الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محمود درويش وغسان كنفاني

رضي السماك

2024 / 2 / 23
الادب والفن


في عالمنا العربي تمكنت الأحزاب اليسارية تحت وهج شعاراتها الثورية الجذّابة وبرامجها السياسية للتغيير الاجتماعي، وما بلغته أيضاً بدرجات متفاوتة من الانتشار الشعبي.. نقول: تمكنت من أن تضم إلى صفوفها قامات إبداعية كبيرة في الشعر والرواية والقصة والمسرح ،وأيضاً في الفن بروافده كافة( من موسيقى وغناء وفن تشكيلي ونحت وخلافها). وهذا الاستقطاب للمبدعين إذ تحقق منذ بواكير نشأتها إبان المرحلة الكولونية،فإنه استمر خلال مرحلة ما بعد الاستقلال الوطني. بيد أن العلاقة بين المبدع وحزبه لم تسر دائماً على وتيرة واحدة مماثلة لعلاقة الحزب برفاقهم الآخرين، ذلك بأن كثرة منهم كانت تنفر من الوصاية الحزبية على كتاباتهم الإبداعية، وتحديد ما يجب أن يُنشر وما يجب أن يُشطب أو أن يُحظر، وهذه الوصاية أو التدخل في نتاجاتهم الأدبية، يتم تطبيقها بوجه خاص على الشعراء والروائيين، وبقدر أقل على الفنانين في مختلف مجالات الفن. وغالباً ما تنتهي العلاقة التي يكتنفها شيء من الالتباس وسوء فهم النص إما إلى انسحاب المبدع من حزبه أو فصله من قِبل قيادة الحزب.ولعل قلة من الأحزاب اليسارية هي التي تمكنت من تحقيق قدر معقول من هامش الحرية للمبدعين من رفاق الحزب بعيداً تدخل الرقيب الحزبي في نتاجاتهم الأدبية، فغالباً ما تتم قراءة النص الإبداعي بمنظورهم الرقابي على الكتابات السياسية التي يكتبها كتّاب الحزب الآخرون غير الأدباء. على أنه ينبغي لنا الاعتراف بأن عدداً غير قليل من المبدعين ما كان لهم أن يصلوا إلى ما وصلوا إليه من ارتقاء عال في الإبداع لولا احتضان صحافة أحزابهم لأنتاجاتهم الأدبية الأولية، رغم أن طائفة منهم ليسوا سوى من متوسطي الإبداع في أفضل تقدير، ولم يتمكنوا من توسيع شهرتهم إلا بفضل شعبية أحزابهم. لكن ثمة مبدعون ينتمون إلى أحزاب يسارية تنحدر من تيار فكري عريض مشترك وتربطهم علاقات بعيداً عن الخلافات الحزبية وهؤلاء في تقديرنا بإمكانهم أن يلعبوا دوراً في تسخير علاقاتهم النموذجية لردم الهوة التي قد تنشأ بين أحزابهم.ولعلنا نجد في العلاقة النموذجية التي ربطت بين الأديبين الفلسطينيين الكبيرين غسان كنفاني ومحمود درويش والتي تسامت فوق التناقضات أو الخلافات التنظيمية بين تنظيميهما ما يستحق الاقتداء ، فالأول كان عضواً في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والثاني كان عضواً في الحزب الشيوعي الإسرائيلي " .وهذه العلاقة جاءت غداة تأسيس الجبهة الشعبية بعد نكسة 1967 حيث تبنت الفكر الماركسي.
وتكشف واحدة من الوثائق التي تم نشرها في كتاب "ميلاد الكلمات" للإعلامية الفلسطينية امتياز دياب، نقول تكشف لنا العلاقة النموذجية الراقية التي كانت تربط بين ذينك الأديبين الكبيرين، وإن كانت تبدو لم تستمر إلا فترة قصيرة، فقد اُستشهد الأول في بيروت في حادث تفجير سيارته من قِبل الموساد الإسرائيلي في صيف 1972 عن عمر يناهز ال 36 عاماً. وهذه الوثيقة هي عبارة عن رسالة حميمية بعثها كنفاني من بيروت إلى درويش حيث يعيش داخل "أراضي عرب 48". وكانت صحافة حزبه العلنية هي من تتكفل بنشر إبداعاته الشعرية الأولية، إذ لم تكن له ثمة وسيلة إعلامية عربية أُخرى للنشر سواها، وفي هذه الرسالة المؤرخة في 15 ديسمبر 1967 والتي دوّنها بعد أيام قليلة من تأسيس فصيله "الجبهة الشعبية" يعرب كنفاني عن صادق محبته وتقديره وإعجابه بدرويش، ثم يوجه له طلباً على الفور من أول سطر في الرسالة:" أكتب لك باختصار راجياً لو تستطيع أن تؤمّن لي أكبر كمية من شعرك الذي لم يُنشر مع عدد من صورك ورؤوس أقلام كافية من حياتك. ويشيد بدرويش كونه أضحى شاعراً شهيرا للغاية، وأنه ترجم بعض قصائده للفرنسية، وأنه بصدد طبع ديوان ضخم لأشعاره وأشعار رفيقيه في الحزب، توفيق زياد وسميح القاسم، مترجمة إلى اللغتين الإنجليزية والفرنسية، كما يلفت كنفاني في رسالته انتباه درويش إلى أنه اتفق مع أحد الناشرين على أن يخصص ريع الكتاب المزمع نشره لمشروع خيري. وفي ختام الرسالة يطلب منه إقناع سميح وتوفيق زياد بأن يرسلا دواوينهما الأخيرة. ويتضح لنا من نص هذه الرسالة بأن كنفاني كان ملماً باللغتين الإنجليزية والفرنسية وهذه مزية مهمة إذا ما كانت تحت متناول أي أديب عربي؛ لأهمية هاتين اللغتين العالميتين في الأدب العالمي. على أننا لا نعلم على وجه اليقين ما إذا كانت ظروف درويش السياسية البالغة الصعوبة تحت حكم الاستعمار الاستيطاني والمعزول كيانه عن المحيط العربي قد مكنته من تلبية ما طلبه كنفاني.
والحال فإن رسالة كنفاني تعكس في الوقت نفسه ما يتمتع به هذا الروائي من مصداقية خالصة في محبته لكل أدباء ومثقفي وطنه على اختلاف انتماءاتهم السياسية والفكرية ما دامت تجمعه معهم روح الإخلاص والتضحية لقضية شعبهم ووطنهم المشتركة. كما يُستنتج من الرسالة أيضاً بأن صاحبها ذو طاقة جبارة في العمل ويمتلك مبادرات خلاقة في التفاني من أجل خدمة ومساعدة أُدباء ومثقفي وطنه في نشر نتاجاتهم الإبداعية ما دامت تصب في خدمة القضية الوطنية الفلسطينية المشتركة نائياً بنفسه عن الحسابات الحزبية الضيقة. كنفاني ودرويش هما من أبناء جيل واحد تقريباً، وإن كان الأول يكبر الثاني بست سنوات،لكنه قياساً لعمره حيث رحل عن عالمنا شاباً لم يتجاوز ال 36 عاماً، فإن نضجه السياسي في خدمة القضية الوطنية المشتركة يفوق كثيراً عمره وما راكمه من خبرات سياسية وأدبية. ومن يدري فلو أن الله مد في عمره لربما كان واحداً من أبرز سفراء النوايا الحسنة ليس في تجسير الفجوة بين فصائل اليسار الفلسطيني فحسب، بل بين مجمل الفصائل الوطنية الفلسطينية التي لطالما مزقتها الخلافات، في حين مابرحنا نشهد فيه هذه الفصائل وعامة تنظيمات اليسار العربي ما زالت محافظةً على نحو مذهل على أرث وتقاليد قبائلها العربية في الثأر وإحياء التناقضات وتجديد الصراعات، مهما طالت السنون وتعاقبت العقود!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرح يوسف مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير خرج بشكل عالمى وقدم


.. أول حكم ضد ترمب بقضية الممثلة الإباحية بالمحكمة الجنائية في




.. الممثل الباكستاني إحسان خان يدعم فلسطين بفعالية للأزياء


.. كلمة أخيرة - سامي مغاوري يروي ذكرياته وبداياته الفنية | اللق




.. -مندوب الليل-..حياة الليل في الرياض كما لم تظهر من قبل على ش