الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلاقة بين التصوير الفوتوغرافي والفن التشكيلي في أعمال الفنان السويدي -Jörgen Hübner-

رائد شفيق توفيق
ِ Journalist and writer

(Raid Shafeeq Tawfeeq)

2024 / 2 / 23
الادب والفن


الفن عمل وجهد ونظرة عميقة ، كالنفس تجاه ما هو جدير بذلك ، والابداع مجال شاسع للابتكار والامتاع لينتج لنا الجمَال ، والجمال لحظات متناوبة بين الزمان والمكان وهو صورة ، والصورة لا تتولد إلا من خلال مادة ، والمادة لا تحيا إلا من خلال تجلي الصورة فيها سواء حدث ذلك فعلاً أم خيالا ، وقد أشار "أرسطو" الى ذلك عندما أكد أن المادة عدم ، والصورة كأئن موجود ولا يمكن أن توجد المادة إلا بصورة ما لتنقلها من العدم إلى الوجود ، هكذا هو الوجود عند الفلاسفة ، والخلق الجمالي للأشياء وصناعة الجمال ليست بعيدة عن ذلك ، لأنها جزء من النظرية الوجودية ، وهكذا فان الجمال صورة ، والصورة تحتاج مادة لتتجسد حتى يصبح بالامكان تذوقها والاحساس بها لان الحواس هي المسؤولة عن فعل التذوق ، اما المتعة فهي الصورة التي تتكون عن اللذة سواء كانت مفرحة أم حزينة ، فاللذة معرفة ، والمعرفة تصور ، وصورة اللذة تكمن بالمتعة اي معرفتها ، وخير من توسع بالمعرفة الحسية للجمال هو الفيلسوف "كانت" عندما قال : أن التذوق يخضع لأربع لحظات هي : 1ـ كيفية الشعور2ـ كمية الرضا 3ـ علاقة الاتفاق بين الاستمتاع والموضوع 4ـ التقاط الشكل دون تصور مسبق .
فالصورة هي الكلمة الفصل في إقرار الحقيقة والمعرفة حينما يجتمع الخيال مع دقة النظر والإحساس العالي بالأشياء لنكون أمام صورة مكتملة الجوانب والمدارك ، هذه الصفات لو اجتمعت في شخص ما ، فما عليه الا أن يحمل كامرة ومن خلالها يرسم صور مختلفة من الحياة ، بالرغم من ان فن التصوير ليس متاحا لكل من حمل الكامرة ، وانما فقط لمن لديه موهبة واحساس فني عالي ليوثق بها لحظات زمانية ومكانية ليمنحنا لوحة فنية رائعة .
الفنان (Jörgen Hubner) اذا جاز لي ان اسميه فنان وهو يستحق هذه الصفة لانه يرى ويقرأ الصورة من خلال المعنى الخفي الكامن ورائها ويتعامل مع غير المحسوس بعاطفة وتفكير ينطلق من احساسه الخاص الذي يحاكي به التفكير الجمعي للمتلقين فيميز بين من يقرأ الصورة وبين من ينظر إليها فهو ينظر للفن الفوتوغرافي على أساس معطياته في لغة التعبير، فهو يجد في الفن الفوتوغرافي ترجمة وانعكاسا لواقع ساكن من خلال اقتناص وإعادة رسم اللحظة المفترضة من وجهة نظره كمصور وكفنان ليمنحه بعدا جماليا متفردا في خصوصياته يكمن في البحث عن جوهر الأشياء ، واستنطاق دواخلها والتأكيد على ما وراء الصورة ، أي جعل الصورة تخرج من مجرد توثيق لحظة معينة الى واقع يتحرك في مساحة الجماليات البصرية التي تؤكد على عمق المعنى المحوري للصورة ومن ثم تمكن (Jörgen) من خلق رؤية وقراءة للجمال الداخلي للصورة التي يشعر بها ، وقراءة ابعادها الانسانية قبل ان يلتقطها ليحولها الى لوحة فنية ، ما يجعل المشاهد يشعر بعمق معنى الصورة وصولا الى تذوق جماليتها ويتعاطف مع صدقيتها ، فقد استطاع (Jörgen) ان يجعل الصورة أكثر قدرة على الإقناع لانها تبث فيها الحياة .
(Jörgen) كفنان فوتوغراف إعاد صياغة واقع الصور خلال رحلته كمصور فتوغرافي لاكثر من 40 سنة تخطى خلالها واقع التصوير الفوتغرافي الاعتيادي الى ابعاد فنية واسعة فرسم بكامرته لوحات فنية تشكيلية مليئة بالحياة وغير قناعة المشاهد بين ما يراه من صور جامدة وصور فنية تحاكي الحياة ، حتى تجاوز كمصور فوتوغرافي الحرفية المهنية للمصور لانه تمكن من تحريك الواقع بقدرته على الخلق والابتكار والإبداع ،لانه تعامل مع التصوير الفوتوغرافي عموما لا على اساس انه عملية إنتاج صور بواسطة تأثيرات ضوئية منعكسة من المنظر لتشكل خيالاً داخل مادة حساسة للضوء تتم معالجتها بعد ذلك، فينتج عنها صورة تمثل منظر ما ، بل هو تعامل معه انطلاقا من معنى اللحظة التي يوثقها وينقلها للمتلقي من خلال ذلك كله ، ففي تصوير الطبيعة وحياة المُدن والحياة البرية راعى (Jörgen) وجود الأرض والماء والسماء ومزج هذه التكوينات الطبيعية بزاوايا وإضاءة معينة مع مراعاته للتفاصيل الدقيقة للصورة لينتج لنا عملا فنيا يستحق المشاهدة ؛ ويمكن مشاهدة لمسات (Jörgen) في التصوير التجريدي بمعنى انه يصور الشيء بطريقة معينه تثير التساؤلات في ذهن المُتلقي عن فكرة ومفهوم الصورة ، لكنه يفتح تصوّرات لا حدود لها في خيال المشاهد.
ان صور (Jörgen) تؤكد حقيقة العلاقة بين الصورة الفوتوغرافية والفن التشكيلي المعاصر من خلال رؤيته الفنية وتوظيفه للصورة الفوتوغرافية كواقع محسوس بشكل مباشر وغير مباشر لتؤكد تأثير الصورة الفوتوغرافية على الفن التشكيلي المعاصر وهي قضية تكاملية في التعبير الفني ، سواء من خلال اقتباس التكوينات التشكيلية من قبل الفوتوغرافيين كافة او بتوظيف التشكيليين للصورة الفوتوغرافية كايقونة للثقافة المعاصرة وأهمية إندماج التصوير الفوتوغرافي مع الفكر الفني .
من خلال ما تقدم فان (Jörgen) كفنان في مجال التصوير الفوتوغرافي تعامل مع التصوير الفوتوغرافي كوسيلة من وسائل التعبير الفني في توثيق وتسجيل الحالات الانسانية جنبا الى جنب مع الفن التشكيلي المعاصر في التعبير عن الجمال والثقافة وجدليتها المعرفية ، من خلال تحليل زوايا مبتكرة وفرتها تقنية التصوير وفتحت افاقا واسعة امام الفنانين , ليصبح التصوير الفوتغرافي والتقنية الرقمية والنحت الضوئي من وسائل الفنون التشكيلية المعاصرة ، لكن ليس للجميع بل لمن لديه رؤية فنية واحساس عالي وموهبة من المصورين الفنانين ,كما اوضحنا في ما سبق .
وهكذا فان(Jörgen) تعامل مع الصورة الفوتوغرافية ليست كمجرد إطار يجمع بين زواياه مجموعة من الأشياء الجميلة أو المرعبة ، التي لا هدف لها فعالم التصوير الفوتوغرافي فن له أسسه وعلم له قواعده، وإن كان أحد المجالات التي يتناولها العديد من الناس كهواية ، لكنه مجال له استخداماته الجادة والهادفة في كثير من المجالات كالتعليم والإعلام والطب وغيرها كما قالت "Susan Sontag" واضافت ان التقاط الصور هو امتلاك الشيء الذي تم تصويره، وهذا يعني أن يدخل المرء نفسه في علاقة معينة مع العالم، علاقة تجعله يشعر برغبة في المعرفة، ولذلك يشعر بقوة الصور الفوتوغرافية والتي تزود الناس بالمزيد من المعرفة عن الماضي والحاضر، ولا يبدو أن الصور الفوتوغرافية تكون انطباعات عن العالم أكثر مما تكون أجزاء منه، فهي نماذج مصغرة للحقيقة يمكن لأي شخص أن يصنعها أو يكتسبها.
حينما يجتمع الخيال مع دقة النظر والإحساس العالي بالأشياء نكون أمام صورة مكتملة الجوانب والمدارك لها بعدا جماليا متفردا في خصوصياته من انتاج (Jörgen) كما شاهدنا في في معرضه افي الختام ، يتعامل جرجن مع التصوير الفوتوغرافي على أنه ليس مجرد إطار يجمع بين زواياه مع مجموعة من الأشياء الجميلة أو المخيفة ، والتي ليس لها غرض ، لأن عالم التصوير الفوتوغرافي هو فن له أسسه وعلم له قواعده. على الرغم من أنها واحدة من المجالات التي يتناولها الكثير من الناس كهواية ، إلا أنها منطقة لها استخدامات جادة وهادفة في العديد من المجالات ، مثل
التعليم والإعلام والطب وغيرها ، كما قالت "سوزان سونتاج" ، مضيفة أن التقاط الصور هو امتلاك ما تم تصويره ، وهذا يعني الدخول في علاقة معينة مع العالم ، وهي علاقة تجعله يشعر بالرغبة في المعرفة ، وبالتالي يشعر بقوة الصور التي تعطي الناس المزيد من المعرفة عن الماضي والحاضر.
لا يبدو أن الصور الفوتوغرافية هي انطباعات عن العالم أكثر مما هي أجزاء منه ، فهي صور مصغرة للواقع يمكن لأي شخص صنعها أو اكتسابها.
عندما يجتمع الخيال والدقة في الرؤية والإحساس العالي بالأشياء في إطار ، فإننا أمام صورة ذات جوانب وتصورات كاملة لها بعد جمالي فريد من نوعه في خصوصياته ، من إنتاج (Jörgen) كما شاهدنا في معرضه في Sigtuna ، العديد من الصور ذات الأحجام المختلفة ، الصغيرة والمتوسطة والكبيرة ، بالالوان وبالأبيض والأسود تناشد الأمل في عالم جميل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟