الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صفاقة العقل العراقي الاتباعي/6

عبدالامير الركابي

2024 / 2 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


كمثال صارخ يجسد الصفاقة باعتبارها فضيحه بحثية ومعرفية، ماقد تجشمه شخص من خارج العراق، هو حنا بطاطو، الذي امضى من عمرة قرابه الثلاثة عقود "يبحث" بعقم مزر عن "عراق"، بدا له جاهزا ومكتملا لدرجه امكانية، لا فقط اعتباره كيانيه "وطنية" فحسب، بل والذهاب الى حد التعامل معه ككيانيه متبلورة "طبقيا"، بناء على مايعرفه الكاتب واعتمده من نظريات اوربيه بهذا الخصوص، مرتكبا جريمه بحثية مضاعفة، مزدوجه، وهو يبحث في المكان الذي كلف نفسه بان يميط اللثام عن "الطبقية" التي تنطوي عليها بنيته، خلافا لما قديتردد من عدم امكان تطبيق الرؤية الطبقية على البلدان غير الاوربية، لنصبح ومرة اخرى امام حالة تلبس للعراق البراني الاعلى الانهياري، المتبقي من طور ودورة منقضية، مع الغاء وتجاهل الحقيقة الحديثة الازدواجية، وقوة حضور وفعل العراق المتشكل منذ القرن السادس عشر، والذي اليه وفيه تنطوي آليات التشكل العراقي الحديث في كيانيه متعدية للكيانيه، تطابق طبيعته وجوهر كينونته، خلافا للقسرية والافنائية النموذجية الغربية البرانيه.
ولاداعي لان ندخل في تفصيلات عملية تؤسس على خراقة، كان المفترض ان تكرس عمرا وجهدا للاجابة على تساؤل حيوي عن "ماهي خاصيات بنية العراق الحديثة والتاريخيه؟"، ليعاد بناء على ذلك النظر في كل مااورده بطاطو من احداث وتفصيلات، نسبها لغير ماهي واقعا بحصيلة جهد مضن، استمر ليتجسد في ثلاثة اجزاء ضخمة، وجدت الصحافة الغربيه فيه كحصيلة اهم مؤلف صدر في السنه التي صدر فيها، مؤكدة عمق مستوى الضحالة الغربية المفهومية والبحثية المدعاة، والغالبة حتى اليوم، دلالة على زراية الطور الالي الاوربي وتوابعه ومتعلقاته الشامله، المنظورية والنموذجية، لنقف هنا وبهذه المناسبة غير العادية، امام حالة بارزه من حالات النكوص الاعقالي الحداثي الغربي المريع، وحتى المخجل.
ولكي يلغي بطاطو من دون دراية، العراق الاسفل وتشكليته الحديثة الذاتيه، ليلحقه ب " العصر" الاوربي وحداثته، فانه لابد ان يلغي علاقة "الحزب الشيوعي العراقي" الجنوبي اللاارضوي البارزة بحمدان قرمط، وكوراجينا، اي بالبنية اللاارضوية المشاعية البنيوية التكوينيه التاريخيه، الدائمه بما هي نمط مجتمعي، جاهلا بناء عليه بقانونها الاستبدالي ضمن شروط التبدل في نوع البرانيه، وقد انتقلت من يدوية الى آلية، ماقد فرض على الحيز الاسفل الاحتياز على التيارين الاكثر فعالية خارج مفاهيم ماركس ولنين وعفلق، وبما يوافق مبدأ الرد على الغرب وبرانيته الافنائية باستخدام اهم وسائله(6)، والقابل منها للمصادره اللاارضوية ضد افنائيته وضده حضورا، بالاخص في الفترة بين 1921 حتى الثورة اللاارضوية الثانيه في تموز 1958، فترة الحزب الشيوعي العراقي اللاارضوي، مع حزب البعث، قبل ان يتحولا ويعاد تحويرهما، بالاخص بعد عام 1963، فينتقلان لمعسكر البرانيه الارضوية، والسلطة الريعيه النفطية، مايضع مؤلف بطاطو بباب التلفيق والخيال الاقحامي المرتكز للاكراهية البحثية الموافقة للعملية الاحتلالية الاستعمارية، ليضاف لاجمالي، ولكتلة الفعل البراني الاحادي الافنائي المسلط على العراق ابان مايعرف بالعصر الحديث الالي، ومترتباته التوهمية.
ولو ان بطاطو كان قادرا ـ الامر الافتراضي المستحيل ـ ان يلامس مفهوم النمطية اللاارضوية، لكانت مفاهيمه انقلبت ولسقطت موضوعات الطبقية والمادية التاريخيه الماركسية باعتبارها افتراضية توهمية لااساس لها، فالمجتمعات لاتتحول من نمطية الى اخرى كما افترض ماركس وانجلز قائلين بالانتقال من "الشيوعية البدائية" الى "الطبقات"، الامر غير الوارد، فالشيوعيه او اللاتمايزية المجتمعية، توجد بصفتها نمطا طبقيا في ارض مابين النهرين ابتداء مجتمعيا، وتظل على ماهي عليه، تتكرر بناء للبيئة الطاردة التي ولدتها ضمن كيانيه لاكيانيه ازدواجية، محكومة لقانون الدورات والانقطاعات، تظهر كما هي، يتناوب على التعبير عنها، كوراجينا وحمدان قرمط رمزيا، بحسب الدورات، بمقابلها وعلى الضفة المتوسطية الاخرى، تنشا بناء لاشتراطاتها البيئية الخاصة، حالة ازدواج مجتمعي طبقي، تنتهي بزوال الطبقية مع الانقلاب الالي، ودخول عنصر ثالث من خارج العملية الاجتماعية التي هي نتاج وحدة ( الكائن البشري / البيئة)، لتصبح ساعتها ثلاثية، العنصر المستجد من بينها مؤهل لتغيير بنيتها، ولفتح باب صراعية، بين المجتمعية النمطية الاولى البيئية، والعنصر الطاري المستجد الفعال، والقابل للاستعمال الواعي التغييري، وان بدون افق واضح محدد خارج المصالح الذاتية ومتبقيات الطبقية داخل المجتمعات.
ويظل مايحدد وجهة متغيرات الظاهرة المجتمعية مرهونا ل، ومتفقا مع سيرورتها ومآلها التي هي مصممة لكي تذهب اليه بين "شيوعية" وعداله مطلقة ارضوية مفترضة تابيدية للكائن البشري وللمجتمعات الارضية، و"انتقالية لاارضوية"، وهنا نصير امام التحدي المحور، الذي يقف العقل دونه بحسب مايكون قد بلغه من تدرجات الادراكية في الطور الازدواجي العقلي/ الجسدي، ذلك الذي يبدا مع الانتصاب على قائمتين واستعمال اليدين، حين يحضر العقل مخترقا سطوة الجسد ابان الطور الحيواني، لندخل زمن "الانسايون"، الطور الفاصل بين "الحيوان" و "الانسان"، وقت يكون من ابرز مظاهر قصورية العقل، الاعتقاد بان الكائن البشري قد صار وباعتباط، "انسانا"، في الوقت الذي يكون هو بصدد الانتقال من حدود الادراكية الدنيا، بالاخص للعملية المجتمعية وغاياتها ومقاصدها عن طريق التفاعلية المجتمعية وتطورها بالذات، مايجعل المجتمعية ويمنحها دورا، هو من حيث الاساس "عقليا"، جوهره توفير الاسباب للعقل حتى يقارب ادراك منطويات وحقيقة دوره ومكانه ضمن العملية الوجودية، بما انه في حال نشوئية وتصير مترقية، اي انه لاينشأ كما يعتقد كاملا، او مهيئا لادراك منطويات الوجود.
هنا تتجسد مهمة العراق الكونية ودوره المؤجل كبنيه ووجود وتاريخ، وبالذات مهمة العقل اللاارضوي بدوراته وتناوباتها، مع الانقطاعات، لتغدو اليوم مهمة كونية استثنائية، قاعدتها الاعلان عن حكم انتقال الكائن البشري من الكوكب الارضي، الى الاكوان الاخرى، وبالذات "الكون اللامرئي"، بعد ان يتخلص العقل من وطاة حامله الجسدي، فيستقل متحررا، الامر الذي يقلب كل مامتعارف عليه من مفهوم وجودي وحياتي بشري راهن، وبمقدمته ذلك، التوهمي الذي سيده الغرب عن التاريخ والوجود واليات ادراك الحقيقة الكونية، مرتكزا لقوة مفعول الاله، ولمتبقيات وسطوة ورسوخ الاعقال الارضي اليدوي، المترسب من الطور السابق على اللحظة الآلية، وتلك لحظة توهمية يمر بها التاريخ الوجودي البشري، انتقالية مؤقته وعارضة.
ـ يتبع ـ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تشاسيف يار-.. مدينة أوكرانية تدفع فاتورة سياسة الأرض المحرو


.. ناشط كويتي يوثق آثار تدمير الاحتلال الإسرائيلي مستشفى ناصر ب




.. مرسل الجزيرة: فشل المفاوضات بين إدارة معهد ماساتشوستس للتقني


.. الرئيس الكولومبي يعلن قطع بلاده العلاقات الدبلوماسية مع إسرا




.. فيديو: صور جوية تظهر مدى الدمار المرعب في تشاسيف يار بأوكران