كانوا مُلكاً لسيدهم، وكَشَفَ وضعُهُم الاجتماعي، في عددٍ من الحالات، عن خصائِصَ تُشبِهُ الى حدٍّ ما، خصائِصَ المُنتِجِ المُستَغَل في ظِل الاقطاع، وهذا هو السبب وراء اعتِقادِ بَعضِ العُلماء أن الاقطاع كان موجوداً في الشرق القديم. هؤلاء هُم الأشخلاص الذينَ أطلَقَ عليهم ستروفه اسم العبيد. بعباراتٍ أُخرى، كان يُوجَدُ في الشرقِ القديم نوعانِ من العبيد: عدد قليل من النمَط الكلاسيكي، وأعداد كبيرة من النوع الشرقي القديم. لم يَكُن هؤلاء الأخيرون مُجرّدين من الشخصية مثل النمط الأول، ولم يَنضُجُ وضعُهُم بعد الى وضع العبيد من النمط الكلاسيكي. لَم يَقُم ستروفه نفسه بصياغة هذا المفهوم بدقّة في أي موضعٍ في كتاباته، لكنه مفهومٌ واضحٌ ويَظهَرُ عند الدراسة المُتأنية لأعمالهِ والحقائق التي طَرَحها.
وهكذا، كانت العناصِر المُستَغَلَّة في مُجتمعات الشرق القديم تتكون أساساً من ثلاث مجموعات: 1- الفلاحين الأحرار. 2- عدد كبير من العبيد من النوع الشرقي القديم. 3- عدد صغير نسبياً من العبيد من النمط الكلاسيكي. وبطبيعة الحال، هذا لا يعني أن المجموعات الثلاث كانت موجودةً بالضرورة في جميع المُجتمعات الشرقية القديمة، ولكن هذه بُنية نموذجية الى حدٍّ ما لمُجتمعات الشرق القديم بأكمله. في حين طَرَحَ مؤسسو الماركسية صياغاتٍ دقيقة ومُحددة تماماً لمفهوم "العبد" لفترة العصور الكلاسيكية القديمة، الا أنه لا يوجد حتى الآن مثل هذا المفهوم لعبد الشرق القديم.
ان جميع التشكيلات الاجتماعية-الاقتصادية، وبالتالي أساليب استغلال المُنتِج المُباشر، هي بطبيعتها ظواهرَ تاريخية وديناميكية وليست ثابتة. لم تكُن العبودية في العصور الكلاسيكية نُقطة انطلاق قرونٍ عديدةٍ من تطور العبودية، بل مَحطّةً من محطاتها. ومن البديهي أنه من غير المُحتَمَل تماماً أن تكون العبودية في مراحل تطورها الباكرة مُتطابقةً مع العبودية الكلاسيكية. مؤكداً على التميّز النوعي بينَ مُلكية العبيد الكلاسيكية والشرقية القديمة، أطلَقَ ستروفه على هذه الأخيرة "العبودية المُبكرة". ويجب التأكيد على أن "العبودية المُبكرة" كظاهرةٍ اجتماعية واقتصادية، لَم تَحظَ بدراسةٍ كافيةٍ على الاطلاق، وأن آلية استغلال العبيد في الشرق القديم والمسائل المُرتبطةَ بها ليست واضحةً تماماً بعد. لا يزالُ هناك قَدَرٌ كبيرٌ من البحث الذي يتعَيَّنُ القيامُ به هنا، كما هو الحال أيضاً فيما يتعلق بمُجتمع الشرق القديم. على سبيل المثال، لا تحتوي المصادر المصرية القديمة على أي اشاراتٍ مُباشرةٍ الى الكوميون، ونحن لا نَعرِفُ ماذا كان يُطلَقُ عليها. والأكثر من ذلك، أنه ليس لدينا أي بياناتٍ ملموسةٍ تؤكّدِ أو تنفي وجودها.
وهكذا، فإن العلاقات الاجتماعية-الاقتصادية القائمة في مُجتمعات الشرق القديم، لا تزال تُقدّم لنا الكثيرَ مما لا يزالُ غير واضحٍ تماماً. سيكون من السابقِ لأوانه التأكيد على أننا على دِرايةٍ تامةٍ بِبُنيتها. على أية حال، يبدو مُصطلحُ ستروفه "العبودية المُبكرة" هو الأكثر مُلائمةً حتى الآن، حيث كانت مُجتمعات الشرق القديم، من الناحيةِ التاريخية، سلفاً للمُجتمعات الكلاسيكية المُتقدمة لفي اليونان وروما.
ومع ذلك، ليس من المُستَبعَد على الاطلاق أن يظهَر أن البُنية الاجتماعية-الاقتصادية التي نُطلِقُ عليها "العبودية المُبكرة" أنها نوعٌ جديدٌ من المُجتمعات التي لم يعرفها العِلمُ من قَبل، بعد بحثٍ أعمقَ وأكثرَ تفصيلاً.
تَنظُرُ المادية التاريخية الى العملية التاريخية على أنها سلسلة من الأنظمة الاجتماعية-الاقتصادية، كان كُلٌّ منها أكثرَ تقدميةً من ذلك الذي سَبَقَهُ. معروفٌ اليوم نموذج التشكيلات الاجتماعية-الاقتصادية الخمس في العلوم السوفييتية. لكن تعريفات هذه التشكيلات الخمس تعتمد بشكلٍ عام على مُستوىً من المعرفة يُمكن اعتبارُهُ مرحلةً من مراحل المعرفة السابقة في الماضي. في العقود الأخيرة، ازدادت البيانات الوقائعية المُتاحةُ لنا بشكلٍ لا يُقاس، ولا تتناسَبُ العديد من الحقائق الجديدة مع هذا النموذج. وهذا ما يُفسِّرُ تجَدُّدُ المُناقشات العديدة حول "نمط الانتاج الآسيوي" وما الى ذلك. اذا نظرنا الى هذه المسألة بشكلٍ أوسع ولم نحشو البيانات الوقائعية الجديدة الهائلة في نموذج الخمس تشكيلات، بافتراض أن وجود مُجتمعات في الماضي لا تتطابَقُ بُنيتها مع التشكيلات الخمس المعروفة، فيُمكن حينها أن تتكشَّفَ لنا الصورة أكثر. وهذا الافتراض لا يتعارضُ بأي حالٍ من الأحوال مع جوهر المادية التاريخية وروحها.
كانَ أول من خَرَجَ عن نموذج التشكيلات الاجتماعية الخمس يوري ايفانوفيتش سيمينوف(26). لقَد رأى في مُجتمعات الشرق القديمة نظاماً أسماهُ الرقّية Servitude، ووصَفَهُ بأنه نظام يتكون من أساليب استغلال المُجتمعات العبودية والاقطاعية والرأسمالية، ولكن لم يكن مُتمايزاً، وكان موجوداً في شكلٍ جنيني ومُندمجٍ في شكلٍ واحد.
من الصعب أن نتفقَ مع تعريفهِ لأُسلوب الاستغلال الرقِّي. في المقام الأول، هذه النمط هي عبارة عن مزجٍ ميكانيكي من عناصرَ معروفة: العبودية والاقطاع والرأسمالية، وبالتالي فهو يحتوي على أساليب استغلالية جديدة من حيث المبدأ. وفي المقام الثاني، فإن وجود نمط استغلال "رقّي" Servitude بما يقصدهُ سيمينوف، ليس مُرجّحاً.
عند الشروعِ في النظر في المسائل المُعقدة لثقافة شعوب الشرق القديم، يجب أن نتذكر أن الوجود الاجتماعي يُحدد الوعي الاجتماعي، وهذا بالضبط ما يجب أن نسترشد بهِ في تحديد جوهر ثقافة الشرق القديم.
السؤال الأول الذي يطرَحُ نفسهُ فسما يتعلقُ بهذه المُشكلة هو: هل يُمكن الحديث عن ثقافةٍ واحدة للشرق القديم؟ واذا كان ذلك مُمكناً، فبأي معنىً يُمكن ذلك، على وجه التحديد؟ أم أن مُصطلح "ثقافة الشرق القديم" هو تجميع ميكانيكي صرف لثقافاتٍ مُختلفةٍ ومُتميزةٍ لشعوبٍ لا يوجد بينها أي شيءٍ مُشترك؟ يُمكن للمرء، بالنسبة للسؤال الثاني، أن يُجيب دون تردد، بالنفي. لكن الاجابة على السؤال الأول أكثر تعقيداً بكثير. كانت مُجتمعات الشرق القديم، من حيث مُستوى قُوى الانتاج وعلاقات الانتاج، من نَمَطٍ عام واحد، ولكنها لم تكن مُتطابقة. لذلك، في حين أن البُنى الفوقية الايديولوجية لهذه المُجتمعات كانت في الأساس من نمطٍ واحد، الا أنها كانت بعيدةً كُل البُعد عن التطابق. كانت ثقافات أراضي الشرق القديم من نمطٍ واحدٍ من حيث المبدأ، ولكن هذه الوحدة كانت تتمظهَرُ في التنوّع، حسب البلدِ والعصر. على سبيل المثال، نُلاحِظُ أن ما هو نموذجي لهذه البُلدان، في مجال الدين تعدد الآلهة، وتبجيل قُوى الطبيعة والمُجتمع. ولكن، كانَ تعدد الآلهة وصُور الآلهة المُختلفة والأساطير المُتعلقة بها، مُختلفاً من بلدٍ الى آخر. كانت الأساطير المُتعلقة بنشأة الكون عند المصريين والسومريين مُتطابقةً في نمطها من حيث أن الآلهة خَلَقَت العالمَ والناس، لكنها كانت مُختلفةً من حيث تسلسل الأحداث في الأساطير والكيفية التي تمت بها، وما رافَقَ تلك العملية، وما الى ذلك.
ان بقايا المُجتمع العشائري البدائي في ايديولوجية مُجتمعات الشرق القديم أمرٌ ملموسٌ تماماً. وقد تتوعَت هذه البقايا في شكل عناصر الطوطمية والفيتيشية والسحر وعبادة الموتى وما الى ذلك. كان هناك اختلاف في شكل هذه البقايا حسب اختلاف المكان، ولكن تلك البقايا كانت واضحةً في كُل مكان. وان نظرنا في الأمر، نجدُ أن المصريين احتلوا المرتبة الأُولى بين شعوب الشرق القديم في هذا الصدد. ولهذا السبب، تحظى دراسة الديانة المصرية باهتمامٍ كبير في مجال الاثنوغرافيا.
كان مُستوى المعارف العلمية (الرياضيات والطب والجُغرافيا) متطابقٌ تقريباً، وهو ما يُفسرهُ مُستوى التطور الاجتماعي-الاقتصادي.
يُمكن قولُ الشيءِ نفسه بشكلٍ عام عن الأدب والفن وما الى ذلك. تنوّعَت أساليب النحت في مصر وبلاد ما بين النَهرين عن بعضها البعض بشكلٍ كبيرٍ لدرجة أنه حتى يُمكن لغير المُتخصص أن يُميّز بينهما بسهولة من النظرة الأولى.
وهكذا، على الرغم من الاختلافات الملموسة الواضحة، فإن ثقافات أراضي الشرق القديم هي في الأساس من نمطٍ واحد. وهذا يتعارض مع ظروف تفوّق بعض البُلدان أحياناً على غيرها في تطوّرِ فرعٍ مُعينٍ من التكنولوجيا والايديولوجيا. وفي حين تطورت أنظمة فلسفية حقيقية في الهند والصين القديمتين (سانخيا في الهند والكونفوشية في الصين على سبيل المثال)، فإننا لا نَجِدُ شيئاً من هذا القبيل في مصرَ وبلادِ ما بينَ النهرين.
الا أن مثل هذه الظواهر، رُغم أهميتها الكبيرة في حد ذاتها، لا تتعارَضُ بأي حالٍ مع الفرضية القائلة بأن الثقافات الشرقية القديمة، هي، بالمعنى الواسع، من نمطٍ واحد، وهذا يُعطينا الحق في الحديثِ حولَ ثقافةٍ شرقيةٍ قديمة.
وكما رأينا، كانت وديان الأنهار العظيمة، التي تفيضُ سنوياً، في مصر وبلاد ما بين النهرين والهند والصين، هي أكثر مواقع الثقافةٍ قِدَماً. هذه المواضع، نَشَرَت ثقافاتها في الأراضي والشعوب المُحيطة بها، وجذبتها بذلك، الى مجال تأثيرها الثقافي. كانت هذه العملية مصحوبةً بطبيعة الحال بالتقليد والاستعارة الثقافية.
ومن الطبيعي، أن تعرضت هذه الأخيرة، في كثيرٍ من الأحيان لاعادة التفسير والتحولات في البيئة الاجتماعية الجديدة. ومن الأمثلة الحية على ذلك، الكتابات المسمارية التي اخترعها السومريون على ضفاف نهري دِجلة والفرات، والتي انتشَرَت بين البابليين والاشوريين والحيثيين والأورارتو والأوغارتيين وشعوبٍ أُخرى، وأحياناً في شكلٍ مُعدّل. تغلغلت الأساطير والحبكات الأدبية مع نظام الكتابة في الثقافات المُجاورة.
تألَّفَت هذه المواضع الحضارية القديمة، والتي يُمكن تسميتها "المراكز الشرقية للعصور القديمة الكلاسيكية"(27) من عوالِمَ حضاريةٍ مُتميزة، بما في ذلك الشعوب التي انجذبَت لها. هذه العوالِم، كما هو مفهوم تماماً، لم تكن مُرتبطةً ببعضها البعض في العصور القديمة البعيدة. على أية حال، ليس لدينا أي بيانات ثابتة تشهد على مثل هذه الروابط. ولكن مع مرور الزمن، كان لا بُدَّ من إقامة بعض الصلات. على سبيل المثال، نشأت روابطَ ثقافية لا تقبل الشك بين مصر وبلاد ما بين النهرين في القرن السادس عشر قبل الميلاد(28). ومع ذلك، كانت تلك الروابط بين الثقافات قد تبلورت بالكامل وصمَدَت أمام اختبار الزمن. كما ظَهَرَت روابط مُماثلة ببطئ الى حيز الوجود في الفترة الهيلينية، وصارت، في وقتٍ لاحق، في الامبراطورية الرومانية، عاملاً هاماً في التطور الثقافي للعالم القَديم.
يمتد تاريخ الشرق القديم على طولِ فترةٍ زمنيةٍ هائلة تُقاربُ 3500 عام، وهي فترة أطول بكثير من تلك عاشَت خلالها المُجتمعات الاقطاعية والرأسمالية.
ومن السهل أن نفهم أن مُجتمعات الشرق القديم قد تبدَّلَت وتغيرت خلال تاريخٍ يمتد خمسٍ وثلاثين قرناً. ومن هُنا تبرُزُ مُشكلة وصف عملية التاريخ الثقافي في الشرق القديم. بشكلٍ عام، من الصعب طرح مثل هذا الوصف التفصيلي والدقيق والشامل تماماً، فحالة المصادر المُتوفرةُ لدينا، لا تسمحُ للقيام بذلك. ان المصادر التي تعودُ لفتراتٍ مُختلفة وبُلدانٍ مُتنوعة وصلت الينا بدرجاتٍ مُتفاوتةٍ من الاكتمال، وفي كثيرٍ من الأحيان، يُعيقنا الغياب شبه الكامل للمصادر من تتبع عملية التطور التاريخي الحضاري لفتراتٍ قد تصلُ الى قرون. هناكَ، في عددٍ من الحالات، عقباتٌ كبيرة مُتعلقة بصعوبة التفسير اللغوي والتاريخي للمصادر، وعدم قُدرتنا على فهم معناها.
ومع ذلك، بالامكان تحديد بعض الخصائص العامة لثقافة الشرق القديم، بطريقةٍ مُختصرةٍ.
يجب التأكيد، بادئ ذي بدء، على أن قانون التطور العالمي اللامُتكافئ قد تجلّى في الشرق القديم كما تجلّى في أي مكانٍ آخر، وأن مُستوى الحضارة ككل في كلِّ منطقةٍ من مناطق الشرق الأقصى لم يكن مُتطابقاً على الاطلاق في أي لحظةٍ زمنية. وفي الوقت نفسه، نُلاحظ أيضاً عدم انتظام تطور فروع الثقافة، لهذا السبب أو ذاك. على سبيل المثال، كانت المعدات العسكرية الآشورية، أفضل بكثيرٍ من تلك المتواجدة في الدول الأُخرى. واذا وضعنا في اعتبارنا أيضاً عدم تجانس الثقافات الفردية، الذي ناقشناهُ سابقاً، والذي هو أيضاً، الى حدٍّ ما، نتاجاً لعدم تجانُس التطور التاريخي، فإننا سنحصلُ على صورةٍ للحضارة الشرقية القديمة ذات أساسٍ واحد، وفي نفس الوقت، صورة زاهية مُتنوعة في تمظهراتها العيانية. ونتيجةً لذلك، لا يُمكن الحديث عن أي تحقيبٍ للتاريخ الثقافي للشرق القديم، يُمكنه أن يضعَ حضارات الشرق القديمِ جميعها في اطارٍ واحد: الظواهر الثقافية والايديولوجية المُتماثلة في البلدان المُختلفة ليست مُتزامنةً.
ان الخصائص التالية، نموذجية لثقافة الشرق القديم في مجال الايديولوجيا:
1- ان بقايا المفاهيم والأفكار الموروثة من نظرات المُجتمع العشائري البدائي (التي ذكرناها سابقاً)، قويةٌ جداً. ولا شكَّ أن هذا يُفسِّره حقيقة أن جماهير غفيرةٍ عاشت في ظروف كوميونة الأرض، الى جانِبِ النُخَب والملاكين العقاريين.
2- هيمنة الوثنية في الدين، والتي ينشأ معها تيارٌ توحيدي ملموس في مرحلةٍ مُعينةٍ من التطور التاريخي. يُمكن تفسير ظهور التوحيدية بالمركزية السياسية، وتنصيب الالهي المحليّ الى مستوى اله الدولةِ بأكملها "ملك الآلهة". ولكن التقاليد الوثنية (تعدد الآلهة) قوية جداً، ولم تتمكن العناصر التوحيدية من طردها تماماً. والاستثناء الوحيد هو الكتاب المُقدّس، الذي يُعَدّ مع ذلك، أثراً تاريخياً يعودُ الى حُقبةٍ مُتأخرةٍ نسبياً في تطور المُجتمعات الشرقية القديمة.
3- تُعتَبَرُ الثقافة الانسانية بأكملها وحياً من الآلهة. وفي هذا الصدد، فالمعابد بالتحديد، هي بؤر المعرفة (الطب قبل كُل شيء)، والكهنة هُم حاملو تلك المعرفة. جميع المؤسسات الحكومية مُقدسة الى هذه الدرجة أو تلك. ويُعتَبَرُ أصحاب السُلطة ورؤساء الدُول إما تجسيداً للآلهة أو مُعينين من قِبَلِهِم. تتشابَكُ المعلومات العلمية والعملية القَيِّمة التي يتم تحصيلها بالوسائل التجريبية، بشكلٍ وثيق، مع النظرات الدينية والخرافات من كل نوع.
تقول ناديجا كروبسكايا Nadezhda Krupskaya "ليس من الصعب الاشارة الى أن جميع الأديان اليوم هي النقيض التام للعلم. ولكن اذا نظرنا الى تاريخ الدين، فسنَجِد أنه كان هناك زمنٌ لم يكن فيه هذا الحدّ الواضح والفاصل بين العلم والدين. كان هُناك زمنٌ تطابَقَ فيه العلم والدين... لو نظرنا الى مصر القديمة، انخرَطَ مُمثلو الدين-الكهنة- في عمليات رصدٍ كونية وجوية، فقد كانوا يعرفون متى ستفيض الأنهار، وقد تنبؤا بذلك. كان الطب وعددٌ من العلوم الطبيعية الأخرى على رأس مُنجزاتِ ذلك الزمن(29). ويُمكن قول الشيء نفسهِ عن الأخلاق والجماليات وما الى ذلك.
ومع ذلك، حَدَثَ داخل النظرة المُقدسة للعالَم، بشكلٍ مُتواصلٍ وتجريبي، تراكمٌ للحقائق العلمية، وجهَت الفكر في اتجاهٍ غير ديني شيئاً فشيئاً. بدأ "الحد الفاصا لواضح والفاصل" الذي تحدثت عنه كروبسكايا يتوسّع. وقد حَدَثَ هذا بمُعدلاتٍ مُختلفةٍ في بُلدان الشرق القديم المُختلفة، وَوَصَلَ الى أقصى حدٍّ له (في الشرق القديم)، على الأرجح، في الهند والصين.
4- وفي الوقت ذاته، لا بُدَّ من التركيز على التسامح الديني السائد في الشرق القديم. كانت الحروب والصراعات المُسلحة التي كانت تدورُ تحت شعاراتٍ دينية، غريبةً على شعوب الشرق القديم. ان مبدأ تعدد الآلهة في حد ذاته، كان يُزيل التفرّد والتعصّب الديني الذي يُولّده. لقد كانَ على العكس، شرطاً أساسياً للتوفيق بين المُعتقدات. لقد كان التوفيق بين الأديان، ظاهرةً مُتكررةً في تاريخ الشرق القديم. وهكذا، في زمن الدولة الحديثة، قامَ المصريون الذين أخضعوا أراضي شرق االبحر الأبيض المُتوسط، بدمج آلهة الشعوب التي غَزوها، مثل الإله الكنعاني رشف Reshef والإلهَةُ عناة Anat.
ان التعصب الديني هو صنيعة التوحيد. والكتاب المُقدس مثالٌ على ذلك، بتعاليمه حول الآله الجبّار، يهوه، الذي لا يتسامَحُ مع أي عباداتٍ أُخرى. تجلّى التعصّبُ أيضاً، الى حدٍّ ما، في تاريخ الدين في مصر خلال زمن العمارنة Amarna وصراع أنصار آمون وآتون ضد بعضهم (وهو تعصبٌ لم ينتشر الى جميع أعضاء البانثيون المصري). وفي هذه الحالة، لا يُمكن تفسير مظهر التعصب باعتباراتٍ لاهوتية، بل بالصراع الحاد على سُلطة الدولة، بين جماعتين اقتصاديتين-اجتماعيتين طرحتا نفسيهما تحت ستارٍ ديني كمؤيدين لعقيدة آمون التقليدية والإله الجديد آتون.
وكانت إحدى أهم نتائج التسامح الديني، هي حقيقة أن المرء، لا يُواجه في الشرق القديم دوغمائيةً دينيةً في شكلٍ تنظيمي (مثل الكاثوليكية)، ولم تكن مفاهيم الدين الرسمي والبِدَع المحظورة موجودة. ولذلك، نَجِدُ في أراضي الشرق القديم فُسيفساء زاهية الألون من التيارات الدينية المُتناقضة.
ومن المُناسِب التأكيدُ على أن الشكّية، قد عاشت جنباً الى جنب مع النظرات التقليدية القديمة (انشودة عازف القيثارة The Song of the Harpist وحوار بين رجل وروحه Dispute between a man and his Ba في مصر، والكتابات الفلسفية التي تحتوي أحياناً على آراءٍ مادية في الهند والصين).
5- لم يَتعارض أي من هذا، مع الطبيعة المُقدسة عموماً (وليس الثيوقراطية) للمُجتمع الشرقي القديم. وبشكلٍ عام، كانت العناصر المُقدسة في الايديولوجيا، وخاصةً في التنظيم الحكومي، هي المُهيمنة بشكلٍ واضح. يَشهَدُ مثال الاسكندر الأكبر على المواقف المُختلفة تماماً تجاه حامل سُلطة الدولة في اليونان وفي أراضي الشرق القديم. في الشرق، تم تأليههُ وفقاً للتقاليد اليونانية، بينما تعرّضَ في اليونان للسُخرية لأنهُ قَبِلَ التشريفات التي تُنصِّبهُ الهاً. وقد حَدَثَ هذا في نفس الزمن!. ان وجود أعدادٍ كبيرةٍ من السُكان الذين يعيشون في ظروف الكوميونات والمؤسسات الحكومية المُقدسة، كانا السبب الرئيسي لبُطئ تطور مُجتمعات الشرق القديم ككل. لم تكن ظروف المُجتمع الشرقي مُلائمةً لظهور "الفرد"، المواطن. إعتُبِرَت جماهير الناس أنا صنيعة الآلهة. كان مطلوباً منهم الخضوع للسلطةِ المُشكلة من آلهة أو وكلائهم، دون تذمر. ولكن حتى في ظل هذه الظروف، بدأ يظهر وعي الفرد بذاته. لقد حَدَثَ ذلك بشكلٍ محدود، ولكنه حَدَث في البداية داخل طبقات المُجتمع الحاكمة. حَدَثَ تحرر الفكر الانساني من المبادئ المُقدسة ببطئٍ شديد، وأحياناً بشكلٍ عفوي، ومع ذلك، فقد حَدَثَ ذلك بموجبِ قانون التطور التدريجي لكل مُجتمع (والذي لولا ذلك لكان اندثَر). حدثَت هذه العملية بشكلٍ غير مُتكافئ: بسرعة أكبر في الهند والصين، وببطئٍ أكبر بكثير في مصر وبلاد ما بين النهرين. كلما حَدَثَت العملية أسرع، كلما زادت سُرعة تراكم القِيَم الثقافية للمُجتمع، وصارَت عملية الابداع الثقافي أكثر كثافةً: يتوسّع الحد الذي تحدثت عنه كروبسكايا.
كان توسُّع "الحد" هذا، كاملاً في اليونان وروما، حيث تطورت الى جانب الايديولوجيا الدينية، ايديولوجيا علمانية مُستقلة عن الأولى وأحياناً مُعاديةً لها بشكلٍ صريح، وتأسس في روما واليونان وعي الفرد كمواطن. ولكن لا يُمكن قول الشيء نفسه عن الشرق القيدم ككل.
على الرغم من الرأي السائد بأنه لا يوجد في الشرق القديم حالات تأليفٍ فردي نُسجلة، فقد ثبُتَ أن هذا كان موجوداً فعلاً في كلٍ من الأدب والفن، في حالة مصر على الأقل(30). كان هذا أحد المظاهر الأُولى للوعي بالابداع الفردي. لقد كانت لا تزال ضعيفةً، وليست ظاهرةً مُعتادة. لكنها مع ذلك، كانت ظاهرةً موجودة، وصارت راسخةً ببطئٍ شديد.
6- كانت العُنصرية فكرةً غريبةً تماماً عن الشرق القديم. ومن الأمثلة الحية على ذلك، حُكم الأُسرة الخامسة والعشرون في مصر، حيثُ قَبِلَ المصريون أعضاءها السود، باعتبارهم أكثر الفراعنة أصالة. ومن الأمثلة الأُخرى تواجد السومريين والساميين جنباً الى جنب في بلاد ما بين النهرين، وهناك أمثلةٌ أُخرى. ولا ينبغي الاستهانةُ بهذه الحقائق ذات الأهمية الأساسية. ان غياب العُنصرية عزز التواصل الوثيقَ بين القبائل والشعوب، وعزّزَ الابداع الثقافي المُشتَرَك.
7- كان ظهور وتطور النصوص المُعقَّدة للغاية، وهي الأقدم في العالم، أساساً لظهور الأنظمة الأبجدية (مثل الفينيقية Phoenician) في فتراتٍ لاحقةٍ من التاريخ. لقد سَبَقَ ظهور اللغة المكتوبة، زمناً طويلاً من الابداع الشفهي الجماعي، الذي تمتد جذوره العميقة في النظام المشاعي البدائي. شكَّلَ ظهور اللغة المكتوبة عمليةً طويلة، ولم يكن النص، في المراحل الأُولى من تلك العملية، مُستخدماً على نطاقٍ واسع. ظلّت الكلمة الشفهية، التي قدستها التقاليد ونسبت اليها خصائصَ سحرية، تلعب دوراً هائلاً. لقد وصلنا من الشرق القديم، بشكلٍ مكتوب، عددٌ من الآثار القديمة جداً التي نشأت بشكل جماعي شفهي ولم تُدوَّن سوى في الفترة التي تطوّرَ فيها النص المكتوب بشكلٍ أكبر، مثل جزءٍ كبيرٍ من "نصوص الأهرامات" في مصر.
وعلى صعيد التاريخ ومراحله، فإن ثقافة الشرق القديم تسبقُ ثقافة العصر العبودي الكلاسيكي. مما لا شكَّ فيه، أن هذه الأخيرة استعارت الكثير من شعوب الشرق القديم، وتؤكد الدراساتُ هذه الفكرة، مما يدل على أن التأثير الثقافي للشرق القديم، كان أعمق وأكثر أهميةً مما كان يُفتَرَضُ سابقاً. ومن ناحيةٍ أُخرى، فإن ثقافة العصر الكلاسيكي، الفريدة من نوعها، والتي نشأت وتطورت في ظروفٍ مُختلفةٍ تماماً، عاشت في نفس المراحل التي مرّت بها ثقافة الشرق القديم، ولكن في زمنٍ أقصر، ومن ثم تجاوزتها. لقد خَلَقَت ثقافة العصر الكلاسيكي قِيَماً فكريةً كانت نقيضاً للفكر الديني. لقد استَقبَلَ انسانيو عصر النهضة في أوروبا هذه القِيَم الفكرية المُضادة بحماس، وإنَّ الحضارة الأوروبية والعالمية المُعاصرة ترتكزُ عليها، الى حدٍّ كبير.

* ميخائيل الكساندروفيتش كوروستوفتسيف 1900-1980، عالم مصريات ماركسي ومؤرّخ لتاريخ الشرق. انضمَّ الى صفوف الجيش الأحمر من عام 1922-1924، ومن ثم انتسَبَ عام 1929 الى الحزب الشيوعي السوفييتي.
تخرّجَ عام 1934 من كُلية التاريخ التابعة لجامعة أذربيجان. ومن ثم دُعِيَ للعمل في معهد الدراسات الشرقية، ودافَعَ عن اطروحته المُعنونة (العبودية في مصر خلال زمن السُلالة السادس عشر المصرية) 1939، ودافَعَ عام 1943 عن اطروحته للدكتوراة بعنوان (الخبرة الثقافية والبحثية). وصارَ منذ عام 1943 السكرتير العلمي لمعهد التاريخ التابع لأكاديمية العلوم في موسكو، وبروفيسوراً منذ عام 1944.
وفي عام 1944 أُرسِلَ كوروستوفتسيف الى مصر كمُراسل لوكالة تاس ومُمثل لأكاديمية العلوم السوفييتية في مصر. عَمِلَ كباحث رئيسي في معهد الدراسات الشرقية في أكاديمية العلوم السوفييتية، وترأسَ منذ عام 1965 قسم الشرق القديم في المعهد. وصارَ عضواً كاملاً في أكاديمية العلوم السوفييتية في قسم تاريخ الشرق الأجنبي، وعضو شرف في أكاديمية المصريات الفرنسية وأكاديمية المصريات في تشيكوسلوفاكيا الاشتراكية.
ألّف كوروستوفتسيف أكثر من 200 منشور علمي، منها (صروح الأثار الأدبية لشعوب الشرق) 1960، (اللغة المصرية) 1961، (مُقدمة لعلم دراسة اللغة المصرية) 1963، (الدين في مصر القديمة) 1976، وغيرها الكثير. حصَلَ كوروستوفتسيف على جائزة الصداقة بين الشعوب عام 1980.

1- B. A. Turaev, Istoriia drevnego Vostoka, I, Moscow and Leningrad, 1935, pp. 1-2.
2- رأس المال-المُجلّد الأول، كارل ماركس، ترجمة فالح عبد الجبار، دار الفارابي 2013، ص631
3- L. I. Mechnikov, Tsivilizatsiia i velikie istoricheskie reki, translated from the French by M. D. Gorodetskii, St. Petersburg, 1898
4- Ibid., p. 118
5- رأس المال-المُجلّد الأول، كارل ماركس، ترجمة فالح عبد الجبار، دار الفارابي 2013، ص631
6- Mechnikov, op. cit., p. 175
7- Turaev, op. cit., I, p. 60
8- Mechnikov, op. cit., p. 176
9- L. N. Gumilev, Otkrytie Khazarii, Moscow, 1966
أ- كانت خانية الخزر أو الشعب الخزري دولةً موجودةً من النصف الثاني من القرن السابع، حتى منتصف القرن العاشر، وكانت أراضيها تشمل شبه جزيرة القرم، وساحل بحر قزوين، وما يُعرَف الآن بداغستان الى الشمال. نظراً لموقعها الجُغرافي، كانت دراسة تاريخ الخزر بطبيعة الحال موضع اهتمام الباحثين الروس، وخاصةً السوفييت، لأن هذا مُرتبط مُباشرةً بتاريخ الشعوب الأُخرى في آسيا الوسطى وحول نهر الفولغا وتاريخ الدول اللاحقة في المنطقة. استخدمَ غوميليوف في دراسته البيانات الجُغرافية والمناخية ونتائج البحث الأركيولوجي، وقارنها بعناية مع المصادر المكتوبة، وتوصّل في بحثه الى نتائج مُثيرة للاهتمام. كان الخزر، حسب غوميليوف، في الغالب، مجموعات شبه بدوية. من المُفترض أن يكون سبب ذلك هو مستوى بحر قزوين، الذي كان أقل بكثير خلال القرن السادس مما كان عليه في وقت رحلات غوميليوف الاستكشافية. عاشَ سكان الكثير من سكان الخزر في ذلك الوقت في حوض نهر الفولغا، الذي نشأ نتيجةً انخفاض مستوى سطح البحر. أدت التغيرات المناخية الى ارتفاع مُستوى بحر قزوين عدة عشرات من الأمتار خلال القرن العاشر، واختفت مستوطنات الخزر. كانت خانية الخزر، هي "هولندا القزوينية"، التي أصبحت مدينة "أطلانطس الروسية".
وفقاً لغوميليوف، وصلَ شعب الخزر الى دلتا نهر الفولغا الذي غمرته الفيضانات في القرن الثالث. لقد وجدوا موارد طبيعية كافية في المنطقة، وكانت الدلتا بمثابة حماية طبيعية ضد الشعوب البدوية الأُخرى التي عاشت في منطقة السهوب المُحيطة.
10- M. I. Artamonov, preface to cited work by Gumilev, p. 6
11- Ibid., pp. 28-31
ب- الثقافات الأثرية التي استخدمت المعادن paleometallic، هي الثقافات التي أظهرت الأدلة انها استخدمت المعادن، مثل الحديد، ولكنها لا تتطابق مع الخصائص التصنيفية الخاصة بالثقافات الخاصة بالعصر الحديدي. انها ثقافات سابقة للعصر الحديدي.
12- Ibid., pp. 53-54
13- Ibid., pp. 56-57
14- تُشير كلمة "الآن"، الى عام 1913، عندما كانت منطقة بابل القديمة ضمن نطاق الامبراطورية العثمانية.
15- Turaev, op. cit., I, p. 60
16- Ia. Ia. Roginskii and M. G. Levin, Osnovy antropologii, Moscow, 1955, p. 357
17- أصل العائلة والمُلكية الخاصة والدولة، فريدريك انجلز، دار التقدم، ص156
18- نفس المصدر، ص142
19- V. I. Lenin, -S*, och Vol. 29, p. 438
20- A. I. Pavlovskaia, "Po povodu diskussii ob aziatskom sposobe proizvodstva na stranitsakh zhurnalov La Pensed i Eirene VDE, 1965, No. 3, p. 94
21- N. V. Pigulevskaia, "K voprosu ob aziatskom sposobe proizvodstva," ibid., p. 84.
22- N. B. Ter-Akopian, "Razvitie vzgliadov K. Marksa i F. Engel sa na aziatskii sposob proizvodstva i zemledel cheskuiu obshchinu," -NAA, 1965, No. 3, p. 73
23- E. Varga, Ocherki po problemam politekonomii kapitalizma Moscow, 1964, p. 370 ff
24- مسودّة البيان الشيوعي، فريدريك انجلز:
https://www.marxists.org/arabic/archive/marx/1847/prin_com.htm
25- العمل المأجور والرأسمال، كارل ماركس، دار التقدّم، ص21-22
26- Iu. I. Semenov, "Problema sotsial no-ekonomicheskogo stroia drevnego Vostoka," -NAA, 1965, No. 4
طوَّرَ سيمينوف أفكاره الواردة في المقال أعلاه، وأضافَ عليها، في مقالةٍ مُترجمةٍ في كتاب: مجموعة مقالات ماركسية سوفييتية-الجُزء الرابع، ترجمة مالك أبوعليا وتمارا العُمَري: مقالة (نظرية التشكيلات الاجتماعية الاقتصادية وتاريخ العالَم، يوري سيمينوف، ص145
27- V. B. Nikitina, E. V. Paevskaia, L. D. Pozdneeva, and D. G. Reder, Literatura drevnego Vostoka, Moscow, 1962
28- M. A. Korostovtsev, Pistsy drevnego Egipta, Moscow, 1962, pp. 100-112
29- N. K. Krupskaia, Voprosy ateisticheskogo vospitaniia, MOSCOW1961, pp. 118-120
30- M. E. Mat e, "Rol lichnosti khudozhnika v iskusstve drevnego Egipta," Gosudarstvennyi Ermitazh. Trudy Otdela Vostoka, IV, 1947 Korostovtsev, Pistsy. . . , pp. 74-99.


ترجمة لمقالة:
M. A. Korostovtsev (1970) On the Concept "the Ancient East, Soviet Studies in History, 9:2, 107-132








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Politics vs Religion - To Your Left: Palestine | فلسطين سياس


.. ماذا تريد الباطرونا من وراء تعديل مدونة الشغل؟ مداخلة إسماعي




.. الجزيرة ترصد مطالب متظاهرين مؤيدين لفلسطين في العاصمة البريط


.. آلاف المتظاهرين في مدريد يطالبون رئيس الوزراء الإسباني بمواص




.. اندلاع اشتباكات عنيفة بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهرين في تل